خطبة عن ( من أخلاق الرسول: العزة)
ديسمبر 6, 2016خطبة عن ( من أخلاق الرسول: الوفاء)
ديسمبر 6, 2016الخطبة الأولى ( الوفاء من أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الامام احمد في مسنده : ( عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ أَثْنَى عَلَيْهَا فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ – قَالَتْ – فَغِرْتُ يَوْماً فَقُلْتُ مَا أَكْثَرَ مَا تَذْكُرُهَا حَمْرَاءَ الشِّدْقِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا خَيْراً مِنْهَا. قَالَ « مَا أَبْدَلَنِى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْراً مِنْهَا قَدْ آمَنَتْ بِى إِذْ كَفَرَ بِى النَّاسُ وَصَدَّقَتْنِى إِذْ كَذَّبَنِى النَّاسُ وَوَاسَتْنِى بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِى النَّاسُ وَرَزَقَنِى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِى أَوْلاَدَ النِّسَاءِ ».
إخوة الإسلام
ونستكمل اليوم إن شاء الله حديثنا عن وفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليكون لنا فيه أسوة حسنة : فلو تتبعنا سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم لوجدنا مواقفه من الوفاء لأصحابه من المهاجرين والأنصار لا تعد ولا تقارن ، ومنها وفاؤه لمن بايعوه من الأنصار بيعة العقبة في موسم الحج ،فقد وفى الأنصار بموعدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيعة العقبة الثانية، وجاءوا مع المشركين من قومهم دون أن يعلموا بهم ولما جلسوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جرى الحوار التالي: كما في مسند أحمد (عَنْ عَامِرٍ قَالَ انْطَلَقَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَمَعَهُ الْعَبَّاسُ عَمُّهُ إِلَى السَّبْعِينَ مِنَ الأَنْصَارِ عِنْدَ الْعَقَبَةِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَقَالَ « لِيَتَكَلَّمْ مُتَكَلِّمُكُمْ وَلاَ يُطِيلُ الْخُطْبَةَ فَإِنَّ عَلَيْكُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَيْناً وَإِنْ يَعْلَمُوا بِكُمْ يَفْضَحُوكُمْ ». فَقَالَ قَائِلُهُمْ وَهُوَ أَبُو أُمَامَةَ سَلْ يَا مُحَمَّدُ لِرَبِّكَ مَا شِئْتَ ثُمَّ سَلْ لِنَفْسِكَ وَلأَصْحَابِكَ مَا شِئْتَ ثُمَّ أَخْبِرْنَا مَا لَنَا مِنَ الثَّوَابِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَلَيْكُمْ إِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ. قَالَ فَقَالَ « أَسْأَلُكُمْ لِرَبِّى عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَأَسْأَلُكُمْ لِنَفْسِي وَلأَصْحَابِي أَنْ تُؤْوُنَا وَتَنْصُرُونَا وَتَمْنَعُونَا مِمَّا مَنَعْتُمْ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ ». قَالُوا فَمَا لَنَا إِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ قَالَ « لَكُمُ الْجَنَّةُ ». قَالُوا فَلَكَ ذَلِكَ. ) ، ووفى رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار بهذا الوعد، فقد روى البخاري في صحيحه (عَنْ أَبِى التَّيَّاحِ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا – رضى الله عنه – يَقُولُ قَالَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ – وَأَعْطَى قُرَيْشًا – وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْعَجَبُ ، إِنَّ سُيُوفَنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَاءِ قُرَيْشٍ ، وَغَنَائِمُنَا تُرَدُّ عَلَيْهِمْ . فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – فَدَعَا الأَنْصَارَ قَالَ فَقَالَ « مَا الَّذِى بَلَغَنِي عَنْكُمْ » . وَكَانُوا لاَ يَكْذِبُونَ . فَقَالُوا هُوَ الَّذِى بَلَغَكَ . قَالَ « أَوَلاَ تَرْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بِالْغَنَائِمِ إِلَى بُيُوتِهِمْ ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – إِلَى بُيُوتِكُمْ لَوْ سَلَكَتِ الأَنْصَارُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا ، لَسَلَكْتُ وَادِىَ الأَنْصَارِ أَوْ شِعْبَهُمْ » وقال لهم « لَوْ أَنَّ الأَنْصَارَ سَلَكُوا وَادِيًا أَوْ شِعْبًا ، لَسَلَكْتُ فِي وَادِى الأَنْصَارِ ، وَلَوْلاَ الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ » وفيه عن (أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ – رضى الله عنه – قَالَ كَانَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ تَقُولُ نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا عَلَى الْجِهَادِ مَا حَيِينَا أَبَدَا فَأَجَابَهُمُ صلى الله عليه وسلم (اللَّهُمَّ لاَ عَيْشَ إِلاَّ عَيْشُ الآخِرَهْ فَأَكْرِمِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ ) ، ثمّ جعل الرسول صلى الله عليه وسلم حب الأنصار علامة على الإيمان ففي البخاري(عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ
« آيَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ » ، وفيه ( أنه صلى الله عليه وسلم أخبر الأنصار أنهم أحب الناس إليه (أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ – رضى الله عنه – قَالَ جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَمَعَهَا صَبِىٌّ لَهَا ، فَكَلَّمَهَا رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ ، إِنَّكُمْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَىَّ »
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم عظيم الوفاء ليس للمسلمين فحسب بل ولمن أعان المسلمين وساندهم في الشدة ولو كان كافرًا، فأما إن كان مسلمًا فقد كان وفاؤوه عظيمًا لملك الحبشة النجاشي الذي آواى المهاجرن إلى بلاده من المسلمين ولم يسلمهم لقريش ، فوفاء له لما توفي النجاشي نعاه الرسول، وصلى عليه صلاة الغائب هو وأصحابه، وأمرهم بالاستغفار له فقد روى البخاري (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – نَعَى النَّجَاشِىَّ فِى الْيَوْمِ الَّذِى مَاتَ فِيهِ ، خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى ، فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا) ، وذلك كله جزاء وفاقًا لحمايته للمسلمين في بلدة الحبشة لمًا هاجروا إليها، ورفضه لردهم إلى قريش، عندما أرسلت إليه الهدايا ترشوه من أجل تسليم المسلمين ففي مسند أحمد : ( فَكَانَ الَّذِى كَلَّمَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِى طَالِبٍ فَقَالَ (فَلَمَّا قَهَرُونَا وَظَلَمُونَا وَشَقُّوا عَلَيْنَا وَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا خَرَجْنَا إِلَى بَلَدِكَ وَاخْتَرْنَاكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ وَرَغِبْنَا فِى جِوَارِكَ وَرَجَوْنَا أَنْ لاَ نُظْلَمَ عِنْدَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ. قَالَتْ فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ هَلْ مَعَكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ عَنِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالَتْ فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ نَعَمْ. فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ فَاقْرَأْهُ عَلَىَّ. فَقَرَأَ عَلَيْهِ صَدْراً مِنْ (كهيعص) قَالَتْ فَبَكَى وَاللَّهِ النَّجَاشِيُّ حَتَّى أَخْضَلَ لِحْيَتَهُ وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حَتَّى أَخْضَلُوا مَصَاحِفَهُمْ حِينَ سَمِعُوا مَا تَلاَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ النَّجَاشِيُّ إِنَّ هَذَا وَاللَّهِ وَالَّذِى جَاءَ بِهِ مُوسَى لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ انْطَلِقَا فَوَ اللَّهِ لاَ أُسْلِمُهُمْ إِلَيْكُمْ أَبَداً وَلاَ أَكَادُ.) ، وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيًا لعمه أبي طالب لمِا حاطه بحمايته أثناء تبليغه الدعوة بمكة، ورغم أنه مات كافرًا، إلا أنه بسبب النبي صلى الله عليه وسلم قد خفف عنه شيء من العذاب ، ففي البخاري : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ – رضى الله عنه – أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – وَذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ فَقَالَ « لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضَاحٍ مِنَ النَّارِ ، يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ ، يَغْلِى مِنْهُ دِمَاغُهُ » ، وكذلك كان النبي وفيًا للمطعم بن عدي الذي أجار الرسول بعد عودته من الطائف، وكان ممن سعوا في نقض صحيفة المقاطعة فقد روى البخاري (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ – رضى الله عنه – أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ
« لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِىٍّ حَيًّا ، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلاَءِ النَّتْنَي ، لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ » ، ومن صور الوفاء عند الرسول صلى الله عليه وسلم وفاؤه بالعهود والمواثيق سواء مع المسلمين أو غيرهم من أعداء الإسلام، أو حتى المواثيق المعقودة في الجاهلية ما دامت تدعو إلى برٍّ ووفاء، فقد روى أحمد في مسنده (قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : شَهِدْتُ حِلْفَ بَنِي هَاشِمٍ ، وَزَهْرَةَ ، وَتَيْمٍ ، فَمَا يَسُرُّنِي أَنِّي نَقَضْتُهُ وَلِيَ حُمْرُ النَّعَمِ ، وَلَوْ دُعِيتُ بِهِ الْيَوْمَ لأَجَبْتُ عَلَى أَنْ نَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ ، وَنَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَنَأْخُذَ لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ.) ، وهذا واضح المعنى في أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أوصى المسلمين بعدم التعرض لقوم ضماد، فقد روى مسلم (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ضِمَادًا قَدِمَ مَكَّةَ وَكَانَ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ وَكَانَ يَرْقِى مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ فَسَمِعَ سُفَهَاءَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يَقُولُونَ إِنَّ مُحَمَّدًا مَجْنُونٌ. فَقَالَ لَوْ أَنِّى رَأَيْتُ هَذَا الرَّجُلَ لَعَلَّ اللَّهَ يَشْفِيهِ عَلَى يَدَىَّ – قَالَ – فَلَقِيَهُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَرْقِى مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ وَإِنَّ اللَّهَ يَشْفِى عَلَى يَدِى مَنْ شَاءَ فَهَلْ لَكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ ». قَالَ فَقَالَ أَعِدْ عَلَىَّ كَلِمَاتِكَ هَؤُلاَءِ.
فَأَعَادَهُنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ثَلاَثَ مَرَّاتٍ – قَالَ – فَقَالَ لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ وَقَوْلَ السَّحَرَةِ وَقَوْلَ الشُّعَرَاءِ فَمَا سَمِعْتُ مِثْلَ كَلِمَاتِكَ هَؤُلاَءِ وَلَقَدْ بَلَغْنَ نَاعُوسَ الْبَحْرِ – قَالَ – فَقَالَ هَاتِ يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الإِسْلاَمِ – قَالَ – فَبَايَعَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَعَلَى قَوْمِكَ ». قَالَ وَعَلَى قَوْمِي – قَالَ – فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- سَرِيَّةً فَمَرُّوا بِقَوْمِهِ فَقَالَ صَاحِبُ السَّرِيَّةِ لِلْجَيْشِ هَلْ أَصَبْتُمْ مِنْ هَؤُلاَءِ شَيْئًا فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ أَصَبْتُ مِنْهُمْ مِطْهَرَةً. فَقَالَ رُدُّوهَا فَإِنَّ هَؤُلاَءِ قَوْمُ ضِمَادٍ.)
