خطبة عن ( محكمة العدل الإلهية)
سبتمبر 12, 2016خطبة عن ( من أسباب الخشوع في الصلاة)
سبتمبر 12, 2016الخطبة الأولى ( مداخل الشيطان إلى قلب الإنسان )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [فاطر 5، 6]، وقال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ) [الأعراف:201]. وقال تعالى (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) (36) ) فصلت ،وروى مسلم في صحيحه :(قَالَ حُذَيْفَةُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلاَ تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ ».
إخوة الإسلام
الشيطان عدو الانسان ، وللشيطان وسائل متعددة في إغواء الإنسان واضلاله ، فمن ذلك: تزيين الباطل وإظهاره بصورة حسنة، قال الله عز وجل عن الشيطان أنه قال ( لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [الحجر:39].
ومن وسائله في إضلال الإنسان: تسمية المعاصي بغير اسمها، وبأسماء محببة للنفوس، قال الله عز وجل عنه أنه قال لآدم عليه السلام: ( هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى ) [طه:120]. وفي وقتنا الحاضر تسمى الخمر بالمشروبات الروحية ، ويسمى الربا بالفائدة، ويسمى التبرج الفاضح بحرية المرأة، ويسمون الاختلاط المستهتر بالتقدم، ويسمون المغنية الفاسقة بالفنانة والشهيرة ، وتسمى الرشوة بالإكرامية ، ويسمى النصب فهلوة وخفة ، وهكذا
ومن وسائل الإضلال: تسمية الطاعات بأسماء منفرة، ووصف أهل الخير بصفات مشينة ، وقديماً أوحى الشيطان إلى أوليائه من قوم عاد أن يقولوا لنبيهم هود عليه السلام: ( إنا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ) [الأعراف:66] ، ووصف فرعون موسى وهارون عليهما السلام بالسحر: ( إنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى ) [طه:63]، ولم يسلم النبي صلى الله عليه وسلم من التسميات المنفرة، ( وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا ) [الفرقان:8]. ومن وسائل الشيطان في إغواء الإنسان : التدرج في الإضلال، إذ لا يأتي الشيطان للإنسان مباشرة، ويقول له: افعل هذه المعصية، أو اترك هذه الطاعة، بل يأتيه خطوة خطوة حتى يقع في المحظور ويترك الواجب المشروع، قال الله عز وجل: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ) [النور:21]. وتترقى خطوات الشيطان التي يستدرج فيها ابن آدم حتى يتَّخذه معبوداً له من دون الله عياذاً بالله ، قال تعالى : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يبَنِى ءادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَـٰنَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ) [يس:60]. وقال تعالى على لسان نبيه إبراهيم عليه السلام ( يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا) [مريم:44]. ويقع العبد في ذلك حين يسلم قياده لعدوه، ويفلت الزمام لشهواته، فيتبع كل شيطان مريد (كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ ) [الحج:4]. وفي الحديث الذي رواه النسائي وابن حبان (عَنْ سَبْرَةَ بْنِ أَبِى فَاكِهٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لاِبْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الإِسْلاَمِ فَقَالَ تُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ وَآبَاءِ أَبِيكَ فَعَصَاهُ فَأَسْلَمَ ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ فَقَالَ تُهَاجِرُ وَتَدَعُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِرِ كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِى الطِّوَلِ فَعَصَاهُ فَهَاجَرَ ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ فَقَالَ تُجَاهِدُ فَهُوَ جَهْدُ النَّفْسِ وَالْمَالِ فَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ فَتُنْكَحُ الْمَرْأَةُ وَيُقْسَمُ الْمَالُ فَعَصَاهُ فَجَاهَدَ ». فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ قُتِلَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَإِنْ غَرِقَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ وَقَصَتْهُ دَابَّتُهُ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ ».
