خطبة عن قوله تعالى (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)
نوفمبر 6, 2016خطبة عن (مقياس التفاضل بين الناس التقوى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)
نوفمبر 7, 2016الخطبة الأولى ( من أدب العشرة ، وحسن الصحبة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما :(عَنْ أَبِى مُوسَى – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا » . وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ )، وفي الصحيحين :(عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها قَالَتْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ » ، وفي سنن الترمذي ومسند أحمد وغيرهما : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ ».
إخوة الإسلام
إذا أراد الله بعبدٍ خيراً وفقه لمعاشرة أهل الصلاح والفلاح ، وأهل السنة والدين، ونزهه عن صحبة الأشرار والفجار ، وأهل الغفلة وأهل والفساد، واعلموا أن للصحبة وحسن العشرة آدابا وواجبات ، نتناول اليوم -إن شاء الله- بعضا منها ، لنتعرف عليها ، ونعمل بما جاء فيها : فمن آداب العشرة : حسن الخلق مع الإخوان والأقران والأصحاب، اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففي صحيح مسلم (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ )
وفي سنن أبي داود (عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ ». وفي سنن الترمذي :(عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ ». ومن آداب العشرة : معاشرة الموثوق بدينه وأمانته ظاهراً وباطناً : قال الله تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) المجادلة 22. فواجب على المؤمن أن يجانب طلاب الدنيا، فإنهم يدلونه على طلبها ومنعها، وذلك يبعده عن نجاته ويقظته عنها، ويجتهد في عشرة أهل الخير وطلاب الآخرة؛ ولذلك قال ذو النون لمن أوصاه: (عليك بصحبة من تسلم منه في ظاهرك، وتعينك رؤيته على الخير، ويذكرك مولاك). ومن آداب العشرة : الصفح عن عثرات الإخوان، وترك تأنيبهم عليها : قال الفضيل بن عياض: (الفتوة الصفح عن عثرات الإخوان)، وقال بعض الحكماء: (المؤمن طبعاً وسجية)، وقال ابن الأعرابي: (تناسى مساوئ الإخوان يدم لك ودهم). ومن آداب العشرة : قلة الخلاف للإخوان، ولزوم موافقتهم فيما يبيحه العلم والشريعة : قال أبو عثمان: (موافقة الإخوان خير من الشفقة عليهم). ومن آداب العشرة : أن يحمدهم على حسن ثنائهم، وإن لم يساعدهم باليد : ففي سنن الترمذي ومسند أحمد وغيرهما: (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ ». وقال علي كرم الله وجهه: (من لم يحمل أخاه على حسن النية، لم يحمده على حسن الصنعة ). ومن آداب العشرة : ألا يحسدهم على ما يرى عليهم من آثار نعمة الله، بل يفرح بذلك، ويحمد الله على ذلك كما يحمده إذا كانت عليه؛ فإن الله تعالى ذم (الحاسدين) على ذلك بقوله: (أَم يَحسُدُونَ الناسَ عَلى ما أتَاهُمُ اللَهُ مِن فَضلِهِ) النساء 54، وفي صحيح مسلم (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَقَاطَعُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا ». ومن آداب العشرة : ألا يواجههم بما يكرهون، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك. بل كان يقول كما عند النسائي والبيهقي (قَالَ صلى الله عليه وسلم:« مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا ) ، ومن آداب العشرة : ملازمة الحياء في كل حال، ففي الصحيحين :(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ » . وفي الصحيحين :(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما مَرَّ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – عَلَى رَجُلٍ وَهْوَ يُعَاتَبُ فِي الْحَيَاءِ يَقُولُ إِنَّكَ لَتَسْتَحْيِي . حَتَّى كَأَنَّهُ يَقُولُ قَدْ أَضَرَّ بِكَ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ »
ومن حسن العشرة صدق المروءة وصفاء المحبة، فإنها لا تتم إلا بهما. ومنها بشاشة الوجه، ولطف اللسان، وسعة القلب، وبسط اليد، وكظم الغيظ، وترك الكبر، وملازمة الحرمة، وإظهار الفرح بما رزق من عشرتهم وأخوتهم.
