خطبة عن (علامات محبة الله والأسباب التي تجلبها)
يوليو 11, 2016خطبة عن ( محبة الله: شروطها ومراتبها )
يوليو 11, 2016الخطبة الأولى (محبة الله: ما يعين عليها وعلاماتها )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (54)، (55) المائدة
إخوة الإسلام
وما زال حديثنا عن محبة الله موصولا ،فهناك أسباب تجلب المحبة لله عز وجل ، وتساعد العبد المسلم في الوصول إليها ومنها: إخلاص القصد لله في العبادة. – وتلاوة كلام الرحمن والتدبر في معانيه. والإكثار من ذكر الله آناء الليل والنهار. – والمواظبة على الصلوات الخمس في بيوت الله. – والإنفاق وبذل المال في مرضاة الله. – وملازمة حلق العلم ومجالس الإيمان.– ومصاحبة الصالحين والبعد عن الفاسقين. – والإحسان إلى الخلق والنصح لهم.– والصبر والاحتساب على الأقدار المؤلمة والرضا بها. ومن أعظم ما يحقق المحبة للمؤمن كثرة التقرب والتطوع بالصالحات لما في صحيح البخاري (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِى بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِى يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِى يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِى يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِى بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ». فمن أحبه الله رزقه محبته وطاعته والاشتغال بذكره وخدمته فأوجب له ذلك القرب منه والزلفى لديه. والمحب لله كثير الذكر لمحبوبه وكلام محبوبه. قال بعض السلف: (المحب لله طائر القلب كثير الذكر). وقال خباب بن الأرت لرجل: (تقرب إلى الله ما استطعت واعلم أنك لن تتقرب إليه بشيء هو أحب إليه من كلامه). رواه الحاكم. وقال ابن مسعود: (من أحب القرآن فهو يحب الله ورسوله). رواه الطبراني. وإذا نال العبد محبة الله سدد سمعه وبصره ويده ورجله وأيده بتوفيقه وصانه عن الرذائل فلا يستعمل جوارحه إلا في المباحات وإذا أحب الله عبدا حماه من فتنة الدنيا. فعلامة التوفيق في العبد إعراضه عن الدنيا وفراره من فتنتها وخشيته من زخرفها وعلامة الخذلان والحرمان للعبد إقباله على الدنيا وفرحه بها وافتتانه بزخرفها والانغماس في ملذاتها. وليس أضر على قلب المؤمن ودينه من حب الدنيا وأهلها والله العاصم والموفق. والتعرف على صفات الله العلى وأسماؤه الحسنى ومحبتها توجب محبة الله ورضاه عن العبد (فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَعَثَ رَجُلاً عَلَى سَرِيَّةٍ وَكَانَ يَقْرَأُ لأَصْحَابِهِ فِى صَلاَتِهِمْ فَيَخْتِمُ بِ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) فَلَمَّا رَجَعُوا ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « سَلُوهُ لأَىِّ شَىْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ ». فَسَأَلُوهُ فَقَالَ لأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ ».متفق عليه. فهنيئا للموحد في أسماء الله وصفاته الذي يثبت ما أثبته الله لنفسه فهو خليق بمحبة الله
أيها المسلمون
وهناك علامات وإشارات تدل على محبة الله للعبد أذكر لكم منها : حمايته من الدنيا : (فعَنْ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا حَمَاهُ الدُّنْيَا كَمَا يَظَلُّ أَحَدُكُمْ يَحْمِى سَقِيمَهُ الْمَاءَ ») أخرجه الترمذي ، وحسنه الألباني . و( حماه الدنيا ) : يعني: يحميه ويحفظه من فتنة الدنيا، ومن فتنة أموالها وبهرجها وزخرفها وزينتها، يحميه من هذه الأشياء، (كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء) : أحياناً يكون الماء مضراً للمريض، فتجد أهل المريض يمنعون عنه ما يضره، فإذا قال لهم الأطباء: أن كثرة شرب الماء مضر للمريض منعوا عنه الماء، كذلك يحمي الله تعالى عبده الذي يحبه كما يحمي أهلُ المريض المريضَ من شرب الماء الذي يكون مضراً به في بعض الأحيان. أما العلامة الثانية من علامات محبة الله للعبد فهي : الابتلاء : فعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاَءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ فَمَنْ رَضِىَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ » .وهذا الابتلاء -أيها الإخوة- يكون على قدر الإيمان، فلما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (أيُّ الناس أشد بلاءً؟ قال: الأنبياء، ثم الأمثل، فالأمثل، يبتلَى الرجل على قدر دينه، فإن كان دينه صلباً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض، وليس عليه خطيئة) . يقول تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) [البقرة:155-157] . ويكون البلاء -أيها الإخوة- أحياناً نتيجة معاصٍ وذنوب، وأحياناً قد يكون الإنسان طائعاً لله، سائراً على طريق الله، صالحاً؛ لكن يأتيه البلاء، فهل هذا عقاب؟ لا. بل يكون لمحبة الله لعبده، أي: أن الله عز وجل قد قدر على العبد أن يصل إلى الدرجة الفلانية في الجنة. وأعمال العبد؛ الصلاة، والصيام، والصدقات، والدعوة، والتعلُّم لا توصله إلى هذه المرتبة! إذاً فكيف يرفعه من هذه المرتبة التي بلغها بهذه الأعمال إلى المرتبة التي قدَّرها؟! يكون ذلك بالابتلاء كأن يضاعف عليه البلاء، والمصائب، والأمراض، والفقر، والجوع، ويموت قريبه، ويمرض ابنه، ويفقد ماله، فيصبر على هذا البلاء فيرفعه الله إلى تلك الدرجة، ولولا البلاء لم يبلغ تلك الدرجة، هذا من حِكَم الله جل وعلا.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (محبة الله: ما يعين عليها وعلاماتها )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن العلامات والإشارات التي تدل على محبة الله للعبد : القبول في الأرض ومحبة المؤمنين له، وهذا هو عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لما تولى أمور الناس، وحج بهم أطل على الناس، فقال أحد أبناء التابعين لأبيه: [هذا -يعني: عمر بن عبد العزيز – يحبه الله تعالى – قال: إن الله يحب عمر بن عبد العزيز – فقال له أبوه: كيف عرفت ذلك يا بني؟ قال: إن الناس يحبون عمر بن عبد العزيز ، فلا بد أن يكون الله قد أحبه قبل أن يحبه الناس، فقال: صدقت يا بني] ، ثم روى لابنه الحديث التالي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ إِنِّي أُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبَّهُ – قَالَ – فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِى فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ. فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ – قَالَ – ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الأَرْضِ. وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ إِنِّي أُبْغِضُ فُلاَنًا فَأَبْغِضْهُ – قَالَ – فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِى فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلاَنًا فَأَبْغِضُوهُ – قَالَ – فَيُبْغِضُونَهُ ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الأَرْضِ ». وهذه نعمة -أيها الإخوة- لا تشترى بالمال، ومهما عمل التجار، ومهما عمل الكادحون، فلا يصلون إليها إلا بتقوى الله والأعمال الصالحة. كذلك يُسْتَدل من هذا الحديث على أن محبة قلوب الناس للشخص هي علامة على محبة الله. ومن العلامات والإشارات التي تدل على محبة الله للعبد (الرفق ) لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الذي رواه الامام أحمد : (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا أَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الرِّفْقَ » .فتجد أمور من أحبهم الله تسير بغاية الرفق، تجد الزوج يرفق بزوجته، والزوجة ترفق بزوجها، وهما يرفقان بأولادهم، والأولاد يرفقون بأبيهم، وييسر الله لهم سبل الرزق، فيأتيهم رزقهم رغداً من كل مكان من حيث لا يحتسبون. ومن العلامات والإشارات التي تدل على محبة الله للعبد (حسن تدبير الله للعبد ) ، فتجد التوفيق حليفه دائماً، لا يطرق باباً إلا ويجده مفتوحاً، ولا يتعسر عليه أمر إلا ويكون التيسير حليفه ولو بعد حين،( إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ) [الشرح:6] . يقول ابن القيم رحمه الله- إذا أحب الله عبداً اصطنعه لنفسه -مثلما اصطنع موسى- واجتباه لمحبته – مثلما اجتبى إبراهيم- واستخلصه لعبادته، فشغل همه به، ولسانه بذكره، وجوارحه بخدمته ” فيشغل الله جسد الإنسان بعبادته، ويشغل لسان عبده بذكره ، ويشغل همه وتفكيره في كيف يرضي الله عز وجل. وهذا توفيقٌ من الله. ونستكمل الموضوع في لقاء قادم إن شاء الله
الدعاء