أيها المسلمون
وإذا كنا قد تعرفنا على بعض وسائل الشيطان في إغوائه للإنسان ،فتعالوا بنا نتعرف على مداخل الشيطان إلى قلب الإنسان ، وبداية أقول : اعلموا أن حماية القلب من وساوس الشيطان ، وغلق مداخله إليه واجبة على الإنسان ، فلا يتوصل الإنسان إلى دفع الشيطان إلا بمعرفة مداخله ، ولذا صارت معرفة مداخله واجبة ، ومداخل الشيطان وأبوابه كثيرة ، ولكننا نشير إلى الأبواب العظيمة ،فمن أبوابه العظيمة : الغضب والشهوة : فإن الغضب هو غول العقل ، وإذا ضعف جند العقل هجم جند الشيطان ، وحين يغضب الإنسان يلعب الشيطان به كما يلعب الصبي بالكرة . وفي مسند أحمد (عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي. قَالَ « لاَ تَغْضَبْ ». قَالَ قَالَ الرَّجُلُ فَفَكَّرْتُ حِينَ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مَا قَالَ فَإِذَا الْغَضَبُ يَجْمَعُ الشَّرَّ كُلَّهُ. ) ،فإن الغضب مادة الشيطان تجرئه على فعل القبيح وتجاوز الحدود، وكم حصل بسببه من سفك للدماء، وتفريق للأسر، وإتلاف للأموال، إنه حالة ضعف، تحكم الإنسان فيها عواطفه، وتخف سيطرة عقله، ويغيب حلمه، وفي الصحيحين البخاري ومسلم (عَدِىُّ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ صُرَدٍ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ اسْتَبَّ رَجُلاَنِ عِنْدَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَغَضِبَ أَحَدُهُمَا ، فَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى انْتَفَخَ وَجْهُهُ وَتَغَيَّرَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ الَّذِى يَجِدُ » . فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – وَقَالَ تَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ . فَقَالَ أَتُرَى بِي بَأْسٌ أَمَجْنُونٌ أَنَا اذْهَبْ . )
وأما عن مدخل الشيطان إلى قلب الإنسان عن طريق الشهوات وحب الدنيا فهو مدخل حذرنا الله منه بقوله تعالى (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ) (14) ) آل عمران، وقد جاء عن الحسن رحمه الله: حب الدنيا رأس كل خطيئة، وقال أيضاً: رحم الله أقواماً كانت الدنيا عندهم وديعة فأدوها إلى من ائتمنهم عليها، ثم راحوا خفافاً. وأبلغ من ذلك وأجل قوله سبحانه: ( وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ) [آل عمران:185]، فمن أشرب حب الدنيا التاط منها بثلاث: شقاء لا ينفد عناه، وحرص لا يبلغ غناه، وأمل لا يبلغ منتهاه ، فالدنيا طالبة ومطلوبة، فمن طلب الدنيا طلبته الآخرة حتى يدركه الموت، ومن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتى يستوفي منها رزقه. ومن أبوابه العظيمة الحسد والحرص : فمهما كان العبد حريصـًا أعماه حرصه وأصمَّهُ ، ونور البصيرة هو الذي يعرف مداخل الشيطان ، فإذا غطاه الحسد والحرص لم يبصر ، فحينئذ يجد الشيطان فرصة فيحسن عند الحريص كل ما يوصله إلى شهوته ، وإن كان منكرًا فاحشـًا ، وأما الحرص فقد جاء في صحيح سنن الترمذي (عَنِ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلاَ فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ ».. ومن مداخل الشيطان الجهل فهو باب عظيم للانحراف عن صراط الله المستقيم، ومدخل واسع من مداخل الشيطان، كيف لا، والجاهل يفعل الشر وهو يظنه خيراً، وينأى بنفسه عن الخير ويحسب أنه محسناً، ومن أبوابه العظيمة الشبع من الطعام : وإن كان حلالاً صافيـًا فإن الشبع يقوي الشهوات ، والشهوات أسلحة الشيطان .
