خطبة عن (الدعاء: فضله وآدابه وموانعه)
يوليو 24, 2016خطبة عن(النميمة: الأسباب والنتائج والعلاج)
يوليو 24, 2016الخطبة الأولى ( مع التوبة والتائبين )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (31) ) النور ،وقال تعالى : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) (18) ) النساء ، وروى مسلم في صحيحه 🙁قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ ». وفي سنن أبي داود وغيره (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا وَبَادِرُوا بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ أَنْ تُشْغَلُوا) ،وفي سنن البيهقي :(عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا) قَالَ : هُوَ الرَّجُلُ يَعْمَلُ الذَّنْبَ ثُمَّ لاَ يَعُودُ إِلَيْهِ. )
إخوة الإسلام
روى الإمام أحمد في مسنده : (عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ فَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ ) ، ولأن العبد خلق خطاء ، فقد فتح الله لعباده باب التوبة والأوبة والرجوع إليه ، فقد روى الترمذي بسند صحيح عن صَفْوَانَ بْنَ عَسَّالٍ الْمُرَادِىَّ قال (فَمَازَالَ يُحَدِّثُنَا حَتَّى ذَكَرَ بَابًا مِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ مَسِيرَةُ عَرْضِهِ أَوْ يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِى عَرْضِهِ أَرْبَعِينَ أَوْ سَبْعِينَ عَامًا قَالَ سُفْيَانُ قِبَلَ الشَّامِ خَلَقَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مَفْتُوحًا يَعْنِى لِلتَّوْبَةِ لاَ يُغْلَقُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْهُ ». فمرض القلوب من الذنوب ، وأصل العافية أن تتوب . فماذا بعد الصحة إلا السقم ، وماذا بعد البقاء إلا الفناء ، وماذا بعد الشباب إلا الهرم ، وماذا بعد الحياة إلا الممات ، وما بعد الموت من قرار إلا الجنة أو النار ،يقول الله تعالى : (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (49) ) الحجر ـفمن ذا الذي دعاه فلم يجبه ، ومن ذا الذي سأله فلم يعطه ، ومن ذا الذي رجاه فقطع رجاه ، فهو الجواد ومنه الجود ، وهو الكريم ومنه الكرم ، ومن كرمه سبحانه أنه يقبل التوبة ، قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ) (25) الشورى ،ومن جوده وكرمه ورحمته أنه يحب التوابين ويحب المتطهرين ، قال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (222) البقرة ،وقد روى الإمام أحمد في مسنده وغيره (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ وَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى يَعْلُوَ قَلْبَهُ ذَاكَ الرَّيْنُ الَّذِى ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ ( كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) ».
أيها المسلمون
التوبة: هي الإقلاع عن الذنب، والندم على ارتكاب الذنب، والعزم على عدم العودة إلى الذنب، وردُّ الحقوق إلى أهلها. فالتوبة لها شروطها ولها أركانها ، فكيف يتوب إنسان وهو مصرٌّ على الذنب؟ وكيف يتوب إنسان وهو لم يعترف بذنبه الذي اقترفه؟ وكيف يتوب إنسان وهو لم يعزم عزما أكيدا على أن يقلع عن ذنبه؟ وكيف يتوب إنسان قد أكل مال غيره، أو انتهك عرضه ولم يستسمحه؟ ولم يرد الحقوق إلى أصحابها ؟فإذا أردنا أن نتوب إلى الله فعلينا أن نتوب التوبة الصادقة، وتحتاج التوبة الصادقة إلى إيمان حقيقي بالله، صادقٍ عند التوبة وإلى عمل صالح بعد التوبة ، قال تعالى : ﴿ فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ ﴾. (القصص: 67)، وقال سبحانه: ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ ﴾ – غفار صيغة مبالغة، كثير الغفران لمن؟ – ﴿ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾. (طه: 82)، وهذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا) رواه الترمذي وأحمد وغيرهم ، فلابد من حسنات تدلل على صدق التوبة. وتمحى بها السيئات ، وتغفر بها الزلات ، وترفع بها الدرجات ، وتقربك من رب الأرض والسموات ،والتوبة الصادقة تحتاج إلى إصلاح ، قال سبحانه: ﴿ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيم ﴾. (الأنعام: 54). والتوبة الصادقة هي التوبة النصوح ، فقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾. (التحريم: 8). فالتائب لا يكون تائباً حقاً إلا إذا توفرت في توبته خمسة شروط: الشرط الأول: الإخلاص وهو أن يقصد بتوبته وجه الله عز وجل. الشرط الثاني: الإقلاع عن الذنب. الثالث: الندم على فعله. لشرط الرابع: العزم على عدم الرجوع إليه. الشرط الخامس: أن تكون التوبة قبل أن يصل العبد إلى حال الغرغرة عند الموت. ويضاف شرط آخر يتعلق بحقوق العباد وهو أنه لا بد أن يبذل قدر طاقته ووسعه في رد الحقوق إلى أصحابها، فإن عجز عن معرفة أصحابها بعد محاولات متكررة وبحث جاد ، فعليه أن يكثر من أعمال البر، فإن أصحاب الحقوق قد يطالبونه بها يوم القيامة، والله حكم عدل فقد يوفيهم إياها من حسناته، فعليه أن يكثر من الحسنات.
