خطبة عن (من دلائل النبوة أخلاقه وشمائله الدالة على نبوته)
مايو 1, 2016خطبة عن (أخلاقه صلى الله عليه وسلم وشمائله دالة على نبوته)
مايو 1, 2016الخطبة الأولى ( من دلائل النبوة أخلاقه صلى الله عليه وسلم وشمائله الدالة على نبوته )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (159) آل عمران
إخوة الإسلام
ومن دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم من خلال أخلاقه وشمائله وأحواله : زهادته في الدنيا وإعراضه عنها ترقباً لجزاء الله في الآخرة، ولو كان دعياً يفتري الكذب لما فرط في دنيا يفتري ابتغاء الكسب فيها، فإعراضُه صلى الله عليه وسلم عن الدنيا وزهدُه في متاعها دليل نبوته ورسالته. وأول ما نلحظه أنه صلى الله عليه وسلم ما كان يطلب أجراً على نبوته من أحد، بل كان يقول بمثل ما قال إخوانُه الأنبياء من قبل: ( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ) (ص: 86). واستغناء الأنبياء عن أجر الناس وجزائهم دليل على نبوتهم، وأنهم يرقبون الأجر من الله، ولذا لما دعا مؤمن آل ياسين قومه للإيمان بأنبياء الله قال لهم: ( قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ ) (يـس: 20-21). ودعونا نتأمل بعض صنيعه صلى الله عليه وسلم وبعضَ ما أنزل الله إليه ، ثم ننظر هل هذا صنيعُ دعي كذاب، أم هو أدبُ النبوة وعبق الرسالة؟ كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤثِر حياة الزهد، ويدعو الله أن يجعله من أهلها، فكثيراً ما تبتل إلى ربه مناجياً: « اللَّهُمَّ أَحْيِنِى مِسْكِينًا وَأَمِتْنِى مِسْكِينًا وَاحْشُرْنِى فِى زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » الترمذي . وخيره ربه بين المُلكِ في الأرض وبين حياة الشظف والقِلة، فاختار صلى الله عليه وسلم شظف العيش زهادة منه في الدنيا وترفعاً على متاعها، ففي مسند أحمد (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ جَلَسَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا مَلَكٌ يَنْزِلُ فَقَالَ جِبْرِيلُ إِنَّ هَذَا الْمَلَكَ مَا نَزَلَ مُنْذُ يَوْمِ خُلِقَ قَبْلَ السَّاعَةِ فَلَمَّا نَزَلَ قَالَ يَا مُحَمَّدُ أَرْسَلَنِى إِلَيْكَ رَبُّكَ أَفَمَلَكاً نَبِيًّا يَجْعَلُكَ أَوْ عَبْداً رَسُولاً قَالَ جِبْرِيلُ تَوَاضَعْ لِرَبِّكَ يَا مُحَمَّدُ. قَالَ « بَلْ عَبْداً رَسُولاً ». وإذا تأملنا حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، ونظرنا كيف كان يعيش صلى الله عليه وسلم في بيته، فإننا نرى عجباً، فلكم بقي عليه الصلاة والسلام طاوياً على الجوع ، لا يجد ما يأكله، وهو رسولُ الله وصفوتُه من خلقه، (فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ – صلى الله عليه وسلم – مِنْ طَعَامٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى قُبِضَ ) رواه البخاري . ورآه عمر رضي الله عنه يتلوى من الجوع، فما يجد رديء التمر يسد به جَوعَتَه ، ثم رأى صلى الله عليه وسلم ما أصاب الناس من الدنيا ، ففي مسلم : ( ذَكَرَ عُمَرُ مَا أَصَابَ النَّاسُ مِنَ الدُّنْيَا فَقَالَ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَظَلُّ الْيَوْمَ يَلْتَوِى مَا يَجِدُ دَقَلاً يَمْلأُ بِهِ بَطْنَهُ.) والدقل: هو التمر الرديء. وحين يجد النبي صلى الله عليه وسلم طعاماً فإنما يجد خبز الشعير فحسب، يقول ابن عباس حاكياً حال ابن عمه صلى الله عليه وسلم ،كما في صحيح الترمذي : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَبِيتُ اللَّيَالِىَ الْمُتَتَابِعَةَ طَاوِيًا وَأَهْلُهُ لاَ يَجِدُونَ عَشَاءً وَكَانَ أَكْثَرُ خُبْزِهِمْ خُبْزَ الشَّعِيرِ. ). ومع ذلك فما كان يجد ما يشبعه منه. وهذا الشعير الذي لم يشبع منه صلى الله عليه وسلم كان من رديء