خطبة عن ( يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِين)
مايو 26, 2016خطبة عن ( من مقاصد الصيام وحكمته )
مايو 29, 2016الخطبة الأولى (الصيام: حكمته ومقاصده وفوائده)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أمَّا بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ( 183): (185) البقرة
إخوة الإسلام
ومن مقاصد الصوم حفظ الصِّحَّة: فمن حِكَمِ الصيام ؛ أنَّ فيه فوائد صحية كثيرة وفيه راحة للبدن ، وإجازة للجهاز الهضمي لإعطائه فترة من الزمن يستريح فيها من الامتلاء والتفريغ فيحصل له استجمام وراحة يستعيد بها نشاطه وقوته ، ولا شك أنَّ المعدة بيت الداء ، والحمية رأس الدواء، كما قال طبيب العرب الحارث بن كلدة. وليس من شكٍّ أنَّ الصوم فيه صحَّة وراحة للإنسان ، وأنَّه مقاوم لأمراض عدَّة قد تجتاح جسم الإنسان ، أو أنَّه يخفف من وطئتها إذا ابتلي بها الجسم ، ومن فوائد الصيام الصحية : الوقاية من الأمراض وخاصة أمراض المعدة ، وزيادة الوزن ، وزيادة الدهون ، وزيادة الضغط ، والسكري ، والتهاب المفاصل. وقد ذكر الشيخ محمد رشيد رضا ـ رحمه الله ـ عن بعض أطباء الإفرنج أنَّه قال:(صيام شهر في السنة يذيب الفضلات الميتة في البدن منذ سنة) تفسير المنار ) والعجب حين تجد كثيراً من الناس حين يقدم هذا الشهر المبارك يذهب إلى السوق ويشتري من الحاجيات ما يفوق شراءه لأكثر من ثلاثة أشهر ، من المأكولات والمشروبات والحلويات وما إلى ذلك ، وكأنَّ هذا الشهر شهر أكلات ووجبات ! ولهذا زادت كثير من أمراض الناس لكثرة أكلهم ، حتَّى إنَّ الإنسان لو ذهب إلى المسشفيات لوجد أنَّ أكثرها من قسم الباطنية والأمراض المتعلقة بكثرة الأكل والشرب ، حتَّى إنَّه صار ملحوظاً كثرة السمنة والترهل بسبب كثرة المطعومات وإدخال الطعام على الطعام ، والله ـ سبحانه وتعالى ـ يقول:(وكلوا واشربوا ولا تسرفوا). قال بعض العلماء :(جمع الله بهذه الآية الطبَّ كلَّه) ،وقد كان أسلافنا الكبار ينهون عن كثرة الأكل ؛ فقد قال لقمان لابنه:(يا بني ! إذا امتلأت المعدة ، نامت الفكرة ، وخرست الحكمة ، وقعدت الأعضاء عن العبادة). وقال حاتم الطائي وهو المشهور بكرمه: فإنَّك إن أعطيت بطنك سؤله *** وفرجك نالا منتهى الذمِّ أجمعا
فهل يعي المسلمون أنَّ هذا من الإسراف؟! وإنَّ المرء ليستغرب من الكثير من أبناء المسلمين ، حين يجدهم يتهافتون على الأكل من أصناف عديدة بعد صيامهم ، وكأنَّهم لم يأكلوا مدَّة شهر، 5ـ ومن مقاصد الصوم وحكمته ( تقوية الإرادة وتحقيق الصبر ) : نعم فمن مقاصد الصيام التحلي بفضيلة الصبر ، وتقوية الإرادة ، فالصيام كما قال السباعي ـ يرحمه الله ـ (رجولة مستعلنة ، وإرادة مستعلية) . فالصوم من أعظم المدارس التربوية التي تعين المرء على التربية على فضيلة الصبر والمصابرة ، كيف وأنَّه تعالى قال:(واستعينوا بالصبر والصلاة) وقد فسَّر بعض العلماء الصبر المقصود بالآية بأنَّه: الصوم ، قال ابن رجب :(فإنَّ الصيام من الصبر، وقد قال الله ـ تعالى ـ: ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) (10) الزمر ،وقد جمع الله في هذه المدرسة الرمضانية أنواع الصبر الثلاثة التي ذكرها العلماء وهي: أ ـ الصبر على طاعة الله ، بأن تصبر نفسك على هذه الطاعة ، وتصومها إيماناً بالله ، وابتغاء لدرجاته ، واحتساباً لثوابه . ب ـ الصبر على معصية الله ، وذلك بأن يتعود العبد على الصوم عمَّا حرَّم الله ـ عزَّ وجل ـ في هذا الوقت من أكل المفطرات التي تفسد صومه ، أو الصبر على المعاصي والفواحش والذنوب وموبقات الأعمال ؛ فكلما أراد أن يفعل