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الوفاء من أخلاق الرسول)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقد كان سبب فتح مكة هو الوفاء لخزاعة حليفة الرسول والمسلمين بعدها، بعد تعرضها للاعتداء من بني بكر وقريش في الحرم، فقد أخرج البيهقي ( عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ جَمِيعًا قَالاَ : كَانَ فِي صُلْحِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ أَنَّهُ مَنْ شَاءَ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ مُحَمَّدٍ وَعَهْدِهِ دَخَلَ وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ دَخَلَ فَتَوَاثَبَتْ خُزَاعَةُ فَقَالُوا نَحْنُ نَدْخُلُ فِي عَقْدِ مُحَمَّدٍ وَعَهْدِهِ وَتَوَاثَبَتْ بَنُو بَكْرٍ فَقَالُوا نَحْنُ نَدْخُلُ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ فَمَكَثُوا فِي تِلْكِ الْهُدْنَةِ نَحْوَ السَّبْعَةِ أَوِ الثَّمَانِيَةِ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ إِنَّ بَنِى بَكْرٍ الَّذِينَ كَانُوا دَخَلُوا فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ وَثَبُوا عَلَى خُزَاعَةَ الَّذِينَ دَخَلُوا فِي عَقْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَعَهْدِهِ لَيْلاً بِمَاءٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ الْوَتِيرُ قَرِيبٍ مِنْ مَكَّةَ فَقَالَتْ قُرَيْشٌ مَا يَعْلَمُ بِنَا مُحَمَّدٌ وَهَذَا اللَّيْلُ وَمَا يَرَانَا أَحَدٌ فَأَعَانُوهُمْ عَلَيْهِمْ بِالْكُرَاعِ وَالسِّلاَحِ فَقَاتَلُوهُمْ مَعَهُمْ لِلضِّغْنِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَإِنَّ عَمْرَو بْنَ سَالِمٍ رَكِبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عِنْدَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ خُزَاعَةَ وَبَنِى بَكْرٍ بِالْوَتِيرِ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُخْبِرُهُ الْخَبَرَ وَقَدْ قَالَ أَبْيَاتَ شِعْرٍ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْشَدَهُ إِيَّاهَا ( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« نُصِرْتَ يَا عَمْرَو بْنَ سَالِمٍ ». فَمَا بَرِحَ حَتَّى مَرَّتْ عَنَانَةٌ فِي السَّمَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « إِنَّ هَذِهِ السَّحَابَةَ لَتَسْتَهِلُّ بِنَصْرِ بَنِى كَعْبٍ ». وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- النَّاسَ بِالْجِهَازِ وَكَتَمَهُمْ مَخْرَجَهُ وَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُعَمِّىَ عَلَى قُرَيْشٍ خَبَرَهُ حَتَّى يَبْغَتَهُمْ فِي بِلاَدِهِمْ.)
أيها المسلمون
أما وفاؤه لأعدائه فظاهر كما في صلح الحديبة، حيث كان ملتزماً بالشروط وفياً مع قريش، (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ قُرَيْشًا صَالَحُوا النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فِيهِمْ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لِعَلِىٍّ « اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ». قَالَ سُهَيْلٌ أَمَّا بِاسْمِ اللَّهِ فَمَا نَدْرِى مَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَلَكِنِ اكْتُبْ مَا نَعْرِفُ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ فَقَالَ « اكْتُبْ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ ». قَالُوا لَوْ عَلِمْنَا أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ لاَتَّبَعْنَاكَ وَلَكِنِ اكْتُبِ اسْمَكَ وَاسْمَ أَبِيكَ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « اكْتُبْ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ». فَاشْتَرَطُوا عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكُمْ وَمَنْ جَاءَكُمْ مِنَّا رَدَدْتُمُوهُ عَلَيْنَا فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَكْتُبُ هَذَا قَالَ « نَعَمْ إِنَّهُ مَنْ ذَهَبَ مِنَّا إِلَيْهِمْ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ وَمَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ سَيَجْعَلُ اللَّهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا ». وروى مسلم : (حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ قَالَ مَا مَنَعَنِي أَنْ أَشْهَدَ بَدْرًا إِلاَّ أَنِّى خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِى – حُسَيْلٌ – قَالَ فَأَخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ قَالُوا إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا فَقُلْنَا مَا نُرِيدُهُ مَا نُرِيدُ إِلاَّ الْمَدِينَةَ. فَأَخَذُوا مِنَّا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَنَنْصَرِفَنَّ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلاَ نُقَاتِلُ مَعَهُ فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ فَقَالَ « انْصَرِفَا نَفِى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَنَسْتَعِينُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ ». ومن صور وفائه صلى الله عليه وسلم أنه قد التزم صلى الله عليه وسلم بما عقدت قريش من تقسيم للمسئوليات في (مكة) في الجاهلية من جعل اللواء مع بني عبد الدار والحجابة مع بني شيبة. وقد عدّ الرسول صلى الله عليه وسلم نقض العهد، وإخلاف الوعد من علامات المنافقين، كما في البخاري (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ » ، هذا هو وفاء النبي العظيم، أَنْعِم به من خلق كريم، تعددت مجالاته، وتنوعت مظاهره، فكان لكل صنف من الناس نصيب من وفائه صلى الله عليه وسلم، فهل أنت أخي المسلم لك نصيب من خلق نبيك ورسول صلى الله عليه وسلم ؟ ألا فكن من الأوفياء ولا تكن من الخائنين قال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ )
الدعاء