خطبة عن ( تِلاوَةِ الْقُرْآنِ )
مارس 17, 2016خطبة ( من أخلاق المؤمنين : العفو والتوبة والاستغفار من الفواحش)
مارس 20, 2016الخطبة الأولى ( أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله هو خير الخلق وحبيب الحق ورحمة الله للخلق أجمعين .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (102) آل عمران، وروى ابن حبان في صحيحه والطبراني في معجمه :( عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي ( قَالَ : أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ فَإِنَّهَا رَأْسُ أَمْرِكَ ) .
إخوة الإسلام
( تقوى الله) كثيرا ما كان صلى الله عليه وسلم يوصي بها ؛ ويأمر بها ،فيقول لأحدهم : عليك بتقوى الله ، ولآخر : اتق الله… لأن تقوى الله، كما قال صلى الله عليه وسلم : رأس الأمر… وهي خير زاد ،قال الله تعالى في محكم آياته : ( وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ) (البقرة : 197 ،والتقوى في اللغة : بمعنى الاتقاء، وهو اتخاذ الوقاية والحيطة والحذر ، وهي تعني :الاحتراز بطاعة الله عن عقوبته، وهي تعني : صيانة النفس عما تستحق به العقوبة من فعل أو ترك،والتقوى في الطاعة: يراد بها الإخلاص، وفي المعصية: يراد بها الترك والحذر، ومن التقوى أيضا المحافظة على آداب الشريعة، ومجانبة كل ما يبعدك عن الله تعالى، وترك حظوظ النفس ومن التقوى ألَّا ترى نفسك خيراً من الآخرين، وأن تهتدي وتقتدي بسيد الأولين والآخرين قولاً وفعلاً…وقال المناوي في فيض القدير : (أوصيك بتقوى الله) بأن تطيعه فلا تعصه وتشكره فلا تكفره ، واعلم أخي المسلم أن التقوى أساس كل فلاح ونجاح في الدارين ؛ قال الغزالي 🙁 ليس في العالم خصلة للعبد أجمع للخير وأعظم للأجر وأجل في العبودية وأعظم في القدر وأدنى بالحال وأنجع للآمال من هذه الخصلة التي هي التقوى )، فهي الغاية التي لا متجاوز عنها ولا مقتصر دونها ؛ وقد جمع الله فيها كل نصح ودلالة وإرشاد وتأديب وتعليم ، فهي الجامعة لخيري الدارين، الكافية لجميع المهمات، المبلغة إلى أعلى الدرجات… فمن اتقى الله حفظه الله من أعدائه ، ونجاه من الشدائد، ورزقه من حيث لا يحتسب ، وأصلح عمله ، وغفر زلـلَه ، وتكفل له بكفلين من رحمته، وجعل له نورا يمشي به بين يديه ، وقبِله وأكرَمه وأعزه ، ونجاه من النار
أيها المسلمون
ومن ثمار التقوى أنها سبب للفلاح ، قال تعالى : ( وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (البقرة : 189 )؛ وهي سبب للرحمة ، قال سبحانه 🙁 وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (الحجرات : 10 ،وهي سبب للفرج بعد الشدة والضيق ،وجلب الرزق، قال اللطيف الخبير: ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ … ) (الطلاق : 2 – 3 ) ؛ وبالتقوى يفتح الله باب اليسر ، قال تعالى :( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) (الطلاق : 4 ) ، وبها تكفَّر السيئات ، وتغفر المعاصي والموبقات وترفع الدرجات ، ويعظم الأجر من رب الأرض والسموات ، قال ربنا :( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً) (الطلاق : 5 ) ،وبالتقوى تحصل معية الله عز وجل ومحبته لعبده ، وكفى بها مزية، قال جل ثناؤه : ( وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) (البقرة : 194 ،والتقوى وسيلة لقبول الأعمال ، فهي علامة القبول وطريق الوصول ، قال تعالى 🙁 إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) (المائدة : 27)، وبها صلاح الأعمال ومغفرة الذنوب، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ً)الأحزاب :70- 71 ، والتقوي هي سبيل النجاة ، وطريق السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة ، قال سبحانه : ( وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (الزمر : 61 ) ، ولقد وعد الله تعالى عباده المتقين بالمقام الأمين ، والفوز العظيم في جنات النعيم ، فقال تعالى : ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ ) (الدخان : 51 ) ،وأعد الله للمتقين جنات الخلد ، ودار النعيم ، فقال تعالى : ( لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) (آل عمران : 15 ) ،وقال سبحانه : ( لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ) (الزمر : 20 ) ،وقال تعالى : ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) (الحجر : 45 ) …
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله هو خير الخلق وحبيب الحق ورحمة الله للخلق أجمعين .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومما يزيد التقوى في القلوب : اجتهاد الإنسان في طاعة الله تعالى ، فإن الله يكافئه على ذلك بزيادة الهداية والتقوى ، فيعينه على القيام بما أمر الله به ، ويفتح له من أبوب الخير والطاعات وييسرها له ما لم يكن يسيرا عليه من قبل . قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ) محمد/17. ومما يصل بالإنسان إلى التقوى : الحرص على الصيام ، والإكثار منه ؛ فإن الله تعالى جعل فيه خاصية تعين العبد على الطاعات وتحببها إليه ، ولذلك قال الله تعالى عن فرض الصيام : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) البقرة/183 . ولذلك أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم ، وأكد وصيته ، وأخبر بأنه لا مثل له في ذلك:
فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: ” قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مُرْنِي بِعَمَلٍ، قَالَ: ( عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا عَدْلَ لَهُ )، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِعَمَلٍ، قَالَ: ( عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ ) ” رواه أحمد ،ومن ذلك أيضا : التخلق بأخلاق وصفات المتقين التي ذكرها الله تعالى في كتابه ، قال الله تعالى : ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ) البقرة/177. وقال تعالى : (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) آل عمران/133-136. ومن ذلك أيضا : التمسك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم ، والابتعاد عن البدع المحدثة في الدين ، قال الله تعالى : (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) الأنعام/ 153 . ومن ذلك أيضا : الابتعاد عن حرمات الله ، قال الله تعالى : ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) البقرة/ 187. ومن ذلك أيضا : التفكر في آيات الله الشرعية والكونية ، قال تعالى : (إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) يونس/ 6 . وقال سبحانه : (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا) طه/ 113 ، ومن ذلك أيضا : الإكثار من ذكر الله وتلاوة القرآن . ومصاحبة أهل الخير الذين ينصحون ويذكّرون ، ومجانبة أهل الشر والبدعة . وقراءة سير المتقين ، من المؤمنين الصالحين ، من أهل العلم والزهد والعبادة .
الدعاء