خطبة عن ( هذا هو رسول الله)
ديسمبر 6, 2016خطبة عن (منزلة الرسول عند ربه )
ديسمبر 6, 2016الخطبة الأولى (منزلة الرسول عند أصحابه )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. صاحب الخلق العظيم والقلب الرحيم ورحمة الله للخلق أجمعين اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) (29) الفتح
إخوة الإسلام
تناولت معكم في لقاءين سابقين صفات الرسول وأخلاقه ومنزلته عند ربه ، واليوم إن شاء الله موعدنا مع منزلته صلى الله عليه وسلم ومكانته عند أصحابه ( رضوان الله عليهم أجمعين) ، فمن المعلوم أن حب النبي صلى الله عليه وسلم بلغ في قلوب أصحابه مبلغه ، حتى بلغ حبه في قلوبهم أعظم من حبهم لأنفسهم وأولادهم والناس أجمعين ، لذلك ، فقد ضحوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الدفاع عنه ،ونشر دعوته ورسالته ، لأنهم يعلمون أن حبه من طاعة الله ،فمن أحب الله أحب رسوله ، ومن أتبع رسوله فقد أحب الله قال تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) آل عمران 31 ، لقد أحبوه ،لأنهم يعلمون أنه كان سببا في هدايتهم ،وإخراجهم من الظلمات إلى النور ،ومن الضلالة إلى الهدى ،ومن الشقوة إلى السعادة ، ومن الكفر إلى الإيمان ، يقول ابن رجب رحمه الله ( لولا رسالة محمد صلى الله عليه وسلم لكان أهل العراق مجوسا يعبدون النار ،ولكان أهل الشام و مصر نصارى يعبدون عيسى ولكان أهل جزيرة العرب كفارا يعبدون الأصنام ، فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي كان سببا في نجاتنا من النار ،وكان سببا في سجودنا للملك الديان كما قال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} الانبياء 107
أيها الموحدون
حب الرسول صلى الله عليه وسلم عند أصحابه لم يكن حبا باللسان ،أو حبا بالأقوال دون الأفعال كما يفعل البعض منا اليوم ، ولكنه ، كان حبا بالقلب يصدقه القول والعمل ، حبا تحول إلى واقع في حياتهم ،فإذا دعاهم للجهاد تسابقوا إليه ،وإذا أمرهم بأمر أطاعوه ، وإذا نهاهم عن شيء تركوه ، بل تحول حبه في قلوبهم إلى سلوك ،فهذا مهتم بنعله ، وهذا مهتم بوضوئه ، وذاك يصلح له دابته ، وآخر يحمل متاعه ،وهكذا ، بل تجاوز حبهم إلى أبعد من هذا ، فبلغ حبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أنهم راحوا يقتسمون شعر رأسه إذا حلق ،ويتقاسمون فضل وضوئه إذا توضأ ، يقول (عروة بن مسعود لقريش حينما أرسلوه ليفاوض النبي صلى الله عليه وسلم في الصلح في قصة الحديبية ، قال : دخلت على الملوك ، كسرى وقيصر والنجاشي فلم أرَ أحدا يعظمه أصحابه مثل ما يعظم أصحاب محمد محمدا ، كان إذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده ، وما يحدون إليه النظر تعظيما له ) ويتجسد هذا الحب أيضا في موقف هذه المرأة الصحابية ، المرأة الأنصارية من بني دينار التي قُتلَ زوجها وأخوها وأبوها في معركة أحد, فلما نعوا لها, قالت: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: خيرا يا أم فلان, هو بحمد الله كما تحبين, قالت: أرونيه حتى أنظر إليه؟ فأشاروا إليه حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل (تريد صغيرة). ومنها قصة الصديق رضي الله عنه لما ضربه المشركون عندما دافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ ) غافر 28 ، فضربوه حتى أغمي عليه, وبعد إفاقته كان أول ما تكلم به أن قال: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فلما أخبر بحاله قال: إن لله عليَّ أن لا أذوق طعاما ولا شرابا, حتى آتى رسول الله صلى الله عليه وسلم،
أيها المؤمنون
جاء في صحيح البخاري : (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ – رضى الله عنه جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَقُولُ فِى رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ » وفي سنن الترمذي (نْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى قِيَامُ السَّاعَةِ فَقَامَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الصَّلاَةِ فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ قَالَ « أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ قِيَامِ السَّاعَةِ ». فَقَالَ الرَّجُلُ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « مَا أَعْدَدْتَ لَهَا » قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَبِيرَ صَلاَةٍ وَلاَ صَوْمٍ إِلاَّ أَنِّى أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ وَأَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ ». فَمَا رَأَيْتُ فَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ الإِسْلاَمِ فَرَحَهُمْ بِهَذَا)، وفي المعجم الاوسط (عن عائشة قالت جاء رجل إلى النبي فقال : يا رسول الله والله إنك لأحب إلي من نفسي وإنك لأحب إلي من أهلي وأحب إلي من ولدي وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك فلم يرد عليه النبي حتى نزل جبريل بهذه الآية { ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين } الآية
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (منزلة الرسول عند أصحابه )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. صاحب الخلق العظيم والقلب الرحيم ورحمة الله للخلق أجمعين اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
تروي كتب السيرة قصة زيد بن الدثنة رضي الله عنه لما أخرجه المشركون إلى التنعيم ليقتلوه, وسأله المشركون ننشدك الله يا زيد, أتحب أن محمداً عندنا الآن في مكانك تضرب عنقه, وأنك في أهلك؟ قال: والله ما أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه, وأنا جالس في أهلي, فضحكوا. قال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمدا ) ، وفي صحيح البخاري : (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ كَانَتْ تَبْسُطُ لِلنَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – نِطَعًا فَيَقِيلُ عِنْدَهَا عَلَى ذَلِكَ النِّطَعِ – قَالَ – فَإِذَا نَامَ النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – أَخَذَتْ مِنْ عَرَقِهِ وَشَعَرِهِ ، فَجَمَعَتْهُ فِى قَارُورَةٍ ، ثُمَّ جَمَعَتْهُ فِى سُكٍّ ) ، وفي صحيح مسلم : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ دَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ عِنْدَنَا فَعَرِقَ وَجَاءَتْ أُمِّى بِقَارُورَةٍ فَجَعَلَتْ تَسْلُتُ الْعَرَقَ فِيهَا فَاسْتَيْقَظَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا هَذَا الَّذِى تَصْنَعِينَ ». قَالَتْ هَذَا عَرَقُكَ نَجْعَلُهُ فِى طِيبِنَا وَهُوَ مِنْ أَطْيَبِ الطِّيبِ.)
أيها الموحدون
ولم يكن الصحابة فحسب هم الذين أحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحب ، بل أحبه كل شيء ، أحبه الجذع الذي كان يخطب عليه ،كما في صحيح البخاري (جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ – رضى الله عنهما – يَقُولُ كَانَ الْمَسْجِدُ مَسْقُوفًا عَلَى جُذُوعٍ مِنْ نَخْلٍ فَكَانَ النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – إِذَا خَطَبَ يَقُومُ إِلَى جِذْعٍ مِنْهَا ، فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ ، وَكَانَ عَلَيْهِ فَسَمِعْنَا لِذَلِكَ الْجِذْعِ صَوْتًا كَصَوْتِ الْعِشَارِ ، حَتَّى جَاءَ النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَكَنَتْ) ،وأحبه جبل أحد كما في صحيح البخاري (عَنْ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ »
إخوة الاسلام
إذا كانت الجمادات أحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن الأولى أن نحبه صلى الله عليه وسلم ،ونتمنى رؤيته ، ونشتاق إلى لقائه ، كما في صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِى لِى حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِى يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِى بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ ». وكما أننا نشتاق إلى رؤيته صلى الله عليه وسلم فهو أيضا يشتاق إلينا ، ففي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَتَى الْمَقْبُرَةَ فَقَالَ« السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا ». قَالُوا أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « أَنْتُمْ أَصْحَابِى وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ ». فَقَالُوا كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ « أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَىْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلاَ يَعْرِفُ خَيْلَهُ ». قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ » .
الدعاء