خطبة عن ( اسم الله: ( القريب )
أكتوبر 15, 2016خطبة عن (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ)
أكتوبر 15, 2016الخطبة الأولى ( مع كل محنة منحة .. ومن المحن تأتى المنح )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته:(لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ ) النور 11 ،وقال تعالى : (سَيَجْعَلُ اللهُ بعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا)[الطلاق:7] ،وقال الحسن: لما نزل قولُ الله تعالى: (فإنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا*إنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) [الشرح:5-6] ،خرج النبي صلى الله عليه وسلم مسرورًا فرحًا وهو يقول : ” لن يغلبَ عُسرٌ يُسْرين” مرسل: رواه الحاكم في المستدرك, وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :ما أصبتُ بمصيبةٍ إلاَّ ونظرتُ أنَّ الله تعالى أنعم عليَّ فيها بثلاث نِعَم :الأولى :أن الله تعالى هوَّنها عليَّ ,ولم يصبني بأعظم منها, وهو قادر على ذلك. والثانية :أنَّ الله تعالى جعلها في دنياي ولم يجعلها في ديني ,وهو قادرٌ على ذلك. والثالثة :أنَّ الله تعالى يُثيبني عليها يوم القيامة.
إخوة الإسلام
قد ينظر الإنسان إلى الظواهر ويترك البواطن، فينظر إلى آلام المخاض وينسى فرحة الميلاد، إن الذهب حينما يستخرج خاماً لابد أن يوضع في النار حتى ينقى من الشوائب ويصير ذا قيمة كذلك تفعل المحن بالمسلم ، قال تبارك وتعالى: ﴿ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ﴾ (آل عمران: 141). فالإسلام لا يتألق إلا في أجواء التحدي، والمسلمون لا يعودون إلى دينهم إلا إذا أحسوا أنه في خطر، ومن المحن تأتي المنح، ولا تنظر إلى سوء الحال بل انظر إلى حسن المآل. فانظر معي : أم موسى تلقيه في اليم فيربيه فرعون ويكون ما يكون، ويوسف يُلقى في البئر فيرفع على عرش مصر، وغلام الأخدود يُقتل فيدخل الناس في دين الله ويقع ما كان يحذر الملك. وقال عليٌّ رضي الله عنه: وكـــمْ للَّـهِ مـِن لطـفٍ خـفيٍّ يَدقُّ خَفـاهُ عن فهمِ الذكيِّ وكمْ يُسرٍ أتى من بعدِ عُسـرٍ ففَرَّجَ كُربةَ القلبِ الشَّجيِّ
وكم أمرٌ تُســاءُ بهِ صباحــًا فتأتيكَ المَسَـــرَّةَ بالعَشِيِّ إذا ضاقتْ بكَ الأحوالُ يومًا فثِـقْ بالواحـدِ الفردِ العليِّ
ولا تجزعْ إذا ما نابَ خَطْبٌ فكَـمْ للَّــهِ مـنْ لُطـفٍ خَفيِّ
فثقوا في وعد الله ونصره، واعلموا أن مع العسر يسرا، وإياكم واليأس أو الإحباط، وإياكم أيضاً والتهور أو الطيش أو الاستعجال، دين الله غالب ووعد الله متحقق ولابد، لكن لله سنن كونية ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز. قال تعالى : { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [النور:55]، فليراجع كل منا حاله مع ربه وحال أهله وبيته وأولاده ،فليراجع كل منا عبوديته لله ليرفع عنا ما نحن فيه وليمكن لنا في الأرض كما مكن لآبائنا
أيها المسلمون
