خطبة عن النفقة على الأولاد والأهل (أَفْضَلُ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ دِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى عِيَالِهِ)
أغسطس 17, 2019خطبة عن (بين الخوف والرجاء)
أغسطس 19, 2019الخطبة الأولى ( هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :(هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (52) ابراهيم
إخوة الإسلام
القرآن الكريم : هو حبل الله المتين ، وهو الذكر الحكيم ،والصراط المستقيم ،من عمل به أجر، ومن حكم به عدل ،ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم .القرآن الكريم : هو كتاب الله ، فيه نبأ ما قبلكم ، وخبر ما بعدكم ،وحكم ما بينكم ، هو الفصل ليس بالهزل ، من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أذله الله ،وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ، ولا تلتبس به الألسنة ، ولا يخلق عن كثرة الرد ، ولا تنقضي عجائبه ،القرآن الكريم: أساس رسالة التوحيد، والمصدر القويم للتشريع، ومنهل الحكمة والهداية، والرحمة المسداة للناس، والنور المبين للأمة، والمحجة البيضاء التي لا يزغ عنها إلا هالك ، وموعدنا اليوم إن شاء الله مع آية من كتاب الله ، نتلوها ، ونتفهم معانيها ، ونسبح في بحار مراميها ، ونعمل إن شاء الله بما جاء فيها ، مع قوله تعالى : (هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (52) ابراهيم ،فقد جاء في تفسير الطبري: يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَذَا الْقُرْآن بَلَاغ لِلنَّاسِ , أَبْلَغَ اللَّه بِهِ إِلَيْهِمْ فِي الْحُجَّة عَلَيْهِمْ , وَأَعْذَرَ إِلَيْهِمْ بِمَا أَنْزَلَ فِيهِ مِنْ مَوَاعِظه وَعِبَره { وَلِيُنْذَرُوا بِهِ } يَقُول : وَلِيُنْذَرُوا عِقَاب اللَّه , وَيَحْذَرُوا بِهِ نَقَمَاته , أَنْزَلَهُ إِلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . { وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَه وَاحِد } يَقُول : وَلِيَعْلَمُوا بِمَا اِحْتَجَّ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ الْحُجَج فِيهِ أَنَّمَا هُوَ إِلَه وَاحِد , لَا آلِهَة شَتَّى , كَمَا يَقُولهُ الْمُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ , وَأَنْ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الْأَرْض , الَّذِي سَخَّرَ لَهُمْ الشَّمْس وَالْقَمَر وَاللَّيْل وَالنَّهَار وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَات رِزْقًا لَهُمْ , { وَلِيَذَّكَّر أُولُوا الْأَلْبَاب } يَقُول : وَلِيَتَذَكَّر فَيَتَّعِظ بِمَا اِحْتَجَّ اللَّه بِهِ عَلَيْهِ مِنْ حُجَجه الَّتِي فِي هَذَا الْقُرْآن , فَيَنْزَجِر عَنْ أَنْ يَجْعَل مَعَهُ إِلَهًا غَيْره , وَيُشْرِك فِي عِبَادَته شَيْئًا سِوَاهُ أَهْل الْحِجَى وَالْعُقُول , فَإِنَّهُمْ أَهْل الِاعْتِبَار وَالِادِّكَار , دُون الَّذِينَ لَا عُقُول لَهُمْ وَلَا أَفْهَام , فَإِنَّهُمْ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلّ سَبِيلًا ،ويقول السعدى : { هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ } أي: يتبلغون به ويتزودون إلى الوصول إلى أعلى المقامات وأفضل الكرامات، لما اشتمل عليه من الأصول والفروع، وجميع العلوم التي يحتاجها العباد.{ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ } لما فيه من الترهيب من أعمال الشر وما أعد الله لأهلها من العقاب، { وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ } حيث صرف فيه من الأدلة والبراهين على ألوهيته ووحدانيته، ما صار ذلك حق اليقين، { وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ } أي: العقول الكاملة ما ينفعهم فيفعلونه، وما يضرهم فيتركونه، وبذلك صاروا أولي الألباب والبصائر، إذ بالقرآن ازدادت معارفهم وآراؤهم، وتنورت أفكارهم لما أخذوه غضًّا طريًّا فإنه لا يدعو إلا إلى أعلى الأخلاق والأعمال وأفضلها، ولا يستدل على ذلك إلا بأقوى الأدلة وأبينها ،وهذه القاعدة إذا تدرب بها العبد الذكي لم يزل في صعود ورقي على الدوام في كل خصلة حميدة. وفي الوسيط لطنطاوي : أي : هذا القرآن الكريم الذى أنزلناه عليك يا محمد ، فيه التبليغ الكافي لهداية الناس ، وفيه ما يخوفهم من سوء عاقبة الكفر والفسوق والعصيان ، وفيه ما يجعلهم يعلمون عن طريق توجيهاته وهداياته ودلائله ، أن الله – تعالى – واحد لا شريك له ، وفيه ما يجعل أصحاب العقول السليمة يتعظون ويعتبرون ، فيترتب على ذلك سعادتهم في الدنيا والآخرة ، وقد خص الله سبحانه – بالتذكر أولى الألباب ، لأنهم هم الذين ينتفعون بهداية القرآن الكريم ، أما غيرهم فهم كالأنعام بل هم أضل . وقد رتب – سبحانه – في هذه الآية ، وسائل الدعوة إلى الحق ترتيبا عقليا حكيما ، فبدأ بالصفة العامة وهى التبليغ ، ثم ثنى بما يعقب ذلك من إنذار وتخويف ، ثم ثلث بما ينشأ عنهما من العلم بوحدانية الله – تعالى – ثم ختم الثناء على أصحاب العقول السليمة الذين ينتفعون بما يسمعون وبما يبصرون . وقال صاحب الظلال :” إن الغاية الأساسية من ذلك البلاغ وهذا الإنذار، هي : أن يعلم الناس «أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ» .. فهذه هي قاعدة دين الله التي يقوم عليها ،منهجه في الحياة ، وليس المقصود بطبيعة الحال مجرد العلم، إنما المقصود : هو إقامة حياتهم على قاعدة هذا العلم.. المقصود هو الدينونة لله وحده، ما دام أنه لا إله غيره. فالإله هو الذي يستحق أن يكون رباً- أي حاكماً وسيداً ومتصرفاً ومشرعاً وموجهاً- وقيام الحياة البشرية على هذه القاعدة يجعلها تختلف اختلافاً جوهرياً عن كل حياة تقوم على قاعدة ربوبية العباد للعباد- أي حاكمية العباد للعباد ودينونة العباد للعباد- وهو اختلاف يتناول الاعتقاد والتصور، ويتناول الشعائر والمناسك كما يتناول الأخلاق والسلوك، والقيم والموازين وكما يتناول الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكل جانب من جوانب الحياة الفردية والجماعية على السواء.
إن الاعتقاد بالألوهية الواحدة قاعدة لمنهج حياة متكامل وليس مجرد عقيدة مستكنة في الضمائر. وحدود العقيدة أبعد كثيراً من مجرد الاعتقاد الساكن.. إن حدود العقيدة تتسع وتترامى حتى تتناول كل جانب من جوانب الحياة.. وقضية الحاكمية بكل فروعها في الإسلام هي قضية عقيدة. كما أن قضية الأخلاق بجملتها هي قضية عقيدة. فمن العقيدة ينبثق منهج الحياة الذي يشتمل الأخلاق والقيم كما يشتمل الأوضاع والشرائع سواء بسواء. إن دين الله منهج شامل لجزئيات الحياة اليومية وتفصيلاتها. والدينونة لله وحده في كل تفصيل وكل جزئية من جزئيات الحياة اليومية وتفصيلاتها- فضلاً على أصولها وكلياتها- هي دين الله، وهي الإسلام الذي لا يقبل الله من أحد ديناً سواه” وقال عبد الكريم الخطيب :” قوله تعالى: «هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ.. » «هذا» إشارة إلى ما جاء في آيات الله من هدى، فيه بيان للناس، وبلاغ مبين. وحجة دامغة، تخرص كل مكابر، وتفحم كل معاند.. ففي كلمات الله التي حملها رسول الله إلى الناس، بلاغ لهم، وزاد طيّب، يتزودون به في طريقهم إلى الله، ويبلغون به شاطئ الأمن والسلام.