ومن أبوابه العظيمة العجلة : وترك التثبت في الأمور ، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((الْعَجَلَةُ مِنْ الشَّيْطَانِ)).في سبل السلام رواه الترمذي ومن أبوابه العظيمة البخل وخوف الفقر : فإن ذلك هو الذي يمنع من الإنفاق والتصدق ويدعو إلى الادخار والكنز والعذاب الأليم . ومن أبوابه العظيمة التعصب للمذاهب : والأهواء والحقد على الخصوم والنظر إليهم بعين الازدراء والاحتقار ، ومن أبوابه : سوء الظن بالمسلمين : قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)(الحجرات/12) والمؤمن يطلب المعاذير والمنافق يطلب العيوب .ومن مداخل الشيطان على الإنسان الكبر، وهو بطر الحق وغمط الناس كما فسره النبي صلى الله عليه وسلم، وقال النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه: إن للشيطان مصالي وفخوخاً، وإن من مصالي الشيطان وفخوخه البطر بأنعم الله، والفخر بإعطاء الله، والكبر على عباد الله، واتباع الهوى في غير ذات الله، وأنى للإنسان أن يتكبر وأوله نطفة مذرة، وآخره جيفة قذرة، وحشوه فيما بين ذلك بول وعذرة. ومن مداخل الشيطان أيضاً: اتباع الهوى، فاتباع الهوى مدخل عظيم من مداخل الشيطان، وطريق للعقوبة والضلال، قال الله عز وجل: ( وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) [ص:26]. قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما ذكر الله عز وجل هوى في القرآن إلا ذمه. وقال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: أنتم في زمان يقود الحق الهوى، وسيأتي زمان يقود الهوى الحق. ويروى أن إبليس قال: أهلكت العباد بالذنوب فأهلكوني بالاستغفار، فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء، فهم يحسبون أنهم مهتدون فلا يستغفرون.
أيها المسلمون
ومن مداخل الشيطان: الأمن من مكر الله، أو القنوط من رحمة الله، فكلاهما مدخل للشيطان، فالأمن من مكر الله يورث الغفلة، والغفلة تورث التهاون، والتهاون سلم الشيطان وسبب الخسران، ( فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) [الأعراف:99]، ومكر الله استدراجه بالنعمة والصحة، وإذا لم يستطع الشيطان أن يدخل من باب الأمن من مكر الله، شدد عليه الأمر حتى ييأس ويقنط من رحمة الله، ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) [الزمر:53]. وإذا أردت السلامة من كيد الشيطان فلا تأمن من مكر الله، ولا تسرف على نفسك بالمعاصي، ولا تقنط من رحمة الله، وتب إليه واستغفره، وأحسن الظن بالله عز وجل، فإذا فعلت شيئاً من العبادات فأحسن الظن بالله أن الله يقبل منك ويثيبك، وإذا فعلت شيئاً من المعاصي فأحسن الظن بالله عز وجل أن الله يعاقبك إذا لم تتب، وفي الحديث القدسي أن ( أَنَس بْن مَالِكٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « قَالَ اللَّهُ يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً ». رواه الترمذي . أمَّا الأماني وحصائد الغرور… فذلكم هو سلاح شيطاني ،قال تعالى : ( يَعِدُهُمْ وَيُمَنّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ ٱلشَّيْطَـٰنُ إِلاَّ غُرُوراً ) [النساء:120]. وقال تعالى ( وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مّن سُلْطَـٰنٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِى فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُمْ ) [إبراهيم:22]. وقال تعالى ( فَلَمَّا تَرَاءتِ ٱلْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنّي بَرِىء مّنْكُمْ ) [الأنفال:48]. فيعدهم هذا الغرَّار بحسب طبائعهم، يجرهم إلى حبائله بحسب ميولهم ومشتهياتهم. يخوِّف الأغنياء بالفقر، إذا هم تصدقوا وأحسنوا. كما يزين لهم الغنى وألوان الثراء بالأسباب المحرمة والوسائل القذرة. ويزين لأصحاب المِلل والنحل التعصب وتحقير المخالفين، ويصور لهم ذلك طريقاً إلى الحرص على العلم وحبِّ أهله. وينقضي عمْرُ ابن آدم وهو في بحر الأماني يسبح، وفي سبيل الغواية يخوض. يعده الباطل، ويمنيه المحال، والنفس الضعيفة المهينة تغتذي بوعده، وتلتذ بأباطيله، وتفرح كما يفرح الصبيان والمعتوهون.
