خطبة عن حديث (امْسكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ)
أكتوبر 16, 2016خطبة عن (نداء:أيها الشاب الغافل عن مصيره
أكتوبر 16, 2016الخطبة الأولى (ما النجاة ؟) وما هي مُوجِبَاتُ النَّجَاةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَسْبَابُهَا ؟)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104) أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105) قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ ) (108) المؤمنون ،وقال تعالى : (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ) آل عمران 185 ،وقال تعالى : (قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ) (16) الانعام ،وقال تعالى : (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ) (66) الفرقان ،وقال تعالى : (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (25) قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ) (28) الطور
إخوة الإسلام
ما النجاة ؟ وما النجاة من عذاب النار؟ سؤال كثيرا ما يراود نفسي بل ونفس كل مؤمن يخاف الله ويخشى عذابه
وبداية تعالوا بنا إلى هذه القصة ، وهذا الموقف من أصحاب رسول الله ، فقد روى الإمام أحمد في مسنده والبزار في سننه أن (عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رِجَالاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ تُوُفِّىَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- حَزِنُوا عَلَيْهِ حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يُوَسْوَسُ. قَالَ عُثْمَانُ وَكُنْتُ مِنْهُمْ فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ فِي ظِلِّ أُطُمٍ مِنَ الآطَامِ مَرَّ عَلَىَّ عُمَرُ فَسَلَّمَ عَلَىَّ فَلَمْ أَشْعُرْ أَنَّهُ مَرَّ وَلاَ سَلَّمَ فَانْطَلَقَ عُمَرُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى أَبِى بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ مَا يُعْجِبُكَ أَنِّى مَرَرْتُ عَلَى عُثْمَانَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَىَّ السَّلاَمَ . وَأَقْبَلَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ فِي وِلاَيَة أَبِى بَكْرٍ حَتَّى سَلَّمَا عَلَىَّ جَمِيعاً ثُمَّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ جَاءَنِي أَخُوكَ عُمَرُ فَذَكَرَ أَنَّهُ مَرَّ عَلَيْكَ فَسَلَّمَ فَلَمْ تَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ فَمَا الَّذِى حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ قُلْتُ مَا فَعَلْتُ. فَقَالَ عُمَرُ بَلَى وَاللَّهِ لَقَدْ فَعَلْتَ وَلَكِنَّهَا عُبِّيَّتُكُمْ يَا بَنِى أُمَيَّةَ. قَالَ قُلْتُ وَاللَّهِ مَا شَعَرْتُ أَنَّك مَرَرْتَ بِي وَلاَ سَلَّمْتَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ صَدَقَ عُثْمَانُ وَقَدْ شَغَلَكَ عَنْ ذَلِكَ أَمْرٌ. فَقُلْتُ أَجَلْ. قَالَ مَا هُوَ فَقَالَ عُثْمَانُ تَوَفَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ -صلى الله عليه وسلم- قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهُ عَنْ نَجَاةِ هَذَا الأَمْرِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ. قَالَ فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَنْتَ أَحَقُّ بِهَا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَجَاةُ هَذَا الأَمْرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَنْ قَبِلَ مِنِّى الْكَلِمَةَ الَّتِي عَرَضْتُ عَلَى عَمِّى فَرَدَّهَا عَلَىَّ فَهِيَ لَهُ نَجَاةٌ »
أخي الموحد
هل تأملت معي في هذه القصة العظيمة ؟ ، وكيف أن أمر النجاة يهم الصادقين في طلب السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة ، وأن أمر النجاة أقلقهم حتى صاروا موسوسين ،فإذا كان عثمان رضي الله عنه أهمه هذا الأمر وشغله كثيرًا حتى إنه مر به عمر وألقى عليه السلام فما شعر به من شدة اهتمامه بهذا الأمر وهو مبشَّرٌ رضي الله عنه وأرضاه بالجنة ومع ذلك شغله أمر النجاة وعظُم تفكيره به وانشغال باله في بحثه . والسؤال الذي يطرح نفسه : هل فكرنا بجِد في أمر نجاتنا يوم نلقى ربنا سبحانه وتعالى ؟ وهل نحن على استعداد ليوم المعاد ذلك اليوم العظيم؟ ،وقد قال الله سبحانه : { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا } [مريم:71-72] . وجاء في المستدرك للحاكم أن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه كان في بيته وعند زوجه فبكت فقال لها ما يبكيك؟ قالت رأيتك بكيت فبكيتُ ، فسألَتْه ما الذي أبكاه ؟قال : «ذَكَرْتُ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا }[مريم:71-72] فَلَا أَدْرِي أَنَنْجُو مِنْهَا أَمْ لَا » . فهذا أمر عظيم ، ينبغي أن يهتم به كل مسلم وأن يفكر في أسباب نجاته وموجبات فلاحه يوم يلقى ربه سبحانه وتعالى ، وليتزود ليوم المعاد بما تكون به النجاة .