أيها المسلمون
(هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (52) ابراهيم ، إن المتأمل والمتدبر لهذه الآية الكريمة من كتاب الله يتبين له أمورا منها : أولا: أن القرآن الكريم هو بلاغ للناس جميعا، يحمل في مضامينه أضواء مشعة، تكشف الطريق إلى لهدى والإيمان: «هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ» . وثانيا: أنه مع هذا البلاغ المبين، وذلك البيان الكاشف، فإن كثيرا من الناس لا تكتحل أبصارهم بهذا النور، ولا تتفتح قلوبهم لهذا الخير.. وكلّ حظهم من هذا البلاغ المبين أنه حجة عليهم، وإنذار لهم بالعذاب الأليم: «وَلِيُنْذَرُوا بِهِ» ،وثالثا: أن الذين نظروا في آيات الله، وأعطوها آذانهم وقلوبهم، قد عرفوا بها طريقهم إلى الله، وعلموا أنه إله واحد، لا شريك له.. «وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ» .. ورابعا: أن في هذا الذي انكشف من أمر الناس، وموقفهم من آيات الله بين ضال لم يزده هذا البلاغ المبين إلا عمى وضلالا. وبين مهتد، زاده هذا البلاغ المبين هدى وإيمانا- في هذا وذلك عبرة وعظة، فليعتبر بهذا أهل البصائر، وليتذكر أولو الألباب والعقول.. الذين هم أهل لهذا الخطاب المبين، من ربّ العالمين”
أيها المسلمون
سُئِلَ بعض العلماء : أية آية تصلح أن تكون عنواناً على القرآن كله بحيث أذا كتبت على ظهر المصحف كانت تعريفاً كاملاً به ، شاملاً لجميع المعاني الكليّة التي يجدها المتصفح فيه كما تعرف الكتب الكبيرة بجمل قصيرة ، فكان جواب هذا العالم : الآية التي تصلح لذلك هي قوله تعالى : (هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (52) ابراهيم ، فكيف يشقى المسلمون وعندهم القرآن الذي أسعد سلفهم ؟ أم كيف يتفرقون ويضلون وعندهم الكتاب الذي جمع أولهم على التقوى ؟ فلو أنهم اتبعوا القرآن وأقاموا القرآن لما سخر منهم الزمان وأنزلهم منزلة الضعة والهوان ولكن الأولين آمنوا فأمنوا واتبعوا فارتفعوا ، ونحن فقد آمنا إيماناً معلولاً ، واتبعنا اتباعاً مدخولاً ، وكل يجني عواقب ما زرع ، فسر القرآن ليس في هذا الحفظ الجاف الذي نحفظه ، ولا في هذه التلاوة الشلاء التي نتلوها ، وليس من المقاصد التي أُنزل لتحقيقها تلاوته على الأموات ، ولا اتخاذه مكسبة ، . وإنما السر كل السر في تدبره وفهمه ، وفي اتباعه والتخلق بأخلاقه ، قال الله تعالى :(كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (29) ص ،وقال الله تعالى : (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (155) الأنعام ، وهذه هي الطريقة الواحدة التي اتبعها المسلمون الأولون فسعدوا باتباعها والاستقامة عليها ، وهذا هو الإسلام متجلياً في آيات القرآن ، دين واحد جاء به نبي واحد عن إله واحد ، وما ظنك بدين تحفه الوحدة من جميع جهاته ؟ أليس حقيقاً أن يسوق العالم إلى عمل واحد وغاية واحدة واتجاه واحد على السبيل الجامعة من عقائده وآدابه ؟ أليس حقيقاً أن يجمع القلوب التي فرّقت بينها الأهواء ، والنفوس التي باعدت بينها النزعات ، والعقول التي فرق بينها تفاوت الاستعداد ؟ بلى والله إنه لحقيق بكل ذلك ،ولكن الأمة الاسلامية اليوم معرضة عن القرآن مشغولة عنه بما لا يفيد ، معتقدة فيه العقائد السخيفة مستغنية عن فهمه بحفظه مع تقصيرها في أداء لفظه ،ولقد وصفه شرف الدين البوصيري وصفاً لا غاية بعده من كلام المخلوق في الروعة الشعرية وتمكن الاقتباس وصدق التمثيل فقال :