ومن آداب العشرة : ألا يصحب إلا عالماً، أو عاقلاً فقيهاً حليماً. قال ذو النون رحمة الله عليه: (ما خلع الله على عبدٍ من عبيده خلعةً أحسن من العقل، ولا قلده قلادةً أجمل من العلم، ولا زينه بزينةٍ أفضل من الحلم، وكمال ذلك التقوى).
وفي سنن الترمذي (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ » ومن آداب العشرة : سلامة قلبه للإخوان، والنصيحة لهم، وقبولها منهم، لقوله تعالى: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (89) ) الشعراء . وقال السقطي رحمه الله: (من أجل أخلاق الأبرار سلامة الصدر للإخوان والنصيحة لهم). ومن آداب العشرة : ألا يعدهم ويخالفهم، فإنه نفاق. ففي الحديث المتفق عليه (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ » ، وقال الثوري رحمه الله: (لا تعد أخاك وتخلفه فتعود المحبة بغضة). ومن آداب العشرة : صحبة من يستحيا منه ليزجره ذلك عن المخالفات؛ فقال قال عليٌّ كرم الله وجهه: (أحيوا الحياء بمجالسة من يستحيا منه). وقال أحمد بن حنبل رحمه الله: (ما أوقعني في بلية إلا صحبة من لا أحتشمه). ومنها : أن يراعي في صحبة إخوانه صلاحهم لا مرادهم، ودلالته على رشدهم لا على ما يحبونه. قال أبو صالح المزي، رحمه الله: (المؤمن من يعاشرك بالمعروف، ويدلك على صلاح دينك ودنياك، والمنافق من يعاشرك بالمماذعة، ويدلك على ما تشتهيه، والمعصوم من فرق بين الحالين). ومن آداب العشرة : ألا تؤذي مؤمناً، ولا تجاهل جاهلاً؛ لقوله عليه الصلاة والسلام كما في سنن الترمذي : (وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَكْرَهُ أَذَى الْمُؤْمِنِ » . وقال الربيع ابن خيثم رحمه الله: (الناس رجلان، مؤمن فلا تؤذه، وجاهلٌ فلا تجاهله) . ومن آداب العشرة : مطالبة الإخوان بحسن العشرة حسب ما يعاشرهم به؛ لقوله عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين : (عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ »). قال الحكيم: (صفوة العشرة للخلق، رضاك عنهم بمثل ما تعاشرهم به). وقال أبو بكر بن عياش رحمه الله : (اطلب الفضل بالإفضال منك، فإن الصنيعة إليك كالصنيعة منك) . ومنها : قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (ثلاث يصفين لك ود أخيك: أن تسلم عليه إذا لقيته، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحب أسمائه إليه). ومن حسن العشرة وآدابها : حمل كلام الإخوان على أحسن الوجوه ما وجدت ذلك. قال سعيد بن المسيب رضي الله عنه : (كتب إلي بعض إخواني من الصحابة أن ضع أمر أخيك على الأحسن ما لم تغلب). ومنها : معرفة اسم الإخوان واسم آبائهم لئلا تقصر في حقوقهم؛ ومنها : مجانبة الحقد، ولزوم الصفح، والعفو عن الإخوان ومنها : ملازمة الأخوة، والمداومة عليها، وترك الملل؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دَامَ وَإِنْ قَلَّ » متفق عليه ، وقال محمد بن واسع: (وليس لملولٍ صديقٌ ولا لحاسدٍ غناءٌ). ومنها : الإغضاء عن الصديق في بعض المكاره ، وقد قيل لبعضهم : ما تقول في حسن الصحبة وأدب المعاشرة ؟ فقال : (هي مع الله بالأدب، ومع الرسول عليه السلام بملازمة العلم واتباع السنة، ومع الأولياء بالاحترام والخدمة، ومع الإخوان بالبشر والانبساط وترك وجوه الإنكار عليهم، ما لم يكن خرق شريعة أو هتك حرمة، قال الله تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (199) ) الاعراف ، والصحبة مع الجهال بالنظر إليهم بعين الرحمة، ورؤية نعمة الله عليك إذ لم يجعلك مثلهم، والدعاء لله أن يعافيك من بلاء الجهل) . ومن حسن العشرة وآدابها : حفظ المودة القديمة والأخوة الثابتة، فقد روى مسلم (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا غِرْتُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- إِلاَّ عَلَى خَدِيجَةَ وَإِنِّي لَمْ أُدْرِكْهَا. قَالَتْ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ فَيَقُولُ « أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ ». قَالَتْ فَأَغْضَبْتُهُ يَوْمًا فَقُلْتُ خَدِيجَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا ». وفي رواية للترمذي ( مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ وَمَا بِي أَنْ أَكُونَ أَدْرَكْتُهَا وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لِكَثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَهَا وَإِنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشَّاةَ فَيَتَتَبَّعُ بِهَا صَدَائِقَ خَدِيجَةَ فَيُهْدِيهَا لَهُنَّ ) وقال محمد المغازلي رحمه الله: (من أحب أن تدوم له المودة، فليحفظ مودة إخوانه القدماء وأن يوسع الأخ على أخيه من ماله، ولا يطمع فيما له، وينصفه، ولا يطلب الإنصاف منه، ويستكثر قليل بره، ويستصغر من منابه عليه) . ومن حسن العشرة وآدابها : إيثار الإخوان بالكرامة على نفسه. قال أبو عثمان: (من عاشر الناس، ولم يكرمهم، وتكبر عليهم، فذلك لقلة رأيه وعقله؛ فإنه يعادي صديقه، ويكرم عدوه، فإن إخوانه في الله أصدقاؤه، ونفسه عدوه). ومنها : معرفة حقوق الفقراء، والقيام بحوائجهم وأسبابهم. وفي سنن النسائي عن (عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِى أَوْفَى يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُكْثِرُ الذِّكْرَ وَيُقِلُّ اللَّغْوَ وَيُطِيلُ الصَّلاَةَ وَيُقَصِّرُ الْخُطْبَةَ وَلاَ يَأْنَفُ أَنْ يَمْشِىَ مَعَ الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ فَيَقْضِىَ لَهُ الْحَاجَةَ ) . ومنها : ملازمة الأدب مع الإخوان وحسن معاشرتهم ؛فقد قال الجنيد رحمه الله، إذ سُئل عن الأدب: (إنه حسن العشرة). ومنها حفظ أسرار الإخوان ،فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (استعينوا على حوائجكم بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود) رواه الطبراني . وقال بعض الحكماء: (قلوب الأحرار قبور الأسرار). ومن حسن العشرة وآدابها : المشورة مع الإخوان وقبولها منهم. قال الله عز وجل: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) آل عمران 159 . ومنها : إيثار الأرفاق على الإخوان. قال الله تعالى: (وَيُؤثِرونَ عَلى أَنفُسِهم وَلَو كانَ بِهِم خَصاصَةٌ) الحشر 9. ومنها : التخلق بمحاسن الأخلاق. قال أبو محمد الحريري: (كمال الرجل في ثلاثة: الغربة، والصحبة، والفطنة؛ فالغربة لتذليل النفس، والصحبة للتخلق بأخلاق الرجال، والفطنة للتمكين). ومن حسن العشرة وآدابها : قلة مخالفة الإخوان في أسباب الدنيا ،لأنها أقل خطراً من أن يخالف فيها أخ من الإخوان. ومنها : أن تصاحب الإخوان على الوفاء والدين، دون الرغبة والرهبة والطمع. قال الحريري: (تعامل القرن الأول فيما بينهم بالدين زماناً طويلاً حتى رق الدين، ثم تعامل القرن الثاني بالوفاء حتى الوفاء، ثم تعامل القرن الثالث بالمروءة حتى ذهبت المروءة، ثم تعامل القرن الرابع بالحياء حتى ذهب الحياء، ثم صار الناس يتعاملون بالرغبة والرهبة).
ومن حسن العشرة وآدابها : ترك المداهنة في الدين مع من يعاشره. قال سهل بن عبد الله التستري: (لا يشم رائحة الصدق من داهن نفسه أو غيره). ومنها : قلة الخلاف على الإخوان، وتحري موافقتهم فيما يريدون في غير مخالفة الدين والسنة؛ ومنها القيام بأعذارهم، والذب عنهم، والانتصاب له، ومنها :احتمال الأذى، وقلة الغضب، والشفقة ،والبسط، والرحمة، أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ { أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي قَالَ : لَا تَغْضَبْ فَرَدَّدَ مِرَارًا ، وَقَالَ : لَا تَغْضَبْ }. وفي مسند أحمد: (قُلْتُ مَا الإِسْلاَمُ قَالَ « طِيبُ الْكَلاَمِ وَإِطْعَامُ الطَّعَامِ » ،وفي البخاري عن :(جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ » ، ومنها : الانبساط لإخوانه في النفس والمال، وألا يرى بينه وبينهم فرقاً، ومنها : مجانبة التباغض والتدابر والتحاسد، كما في الصحيحين (أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ – رضى الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « لاَ تَبَاغَضُوا ، وَلاَ تَحَاسَدُوا ، وَلاَ تَدَابَرُوا ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا ، وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ » . فأمرهم صلى الله عليه وسلم بإسقاط ذلك في حق الأخوة، ونزهها عن هذه الخصال الذميمة. ومن حسن العشرة وآدابها : التآلف مع الإخوان على بغض الدنيا، فإنه لا يقع بينهم المخالفة إلا بسببها. وفي مسند أحمد (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الْمُؤْمِنُ يَأْلَفُ وَلاَ خَيْرَ فِيمَنْ لاَ يَأْلَفُ وَلاَ يُؤْلَفُ ». ومنها : أدب العشرة مع النسوان والأهل، لأن الله خلقهن ناقصات عقل ودين، فيعاشرهن بالمعروف على حسب ما جبلهن الله عليه ، وفي سنن الترمذي (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي) وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: (عقل المرأة جمالها، وجمال الرجل عقله). ومنها :حسن العشرة مع الخادم، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هُمْ إِخْوَانُكُمْ ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ ، فَمَنْ جَعَلَ اللَّهُ أَخَاهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ ، وَلاَ يُكَلِّفُهُ مِنَ الْعَمَلِ مَا يَغْلِبُهُ ، فَإِنْ كَلَّفَهُ مَا يَغْلِبُهُ فَلْيُعِنْهُ عَلَيْهِ » متفق عليه . وكان آخر كلامه عليه السلام وهو محتضر: (الصلاة وما ملكت أيمانكم). وقال أنس رضي الله عنه: (فَخَدَمْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- تِسْعَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ فَعَلْتُهُ لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا وَمَا قَالَ لي لِشَيْءٍ لَمْ أَفْعَلْهُ أَلاَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا ) رواه احمد. وفي الصحيحين (رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ رَدُّ السَّلاَمِ ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ » .
ومن حسن العشرة مع أهل الأسواق والتجار إلا تخلف وعدهم وتعذرهم في خلف الوعد إذ لا يمكن الخروج من حقك إلا في الوقت الذي يسره الله عليه وافرح بربح أخيك كفرحك بربحك؛ ففي الصحيحين (عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ » . ومن حسن العشرة وآدابها : العفو عن هفوة الإخوان في النفس والمال دون أمور الدين والسنة، لقوله تعالى: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (22) النور . ومنها :حسن الجوار، وأن يأمنك جارك في أسبابه: في نفسه ودينه وأهله وماله وولده؛ ففي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ » . وقوله عليه الصلاة والسلام: ( ما آمن بي من بات شبعانا وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به ) ومن حسن العشرة وآدابها : طلاقة الوجه والاسترسال، فقد روى مسلم عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ ،قَالَ لِيَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ ». وفي صح مسلم قال صلى الله عليه وسلم « إِنَّ سَاقِىَ الْقَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبًا » ،وقال يحيى بن أكثم: بت ليلةً عند أمير المؤمنين المأمون، فانتبهت وأنا عطشان، فوثب من مرقده، فجاءني بماءٍ، ومنها: أن يشارك إخوانه في المكروه والمحبوب، لا يتلون عليهم في الحالين جميعاً. ومنها إلا يمن على من يحسن إليه، ويشكر ما يصل إليه منهم. قال عروة: كتب رجل إلى عبد الله بن جعفر رقعة، وجعلها، في ثني وسادته التي يتكئ عليها، فقلب عبد الله الوسادة، فبصر بالرقعة، فقرأها وردها إلى موضعها، وجعل مكانها كيساً، فيه خمسمائة دينار، فجاء الرجل، فدخل عليه، فقال له: قلبت النمرقة؟ فخذ ما تحتها، فأخذ الرجل الكيس وخرج وهو ينشد: زادَ مَعروفَكَ عِندي عِظَماً … أَنَهُ عِندَكَ مَيسورٌ حَقير .. تَتَناساهُ كَأَن لَم تَأتِهِ … وَهُوَ عِندَ الناسِ مَشهورٌ كَبير ، ومنها : إلا يقبل على إخوانه قول واش نمام، لقول الخليل بن أحمد: (من نم لك نم عليك، ومن أخبرك خبرغيرك أخبره بخبرك ، وَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ،ومنها: الوفاء للإخوان في الحياة والوفاة، لقول بعض الحكماء: (من لم يف للإخوان كان مغموز النسب).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أدب العشرة ، وحسن الصحبة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن آداب الصحبة وحسن العشرة : أن تكون الشفقة على الأخ الموافق أكثر من الشفقة على الولد. قال أبو زائدة: كتب الأحنف إلى صديق له: أما بعد، فإذا قدم أخلك موافق، فليكن منك بمنزلة السمع والبصر؛ فإن الأخ الموافق أفضل من الولد المخالف. ألم تسمع قول الله عز وجل لنوح عليه السلام في ابنه: (إِنَهُ لَيسَ مِن أَهلِكَ إِنَهُ عَمَلٌ غَيرَ صَالِحٍ) هود 46. ومنها : الاجتهاد في ستر عورات الإخوان وقبائحهم، وإظهار مناقبهم، وكونهم يداً واحدةً في جميع الأوقات. ففي صحيح مسلم (عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ». ومنها :ألا يهجر الأخ بغضة بل هجر استبقاء لوده وقطع مقالة واش عنه ؛ وفي الصحيحين (وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ » ،ومنها: التودد للإخوان بالاصطناع إليهم والصفح عنهم. وفي سنن الترمذي ( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ وَإِنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ وَأَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ أَخِيكَ » ،ومنها : الدوام للإخوان على حسن العشرة، وإن وقعت بينهم وحشةٌ أو نفرة، فلا يترك كرم العهد، ولا يفشي الأسرار المعلومة في أيام الأخوة. ومنها: التغافل عن الإخوان. قال جعفر بن محمد الصادق: (عظموا أقدراكم بالتغافل). ومنها :ترك الوقيعة فيهم. قال المهاجري: (قال أعرابي لرجل: قد استدللت على عيوبك بكثرة ذكرك لعيوب الناس،). ومنها : قبول العذر من فاعله ،صدق أو كذب؛ قال عبد الله بن المبارك: (المؤمن طالب عذر إخوانه، والمنافق طالب عثراتهم). ومنها : التسارع إلى قضاء حاجة رافعها إليك، لقول جعفر الصادق: (إني لأسارع إلى قضاء حوائج الإخوان مخافة أن يستغنوا عني بردي إياهم). وقال ابن المنكدر: (لم يبق من الله إلا قضاء حوائج الإخوان). ومنها :ألا ينسيك بعد الدار كرم العهد والنزوع إلى مشاهدة الإخوان. قال ابن الأنباري: (من كرم الرجل حنينه إلى أوطانه، وشوقه إلى إخوانه).
ومنها : صون السمع عن سماع القبيح، واللسان عن نطقه؛ ومنها: الأدب في الاستئذان واستعمال السنة فيه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « الاِسْتِئْذَانُ ثَلاَثٌ فَإِنْ أُذِنَ لَكَ وَإِلاَّ فَارْجِعْ » ،ومنها :إلا يصوم إذا دعاه أخ إلا بإذنه؛ وإن نوى الصوم فليفطر تحرياً لسروره؛ ففي سنن البيهقي (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ : صَنَعْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- طَعَامًا فَأَتَانِي هُوَ وَأَصْحَابُهُ فَلَمَّا وُضِعَ الطَّعَامُ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ : إِنِّي صَائِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « دَعَاكُمْ أَخُوكُمْ وَتَكَلَّفَ لَكُمْ ». ثُمَّ قَالَ لَهُ :« أَفْطِرْ وَصُمْ مَكَانَهُ يَوْمًا إِنْ شِئْتَ ». ومنها: الرغبة في زيارة الإخوان والسؤال عن أحوالهم؛ ففي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- « أَنَّ رَجُلاً زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ أَيْنَ تُرِيدُ قَالَ أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ.