أيها المسلمون
وبعون الله وتوفيقه سوف أتناول معكم اليوم إن شاء الله جملة من الأمور العظيمة التي تكون سببا في نجاة العبد يوم يلقى الله سبحانه وتعالى ، وألخِّصها لكم في نقاط عديدة : أولًا : من أعظم أسباب النجاة يوم القيامة – بل لا نجاة إلا به – توحيد الله جل في علاه وإخلاص الدين له ، وشاهد ذلك مر معنا في هذه القصة العظيمة حيث قال النبي عليه الصلاة والسلام : (( مَنْ قَبِلَ مِنِّي الْكَلِمَةَ الَّتِي عَرَضْتُ عَلَى عَمِّي فَرَدَّهَا عَلَيَّ فَهِيَ لَهُ نَجَاةٌ)) ، والمراد بالكلمة كلمة التوحيد ، وليس المراد قولها قولًا مجردا، وإنما المراد تحقيق ما دلت عليه من إخلاص الدين لله وإفراده تبارك وتعالى بالعبادة . والتوحيد هو الغاية التي خلق الله سبحانه وتعالى الخلق لأجلها وأوجدها لتحقيقيها كما قال سبحانه وتعالى:
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }[الذاريات:56] ، قال الله تبارك وتعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}[الإسراء:23] ، وقال الله تعالى: { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } [البينة:5] ، وقال الله تبارك وتعالى: { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِيكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } [النحل:36] . فالتوحيد أساس النجاة ؛ فمن جاء يوم القيامة بالتوحيد نجا وأفلح . ومن لم يأت بالتوحيد فلن يغفر الله له ، ولن يدخل الجنة ، قال تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) (41) الاعراف ،وقال تعالى :(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ) (162) البقرة ،وقال تعالى :(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ) (91) آل عمران ،وقال تعالى :(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ) (34) محمد
أيها المسلمون
واعلموا أن النجاة بالتوحيد على نوعين : الأول :•فإن كان المرء محققًا للتوحيد: فإن نجاته نجاةٌ من دخول النار ؛ بأن يدخل الجنة دخولًا أوليًا بدون حساب ولا سابقة عذاب . والنوع الثاني : نجاة من الخلود فيها : وذلك إذا كان الموحِّد لقي ربه يوم القيامة عاصيًا مرتكبًا لجملة من كبائر الذنوب وعظائم الآثام دون الكفر بالله سبحانه وتعالى ، فإن دخل النار بسبب ذنوبه فإنه لا يخلَّد فيها بل تكون له نجاة من الخلود . فالنجاة نوعان : .نجاة من الدخول ؛ وهذه لمحققي التوحيد ..ونجاة من الخلود ؛ وهذه لمن جاء بالتوحيد دون أن يتممه أو يكمله بل وقع في جملة من المعاصي التي أضعفت إيمانه واستحق بسببها دخول النار لكنه ينجو من الخلود فيها بما منَّ الله سبحانه وتعالى به عليه من توحيد لله جل وعلا . وأما من جاء يوم القيامة بغير التوحيد فإنه لا مطمع له في النجاة أبدا ولا سبيل له لنيل الرحمة والغفران ، قال الله تبارك وتعالى : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَارَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر:36-37] . وهذه الأقسام في النجاة – النجاة من دخول النار ، والنجاة من عدم الخلود فيها ، وعدم النجاة- أصلًا، ذُكرت على التوالي في قول الله سبحانه وتعالى : {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} [فاطر:32-33] إلى أن قال سبحانه { وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا } [فاطر:36] .فقوله جل وعلا :{وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ } هذان القسمان لهما نجاةٌ من دخول النار ووعد بدخول الجنة دخولًا أوليًا بدون حساب ولا عذاب ؛ أما المقتصد : فهو الذي فعل الواجب وترك المحرم . وأما السابق بالخيرات: فهو الذي زاد على ذلك بفعل الرغائب والمستحبات . وأما الظالم لنفسه : فهو الذي ظلمها بالمعاصي والذنوب التي دون الكفر بالله سبحانه وتعالى فهذا معرَّض للعقوبة ودخول النار إلا أنه إن دخلها فإنه لا يخلَّد فيها بل ينجو بما منَّ الله سبحانه وتعالى عليه من توحيد وإخلاص لله عز وجل . وأما القسم الثالث : فهو الذي لا نجاة له ؛ فهو من ذكره الله بقوله: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ } [فاطر:36] .