الله أكبر إن دين محمد وكتابه أقوى وأقوم قيلا
طلعت به شمس الهداية للورى وأبى لها وصف الكمال أفول
والحق أبلج في شريعته التي جمعت فروعاً للهدى وأصولا
لا تذكروا الكتْب السوالف عنده طلع الصباح فأطفئوا القنديلا
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إن العالم في عذاب ، وعندكم كنز الرحمة ؛ وإن العالم في احتراب ، وعندكم منبع السلم ؛ وإن العالم في غمّة من الشك ، وعندكم مشرق اليقين . فهل يجمل بكم أن تعطلوه فلا تنتفعوا به ولا تنفعوا ؟ أحيوا قرآنكم تحيوا به ، حققوه يتحقق وجودكم به . أفيضوا من أسراره على سرائركم ومن آدابه على نفوسكم ومن حكمه على عقولكم تكونوا به أطباء ويكن بكم دواء .وكما أتى القرآن لأول نزوله بالعجائب والمعجزات في إصلاح البشر فإنه حقيق ،بأن يأتي بتلك المعجزات في كل زمان إذا وجد ذلك الطراز العالي من العقول التي فهمته , وذلك النمط السامي من الهمم التي نشرته وعممته , فإن القرآن لا يأتي بمعجزاته ولا يؤتي آثاره في إصلاح النفوس إلا إذا تولته بالفهم عقول كعقول السلف وتولته بالتطبيق العملي نفوس سامية وهمم بعيدة كنفوسهم وهممهم . أما انتشاره بين المسلمين بهذه الصورة الجافة من الحفظ المجرد , وبهذا النمط السخيف من الفهم السطحي , وبهذا الأسلوب التقليدي من التفسير اللفظي – فإنه لا يفيدهم شيئا ولا يفيد بهم شيئا . بل يزيدهم بعداً عن هدايته ويزيد أعداءهم استخفافا بهم وإمعانا في التكالب عليهم والتحكم في رقابهم وأوطانهم , ولو فهمنا القرآن كما فهمه السلف , وعملنا به كما عملوا به , وحكمناه في نفوسنا كما حكموه وجعلنا أهواءنا ومشاربنا تابعة وموزونة بميزانه –لو فعلنا ذلك لكنا به أعزة في أنفسنا وأئمة لغيرنا ،فالله عز وجل يسر القرآن لعباده ، كما قال سبحانه : ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ) القمر/ 17 ،فمن طلب خيره نال منه ، ومن تعلمه رفع الله به ، وليس فيه من غوامض الأمور والمعاني الباطنة ما اختص الله به طائفة دون أخرى ، إلا ما يفتح الله به على بعض أهله من الفهم الصحيح والقول السديد الذي لا يخالف أمر الدين في شيء منه صغير أو كبير. والقرآن المجيد لم ينزله الله على قلب رسوله صلى الله عليه وسلم لمجرد التلاوة فقط ، وإنما أنزله ليتدبروه ويتفكروا في آياته ؛ فيزدادوا إيمانا مع إيمانهم ؛ كما قال تعالى :( وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ) التوبة/ 124، 125. فعلى المسلم أن يتجرد لله ، وأن يهتدي بهداه سبحانه ، وأن لا يخرج عن صراط الله المستقيم ، وأن يتبع ولا يبتدع ولا يقلد المبتدع ، وأن يلزم جماعة المسلمين ، وأن لا يأخذ إلا عن أهل العلم الذين خصهم الله بفضله ، وعصم طريقهم من الزلل ؛ لأنهم ورثة الأنبياء .
الدعاء