أيها المسلمون
والتوبة كما أنها تكون من الذنوب والمعاصي والزلات ، فهي أيضا تكون من التقصير في حقوق الله علينا ، وغفلتنا عن واهب النعم ، والعبد مهما تعبد لله فلن يوفيه حقه ، وسيظل مقصرا في عبادته ، وشكر نعمته ، ولذا يوصينا رسول الله أن نستغفر الله ونتوب إليه عقب الصلاة ، وهي طاعة ، لأننا لم نوفها حقها ، ولم نتعبد لله بها كما يجب أن يكون ، وهكذا في كل الطاعات ،ولذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أول العابدين وإمام المتقين وسيد المقربين وكما صحيح البخاري يقول صلى الله عليه وسلم (أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ ) ،وهو مع ذلك كان ملازما للاستغفار والتوبة ، ففي الصحيحين ، يقول أَبُو هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « وَاللَّهِ إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً » ،وفي صحيح مسلم :(عَنْ أَبِى بُرْدَةَ عَنِ الأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ – وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي وَإِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ ». فإذا كان هذا هو حال رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوبة والاستغفار ، فمن باب أولى أن نكون نحن من الملازمين للتوبة والاستغفار ،
أيها المسلمون
ومن أوائل التائبين إلى الله جل جلاله؛ آدم وحواء، عليها السلام، فعندما نهيا عن الأكل من شجرة معينة، فبعد النسيان أكلا منها نسيانا، فحسبت سيئة في حقهم واعترفوا قائلين: ﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾. (الأعراف: 23)، فغفر لهم ورحمهم. كذلك سيدنا نوح عليه السلام، عندما طلب من الله أن ينجيَ ابنه، وابنُه كان مع الكافرين، والكافر لا شفاعة فيه، فماذا قال نوح عليه السلام؟ ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾. (هود: 47)، هكذا توسل إلى الله وطلب مغفرة، وأعلن توبته بين يدي الله عز وجل. وهذا سيدنا موسى عليه السلام، عندما سأل الله الرؤية، رؤية الله سبحانه وتعالى، قال تعالى (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) (143) الاعراف ، وهذا سيدنا داود عليه السلام، عندما اختبره الله عز وجل وامتحنه، بمن تسوّر عليه المحراب، فحكم لأحدهما قبل أن يسمع من الآخر، قال سبحانه: ﴿ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ﴾. (ص: 24). وهذا سيدنا سليمان عليه السلام؛ أمر بمسابقة للخيل للجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى، فقال: ﴿ رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ ﴾ ،على تفسير بعض العلماء: يعني قطَّع سوقها، وذبَحَها لأن الذبح للخيل يجوز في شريعة سليمان، قال سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ ﴾. (ص: 34)، رجع إلى الله سبحانه وتعالى
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مع التوبة والتائبين)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فيا من عوّدت لسانك على الغيبة والنميمة وقول الزور : تب إلى الله .ويا من أهملت أولادك وتركتتهم لقرناء السوء : تب إلى الله .ويا من تعودت على تأخير الصلاة : بادر من الآن وتب إلى الله ،و يا من تعوّدت على أكل الحرام : تب إلى الله ،ويا عبد الله : – جدد توبتك كل ليلة قبل أن تنام وحقق شروطها فلعلها تكون آخر نومة– رد الحقوق المغتصبة إلى أصحابها فهذا من تمام التوبة – اعلم أن من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب .– اتبع السيئة الحسنة تمحها فالحسنات يذهبن السيئات – صاحب التائبين وجالس الصالحين يذكرونك بالله فالمرء على دين خليله .– لا تنس سيد الاستغفار صباحاً ومساء كما في البخاري ومسلم : « سَيِّدُ الاِسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّى ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَىَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِي ، اغْفِرْ لِي ، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ » . قَالَ « وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا ، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِىَ ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهْوَ مُوقِنٌ بِهَا ، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ ، فَهْوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ » ، وما أجمل قول من قال :