أيها المسلمون
أما السبب الثاني من أسباب النجاة يوم القيامة فهو : التمسك بالكتاب والسنة : ففي سنن البيهقي والدار قطني (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « إِنِّي قَدْ خَلَّفْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا مَا أَخَذْتُمْ بِهِمَا أَوْ عَمِلْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي وَلَنْ تَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَىَّ الْحَوْضَ ». وقال الله تبارك وتعالى : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب:21] ، وقال الله تبارك وتعالى: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا }[الحشر:7] ، وقال الله سبحانه وتعالى :{ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63] ، وأما من كانت أعماله على غير هدي الرسول عليه الصلاة والسلام فإنه لا ينال بتلك الأعمال نجاةً ، لأن العمل الذي ينجو به العامل هو الموافق لهدي النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ، ولهذا صح عنه أنه قال صلوات الله وسلامه عليه : ((مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ)) ، وفي رواية : ((مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ)) ، وفي حديث العرباض بن سارية لما ذكر عليه الصلاة والسلام الاختلاف الكثير الذي ستقع فيه أمته حيث قال : ((إِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا)) وبيَّن سبيل النجاة دون أن يُسأل صلوات الله وسلامه عليه قال : ((فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ)) رواه أحمد وغيره ، وكان عليه الصلاة والسلام إذا خطب الناس قال: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» رواه مسلم . فالنجاة إنما تكون بلزوم غرزه والتمسك بنهجه والاقتداء بهديه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه . أما الأمر الثالث من أسباب النجاة يوم القيامة : ففي جملة أمور جمعها الله سبحانه وتعالى في قوله:
{ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ }[النور:52 ]. فقد ذكر جل وعلا أمورًا أربعة لا فوز ولا نجاة ولا فلاح إلا بهن ، وهي: طاعة الله جل وعلا ، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وخشية الله . وخشية الله عز وجل أساس عظيمٌ للنجاة ، فإن أهل النجاة هم الذين هم من خشية ربهم مشفقون ، فإن هذه الخشية تسوق الإنسان إلى ترك القبائح وفعل الطاعات والإقبال على العبادات ، وقد قال الله سبحانه وتعالى {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] ، وكلما كان العبد أعظم معرفةً بالله كان أعظم خشيةً لله ، وكلما كان العبد أعظم خشية لله كان أعظم عناية بطاعة الله واتباع نهج رسوله صلى الله عليه وسلم وبُعدًا عن الآثام والمحرمات ، فمن كان بالله أعرف كان منه أخوف ولعبادته أطلب وعن معصيته أبعد .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (ما النجاة ؟) وما هي مُوجِبَاتُ النَّجَاةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَسْبَابُهَا ؟)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وأيضا من أسباب النجاة يوم القيامة : أمورٌ ثلاثة عظيمة جمعها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث واحد إثر سؤالٍ ورد إليه صلوات الله وسلامه عليه من أحد أصحابه الكرام ، ففي جامع الترمذي عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ :قُلْتُ «يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا النَّجَاةُ؟» فقَالَ صلى الله عليه وسلم: ((امْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ)).
