خطبة من صفات عِبَاد الرَّحْمَنِ: التواضع وعدم التكبر (يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا )
مارس 15, 2016خطبة عن ( أنواع البدع وأقسامها )
مارس 16, 2016الخطبة الأولى ( من صفات عِبَاد الرَّحْمَنِ (الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : ( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ) (الفرقان:63-76).
إخوة الإسلام
هذه الآيات هي لوحة قرآنية ، رسمت فيها صفات عباد الرحمن، وبين الله فيها معالمهم وصفاتهم، وجعلهم نموذجًا يقتدَى بهم ويتأسّى بهم. وعباد الرحمن هم المنسوبون إلى الله وحده، فكما أن هناك عبادًا للشيطان وللطاغوت وللشهوات، فإن هناك عبادًا لله، وكما أن هناك عبادًا للدنيا والنساء، فإن هناك عبيدًا لله وحده.هؤلاء العباد الذين يئس الشيطان من أن يغويَهم أو يجد منفذًا للسيطرة عليهم، فقد أقسم كما قال جل وعلا: ( قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) [ص: 82، 83]، وقال تعالى: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ) [الحجر: 42]. وعباد الرحمن نسبهم الله إلى ذاته نسبة تشريف: إنه الرحمن ، الذي علم أنهم أهل لرحمته، وأن رحمته تحيطهم عن يمينٍ وشمال ومن فوقهم ومن تحتهم. فهل تريد يا عبد الله، أن تكون من عباد الرحمن؟ ، أتريد أن تنتسب إلى الله عز وجل؟ أتريد أن تكون واحدًا من هؤلاء؟ ،ما عليك إلا أن تتصف بصفات عباد الرحمن قولاً وعملاً، فما أكثر من يقول: أنا من عباد الرحمن، ولكن أفعاله تقول غير ذلك ، ففي هذه الآيات الكريمة يصف الله عباده المكرمين، وأولياءه الصَّالحين، فكانت أوَّل صفة امتدحهم بها الله تبارك وتعالى أنهم : ( الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً ) وهي صفة الوَقَار، (والمعنى: أنَّهم يمشون بسكينة ووقار وتواضع، لا يضربون الأرض بأقدامهم، ولا يَخَفْقِون بنعالهم أشَرًا ولا بطَرًا) ،وقال ابن كثير: أي: بسكينة ووقار من غير جبريَّة ولا استكبار، كما قال تعالى : ( وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً ) الإسراء: 37
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( من صفات عِبَاد الرَّحْمَنِ (يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فعباد الرحمن يمشون من غير استكبار ولا مَرَح، ولا أشَرٍ ولا بَطَرٍ، وليس المراد بأنَّهم يمشون على الأرض هونا أنهم يمشون كالمرْضَى والضعفة ومن أصابه الوهن ، لا ، فقد كان سيِّد ولد آدم صلى الله عليه وسلم إذا مشى كأنَّما ينحطُّ من صَبَب، وكأنَّما الأرض تُطوى له. ففي سنن الترمذي (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَأَنَّ الشَّمْسَ تَجْرِى فِي وَجْهِهِ وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْرَعَ فِي مَشْيِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَأَنَّمَا الأَرْضُ تُطْوَى لَهُ إِنَّا لَنُجْهِدُ أَنْفُسَنَا وَإِنَّهُ لَغَيْرُ مُكْتَرِثٍ. ) ،وقد كره بعض السَّلف المشي بتضعُّف وتصنُّع، حتى رُوي عن عمر أنَّه رأى شابًّا يمشي رويدًا، فقال: ما بالك؟ أأنت مريض؟ قال: لا، يا أمير المؤمنين! فعلاه بالدِّرَّة، وأمره أن يمشي بقوَّة ). لأن المراد بالهَوْن – هاهنا -: هو السَّكينة والوَقَار) ،وقال الله تبارك وتعالى: ( وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ) [لقمان: 19]. فهذه إحدى وصايا لقمان الحكيم لابنه وهو يعظه، وفيها أمرٌ بالسَّكينة والوَقَار حال مَشْيه بين النَّاس، قال البغوي : (أي: ليكن مَشْيك قصدًا لا تخيُّلًا ولا إسراعًا ). وقال الخازن: (أي: ليكن في مِشْيتك قصدٌ بين الإسراع والتَّأنِّي، أمَّا الإسراع فهو من الخُيَلاء، وأمَّا التَّأنِّي فهو أن يُرَى في نفسه الضَّعف تزهُّدًا، وكلا الطَّرفين مذمومٌ، بل ليكن مَشيك بين السَّكينة والوَقَار)، وقال الحسن البصري رحمه الله: ( إن المؤمنين قوم ذلت منهم والله الأسماع والأبصار والجوارح، و دخلهم من الخوف ما لم يدخل غيرهم، ومنعهم من الدنيا علمهم بالآخرة ). ونستكمل الموضوع في لقاء قادم إن شاء الله
الدعاء