الشعير، لا من جيده، فقد كان غير منخول. ففي البخاري : (فَقَالَ سَهْلٌ مَا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – النَّقِىَّ مِنْ حِينَ ابْتَعَثَهُ اللَّهُ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ . قَالَ فَقُلْتُ هَلْ كَانَتْ لَكُمْ فِى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – مَنَاخِلُ قَالَ مَا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – مُنْخُلاً مِنْ حِينَ ابْتَعَثَهُ اللَّهُ حَتَّى قَبَضَهُ . قَالَ قُلْتُ كَيْفَ كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ الشَّعِيرَ غَيْرَ مَنْخُولٍ قَالَ كُنَّا نَطْحَنُهُ وَنَنْفُخُهُ ، فَيَطِيرُ مَا طَارَ وَمَا بَقِىَ ثَرَّيْنَاهُ فَأَكَلْنَاهُ ) ومعنى :ثريناه [أي: بللناه بالماء] فأكلناه.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( من دلائل النبوة أخلاقه صلى الله عليه وسلم وشمائله الدالة على نبوته )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وتحكي أم المؤمنين عائشة لابن أختها عروة حال بيوتات النبي صلى الله عليه وسلم ، فتقول كما في البخاري (عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – أَنَّهَا قَالَتْ لِعُرْوَةَ ابْنَ أُخْتِى ، إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلاَلِ ثُمَّ الْهِلاَلِ ، ثَلاَثَةَ أَهِلَّةٍ فِى شَهْرَيْنِ ، وَمَا أُوقِدَتْ فِى أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – نَارٌ . فَقُلْتُ يَا خَالَةُ مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ قَالَتِ الأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ ، إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – جِيرَانٌ مِنَ الأَنْصَارِ كَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ ، وَكَانُوا يَمْنَحُونَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – مِنْ أَلْبَانِهِمْ ، فَيَسْقِينَا . ) ، وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم دُعي أبو هريرة رضي الله عنه إلى شاة مشوية، فأبى أن يأكل، وقال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير. وتدخل امرأة وابنتاها على أم المؤمنين عائشة يشكون الجوع، فما الذي وجدوه في بيت النبي صلى الله عليه وسلم ؟ تجيبنا أم المؤمنين عائشة كما في البخاري (عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – قَالَتْ دَخَلَتِ امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا تَسْأَلُ ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِى شَيْئًا غَيْرَ تَمْرَةٍ فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا ، فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا ، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ ، فَدَخَلَ النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – عَلَيْنَا ، فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ « مَنِ ابْتُلِىَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَىْءٍ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ »، وفي مرة أخرى يطرق باب النبي صلى الله عليه وسلم ضيف، فلا يجد عليه الصلاة والسلام ما يضيفه، فيرسل إلى بيوته يسأل نساءه، فلا يجد عندهن شيئاً سوى الماء، فلم يجد رسول الله بُداً من الطلب من أصحابه أن يضيِّفوه. ومع ذلك كله فقد كان لسانه صلى الله عليه وسلم لا يفتَر أن يطلب دوام حال الكفاف والزهادة ، فيقول داعياً ربه: ((اللهم ارزق آلَ محمدٍ قوتاً)). قال القرطبي: “معنى الحديث أنه طلب الكفاف , فإن القوت ما يقوت البدن ويكف عن الحاجة, وفي هذه الحالة سلامة من آفات الغِنى والفقر جميعاً”. ونستكمل إن شاء الله الدعاء