والحقيقة أن الدنيا برخائها وشقائها ابتلاء وامتحان , يفوز فيه المؤمن الشاكر على الرخاء الصابر على البلاء , ويخسر فيه الجاحد للنعمة المتأفف في المحنة ،فالإسلام في الحقيقة قائم على الشكر والصبر كما نعلم , قال صلى الله عليه وسلم : (عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ) رواه مسلم ،فمن الحقائق التي لا بد أن يعلمها المسلمون , أن الله لا يقضي لخلقه إلا الخير , وإن بدت في الظاهر والصورة شر ،فليس عند الله شر محض , وإنما قد يكون الشر لخير يعقبه ويخلفه ,
قال تعالى : { وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } البقرة/216 ،وحتى لا يتسلل الظن السيء بالله إلى قلوب بعض المسلمين , وحتى لا يشككوا في محبته ولطفه بخلقه وعباده , كان لا بد أن يتعرف المسلم على فوائد الابتلاءات , حتى يعلم كل واحد منا عظيم فضل الله تعالى ورحمته به , ويوقن بأن يعلموا أن المنحة تصاحبها المنحة ,وللمحن فوائد كثيرة ومتعددة ، ومنها : أنها تظهر الصديق من العدو وتعرف الإنسان محبيه من مبغضيه فيظهرون وقت الشدة، أما المحب فيقف بجانبك منصفاً، وأما المبغض فيقف وراءك شامتاً، والشماتة ليست من خلق المسلم وفي الأثر “لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك”،
وقد قال الشاعر: جَزى اللهُ الشدائدَ كلَّ خير ♦♦♦ عرَفتُ بها عدوِّى من صدِيقي
وفي المحن يبحث لك المحبون عن عذر، والمبغضون يبحثون لك عن عثرة، والمنصفون يوازنون الأمور حتى يحكموا بالعدل… وفي النهاية من المحن تأتى المنح. ومن فوائد المحن: أنها تؤدى إلى مراجعة النفس ومعرفة مسارها ومن أين أُتيت، فيصحح الإنسان مساره ويقاوم عيوبه فيصبح شخصاً آخر يقر بالحق ولا يعاند بالباطل، فيقر بخطئه ويعترف بذنبه ويتوب إلى ربه، وإن هذا المثل كمثل رجل عند ولده فهو يحبه لكنه يجده يخطئ ويتنكب الطريق، ومازال يتنكب حتى يخشى عليه من العثرات فهو من فرط حبه له، وإشفاقه عليه، يقسو عليه ويلزمه بأمور شديدة حتى يصنع منه رجلاً، قال الشاعر: قسا ليزدجروا ومن يك حازماً فليقسُ أحياناً على من يرحم
ومن فوائد المحن : أنها تظهر عجز الإنسان وافتقاره دائما لخالقه ومولاه , وهي بهذا المعنى تزيد من قوة عقيدة المسلم , وترفع من درجة يقينه وتوكله على ربه , وهو أمر في غاية الأهمية . فكم من الأمراض أعجزت الأطباء وحيرتهم , وكم من الأزمات والمعضلات أعادت المسلمين إلى التوكل الخالص على الله تعالى , بعد أن كانوا متعلقين بالأغيار , ممن لا يملك لهم ضرا ولا نفعا ،ومن فوائد المحن : – الشوق والحنين إلى الجنة , من خلال كثرة الابتلاءات والأحزان في هذه الدنيا , التي لا يمكن إلا أن يذوق الإنسان المسلم بعضا من كدرها وألمها , مما يزيده حبا وتعلقا بالآخرة التي لا كدر فيها ولا نصب ويرغبه فيها . وأنى لمسلم أن يشتاق إلى الجنة وهو يتقلب في نعيم الدنيا , ولم يذق بعض مرارتها وكدرها , وهذا ليس يأسا من الحياة أو تمنينا للموت لشدة أو كرب , وإنما شوقا إلى دار ليس فيها ذلك العنت الذي في الدنيا ،ومن فوائد المحن :أنها تعرف الإنسان قدر النعمة التي هو فيها فيشكر الله عليها ويحافظ عليها، إذ النعم منسيّة فإذا فقدت عُرفت، فيجتهد بالحفاظ على النعم بطاعة الله وإتقان العمل، وسد الثغرات وإصلاح النية. ومن فوائد المحن :أنها تخرج الطاقات الكامنة فتظهر قدرة الإنسان الحقيقية، وتعوده الجد بعد أن تعود الكسل، والنشاط بعد الخمول، والعمل لدين الله بعد أن أخذت الدنيا مجامع قلبه،… فمن المحن تأتى المنح. ومن فوائد المحن: أنها تعرف الإنسان حقيقة الدنيا، وأنها بين لحظة وأخرى تنقلب على صاحبها، ألا فليعمل لله فهو ضمان الفوز، ولا يشغل نفسه بالرزق والدنيا فهي آتية لا محالة. ولقد صدق القائل: أرى الدّنيا لمن هي في يديهِ عذاباً عند من كثرت لديه…
