خطبة عن (شهر المحرم وصيام عاشوراء)
يوليو 15, 2023خطبة: من دروس الهجرة (بناء المسجد والإصلاح والإخاء)
يوليو 15, 2023الخطبة الأولى (من دروس الهجرة ( التوكل على الله ) 1
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين أما بعد أيها المسلمون
من الدروس التي نستلهمها من ذكرى الهجرة المباركة ( التوكل على الله ) وقبل أن نسترسل في مواقف التوكل المستلهمة من حادث الهجرة المباركة ، تعالوا بنا نتعرف أولا على معنى التوكل ومفهومه عند المؤمن ، وكما عرفه العلماء (فالتوكل هو قطع القلب عن العلائق ، واعلان الافتقار إلى محول الأحوال ومقدر الأقدار وهو الله جل وعلا ) ، ( التوكل هو صدق اعتماد القلب على الله عز وجل ، في استجلاب المصالح ودفع المضار ، فيكون المؤمن موقنا أنه لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ولا ينفع ذا الجد منه الجد.) ، ( التوكل صدق وإيمان ، التوكل سكينة واطمئنان، وهو ثقة بالله وفي الله ، وهو أمل يصحبه العمل ، وعزيمة لا ينطفئ وهجها مهما ترادفت المتاعب.) يقول سعيد بن جبير رحمه الله: ( التوكل على الله جماع الإيمان ). والتوكل إيمان بالغيب بعد استنفاد المسائل المشروعة في عالم الشهادة، وهو تسليم لله بعد أداء كل ما يرتبط بالنفس من مطلوبات وواجبات ، فالمتوكل على الله ذو يقظة فكرية عالية ونفس مؤمنة موقنة ، قال بعض الصالحين: ( متى رضيت بالله وكيلا وجدت إلى كل خير سبيلا ). وقال بعض السلف: ( بحسبك من التوسل إليه ، أن يعلم قلبك حُسن توكلك عليه ). والتوكل كان ولا يزال ، هو غذاء الكفاح الطويل الذي قاوم به النبيون وأتباعهم مظالم الطغاة وبغي المستبدين في كل زمان ومكان ، كما بيّنه الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم ، فقال وقوله الحق : (قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ) ابراهيم 11 ،12 ، فالتوكل الحق ، إرادة وتصميم ، وعمل وجهاد ، وليس العجز والكسل ،لذلك ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلا للتوكل بالطير ، لأن الطائر لا يحمل هم رزقه في الغد ، ولكنه يسعى ويطير هنا وهناك ، وهو موقن أن الله سيرزقه ، ولن يعود إلى مسكنه إلا وهو شبعان ، ففي سنن الترمذي (عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا تُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا ». فمن الذي رزق ذلك الطائر؟ من الذي أشبعه ؟ من الذي هداه إلى طريق الحبة ؟ ، ومن الذي علمه طرق الكسب والسعي في الأرض ؟ إنه الله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى. إنه الذي يقول ( وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ ) هود:6 . إنه القائل:(وَكَأَيّن مّن دَابَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) العنكبوت:60
أيها المسلمون
وقد ظهر خلق التوكل في هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكثر من موقف ، ومنها ، أثناء وجودهما في الغار ، وقد وقف الكفار على رءوسهم ، فقد روى البخاري في صحيحه (عَنْ أَبِى بَكْرٍ – رضى الله عنه – قَالَ قُلْتُ لِلنَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – وَأَنَا فِى الْغَارِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا . فَقَالَ « مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا » ، وقد سجل القرآن الكريم هذا الموقف في قوله تعالى : ( إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) التوبة 40، وموقف آخر من مواقف التوكل على الله في الهجرة المباركة ، حينما أدركهم سراقة وهم في الطريق إلى المدينة ، ففي صحيح البخاري أن (الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ – رضى الله عنه – إِلَى أَبِى فِى مَنْزِلِهِ ، فَاشْتَرَى مِنْهُ رَحْلاً فَقَالَ لِعَازِبٍ ابْعَثِ ابْنَكَ يَحْمِلْهُ مَعِي . قَالَ فَحَمَلْتُهُ مَعَهُ ، وَخَرَجَ أَبِى يَنْتَقِدُ ثَمَنَهُ ، فَقَالَ لَهُ أَبِى يَا أَبَا بَكْرٍ حَدِّثْنِي كَيْفَ صَنَعْتُمَا حِينَ سَرَيْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ نَعَمْ أَسْرَيْنَا لَيْلَتَنَا ، وَمِنَ الْغَدِ حَتَّى قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ ، وَخَلاَ الطَّرِيقُ لاَ يَمُرُّ فِيهِ أَحَدٌ ، فَرُفِعَتْ لَنَا صَخْرَةٌ طَوِيلَةٌ ، لَهَا ظِلٌّ لَمْ تَأْتِ عَلَيْهِ الشَّمْسُ فَنَزَلْنَا عِنْدَهُ ، وَسَوَّيْتُ لِلنَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – مَكَانًا بِيَدِي يَنَامُ عَلَيْهِ ، وَبَسَطْتُ فِيهِ فَرْوَةً ، وَقُلْتُ نَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَأَنَا أَنْفُضُ لَكَ مَا حَوْلَكَ . فَنَامَ وَخَرَجْتُ أَنْفُضُ مَا حَوْلَهُ ، فَإِذَا أَنَا بِرَاعٍ مُقْبِلٍ بِغَنَمِهِ إِلَى الصَّخْرَةِ يُرِيدُ مِنْهَا مِثْلَ الَّذِى أَرَدْنَا فَقُلْتُ لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلاَمُ فَقَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ . قُلْتُ أَفِى غَنَمِكَ لَبَنٌ قَالَ نَعَمُ . قُلْتُ أَفَتَحْلُبُ قَالَ نَعَمْ . فَأَخَذَ شَاةً . فَقُلْتُ انْفُضِ الضَّرْعَ مِنَ التُّرَابِ وَالشَّعَرِ وَالْقَذَى . قَالَ فَرَأَيْتُ الْبَرَاءَ يَضْرِبُ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الأُخْرَى يَنْفُضُ ، فَحَلَبَ فِى قَعْبٍ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ ، وَمَعِي إِدَاوَةٌ حَمَلْتُهَا لِلنَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – يَرْتَوِى مِنْهَا ، يَشْرَبُ وَيَتَوَضَّأُ ، فَأَتَيْتُ النَّبِىَّ – صلى الله عليه وسلم – فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُ ، فَوَافَقْتُهُ حِينَ اسْتَيْقَظَ ، فَصَبَبْتُ مِنَ الْمَاءِ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ ، فَقُلْتُ اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ – قَالَ – فَشَرِبَ ، حَتَّى رَضِيتُ ثُمَّ قَالَ « أَلَمْ يَأْنِ لِلرَّحِيلِ » . قُلْتُ بَلَى – قَالَ – فَارْتَحَلْنَا بَعْدَ مَا مَالَتِ الشَّمْسُ ، وَاتَّبَعَنَا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ ، فَقُلْتُ أُتِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَقَالَ « لاَ تَحْزَنْ ، إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا » . فَدَعَا عَلَيْهِ النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – فَارْتَطَمَتْ بِهِ فَرَسُهُ إِلَى بَطْنِهَا – أُرَى فِي جَلَدٍ مِنَ الأَرْضِ ، شَكَّ زُهَيْرٌ – فَقَالَ إِنِّى أُرَاكُمَا قَدْ دَعَوْتُمَا عَلَىَّ فَادْعُوَا لِي ، فَاللَّهُ لَكُمَا أَنْ أَرُدَّ عَنْكُمَا الطَّلَبَ . فَدَعَا لَهُ النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – فَنَجَا فَجَعَلَ لاَ يَلْقَى أَحَدًا إِلاَّ قَالَ كَفَيْتُكُمْ مَا هُنَا . فَلاَ يَلْقَى أَحَدًا إِلاَّ رَدَّهُ . قَالَ وَوَفَى لَنَا )
إخوة الإسلام
(إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) ، يلهج بها لسان المؤمن موقنا بها في كل لحظة وفي كل حين ، فالله معنا في كل زمان ومكان ، الله معنا في كل ضيق وكرب ، الله معنا في كل بلاء وشدة ، الله معنا حافظا وراعيا وناصرا ومؤيدا ، (إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) فلا نهاب عدوا ، ولا نخشى مخلوقا ، ولا نحتمي بذي سلطان ، (إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) دستورنا الذي نسير عليه ، وحكمتنا التي نؤمن بها ، وطريقنا الذي نسير فيه ، (إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) ليست كلمة تقال باللسان ، ولكنها عقيدة وعمل ، فمن كان مع الله كان الله معه ، ومن كان مع غير الله ، وكله الله إليه وفي المستدرك للحاكم : ( من أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله ،ومن أحب أن يكون أكرم الناس فليتق الله عز و جل ، و من أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق مما في يده )
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (من دروس الهجرة ( التوكل على الله ) 1
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين أما بعد أيها المسلمون
إن التوكل على الله في قمة العبادات ، و في أعلى مقامات التوحيد وأعظمها وأجلها ،ولقد جاء الأمر به في كتاب الله في أوجه مختلفة وسياقات متعددة بل لقد جعله الله شرطا للإسلام والإيمان ، يقول سبحانه وتعالى: (إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ ) يونس 84 ، قال أهل العلم، فدل ذلك على انتفاء الإسلام وكذلك الإيمان بانتفاء التوكل، ويقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ( وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ) النساء 81 ويقول الله تعالى لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضوان الله عليهم أجمعين :( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) آل عمران 173 .ويقول جل وعلا في جزاء المتوكلين: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ) الطلاق 3 . وتحقيق التوكل لا ينافي العمل والأخذ بالأسباب ، فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعة لله، والتوكل على الله بالغيب إيمان بالله، فالجوارح تعمل ، والقلوب تتوكل ، فالمتوكلون هم العاملون، وإمام المتوكلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أخذ بالأسباب ، فقد اختفى في الغار عن الكفار، ولبس الدرع في القتال ، وتعاطي الدواء ، وقال من يحرسنا الليلة، وأمر بغلق الباب، وإطفاء النار عند المبيت، وقال لصاحب الناقة (اعقلها وتوكل ) ،فالأخذ بالأسباب لا يتنافى مع التوكل على الله ، فالذي أمرنا بالتوكل هو الذي أمر بالأخذ بالأسباب ، فقال تعالى لمريم وهي في قمة التعب والنصب : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ) ،فالمسلم المتوكل يخرج من بيته وهو يقول :(باسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم إني أعوذ بك أن أزلَّ أو أُزل أو أَضل أو أُضَل أو أَظلم أو أُظلم أو أَجهل أو يجهل علي ) .
الدعاء