قَالَ هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا قَالَ لاَ غَيْرَ أَنِّى أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ ». وكان عبد الله بن مسعود يقول: (كنا إذا افتقدنا الأخ أتيناه، فإن كان مريضاً كانت عيادةً، وإن كان مشغولاً كانت عوناً، وإن كان غير ذلك كانت زيارةً). ومن حسن العشرة وآدابها : أن تصاحب كلاً من الإخوان على قدر طريقته. قال شبيب بن شيبة: (لا تجالس أحداً بغير طريقةٍ، فإنك إذا أردت لقاء الجاهل بالعلم، واللاهي بالفقه، والغبي بالبيان، آذيت جليسك). ومن حسن العشرة وآدابها : إنصاف الإخوان من نفسه، ومواساتهم من ماله؛ ومنها: الصبر على جفاء الإخوان، وإسقاط التهمة عنهم بعد صحة الأخوة. ومنها: تعظيم حرمة المشايخ، والرحمة والشفقة على الإخوان، لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في مسند احمد : « لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا ) وعند أبي داود (« إِنَّ مِنْ إِجْلاَلِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ) ،ومنها: ألا يكلم الأحداث بحضرة الشيوخ أو الكبار في السن . وفي صحيح مسلم (ثُمَّ أَقْبَلَ هُوَ وَأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ فَذَهَبَ مُحَيِّصَةُ لِيَتَكَلَّمَ وَهُوَ الَّذِى كَانَ بِخَيْبَرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِمُحَيِّصَةَ « كَبِّرْ كَبِّرْ ». يُرِيدُ السِّنَّ فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ ثُمَّ تَكَلَّمَ مُحَيِّصَةُ. ) ،ومنها :أن الإنسان إذا أراد سفراً يسلم على إخوانه ويزورهم، فلعل لأحدهم حاجةً في وجهته، ومنها :ألا يتغير عن إخوانه إذا حدث له غنىً. ومن حسن العشرة وآدابها : ألا يغرق في الخصومة، ويترك للصلح موضعاً؛ فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، في سنن الترمذي (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أُرَاهُ رَفَعَهُ قَالَ « أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا ». وقيل لأبي سفيان بن حرب: (بم نلت هذا الشرف؟ قال: ما خاصمت رجلاً إلا جعلت للصلح بينناً موضعاً). ومنها معرفة الرجال ومعاشرتهم على حسب ما يستحقونه، فقد قيل: إن فتى جاء إلى سفيان بن عيينة من خلفه فجذبه، وقال: يا سفيان، حدثني فالتفت سفيان إليه،. وقال: يا بني، من جهل أقدار الرجال، فهو بنفسه أجهل. ومن حسن العشرة وآدابها : ألا يعاشر من يخالفه في اعتقاده. قال يحيى بن معاذ: (من خالف عقدك عقده خالف قلبك قلبه ) ،ومنها معرفة حق من سبقك بالمودة. قال بلال بن سعيد: (من سبقك بالود، فقد استرقك بالشكر). ومن حسن العشرة وآدابها : ترك التطرية والثناء بعد صحبة الأخوة والمودة. ففي الصحيحين (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَثْنَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ « وَيْلَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ ، قَطَعْتَ عُنَقَ صَاحِبِكَ » . مِرَارًا ثُمَّ قَالَ – « مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ لا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ أَحْسِبُ فُلاَنًا ، وَاللَّهُ حَسِيبُهُ ، وَلاَ أُزَكِّى عَلَى اللَّهِ أَحَدًا ، أَحْسِبُهُ كَذَا وَكَذَا إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُ » .
الدعاء