تهين المكرمين لها بصُغر وتكرم كل من هانت عليه … إذا استغنيت عن شيء فدعه وخذ ما أنت محتاجٌ إليه
ومن فوائد المحن: أنها تكفر الذنوب وتقرب من رب العباد وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يَزَالُ الْبَلاَءُ بِالْمُؤْمِنِ أَوِ الْمُؤْمِنَةِ فِي جَسَدِهِ وَفِى مَالِهِ وَفِى وَلَدِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَةٍ ». فالابتلاء يكفر الذنوب والمعاصي , ويكون بمثابة الشدة التي توقظ الغافل وتنبه الناسي , وتعيد البعيد عن الله إلى رحابه وفسيح عفوه ومغفرته , جاء في الحديث الصحيح عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ ) رواه البخاري ،ومن فوائد المحن: أنها تكسر القلب لله، وتزيل الكبر من النفس فيعود العبد ذليلاً بين يدى الله تعالى، وحينئذٍ يعود القلب قريباً من الله، بعيداً عن الشيطان. روى الإمام أحمد في كتاب (الزهد)، أن موسى عليه السلام سأل الله تعالى يوماً فقال: يا رب أين أجدك؟ قال عز وجل: “عند المنكسرة قلوبهم فإني أدنو منهم كل يوم قيراطاً ولولا ذلك لانصدعوا”. ومن فوائد المحن: أنها تجعل بين الإنسان وبين الخطأ والزلل حاجزاً نفسياً عميقاً، فلا يقع فيه مرة أخرى وتجعله يتخذ بعده سبيلا يرفعه ولا يخفضه، يعزه ولا يذله.
ومن فوائد المحن: أن الإنسان يحب من كان سببا في تنبيهه من غفلته، فلولا أن الله سخره لبقى التراب على السطح ولظل المعدن مدفوناً في الشوائب. وفي صحيح مسلم (جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ عَلَى أُمِّ السَّائِبِ أَوْ أُمِّ الْمُسَيَّبِ فَقَالَ « مَا لَكِ يَا أُمَّ السَّائِبِ أَوْ يَا أُمَّ الْمُسَيَّبِ تُزَفْزِفِينَ ». قَالَتِ الْحُمَّى لاَ بَارَكَ اللَّهُ فِيهَا. فَقَالَ « لاَ تَسُبِّى الْحُمَّى فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِى آدَمَ كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مع كل محنة منحة .. ومن المحن تأتى المنح )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ما حرمك الله إلا ليعطيك. فعطاؤه عطاء ، ومنعه عطاء ،فالله لم يخلقنا في الأرض لنشقى ، ولكن خلقنا لنسعد ونرضى
وبالمحن التي نتعرض لها يكون في باطنها المنح. فمحنة الجوع تعلمنا أن نشعر بالجوعى حينما نشبع فنطعمهم. ومحنة الظمأ تعلمنا أن لا نحرم أحد من الماء حينما نروى. ومحنة المرض تعلمنا أن نحاول تخفيف آلام المرضى ومساعدتهم حينما يرزقنا الله بالعافية. ومحنة الاغتراب والسفر تعلمنا قيمة الوطن والأهل. ومحنة الضلال تعلمنا بأن الهداية من أجمل النعم التي يرزق الله بها العبد. ومحنة الظلام تعلمنا معرفة قيمة النور. بعد الليل يأتي الفجر. وبعد الهم يأتي الفرج. وبعد الدمعة تأتى البسمة. وبعد الخوف يأتي الأمن. وبعد الفزع تأتى السكينة. ففي حادثة الإفك قال الله تعالى :” لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ ” النور 11 ، فمع المحنة تأتى المنحة.
