خطبة عن (من مواقف العزة عند رسول الله)
ديسمبر 6, 2016خطبة عن ( الوفاء من أخلاق الرسول)
ديسمبر 6, 2016الخطبة الأولى ( من أخلاق الرسول العزة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا) فاطر: 10 ، وقال سبحانه : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) المنافقون: 8 ، وفي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِى هُرَيْرَةَ قَالاَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الْعِزُّ إِزَارُهُ وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ فَمَنْ يُنَازِعُنِي عَذَّبْتُهُ ».
إخوة الإسلام
العِزُّ في الأَصل القوة والشدة والغلبة، والرفعة والامتناع ، وعَزَّ الرجلُ إِذا قوي بعد ذِلَّة، وصار عزيزًا وأَعَزَّه اللهُ ، العزة خلق محمود، وهي من أعظم أخلاق الإسلام، فالمسلم لا يهان ولا يستضعف ولا يستخف به، وأعظم ما يعتز به المسلم دينه وكتاب ربه عز وجل. وقد حرم الإسلام على المسلم أن يهان، أو يستذل، أو يستضعف، فالعزة والإباء والكرامة من أبرز الخلال التي نادى الإسلام بها، وغرسها في أنحاء المجتمع، وتعهد نماءها بما شرع من عقائد وبما سنّ من تعاليم ، والعزة المقصودة ليست بمعنى التكبر على الناس والاستعلاء عليهم، والنظر إليهم على أنهم لا يستحقون الاهتمام فضلًا عن الاحترام، وإنما المقصود بها شعور المسلم أنه صاحب حقٍّ، وأنّ دينه هو الدين الحقُّ الذي لابد أن يسود وينتشر. وأنه ـ أي المسلم ـ صاحب كرامة لابد أن تحفظ، وألا يتعدى عليها، ومن هذه الحقوق أن يبلغ دين الله وأن يستمع الناس له، وأن يسعى لنيل حقوقه دون تهاون أو مهادنة، وألا يتنازل عن شيء من دينه أو دعوته تحت ضغط أو إكراه.. ولقد وصف الله عز وجل نفسه بالعزة، فقال تعالى ” إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ” إبراهيم: 47 ، وأخبرنا سبحانه أنه صاحب العزة وحده. لا ينازعه فيها أحد ، فقال تعالى : (أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ) النساء: 139، وهكذا يصبح سبيل العزة الوحيد لمن يريدها أن يلتمسها من الله عز وجل وحده، وأن يصبح ممّن أفاض الله عليهم بنعمة العزة، وخصّهم بها من دون البشر : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) ،ولقد مدح الله عز وجل عباده الذين يحبهم ويحبونه بأنهم أعزة على الكافرين، فقال: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )المائدة: 54 ، والعِزَّة، (خُلُق بين خُلُقين، أحدهما: الكِبْر، والآخر: الذُّل والهَوَان، والنَّفس (إذا انحرفت عن خُلُق العِزَّة -التي وهبها الله للمؤمنين- انحرفت إمَّا إلى كِبْرٍ، وإمَّا إلى ذُّلٍّ. والعِزَّة المحمودة بينهما ، فالفضيلة بين رزيلتين ) . وقد ذكر الله العِزَّة في مواطن، فمدحها حينًا، وذمَّها حينًا آخر، فمن الأوَّل الممدوح: في قوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [المنافقون: 8]، وقال تعالى: (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) [الصَّافَّات: 180]، ومن الثَّاني المذموم : قوله تعالى: ( بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ )[ص: 2]، وبيان ذلك: أنَّ العِزَّة التي هي لله – جلَّ وعلا -، ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وللمؤمنين – رضوان الله عليهم – هي الدَّائمة الباقية ؛ وهي العِزَّة الحقيقيَّة. والعِزَّة التي هي للكافرين والمخَالفين فهي: التَّعزُّز، وهو – في الحقيقة – ذُلٌّ )
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( من أخلاق الرسول العزة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والعزة من أعظم ما اتصف به رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخلاق، وقد دلَّ على ذلك مواقفه وكلماته في الموقف المختلفة، ولكن قبل الحديث عن العزة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم نوضح إشكالاً قد يطرحه البعض وهو : كيف تكون العزة لله جميعًا، ثم تكون لرسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين؟ وقد تساءل الشيخ الشرباصي عن هذا الإشكال فقال: قد يعترض معترض فيقول: كيف نجمع بين قول الحقّ سبحانه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر: 10]، وقوله عزَّ من قائل: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8]. والجواب: أنّه لا تنافي بين الآيتين ؛ لأنَّ العزّ الذي هو للرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين هو في الحقيقة ملك لله ومخلوق له ، وعزّه سبحانه هو المصدر لكلِّ عزّ، ومن ثَمّ يكون عزّ الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين مستمدّ من عزّ الله عز وجل.
وعلى هذا فالعزُّ كلُّه لله، والعزّة التي عند الإنسان لا تكون فضيلة محمودة إلاّ إذا استظلّت بظلّ الله، واحتمت بحماه.
أمّا عزّة الكفّار المشار إليها في الآية الكريمة:{بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} ص 2 . فهي تعزُّز، وهو في الحقيقة ذلٌّ؛ لأنّه تشبّع من الإنسان بما لم يعطه، وقد تستعار العزّة للأنفة والحميَّة المذمومة، كما في قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ} [البقرة: 206]. وكلّ ذلك ليس من العزِّ الحقيقيِّ في شيء . ونواصل الحديث عن خلق العزة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم في لقاء قادم إن شاء الله
الدعاء