خطبة عن (مواقف من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم)
ديسمبر 6, 2016خطبة عن ( تلك هي منزلة رسول الله )
ديسمبر 6, 2016الخطبة الأولى (مَنْ أَتَى كَاهِنًا، أَوْ عَرَّافًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام أحمد في مسنده ، والبزار والبيهقي في سننه وصححه الألباني : (عَن أَبِى هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ أَتَى كَاهِناً أَوْ عَرَّافاً فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ » ،وفي مسند البزار (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ ، أَوْ تُطِيَّرَ لَهُ أَوْ تَكَهَّنَ ، أَوْ تُكِهِّنَ لَهُ أَوْ سَحَرَ ، أَوْ سُحِرَ لَهُ وَمَنْ عَقَدَ عُقْدَةً أَوْ قَالَ : مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً ، وَمَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ – صلى الله عليه وسلم) -. وفي الصحيحين : (عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – قَالَتْ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – نَاسٌ عَنِ الْكُهَّانِ . فَقَالَ « لَيْسَ بِشَيْءٍ » . فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَا أَحْيَانًا بِشَيْءٍ فَيَكُونُ حَقًّا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ ، يَخْطَفُهَا مِنَ الْجِنِّىِّ ، فَيَقُرُّهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ ، فَيَخْلِطُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ »
إخوة الإسلام
بداية تعالوا بنا نتعرف على بعض معاني الكلمات والألفاظ الواردة ،فقوله صلى الله عليه وسلم :(مَنْ أَتَى ) فالإتيان له صور عديدة ومنها : أن يكون بالذهاب إليه . أو بالجلوس إلى قارئة الكف، أو الفنجان، أو صاحبة الودع. أو بمطالعة أبراج الحظ. أو بمشاهدة بعض الفضائيات التي تبث كلامهم ،وأما قوله صلى الله عليه وسلم (كَاهِنًا، أَوْ عَرَّافًا ) فالكاهن : هو الذي يتكهن بما في المستقبل. وأما العراف: فهو الذي يدعي معرفة الماضي. وأما المنجم : فهو من يستدل بالنجوم على أمور الغيب. ومعلوم أن الدَّجَل يشمل ذلك كلَّه وقال البغوي : العراف: الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضالة ونحو ذلك، وقيل: هو الكاهن، والكاهن هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل، وقيل: الذي يخبر عما في الضمير. وقال أبو العباس ابن تيمية -رحمه الله-: العراف اسم للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم ممن يتكلم في معرفة الأمور بهذه الطرق، وقال ابن عباس -رضي الله عنه- في قوم يكتبون أباجاد وينظرون في النجوم: ما أرى من فعل ذلك له عند الله من خلاق. وأما قوله صلى الله عليه وسلم (فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ) فالمعنى أن من جاء إلى كاهن أو عراف أو منجم أو دجال يسأله عن أمر غيبي فلا يخلو حاله مما يلي : -أن يسأل ولا يصدق، وهذا لا تقبل صلاته أربعين يوماً، ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:« مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً». -أو أن يصدقهم ، وهذا كافر . قال صلى الله عليه وسلم «مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم» .. فإذا كانت هذه حال السائل فكيف بحال المسؤول؟! – أو أن يأتيهم ليسمع فقط. وهذا فسق، قال تعالى 🙁 وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) [النساء 140] . فلا يجوز للمسلم أن يأتي أماكن المعصية ولو للسماع أو للمشاهدة فقط ، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : «َمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا بِالْخَمْرِ» رواه أحمد والترمذي -أو أن يسأل المسلم الكاهن بقصد فضح أمره، ولبيان عجزه للناس وهذا سنة . قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن صيّاد: «إِنِّي قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا»؟ فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: هُوَ الدُّخُّ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :«اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ» ، فليحذر المسلم، وليجعل نصب عينه قول النبي صلى الله عليه وسلم :«من تعلَّق شيئاً وُكِلَ إليه» رواه أحمد وغيره . فمن تعلق بهم وكل إليهم، ومن وُكل إلى غير الله فأي خير ينتظر ؟! وقال صلى الله عليه وسلم :”لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ وَلا تُطُيِّرَ لَهُ، أو تَكَهَّنَ وَلا تُكُهِّنَ لَهُ، أَوْ سَحَرَ أَوْ سُحِرَ لَهُ” رواه البزار
أيها المسلمون
والكهانة صنعة مضادة لأصل التوحيد، والكاهن مشرك بالله -جل وعلا-؛ لأنه يستخدم الجن ويتقرب إلى الجن بالعبادات حتى تخدمه الجن، حتى تخبره الجن بالمغيبات ، وهذا لا يمكن إلا بأن يتقرب إلى الجن بأنواع العبادات،