فجمع عليه الصلاة والسلام أمورًا ثلاثة عظيمة تكون بها نجاة العبد ولاسيما عندما تشرئبُّ الفتن ، فإن هذه الأمور الثلاثة لا نجاة في الفتن إلا بالإستمساك بها : -أولها : صيانة اللسان وحفظ المنطق ((امْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ)) ؛ ولا يمكن أن يملك المرء لسانه إلا إذا كان يزن كلامه قبل أن يتكلم به ، فإن كان خيرًا تكلم ، وإن كان بخلاف ذلك أحجم ،كما قال صلى الله عليه وسلم : ((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ)) ، ولا يمكن أن يكون كذلك إلا إذا ملَك لسان نفسه ؛ بأن يزن كلامه قبل أن يتكلم . ومما ينبغي أن يُعلم في هذا المقام أن خطورة اللسان وجنايته على المرء عظيمة جدا وقد قال عليه الصلاة والسلام : ((ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ)) ، وقال عليه الصلاة والسلام: ((إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا، يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ)) ،فاللسان أمره خطير ، وجناية اللسان جناية على البدن كله كما قال صلى الله عليه وسلم : ((إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ ؛ فَتَقُولُ : اتَّقِ اللَّهَ فِينَا ، فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ ؛ فَإِنْ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا ، وَإِنْ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا)) . -والأمر الثاني مما ذكر في هذا الحديث : لزوم البيوت ولاسيما عندما تشرئب الفتن ليكون المرء بعيدًا عن الاستشراف لها ، فإن الفتن في غاية الخطورة وقد قال عليه الصلاة والسلام : ((إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ)) . وقد أصبح أمر لزوم البيوت الذي ذُكر في هذا الحديث يحتاج إلى أن يقيَّد في زماننا هذا بالبعد عن تلك المواقع والقنوات التي تجلب للمرء فتنةً وشرًا إما في باب الشبهات أو في باب الشهوات . -والأمر الثالث مما ذكره النبي صلوات الله وسلامه وبركاته عليه في هذا الحديث العظيم : قوله ((وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ)) أي: خطاياك وذنوبك . والعبد في هذا المقام لينال النجاة والفوز عليه أن يستحضر كثرة أخطائه وكثرة ذنوبه ؛ منها القديم ، ومنها الحديث ، ومنها ما وقع فيه سرا ، ومنه ما وقع فيه علنًا ، منها الكثير ومنها القليل ، منها الدقيق ومنها الجليل ، يستحضر ذلك ويبكي على خطيئته ويتوب إلى الله سبحانه وتعالى من جميع ذنوبه ، وفي الدعاء المأثور «اللهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ ؛ دِقَّهُ وَجِلَّهُ ، وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ ، وَعَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ» ، فبكاء العبد على خطيئته وندمه على ذنوبه ومجاهدته لنفسه تعين على التوبة الصادقة إلى الله سبحانه وتعالى لاشك أن ذلك من أعظم أسباب وموجبات النجاة يوم القيامة.
ومن أسباب النجاة في ذلك اليوم العظيم :ما جاء في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وهو في صحيح مسلم ؛ أنَّ النُّعْمَانَ بْن قَوْقَلٍ رضي الله عنه وأرضاه أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال : « يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِذَا صَلَّيْتُ الْمَكْتُوبَةَ وَحَرَّمْتُ الْحَرَامَ وَأَحْلَلْتُ الْحَلَالَ؛ أَأَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟» يبحث عن النجاة ويريد خلاصةً في باب النجاة يوم القيامة ، قال « أَرَأَيْتَ إِذَا صَلَّيْتُ الْمَكْتُوبَةَ وَحَرَّمْتُ الْحَرَامَ وَأَحْلَلْتُ الْحَلَالَ، أَأَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟» قَالَ : ((نَعَمْ )) ، وهذا فيه أمرٌ واضح بيِّن أن من أدَّى فرائض الإسلام وواجبات الدين وهي أمور بيِّنة معلومة ، وتجنَّب الحرام وابتعد عن الآثام دخل يوم القيامة الجنة بسلام وكان من الناجين المفلحين الفائزين . فمن أعظم أسباب النجاة العناية بفرائض الإسلام وواجبات الدين والبعد عن الآثام ، البعد عن الكبائر ، والبعد عن الحرام ، يجاهد المرء نفسه ويصبر نفسه ، والله تبارك وتعالى يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } [العنكبوت:69] . ومن أسباب النجاة يوم القيامة : أن تتذكر ذلك اليوم العظيم الذي تقف فيه بين يدي الله يوم المجازاة والمحاسبة يوم الدين {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } [الانفطار:17-19] ،