العبد معصية تذكر أنَّه في صوم وعبادة فيصبر نفسه على عدم فعلها ابتغاء لثوابه سبحانه. ج ـ الصبر على أقدار الله ، وهذا أمر واقع في الصوم فإنَّ الله عزَّ وجل قد قدَّر على المسلمين الصيام ، وألزمهم به ، فيلزمهم أن يطيعوا الله ، ويستسلموا لأوامره ، وينقادوا لأقداره ، ومن ذلك ما يلاقيه المسلم من الجوع والعطش في تأدية هذه العبادة. وقد ورد كما عند الترمذي وحسَّنه ، وابن ماجه:(وَالصَّوْمُ نِصْفُ الصَّبْرِ وَالطُّهُورُ نِصْفُ الإِيمَانِ » وجاء في الحديث:(أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ :« صَوْمُ شَهْرِ الصَّبْرِ وَثَلاَثَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ تُذْهِبُ كَثِيرًا مِنْ وَحَرِ الصَّدْرِ » البيهقي.ومعنى وحر الصدر: أي غشَّه ووساوسه، وقيل: الحقد والغيظ، فإذا صبر الإنسان على ذلك فإنَّ الله يوفيه أجره بالثواب الجزيل ، والخير العميم ، وقد قال تعالى:(ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ) التوبة 120. وحيث أنَّ الصوم مدرسة للصبر ، فهو أيضاً مدرسة لتربية الإرادة ، (وقد وضع أحد المفكرين الألمان كتاباً في تقوية الإرادة ، فجعل الصوم هو الأساس ، وذهب فيه إلى أن الصوم هو الوسيلة الفعَّالة لتحقيق سلطان الروح على الجسد ، فيعيش المرء وهو قوي الإرادة ، متصلب العزيمة) (لشيخ: عبدالرحمن الدوسري). 6ـ ومن مقاصد الصوم وحكمه التدريب على الدقَّة والنظام واحترام المواعيد: ويكفي شاهداً على ذلك قوله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم كما في سنن النسائي ـ : (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِذَا أَذَّنَ بِلاَلٌ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ». قَالَتْ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلاَّ أَنْ يَنْزِلَ هَذَا وَيَصْعَدَ هَذَا. ) فلنتأمَّل هذه الدِّقة في كيفية الإمساك عن الطعام وقت الصوم من خلال هذا الحديث ، لكي تتربى النفوس على دقة المواعيد ، وعلى الاهتمام بالأوقات ، إلاَّ أنَّه و يا للأسف قد دارت رحى الأيام واستلقت على القاع القمم ، فصرت ترى الكفرة والملحدين ، يطبقون هذا الخلق الجميل فيما بينهم ، وتركه المسلمون فيتوجب علينا أن نستفيد من الهدي النبوي في أهمية الانضباط في المواعيد ، والاهتمام بترتيب الأوقات ، ليكون ذلك ديدننا مدى العمر.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الصيام: حكمته ومقاصده وفوائده)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أمَّا بعد أيها المسلمون
ومن مقاصد الصيام وحكمته ( تجديد الطاقة ، وتوجيه الهمَّة نحو العمل ): فمن مقاصد هذا الشهر تعويد البدن على العمل والحركة والنشاط ، وكثرة الطاعات ، وألوان العبادات ، وأشكال البر والخيرات ؛ ذلك أنَّ في هذا الشهر حيوية واضحة ، ودورة إيمانية تربوية لائحة. يقول مالك بن نبي ـ رحمه الله ـ إنَّ رمضان يعلِّمنا ( المنطق العملي) فنتحوَّل من القول وفق ما يقول القرآن ، إلى العمل بما يقول) ولكن من يلاحظ كثيراً من دور المسلمين وبيوتهم خلال هذا الشهر، فسيجد فيها الركود والتثاقل عن العمل ، أو أنَّ بعضهم يبدأ هذا الشهر بهمَّة وثابة ، وعزمة تواقة لكل خير ، وما أن تمضي خمسة أيام أو عشرة حتَّى تجد الركود قد سرى في جسمه ، والكلل بان على محياه ، والملل صار طابعه في العمل. ولكنَّ الملاحظ في حياة الصحابة والسلف الصالح ؛ قوَّة النشاط في تحري الخير ، وكثرة العمل الصالح في هذا الشهر ، ومن ذلك الغزوات والسرايا الكثيرة التي خرجت للجهاد في سبيل الله ، ومنها معركة بدر