والخروج عن الوسط ومجاوزة حد الاعتدال خطو إبليسي، ومسلك شيطاني. يقول بعض السلف: ما أمر الله تعالى بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان: إما إلى تفريط أو تقصير، وإما إلى مجاوزة وغلو، ولا يبالي إبليس بأيهما ظفر. وإن حبائل الشيطان بين هذين الواديين تحبك وتحاك. فقد غلا قومٌ في الأنبياء وأتباعهم حتى عبدوهم، وقصَّر آخرون حتى قتلوهم، وقتلوا الذين يأمرون بالقسط من الناس، وطوائف أخرى غلوا في الشيوخ وأهل الصلاح، وآخرون جفوهم وأعرضوا عنهم. ومن مداخل الشيطان إلى قلب الإنسان أن يقول على الله ما لا يعلم: قال تعالى : ( وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوٰتِ ٱلشَّيْطَـٰنِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِٱلسُّوء وَٱلْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) [البقرة:168-169].
نعم: فالقول على الله بلا علم خطوة من خطوات الشيطان، وهو الأصل في فساد العقائد، وتحريف الشرائع، ويخشى من ذلك على أقوام يخوضون في علوم لا يحسنونها، ويتجرءون على فتاوى لا يحيطون بها، وقد يجرهم في خطواتهم إلى الإفك والإثم، والتزوير والكذب، وحينئذٍ تتنزل عليهم الشياطين تنزلاً ،قال تعالى : ( هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ) (223) [الشعراء: ]. وحينئذٍ لا يدعون إلى هدىً، ولا يأمرون بتقوى، ولا يدلون على حق، ومن مداخله البخل وخوف الفقر ، وهو سلاح شيطاني.
يقول فيه سفيان الثوري: ليس للشيطان سلاح للإنسان مثل خوف الفقر. فإذا وقع في قلب الإنسان مُنع الحق، وتكلم بالهوى، وظن بربه ظن السوء. وأصدق من ذلك وأبلغ قول ربنا عزّ وتبارك: ( ٱلشَّيْطَـٰنُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَاء وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مّنْهُ وَفَضْلاً وَٱللَّهُ وٰسِعٌ عَلِيمٌ ) [البقرة:268].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مداخل الشيطان إلى قلب الإنسان )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فما العلاج في دفع الشيطان وغلق مداخله إلى قلب الإنسان ؟ وهل يكفي في ذلك ذكر الله تعالى ؟
فأقول مستعينا بالله : اعلم أن علاج القلب في ذلك سد هذه المداخل بتطهير القلب من هذه الصفات المذمومة
فإذا قطعت من القلب أصول هذه الصفات المذمومة ، كان للشيطان بالقلب اجتيازات وخطرات ولم يكن له استقرار ويمنعه من الاجتياز ذكر الله تعالى ؛ لأن حقيقة الذكر لا تتمكن من القلب إلا بعد عمارة القلب بالتقوى وتطهيره من الصفات المذمومة ، وإلا فيكون الذكر حديثـًا للنفس لا سلطان له على القلب فلا يدفع سلطان الشيطان ،
