خطبة عن ( التبعية والتقليد الأعمى)
أكتوبر 25, 2016خطبة عن (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)
أكتوبر 26, 2016الخطبة الأولى ( مثل من اتبع الرسول ومن عصاه )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا) (80) النساء
وفي صحيح البخاري :(عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ ) ،وفي صحيح البخاري :(عَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِنَّمَا مَثَلِى وَمَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمًا فَقَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي رَأَيْتُ الْجَيْشَ بِعَيْنَيَّ ، وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ فَالنَّجَاءَ .فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ فَأَدْلَجُوا ، فَانْطَلَقُوا عَلَى مَهَلِهِمْ فَنَجَوْا ، وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَأَصْبَحُوا مَكَانَهُمْ ، فَصَبَّحَهُمُ الْجَيْشُ ، فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ أَطَاعَنِى ، فَاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِهِ ، وَمَثَلُ مَنْ عَصَانِى وَكَذَّبَ بِمَا جِئْتُ بِهِ مِنَ الْحَقِّ » ،وفي صحيح البخاري : (عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ جَاءَتْ مَلاَئِكَةٌ إِلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – وَهْوَ نَائِمٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّهُ نَائِمٌ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ . فَقَالُوا إِنَّ لِصَاحِبِكُمْ هَذَا مَثَلاً فَاضْرِبُوا لَهُ مَثَلاً . فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّهُ نَائِمٌ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ . فَقَالُوا مَثَلُهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا ، وَجَعَلَ فِيهَا مَأْدُبَةً وَبَعَثَ دَاعِيًا ، فَمَنْ أَجَابَ الدَّاعِىَ دَخَلَ الدَّارَ وَأَكَلَ مِنَ الْمَأْدُبَةِ ، وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّاعِىَ لَمْ يَدْخُلِ الدَّارَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنَ الْمَأْدُبَةِ . فَقَالُوا أَوِّلُوهَا لَهُ يَفْقَهْهَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّهُ نَائِمٌ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ . فَقَالُوا فَالدَّارُ الْجَنَّةُ ، وَالدَّاعِى مُحَمَّدٌ – صلى الله عليه وسلم – فَمَنْ أَطَاعَ مُحَمَّدًا – صلى الله عليه وسلم – فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ، وَمَنْ عَصَى مُحَمَّدًا – صلى الله عليه وسلم – فَقَدْ عَصَى اللَّهَ ، وَمُحَمَّدٌ – صلى الله عليه وسلم – فَرْقٌ بَيْنَ النَّاسِ ).
إخوة الإسلام
يخبر الله تعالى عن عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم بأنه من أطاعه فقد أطاع الله ، ومن عصاه فقد عصى الله ، وما ذاك إلا لأنه (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) (4) النجم ،وجاء في تفسير الطبري : ( مَنْ يُطِعْ مِنْكُمْ أَيّهَا النَّاس مُحَمَّدًا , فَقَدْ أَطَاعَنِي بِطَاعَتِهِ إِيَّاهُ , فَاسْمَعُوا قَوْله , وَأَطِيعُوا أَمْره , فَإِنَّهُ مَهْمَا يَأْمُركُمْ بِهِ مِنْ شَيْء فَمِنْ أَمْرِي يَأْمُركُمْ , وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ مِنْ شَيْء فَمِنْ نَهْيِي , فَلَا يَقُولَنَّ أَحَدكُمْ : إِنَّمَا مُحَمَّد بَشَر مِثْلنَا يُرِيد أَنْ يَتَفَضَّل عَلَيْنَا ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ : وَمَنْ تَوَلَّى عَنْ طَاعَتك يَا مُحَمَّد , فَأَعْرِض عَنْهُ , فَإِنَّا لَمْ نُرْسِلك عَلَيْهِمْ حَفِيظًا , يَعْنِي حَافِظًا لِمَا يَعْمَلُونَ مُحَاسِبًا , بَلْ إِنَّمَا أَرْسَلْنَاك لِتُبَيِّنَ لَهُمْ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ , وَكَفَى بِنَا حَافِظِينَ لِأَعْمَالِهِمْ وَلَهُمْ عَلَيْهَا مُحَاسِبِينَ) ،وما جاء في الحديث السابق : فهو مثل توضيحي للناس ،بأن الله عز وجل خلق الجنة وأعدها للعباد ،فهو سبحانه وتعالى الملك القدوس مالك الملك .. بنى هذه الدار التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فأرسل الداعي، أرسل رسله لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، وهم الدعاة إلى هذه المأدبة وإلى هذه الدار التي فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، فمن استجاب للداعي وأطاع فقد فاز بهذه الدار، وأما من أبى وعصى فقد خسر والعياذ بالله. قال تعالى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ) النساء 80. وقال النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري : « كُلُّ أُمَّتِى يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ، إِلاَّ مَنْ أَبَى » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى ،قَالَ « مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى » ،وهذا أيضاً يوضحه ما رواه البخاري ومسلم عَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ
« مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا ، فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَتِ الْمَاءَ ، فَأَنْبَتَتِ الْكَلأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ ، وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ ، فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ ، فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا ، وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى ، إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لاَ تُمْسِكُ مَاءً ، وَلاَ تُنْبِتُ كَلأً ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقِهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ ، فَعَلِمَ وَعَلَّمَ ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا ، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِى أُرْسِلْتُ بِهِ » . فالنبي صلى الله عليه وسلم في هذا المثل يقسم الناس في الاستجابة للهدى والعلم إلى ثلاثة أصناف … ويشبههم بأنواع من الأرض التي نزل عليها المطر فقال صلى الله عليه وسلم :((مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا)) فالنوع الأول : أرض طيبة قبلت الماء وأنبتت الزرع .. كما قال تعالى: (وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ) (5) الحج ،فالذين استجابوا للهدى والعلم الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم عاشت قلوبهم وانتعشت بهذا الهدي والعلم فاستجابوا للدعوة وتعلموا العلم وقاموا بحقه من العمل بأداء الطاعات وترك المنكرات ثم حملوا الشعلة ليقتبس منها غيرهم .. إنهم هداة مهتدون انتفعوا ونفعوا .. تفقهوا في الدين وحفظوه فنشروا العلم والفقه وعملوا بما علموا، فانتفع الناس بعلمهم وفقههم وبسيرتهم وسلوكهم وأخلاقهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث: ((فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقِهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ ، فَعَلِمَ وَعَلَّمَ)). وأما الصنف الثاني : فهم أجادب .. أي الأرض التي لا تنبت ولكنها تختزن الماء كما جاء في الحديث .. ، ( وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ ، فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ ، فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا ) . فهؤلاء الصنف من الناس هم الحفاظ الذين حفظوا ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من العلم والهدى، ولكن إما أن قدراتهم محدودة لا يستطيعون التفقه والاستنباط، فنقلوا ما حفظوه إلى غيرهم من الأمة كما هو، فلهم فضل في ذلك النقل حيث حفظوا العلم وأدوه إلى غيرهم، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه .. وقد سئل أحد الحفاظ من السلف يسمى مطر الوراق سئل عن حديث فرواه .. ثم سئل عن معناه قال: لا دري إنما أنا زاملة، أي أنا كراس أو ملزمة أو كما نقول: (دوسية) للحفظ فقط، فقال له السائل: جزاك الله من زاملة خيراً. وهذا يدل على أن مسألة الاستنباط والفهم لا تتأتى لكل إنسان كما لا يحق أن يفسر أحد شيئاً من القرآن والسنة برأيه وهواه. إنما يكون العلم والفقه بمعرفة فهم وفقه السلف الصالح، جيل الصحابة والتابعين وأئمة الهدى والدين .. ويدل على أن هناك من هو حافظ للقرآن والسنة، ولكنه لا يتعدى أن يكون كجهاز التسجيل فقط للنصوص، وهذا لا يعيبه ولا ينقص من قدره .. فكل إنسان له قدرات في الفهم والعلم. ويدخل تحت هذا الصنف من الحفاظ هؤلاء الذين لا يدركون معنى ما حفظوه ، وبالتالي هم لا يعملون بما حفظوا من العلم لانهم لم يفقهوه ،فمثلهم مثل أهل الكتاب من الذين حُملوا التوراة ثم لم يحملوها ،أي أنهم حفظوا ما فيها ولكن لم يقوموا بما فيها من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولم يعملوا بما جاء فيها من الأوامر والنواهي وبما جاء من عند الله عز وجل من الخير والصلاح ..