فإن تذكر ذلك اليوم وأهواله وشدائده وأن الناس فيه فريقان : فريق في الجنة ، وفريق في السعير ، يوجب خوفًا واستعدادًا لذلك اليوم العظيم. وانظر إلى الناجين يوم القيامة وهم يتحدثون عن سبب نجاتهم في قول الله سبحانه {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ } [الحاقة:19] ما سبب النجاة ؟ ما سبب أخذه لكتابه بيمينه ؟ ماذا قال؟ {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ} [الحاقة:20] هذا هو سبب نجاته { إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ } ، فكان سبب نجاته أنه ظن -ومعنى ظن: أي اعتقد- في هذه الحياة الدنيا أنه سيلقى الله ، وفي الآية الأخرى : {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ } [الطور:26-27] . فتذكُّر ذلك اليوم العظيم العصيب وأنك ستقف أمام الله سبحانه وتعالى في يوم المجازاة {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم:31] فإن هذا يوجب لك استعدادًا لذلك اليوم العظيم { وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } [البقرة:203] ، فمن علم أنه سيقف بين يدي الله فليعلم أن الله سائله ، وإذا علم أن الله سائله فليعِدَّ للمسألة جوابا وليكن الجواب صوابا .
أيها المسلمون
ومن أسباب النجاة : كثرة الدعاء واللجوء إلى الله سبحانه وتعالى ؛ فإن الأمر بيده والنجاة بيده ، فلا نجاة إلا لمن نجاه الله ، فاطلب نجاتك من الله سبحانه وتعالى . والدعاء مفتاح كل خير في الدنيا والآخرة، والله سبحانه تعالى يقول: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186] ،
وقال تعالى {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [غافر:60]. ولهذا من أراد لنفسه النجاة فليكثر الدعاء ؛ الدعاء بالثبات، الدعاء بالسلامة من الزيغ ، الدعاء بالصلاح ، الدعاء بالهداية ، وأعظم الدعاء على الإطلاق الدعاء الذي في فاتحة الكتاب {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)} فإن هداك الله صراطه المستقيم نجوتَ في دنياك وأخراك ، وهذا أعظم الدعاء على الإطلاق ، ومن موجبات النجاة يوم القيامة: كثرة الاستغفار ، وفي القرآن يقول الله عز وجل : {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33] ، فذكر جل وعلا الاستغفار موجبًا للنجاة في ذلك اليوم {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} فالاستغفار موجب للنجاة . ومن موجبات النجاة يوم القيامة : أن لا يُعجب المرء بعمله وأن لا يغتر بنفسه وأن لا يغتر بطاعاته ، وليحذر من ذلك أشد الحذر ، لأن من الناس من يأتي بأعمالٍ صالحات وطاعات متنوعات فيصيبه شيء من الغرور أو العُجب بعمله ، والعجب مهلك لصاحبه ،وكيف يركن مرء مقصرٌ في أعماله مع قول النبي عليه الصلاة والسلام ((لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مِنْكُمُ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ)) قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ وَفَضْلٍ)) رواه البخاري ، وقد قال عبد الله بن أبي مليكة رحمه الله وهو من علماء التابعين «أدركتُ أكثر من ثلاثين صحابيًا كلهم يخاف النفاق على نفسه» ، وقال الله سبحانه وتعالى في أوصاف المؤمنين: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ}[المؤمنون:60] ، ومعنى وجلة : أي خائفة من أن تُرد أعمالهم ولا تُقبل منهم . وقد جاء في المسند للإمام أحمد وغيره عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن معنى هذه الآية فقالت: أَهُوَ الَّذِي يَزْنِي، وَيَسْرِقُ، وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ؟ قَالَ: «لَا، يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ أَوْ يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ يَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُ، وَيُصَلِّي، وَهُوَ يَخَافُ أَنْ لَا يُتَقَبَّلَ مِنْهُ»
الدعاء