ولذلك قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)(الأعراف/201) ، خصص بذلك المتقي . وأما الشهوة فإذا غلبت على القلب دفعت حقيقة الذكر إلى حواشي القلب ، فلم يتمكن من سويدائه فيستقر الشيطان في سويداء القلب . فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ الأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ثُمَّ قَرَأَ (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ) ».(رواه الترمذي وحسنه ورواه النسائي) ، ثم تلا قوله تعالى : (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاء) (البقرة/268) الآية ، وقال الحسن : إنما هما همان يجولان في القلب : هم من الله تعالى ، وهم من العدو ، فرحم الله عبدًا وقف عند همه فما كان من الله تعالى أمضاه ، وما كان من عدوه جاهده . والقلب بأصل فطرته صالح لقبول آثار الملك ولقبول آثار الشيطان صلاحـًا متساويـًا ليس يترجح أحدهما على الآخر ، وإنما يترجح أحد الجانبيين باتباع الهوى والإكباب على الشهوات أو الإعراض عنها ومخالفتها ، فإن اتبع الإنسان مقتضى الغضب والشهوة ظهر تسلط الشيطان بواسطة الهوى وصار القلب عش الشيطان ومرتعه ؛ لأن الهوى هو مرعى الشيطان ومرتعه ، وإن جاهد الشهوات ولم يسلطها على نفسه وتشبه بأخلاق الملائكة عليهم السلام صار قلبه مستقر الملائكة ومهبطهم . والتطارد بين جندي الملائكة والشياطين في معركة القلب دائم إلى أن يفتح القلب لأحدهما فيستوطن ويستمكن ، ويكون اجتياز الثاني اختلاسـًا ، وأكثر القلوب قد فتحتها جنود الشياطين وتملكتها فامتلأت بالوساوس الداعية إلى إيثار العاجلة وإطراح الآخرة ، ومبدأ استيلائها اتباع الشهوات والهوى ، ولا يمكن فتحها بعد ذلك إلا بتخلية القلب عن قوت الشيطان وهو الهوى والشهوات ، وعمارته بذكر الله تعالى الذي هو مطرح أثر الملائكة .
قَالَ حُذَيْفَةُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلاَ تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ ». قَالَ حُذَيْفَةُ وَحَدَّثْتُهُ أَنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا يُوشِكُ أَنْ يُكْسَرَ. قَالَ عُمَرُ أَكَسْرًا لاَ أَبَا لَكَ فَلَوْ أَنَّهُ فُتِحَ لَعَلَّهُ كَانَ يُعَادُ. قُلْتُ لاَ بَلْ يُكْسَرُ. وَحَدَّثْتُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْبَابَ رَجُلٌ يُقْتَلُ أَوْ يَمُوتُ. حَدِيثًا لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ. قَالَ أَبُو خَالِدٍ فَقُلْتُ لِسَعْدٍ يَا أَبَا مَالِكٍ مَا أَسْوَدُ مُرْبَادًّا قَالَ شِدَّةُ الْبَيَاضِ فِى سَوَادٍ. قَالَ قُلْتُ فَمَا الْكُوزُ مُجَخِّيًا قَالَ مَنْكُوسًا. (رواه مسلم) .
فالقلب عندما يتعرض للفتن من الشهوات والشبهات ينقسم إلى قسمين : قلب إذا عرضت عليه الفتنة أشربها كما يشرب الإسفنج الماء فتنكت فيه نكتة سوداء ، فلا يزال يشرب كل فتنة تعرض عليه حتى يسود وينتكس ، فإذا اسود وانتكس تعرض لآفتين خطيرتين : إحداهما اشتباه المعروف عليه بالمنكر ، فلا يعرف معروفـًا ولا ينكر منكرًا ، وربما استحكم عليه هذا المرض حتى يعتقد المعروف منكرًا والمنكر معروفـًا، والسنة بدعة والبدعة سنة ، والحق باطلاً والباطل حقـًا ، والثانية : تحكيمه هواه على ما جاء به الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وانقياده للهوى واتباعه له .