في اليوم السابع عشر من رمضان للسنة الثانية من الهجرة ، وفتح مكة في اليوم العاشر من رمضان في السنة الثامنة من الهجرة ، وقد كان هذا في عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ ثم أتت من بعده الفتوحات الإسلامية العظيمة ، التي شرَّفت وجه الأمة الإسلامية بكثرتها لإدخال الناس في سبيل الله ، وتحطيم الطواغيت التي تحول بين عوام الكفار وبين الدخول في الإسلام ، ومن هذه الغزوات وقعة البويب في السنة الثالثة عشرة من الهجرة ، وفتح النوبة في السنة الحادية والثلاثين من الهجرة ، وفتح الأندلس في الثانية والتسعين من الهجرة ، والفتوح الإسلامية للمسلمين في فرنسا في السنة الثانية بعد المائة من الهجرة ، وفتح عمورية في السنة الثالثة والعشرين بعد المائتين الهجرية ، وتوالت الفتوحات بعد ذلك بفتح حارم ، وصفد ، والمعركة العظيمة عين جالوت ، وفتح أنطاكية ، وفتح أرمينيا الصغرى ، ومعركة شقحب ، وفتح جزيرة قبرص في عهد المماليك ، وفتح البوسنة والهرسك ، وفتح بلاد الصرب وعاصمتها بلغراد. كلُّ ذلك دليل واضح على أنَّ شهر رمضان ، شهر عبادة وعمل وفتوح وانتصارات ، لا شهر رفاهية ، وكثرة وجبات ، والتفنن في الأكلات ، حتَّى إنَّه لو قدم قادم من دولة كافرة ورأى كثرة ذهاب الناس للأسواق قبل بداية شهر رمضان ؛ لظنَّ أنَّ الشهر القادم شهر عيد وأعراس واحتفالات وتجمعات ، فنسأل الله المزيد من عفوه. فينبغي على أهل الصيام أن يشدوا عزائمهم في السير نحو كلِّ طاعة، ويواصلوا عملهم الصالح في هذا الشهر ، ويواكبوا مع تلك الأعمال الصالحة ، حسن الخلق والبشاشة في وجوه الخلق ، وقد أخرج الإمام أحمد في المسند بسند حسن ( عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ الرَّجُلَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ » ، فما البال وأهل الصيام صائمون في شهر رمضان ، فماذا سيدركون مع صومهم وحسن خلقهم من الأجور الكثيرة ، والحسنات الغزيرة من الكريم المتعال ـ سبحانه وبحمده ـ
أيها المسلمون
ومن حكم الصوم ومقاصده أيضا أن الصوم مظهر لوحدة المسلمين واجتماع كلمتهم لأنه شعيرة ظاهرة من شعائر الإسلام فيرى الناس المسلمين وقد أمسكوا عن المفطرات في وقت واحد وأفطروا في وقت واحد. وأن شهر رمضان شهر شكر لله سبحانه لأن الصائم يحس بقدر النعم التي حرم منها في وقت الصيام، والإنسان عادة لا يشعر بقيمة النعمة إلا إذا فقدها أو خالط من فقدها فيؤدي هذا إلى حمد الله تعالى وشكره. وأن شهر رمضان شهر القرآن وهو فرصة عظيمة يقبل فيها المسلمون على كتاب ربهم الذي هجروه طيلة العام فيتلونه ويتدبرونه. وفي رمضان يتضاعف أجر العمرة ففي صحيح البخاري (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – قَالَ لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – مِنْ حَجَّتِهِ قَالَ لأُمِّ سِنَانٍ الأَنْصَارِيَّةِ « مَا مَنَعَكِ مِنَ الْحَجِّ » . قَالَتْ أَبُو فُلاَنٍ – تَعْنِى زَوْجَهَا – كَانَ لَهُ نَاضِحَانِ ، حَجَّ عَلَى أَحَدِهِمَا ، وَالآخَرُ يَسْقِى أَرْضًا لَنَا . قَالَ « فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِى حَجَّةً مَعِي » ومن تلك الحكم السامية عبادة الله، والخضوع له، ليكون الصائم مُقْبلاً على الله تعالى، خاضعاً خاشعاً بين يديه، حينما ينكر سلطان الشهوة. فإن القوة تغرى بالطغيان والبطر قال تعالى :{ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى) (8) } العلق. فليعلم أنه ضعيف فقير، بين يدي الله حينما يرى ضعفه وعجزه فينكر في نفسه الكبر والعظمة، فيستكين لربه، ويلين لخلقه.
الدعاء