فيا نفس توبي فإن الموت قد حانا وأعصي الهوى فالهوى ما زال فتانا
في كل يوم لنا ميت نشيّعه نحيي بمصرعه أثار موتانا
يا نفس مالي وللأموال أجمعها خلفي وأخرج من دنياي عُريانا
أيها المسلمون
في الصحيحين (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ « اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيَّامُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ أَنْتَ الْحَقُّ وَوَعْدُكَ الْحَقُّ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ حَقٌّ اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ وَبِكَ خَاصَمْتُ وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَأَخَّرْتُ وَأَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ أَنْتَ إِلَهِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ ». وإليكم هذه المناجاة من مناجاة التائبين ، ولوعة المشتاقين ، وعبرات المحبين ، ودموع المخبتين ، والسائرين إلى الله : ـ إلهِي أَلْبَسَتْنِي الْخَطايا ثَوْبَ مَذَلَّتِي، وَجَلَّلَنِي التَّباعُدُ مِنْكَ لِباسَ مَسْكَنَتِي، وَأَماتَ قَلْبِي عَظِيمُ جِنايَتِي، فَأَحْيِه بِتَوْبَة مِنْكَ يا أَمَلِي وَبُغْيَتِي، وَيا سُؤْلِي وَمُنْيَتِي، فَوَ عِزَّتِكَ ما أَجِدُ لِذُنُوبِي سِواكَ غافِراً، وَلا أَرى لِكَسْرِي غَيْرَكَ جابِراً، وَقَدْ خَضَعْتُ بِالإنابَةِ إلَيْكَ وَعَنَوْتُ بِالاسْتِكانَةِ لَدَيْكَ، فَإنْ طَرَدْتَنِي مِنْ بابِكَ فَبِمَنْ أَلُوذُ؟ وَإنْ رَدَدْتَنِي عَنْ جَنابِكَ فَبِمَنْ أَعُوذُ؟ فَوا أَسَفاهُ مِنْ خَجْلَتِي وَافْتِضَاحِي، وَوالَهْفاهُ مِنْ سُوءِ عَمَلِي وَاجْتِراحِي.ـ أَسْأَلُكَ يا غافِرَ الذَّنْبِ الْكَبِيرِ، وَيا جابِرَ الْعَظْمِ الْكَسِيرِ، أَنْ تَهَبَ لِي مُوبِقاتِ الْجَرائِرِ، وَتَسْتُرَ عَلَيَّ فاضِحاتِ السَّرائِرِ، وَلا تُخْلِنِي فِي مَشْهَدِ الْقِيامَةِ مِنْ بَرْدِ عَفْوِكَ وَغَفْرِكَ، وَلا تُعْرِنِي مِنْ جَمِيلِ صَفْحِكَ وَسَتْرِكَ. ـ إلهِي ظَلِّلْ عَلَى ذُنُوبِي غَمامَ رَحْمَتِكَ، وَأَرْسِلْ عَلى عُيُوبِي سَحابَ رَأْفَتِكَ. ـ إلهِي هَلْ يَرْجِعُ الْعَبْدُ الابِقُ إلاَّ إلَى مَوْلاهُ أَمْ هَلْ يُجِيرُهُ مِنْ سَخَطِهِ أَحَدٌ سِواهُ؟ ـ إلهِي إنْ كانَ النَّدَمُ عَلَى الذَّنْب تَوْبَةً، فَإنِّي وَعِزَّتِكَ مِنَ النَّادِمِينَ، وَإنْ كَانَ الاسْتِغْفارُ مِنَ الْخَطيئَةِ حِطَّةً، فَإنِّي لَكَ مِنَ الُمُسْتَغْفِرِينَ، لَكَ الْعُتْبى حَتّى تَرْضى. ـ إلهِي بِقُدْرَتِكَ عَلَيَّ تُبْ عَلَيَّ، وَبِحِلْمِكَ عَنِّي اعْفُ عَنِّي، وَبِعِلْمِكَ بِي ارْفَقْ بِي. ـ إلهِي أَنْتَ الَّذي فَتَحْتَ لِعِبادِكَ بَابَاً إلَى عَفْوِكَ سَمَّيْتَهُ التَّوْبَةَ، فَقُلْتَ: ( تُوبُوا إلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحَاً )، فَما عُذْرُ مَنْ أَغْفَلَ دُخُولَ الْبابِ بَعْدَ فَتْحِهِ. ـ إلهِي إنْ كانَ قَبُحَ الذَّنْبُ مِنْ عَبْدِكَ فَلْيَحْسُنِ الْعَفْوُ مِنْ عِنْدِكَ. ـ إلهِي ما أَنَا بِأَوَّلِ مَنْ عَصاكَ، فَتُبْتَ عَلَيْهِ، وَتَعَرَّضَ بِمَعْرُوفِكَ، فَجُدْتَ عَلَيْهِ، يا مُجِيبَ الْمُضْطَرِّ، يا كَاشِفَ الضُّرِّ، يا عَظِيمَ الْبِرِّ، يا عَليمَاً بِما فِي السِّرِّ، يا جَمِيلَ السِّتْرِ اسْتَشْفَعْتُ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ إلَيْكَ، وَتَوَسَّلْتُ بِجَنابِكَ وَتَرَحُّمِكَ لَدَيْكَ، فَاسْتَجِبْ دُعائِي، وَلا تُخَيِّبْ فِيكَ رَجائِي وَتَقَبَّلْ تَوْبَتِي وَكَفِّرْ خَطيئَتِي، بِمَنِّكَ وَرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
الدعاء