خطبة عن( صِلْ قَرَابَتَكَ وَإِنْ قَطَعُوكَ )
مارس 17, 2016خطبة عن (عَلَيْكَ بِالصَّمْتِ )
مارس 17, 2016الخطبة الأولى ( انْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ دُونَكَ)
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله هو خير الخلق وحبيب الحق ورحمة الله للخلق أجمعين .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللَّه ﷺ: انْظُرُوا إِلَى مَنْ هو أَسفَل مِنْكُمْ وَلا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوقَكُم؛ فهُوَ أَجْدَرُ أَن لا تَزْدَرُوا نعمةَ اللَّه عَلَيْكُمْ) متفقٌ عَلَيْهِ، وهذا لفظ مسلمٍ. وفي رواية البخاري: (إِذا نَظَر أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عليهِ في المالِ وَالخَلْقِ فلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُ) . وروى الامام أحمد في مسنده : ( عَنْ أَبِى ذَرٍّ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ أَوْصَانِى حِبِّى بِخَمْسٍ أَرْحَمُ الْمَسَاكِينَ وَأُجَالِسُهُمْ وَأَنْظُرُ إِلَى مَنْ هُوَ تَحْتِى وَلاَ أَنْظُرُ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقِى وَأَنْ أَصِلَ الرَّحِمَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ وَأَنْ أَقُولَ بِالْحَقِّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا وَأَنْ أَقُولَ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ.
إخوة الإسلام
من وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله صلى الله عليه وسلم (انْظُرُوا إِلَى مَنْ هو أَسفَل مِنْكُمْ وَلا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوقَكُم؛ فهُوَ أَجْدَرُ أَن لا تَزْدَرُوا نعمةَ اللَّه عَلَيْكُمْ) وقوله ( وَأَنْظُرُ إِلَى مَنْ هُوَ تَحْتِى وَلاَ أَنْظُرُ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقِى ) ، فمن الخير إذاً للمؤمن أن ينظر إلى من هو تحته ، أي دونه وأقل منه مالاً ومتاعاً ، لا أن ينظر إلى من هو فوقه ، وذلك حتى لا يزدري نعمة الله ، أي يحتقرها ويستقلها ؛ وحتى يكون راضيا بما أعطاه الله تبارك وتعالى ، قلَّ أو كثُر ، لأنه بهذا سيكون راضيا وشاكرا في نفس الوقت ، ويكون أيضاً من المستغنين بالله الذين لا بدّ أن يغنيهم الله من فضله عمّن سواه ، فالاستغناء عن الناس والأخذ بالأسباب مما أمر به الشرع ، وحث عليه سيد الأولين والآخرين – فعَن الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ ) رواه البخاري وهذا ما أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم من المؤمن حتى يكون متعففا عن المسألة ولو كان مسكينا ، كما يشير إليه قوله تعالى :( يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً ) (البقرة : 273 ) ،وكما يشير إلى ذلك أيضا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ وَلَكِن الْمِسْكِينُ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنىً يُغْنِيهِ وَلَا يُفْطَنُ بِهِ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ وَلَا يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ) رواه البخاري عن أبي هريرة …وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم يرهِّب من سؤال الناس… فعن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ ) متفق عليه .، والمُزْعَة ، القطعة…. – وعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ،عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ ) رواه البخاري.– وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ ) رواه مسلم .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( (انْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ دُونَكَ)
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله هو خير الخلق وحبيب الحق ورحمة الله للخلق أجمعين .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فكثيرا ما يجري الإنسان قياسات ومقاربات بينه وبين الآخرين في أمور الدنيا، سواء في شكله وهيئته، أو في وظيفته وعمله، أو في صحة بدنه، أو في مكتسباته وممتلكاته، لكن تلك المقارنات قد تفضي إلى آثار سلبية؛ لأن الإنسان يجري المقارنة بالنظر إلى من هو أعلى منه في المال والحظوة، فيرتد عليه هذا النظر بالإحباط، والحزن، وربما الحسد، بل قد يجره الأمر إلى أن لا يرى نعمة الله عليه في شيء من شأنه، فيأتي التوجيه النبوي الحكيم، إلى عكس هذا الحال، وذلك بالنظر والمقارنة بمن هو دونه، فتنعكس الآثار السابقة إلى رضا وطمأنينة، وسعادة، وإعظام للنعمة يبعث على شكرها. وقال تعالى (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا) (الزخرف: 32). ولما كان الخلق بهذا التفاوت، والإنسان زائغ البصر، كثير التطلع لما ليس في يده، ندبنا الموجه الأعظم -صلى الله عليه وسلم- إلى هذا الأدب السامي، بهذا الحديث الجامع. ففي هذا الحديث: تنفير من إدامة النظر في دنيا الناس، وإطالة النظر في النعم التي بيد الآخرين، فهو حال منهي عنه، كما قال الله تعالى ( وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) (سورة طه: 131) فهذا حال المفتونين بالدنيا، فهم في شرَهٍ دائم، ومقارنات مستمرة. ويرشد الحديث إلى علاج هذا الحال بالنظر في أحوال الأقل منه رزقاً، وصحةً، ومالاً وولداً، فهذا أنفع لقلبه، وأرضى لنفسه، وأصلح لحاله، فكل ناظر في أحوال غيره ممن هو دونه سيجد من هو أعظم منه بلاء، وأصغر منه مسكنا، وأقل منه مالا وولدا، سيجد من يدخل عليه قوته بعمل أشق من عمله، وهكذا إن استمر في علاج قلبه بمثل هذا الهدي النبوي لانَ قلبُه، ورضيت نفسه، وعرف كم هو غني ومعافى بالنسبة لخلائق لا يحصون.
الدعاء