فشبههم الله عز وجل أنهم كالحمير والعياذ بالله. كما قال تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (5) الجمعة . ويدخل في هذا الصنف كذلك من تعلموا العلم وفهموه ، ولكنهم تركوا العمل به ، فمن المسلمين أناس حملوا العلم ولكنهم لم يقوموا بحقه ، بل واستخدموه ضد الصالحين وضد الملتزمين المتبعين للنبي صلى الله عليه وسلم ليحصلوا على مكاسب دنيوية ، أو ليتقربوا إلى أصحاب السلطان والجاه ، فهم يصدرون الفتاوى المفصلة على مقاس أهواء الزعماء وأصحاب السلطان ، لينالوا بهذا رضاهم ويحل عليهم سخط الله عز وجل .. قال الله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ) (175) [الأعراف ]. فهذا هو مثلهم والعياذ بالله لأنهم حملوا العلم ولكنهم استخدموه فيما ينالون به أمراً دنيوياً أو وجاهة وسلطاناً لدى أصحاب السلطان .. ولذلك أعقب الله ذلك بقوله تعالى : (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) ) .. فقد نظر إلى مكاسبه الدنيوية وترك الآخرة .. باع دينه بعرض من الدنيا قليل والعياذ بالله، فهذا الصنف من الذين قرأوا القرآن حتى إذا رأيت بهجته عليهم انسلخوا منه ونبذوه وراء ظهورهم مقابل عرض دنيوي أو منصب حكومي أو مركز اجتماعي نسأل الله العافية. وقال الله تعالى في أمثالهم : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ) النساء 46
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مثل من اتبع الرسول ومن عصاه )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وما زلنا مع قوله صلى الله عليه وسلم 🙁 وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ ، فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ ، فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا ) ، فيندرج تحت هذا الصنف أيضا هؤلاء المبتدعة الذين عرفوا العلم والهدى ولم يحصلوا على وجاهة، فتركوا ما عندهم من علم أيضاً وابتدعوا في دين الله ما لم ينزل به سلطاناً، أولئك عرفوا السنة فحينما رأوا أنه لن يكون لهم وجاهه أو شأن لدى الناس ابتدعوا البدع وزينوها للناس وأتوا بأمر ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا الخلفاء الراشدين ولا الصحابة أجمعين ولا الأئمة الأربعة ولا غيرهم من التابعين، فألقوا بالسنة خلف ظهورهم وانتصروا لبدعتهم وروجوها بين الناس ليكسبوا بذلك أمراً دنيوياً أو وجاهة وسلطاناً والعياذ بالله. كما جاء في سنن الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: « مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُجَارِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ يَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ ». وكما قال معاذ بن جبل رضي الله عنه -: (ويفتح القرآن على الناس حتى يقرأه المرأة والصبي والرجل .. فيقول الرجل: قد قرأت القرآن فلم أتبع .. والله لأقومن به فيهم لعلي أتبع .. فيقوم به فيهم فلا يُتبع، فيقول: قد قرأت القرآن فلم أتبع، وقد قمت به فيهم فلم ،لأحتظرن في بيتي مسجداً لعلي أتبع، فيحتظر في بيته مسجداً فلا يتبع، فيقول: قد قرأت القرآن فلم أتبع، وقمت به فيهم فلم أتبع، وقد احتظرت في بيتي مسجداً فلم أتبع،
والله لآتينهم بحديث لا يجدونه في كتاب الله ولم يسمعوه عن رسول الله لعلي أتبع .. قال معاذ: فإياكم وما جاء به فإن ما جاء به ضلالة). فهذا الصنف تعلم العلم وحفظ القرآن وأراد بذلك أن يلتف حوله الناس ويقبلوا يديه .. وأراد أن يشار إليه في المجتمعات والمحافل، فوجد أنه لا يمكنه أن يحقق هذه الوجاهة والأبهة والشرف الاجتماعي إلا إذا انتصر لأمر مخترع ولسان حاله يقول: وإني وإن كنت الأخير زمانه لآت بما لم تأت به الأوائل ،فهؤلاء الأصناف من أهل البدع والأهواء أو من الذين يسعون للمكاسب الدنيوية وإرضاء السلطان يبيعون دينهم بعرض من الدنيا قليل، علينا أن ننتبه لهم .. ونحذر منهم ولا نأخذ ديننا إلا من العلماء الربانيين الذين يعتمدون على الدليل الصحيح من الكتاب والسنة، والله هو الهادي إلى سواء السبيل. وأما الصنف الثالث من الذين جاء ذكرهم في الحديث السابق، (إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لاَ تُمْسِكُ مَاءً ، وَلاَ تُنْبِتُ كَلأً ) ، فهؤلاء هم الذين لم يستجيبوا لله وللرسول إذا دعاهم لما يحييهم، وهم الكفار والمنافقون،
فهؤلاء سبخة بائرة ، لا نفع فيهم ، لا لأنفسهم ولا لغيرهم ،قال تعالى : (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ) (44) الفرقان ،وقال تعالى : ( لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) (179) الاعراف ،وقال تعالى : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (39) الانعام
الدعاء