وقلب أبيض قد أشرق فيه نور الإيمان وأزهر فيه مصباحه ، فإذا عرضت عليه الفتنة أنكرها وردها فازداد نوره وإشراقه . والفتن التي تعرض على القلب فتن الشهوات وفتن الشبهات ، فالأولى توجب فساد القصد والإرادة ، والثانية توجب فساد العلم والاعتقاد . وتنقسم أمراض القلوب بحسب ذلك إلى أمراض الشهوات وأمراض الشبهات ، كما فسر مرض الشهوات بقوله تعالى : (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ)(الأحزاب/32) ، فإن المريض يؤذيه ما لا يؤذي الصحيح من يسير الحر والبرد والحركة ، فكذلك القلب إذا كان فيه مرض آذاه أدنى شيء من الشهوة أو الشبهة ؛ حيث لا يقوى على دفعهما إذا وردا عليه ، والقلب الصحيح القوي يطرقه أضعاف ذلك وهو يدفعه بقوته وصحته . أما أمراض الشبهات فكما قال الله عز وجل : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً)(البقرة/10) .قال قتادة ومجاهد : أي شك فأمراض القلوب تجمعها أمراض الشهوات وأمراض الشبهات ، والقرآن الكريم شفاء للنوعين ، ففيه من البينات والبراهين القطعية ما يبين الحق من الباطل ، فتزول أمراض الشبهة المفسدة للعلم والتصور والإدراك بحيث يرى الأشياء على ما هي عليه ، فهو الشفاء على الحقيقة من أدواء الشبه والشكوك ، ولكن ذلك موقوف على فهمه ومعرفة المراد منه، فمن رزقه الله تعالى ذلك أبصر الحق والباطل عيانـًا بقلبه كما يرى الليل والنهار . وأما شفاؤه لأمراض الشهوات فذلك بما فيه من الحكمة والموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب ، والتزهيد في الدنيا والترغيب في الآخرة ، والأمثال والقصص التي فيها أنواع العبر والاستبصار ، فيرغب القلب السليم إذا أبصر ذلك بما ينفعه في معاشه ومعاده ، ويرغب عما يضره ، فيصير القلب محبـًا للرشد مبغضـًا للغي ، فالقرآن الكريم مزيلٌ للأمراض الموجبة للإرادات الفاسدة فيصلح القلب فتصلح إرادته ، ويعود إلى فطرته التي فُطر عليها . قال الله تعالى : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)(الإسراء/82) ، وقال تعالى أيضًا : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)(يونس/57) ، فينبغي إذن للعبد أن يدرس علامات مرض القلب وعلامات صحة القلب حتى يتأكد من حالة قلبه ، فإن كان قلبه مريضـًا سعى في علاجه قبل أن يلقى الله تعالى بقلبٍ مريض فلا يؤذن له في دخول الجنة ، وإن كان سليمـًا حافظ على سلامته حتى يموت على ذلك ، وإن كان ميتـًا والعياذ بالله تعالى علم أن الله عز وجل يحيي الموتى ، يقول سبحانه : (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الحديد/17) .
أيها المسلمون
وعلى الرغم من وضوح ذلك وجلائه، فقد يزل المؤمن أو يخطئ، وقد يصيبه نزغ من الشيطان، أو يمسه طائف منه، وقد يران على قلبه من وسواسه، لكنه سرعان ما يلوذ بربه ويلجأ إلى ذكره، ويتوب إليه من قريب، فيخنس شيطانه قال تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) [الأعراف:201]. فأهل الإيمان صلتهم بالله الوثيقة تعصمهم من أن ينساقوا مع عدو الله وعدوهم، يتخلص المؤمن بذكر الله – لجوءاً إلى ربه، واستعاذة به – من نزوات الشيطان ونزغاته، قال تعالى (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ ) [فصلت:36]. وحق على من أراد الخير لنفسه، والسلامة لدينه، ودحر شيطانه، أن ينظر بعين البصيرة لا يهوى الطبع والطمع، وليسلك مسالك التقوى والعلم المكين.
الدعاء