أيها المسلمون
الابتلاء سنة إلهية ماضية في الناس , لا تتبدل ولا تتغير , وقد نبهنا القرآن الكريم لهذه السنة الإلهية كثيرا لنفهم حقيقة الدنيا التي نعيش فيها , فلا نتخيلها خالية من الأكدار والأحزان والابتلاءات , قال تعالى : { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} الملك/2 , وقال تعالى : { أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ } العنكبوت/2-3 . وقد ورد في الخبر : ( إنَّ هذه الدنيا دار الْتِواء لا دار اسْتِواء، ومنزِل تَرَحٍ لا منزل فرح، فَمَن عرفَها لم يفْرَح لِرَخاء، ولم يحْزن لِشَقاء، جعلها الله دار بلْوى، وجعل الآخرة دار عُقبى , فجَعَلَ بلاء الدنيا لِعَطاء الآخرة سببًا، وجعل عطاء الآخرة من بلْوى الدنيا عِوَضًا، فيأخُذ لِيُعْطي ويبْتلي ليُجْزي ) أخرجه الديلمي عن ابن عمر . وقال سفيان الثوري :لم يفقه عندنا من لم يَعُدّ البلاء نعمة ,والرخاء مصيبة. وقال وهب بن منبه :إذا سُلِك بك طريقُ البلاء سُلِك بك طريق الأنبياء. إنَّ مع العسر يسرًا ،والابتلاء يكشف معادن الرجال , ويميز الصفوف , ويهتك الستر عن المنافقين , ويظهر إيمان المؤمنين , قال تعالى : { مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ } آل عمران/179 ، يقول سيد قطب تعليقا على هذه الآية : ويقطع النص القرآني بأنه ليس من شأن الله سبحانه وليس من مقتضى ألوهيته ، وليس من فعل سنته ، أن يدع الصف المسلم مختلطاً غير مميز ، يتوارى المنافقون فيه وراء دعوى الإيمان ، ومظهر الإسلام ، بينما قلوبهم خاوية من بشاشة الإيمان ، ومن روح الإسلام ؛ فقد أخرج الله الأمة المسلمة لتؤدي دورا كونيا كبيرا ، وهذا الدور الكبير يقتضي التجرد والصفاء والتميز والتماسك ، ويقتضي ألا يكون في الصف خلل ، ولا في بنائه دخل وكل هذا يقتضى أن يصهر الصف ليخرج منه الخبث ، وأن يضغط لتتهاوى اللبنات الضعيفة
أيها المؤمن
لا تخشى من العواصف العاصفة ؟؟ .. فهي لمن يقدر بواطن الأمور حكمة نافعة .. وقد تكون جولة غضب محتمة لازمة .. تكتسح أمامها ما يغطي الأرض من مفاسد الناس بأيديها وتظل جاثمة .. وتزيل علامات الأدران وإشاراتها من فوق الساحات حتى تكون طاهرة .. فإذا مرت العاصفة بثورتها وغضبها وفورتها ففي أعقابها لا بد من رحمة لاحقة .. ولا بد من جولة للناس تكون النفوس فيها هادئة هانئة .. و خالية من العيوب والمنقصات التي كانت تملأ النفوس والأرض وكانت هالكة .. وللنهر رغم طيبته لحظات غضب وفيضانات كاسحة عارمة .. يمر معربداً ومزمجرا وثائراً ومحطماً كل ما يعترض طريقه غير عابئ بالمحصلات .. وطريق النهر فيه البريء وفيه المدان وفيه من يستأهل وفيه من لا يستأهل .. ولكن واجب النهر أن يكمل المشوار ويكمل الرسالة .. وهي التنظيف وإزالة الأدران وما كسبت أيد الناس .. فإذا مر السيل بالوادي بعد الاكتساح والشد والنزع يترك خلفه ودياناً تكتسي بالمروج الخضراء التي تسر الأعين .. والنهر بعد انحصاره من غضبة الفيضانات يغطي مواطن مشواره بالطمي الصالح الذي يجعل الأرض جوادا بالعطاء .. وتكون وديان النهر قد خلت من علامات الزيف ومن مخلفات البشر والشجر والحيوانات .. وخلت من المفاسد المعنوية والمادية .. فإذن العواصف لها رسالتها في إزالة ما يستحق من المشوهات .. والأنهار لها رسالتها في غسل وتنظيف ما يكدر الحياة ويمنع السعادة .
الدعاء