خطبة عن ( الوفاء من أخلاق الرسول)
ديسمبر 6, 2016خطبة عن ( الرسول قدوتنا )
ديسمبر 7, 2016الخطبة الأولى ( من أخلاق الرسول الوفاء )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) الأنعام 152 ،وروى الحاكم في مستدركه : (عن أنس بن مالك رضي الله عنه : عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : تقبلوا لي بست أتقبل لكم الجنة قالوا : و ما هي ؟ قال : إذا حدث أحدكم فلا يكذب و إذا وعد فلا يخلف و إذا أؤتمن فلا يخن و غضوا أبصاركم و كفوا أيدكم و احفظوا فروجكم )
إخوة الإسلام
من الأخلاق الفاضلة، والشمائل الطيبة، التي تحلى بها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الوفاء بالعهد، وأداء الحقوق لأصحابها، وعدم الغدر، امتثالاً لأمر الله في كتابه العزيز حيث قال: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا الا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله اوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون} [الأنعام: 152]. وقد تخلق الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الخلق الكريم ، سواء في تعامله مع ربه جل وعلا، أو في تعامله مع أزواجه، أو أصحابه، أو حتى مع أعدائه. ففي تعامله مع ربه كان صلى الله عليه وسلم وفياً أميناً، فقام بالطاعة والعبادة خير قيام، وقام بتبليغ رسالة ربه بكل أمانة ووفاء، فبيّن للناس دين الله القويم، وهداهم إلى صراطه المستقيم، وفق ما جاءه من الله، وأمره به، قال تعالى: { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [النحل: 44]. وفي سنن البيهقي (عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِى عَمْرٍو عَنِ الْمُطَّلِبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « مَا تَرَكْتُ شَيْئًا مِمَّا أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِهِ إِلاَّ وَقَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ وَلاَ تَرَكْتُ شَيْئًا مِمَّا نَهَاكُمُ اللَّهُ عَنْهُ إِلاَّ وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ ». وفي المستدرك للحاكم (عن ابن مسعود : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( ليس من عمل يقرب إلى الجنة إلا قد أمرتكم به و لا عمل يقرب إلى النار إلا قد نهيتكم عنه ) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكمل المؤمنين وفاءً مع أرحامه ، فهو يفي لذوي رحمه، ولو كانوا مشركين، ويفي لزوجته، ويفي لأصحابه وأنصاره ولمن أعان المسلمين وساندهم، ولو كان مشركًا ويفي لأصحاب الحقوق بحقوقهم ويفي بالعهود والمواثيق.. فالرسول صلى الله عليه وسلم لم ينس فضل أمه، ومعاناتها في رعايته في صغره ، لم ينس لها الرسول ذلك، فزار قبرها، واستأذن ربه أن يستغفر لها فلم يأذن له ، ولكن أذن له بزيارة قبرها، وهذا مما ينبغي على الأبناء تعلمه من الرسول نحو آبائهم، مهما كبر الابن ولو صار شيخًا أو امرأة عجوزًا ينبغي تذكر فضل الوالدين، ولو لم ير الأبناء كبير حنان منهما، فيكفي أنهما سبب وجوده في الحياة، يكفي أن الأم بذلت له من نفسها ودمها وقوتها، وحتى أمه من الرضاعة (حليمة بنت أبي ذؤيب)، وفّى لها رسول الله صلى الله عليه وسلم جزاء إرضاعها إياه، فأكرم ابنتها الشيماء (وهي أخته من الرضاعة) وكانت ترعاه في صغره، كما أكرم لخاطرها قومها بعد غزوة (حنين) وفتح الطائف ،فقد وقعوا في السبي، ولكنّ الرسول صلى الله عليه وسلم أكرمهم لخاطر ظئره (أي مرضعته) حليمة ويطلقهم الرسول صلى الله عليه وسلم وفاءً لأمه من الرضاع.. وكان وفياً مع زوجاته، فحفظ لخديجة رضي الله عنها مواقفها العظيمة، وبذلها السخي، وعقلها الراجح، وتضحياتها المتعددة، حتى إنه لم يتزوج عليها في حياتها، وكان يذكرها بالخير بعد وفاتها، ويصل أقرباءها، ويحسن إلى صديقاتها، وهذا كله وفاء لها رضي الله عنها. فقد روى الإمام أحمد في مسنده (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ أَثْنَى عَلَيْهَا فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ – قَالَتْ – فَغِرْتُ يَوْماً فَقُلْتُ مَا أَكْثَرَ مَا تَذْكُرُهَا حَمْرَاءَ الشِّدْقِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا خَيْراً مِنْهَا. قَالَ « مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْراً مِنْهَا قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ وَرَزَقَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلاَدَ النِّسَاءِ ». هكذا كان وفاؤه لزوجته خديجة رضي الله عنها مضرب المثل ولم يقاربه فيه أحد، حتى أن السيدة عائشة رضي الله عنها وهي ذات الحظوة عند الرسول صلى الله عليه وسلم كانت تغار من السيدة خديجة. رغم أنها لم ترها ، ويعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمامها أنه كان يحبها ففي صحيح مسلم (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا غِرْتُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- إِلاَّ عَلَى خَدِيجَةَ وَإِنِّي لَمْ أُدْرِكْهَا. قَالَتْ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ فَيَقُولُ « أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ ». قَالَتْ فَأَغْضَبْتُهُ يَوْمًا فَقُلْتُ خَدِيجَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا ». وما رأينا رجلًا يصل به الوفاء لزوجته الراحلة إلى أن يصرح بحبها أمام زوجته الحالية. ولكنه وفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا يدانيه وفاء وعلينا أن نتعلمه اقتداءً بسنته الشريفة، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يفرح لمقدم (هالة) أخت خديجة، ففي صحيح البخاري (عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – قَالَتِ اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خَدِيجَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – ، فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ فَارْتَاعَ لِذَلِكَ ، فَقَالَ « اللَّهُمَّ هَالَةَ » وفي المستدرك للحاكم (عن زيد بن هالة عن أبيه : أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو راقد فاسيقظ النبي صلى الله عليه و سلم و ضم هالة إلى صدره و قال : هالة هالة هالة كأنه صلى الله عليه و سلم سر به لقرابته من خديجة رضي الله عنها )
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( من أخلاق الرسول الوفاء )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيا مع أصحابه ، فها هو يبشر المهاجرين من أصحابه كما في المستدرك (عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : للمهاجرين منابر من ذهب يجلسون عليها يوم القيامة قد أمنوا من الفزع ) ، ومن وفائه لأصحابه موقفه مع حاطب بن أبي بلتعة مع ما بدر منه حين أفشى سر الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام في أشد المواقف خطورة، حيث كتب إلى قريش يخبرها بمقدم رسول الله وجيشه، فعفي عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، وفاء لأهل بدر، ففي صحيح البخاري (عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى رَافِعٍ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيًّا – رضى الله عنه – يَقُولُ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ قَالَ « انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً وَمَعَهَا كِتَابٌ ، فَخُذُوهُ مِنْهَا » . فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّوْضَةِ ، فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ فَقُلْنَا أَخْرِجِي الْكِتَابَ . فَقَالَتْ مَا مَعِي مِنْ كِتَابٍ . فَقُلْنَا لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ . فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا ، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – ، فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِى بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ ، يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « يَا حَاطِبُ ، مَا هَذَا » . قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لاَ تَعْجَلْ عَلَىَّ ، إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ ، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا ، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ ، يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي ، وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلاَ ارْتِدَادًا وَلاَ رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « لَقَدْ صَدَقَكُمْ » . قَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ . قَالَ « إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا ، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ » ولنا مع وفائه صلى الله عليه وسلم لقاء قادم إن شاء الله
الدعاء