والكهان من أفعال الجاهلية : فكانت الكهانة منتشرة في بلاد العرب في الجزيرة وفي غيرها، والكهان أناس يدعى فيهم الولاية والصلاح عندهم وأن عندهم علم ما سيكون في المستقبل، أو عندهم علم المغيبات التي ستحدث للناس أو تحدث في الأرض ولهذا كانت العرب تعظم الكهان وكانت تخاف من الكهان وكانت تعطي الكاهن أجرا عظيما؛ لأجل ما يخبر عنه. والكاهن لا يصل إلى حقيقة عمله بأن يخبر عن الأمور المغيبة إلا باستخدام الجن والتقرب إلى الجن بالتقربات الشركية فتستمتع الجن به من جهة ما صرف لها من العبادة ويستمتع هو بالجن من جهة ما يخبره به الجن من الأمور المغيبة. ففي الصحيحين (عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – قَالَتْ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – نَاسٌ عَنِ الْكُهَّانِ . فَقَالَ « لَيْسَ بِشَيْءٍ » . فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَا أَحْيَانًا بِشَيْءٍ فَيَكُونُ حَقًّا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ ، يَخْطَفُهَا مِنَ الْجِنِّىِّ ، فَيَقُرُّهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ ، فَيَخْلِطُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ »
وقبل بعثة النبي -عليه الصلاة والسلام- كان استراق السمع كثيرا جدا وبعد بعثته -عليه الصلاة والسلام- حرست السماء من أن تسترق الجن السمع، لأجل تنزل القرآن والوحي حتى لا يقع الاشتباه في أصل الوحي والنبوة، وبعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- يقع الاستراق ولكنه قليل بالنسبة لما كان عليه قبل البعثة، وصارت عندنا أحوال استراق السمع ثلاثة: قبل البعثة كثير جدا وبعد بعثة النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يحصل استراق من الجن. وإن حصل فهو نادر في غير وحي الله -جل وعلا- بكتابه لنبيه، والحالة الثالثة بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام- رجع استراق السمع أيضا ولكنه ليس بالكثرة التي كانت قبل ذلك؛ لأن السماء ملئت حرسا شديدا وشهبا والله -جل وعلا- بين ذلك في القرآن في آيات كثيرة من أن النجوم والشهب ترمي الجن كما قال -جل وعلا-: قال تعالى (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ) (18) الحجر
أيها المسلمون
هناك الكثير من الناس من يتعلق بالكهان والمنجمين والسحرة والعرافين وأشباههم، لمعرفة المستقبل والحظ وطلب الزواج والنجاح في الامتحان، وغير ذلك من الأمور التي اختص الله سبحانه وتعالى بعلمها كما قال تعالى: {﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا﴾} الجن 26 ،27
وقال سبحانه:﴿ {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}﴾ النمل 65
فالكهان والعرافون والسحرة وأمثالهم قد بين الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ضلالهم وسوء عاقبتهم في الآخرة وأنهم لا يعلمون الغيب، وإنما يكذبون على الناس ويقولون على الله غير الحق وهم يعلمون ، قال تعالى:﴿ {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾} البقرة 102 ،وقال سبحانه: ﴿{إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} طه: 69 ، وقال تعالى: ﴿{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} الأعراف 17 ، 18 ، فهذه الآيات وأمثالها تبين خسارة الساحر ومآله في الدنيا والآخرة، وأنه لا يأتي بخير وأن ما يتعلمه أو يعلمه غيره يضر صاحبه ولا ينفعه، كما نبه سبحانه أن عملهم باطل ، وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ « الشِّرْكُ بِاللَّهِ ، وَالسِّحْرُ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ » متفق عليه ، وهذا يدل على عظم جريمة السحر لأن الله قرنه بالشرك، وأخبر أنه من الموبقات وهي المهلكات، والسحر كفر لأنه لا يتوصل إليه إلا بالكفر، كما قال تعالى: ﴿{وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ}﴾ البقرة 102 . وفي سنن الترمذي (عَنْ جُنْدَبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ » ، وصح عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أمر بقتل السحرة من الرجال والنساء، وصح عن حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها فقتلت. وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنِ اقْتَبَسَ عِلْمًا مِنَ النُّجُومِ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ السِّحْرِ زَادَ مَا زَادَ ».رواه أبو داود
وللنسائي عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً ثُمَّ نَفَثَ فِيهَا فَقَدْ سَحَرَ وَمَنْ سَحَرَ فَقَدْ أَشْرَكَ وَمَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِّلَ إِلَيْهِ ». وهذا يدل على أن السحر شرك بالله تعالى كما تقدم، وذلك لأنه لا يتوصل إليه إلا بعبادة الجن والتقرب إليهم بما يطلبون من ذبح وغيره من أنواع العبادة، وعبادتهم شرك بالله عز وجل.
فالكاهن من يزعم أنه يعلم بعض المغيبات، وأكثر ما يكون ذلك ممن ينظرون في النجوم لمعرفة الحوادث، أو يستخدمون من يسترقون السمع من شياطين الجن، كما ورد بالحديث الذي مر ذكره، ومثل هؤلاء من يخط في الرمل أو ينظر في الفنجان أو في الكف ونحو ذلك، وكذا من يفتح الكتاب زعما منهم أنهم يعرفون بذلك علم الغيب وهم كفار بهذا الاعتقاد؛ لأنهم بهذا الزعم يدعون مشاركة الله في صفة من صفاته الخاصة وهي علم الغيب، ولتكذيبهم بقوله تعالى: ﴿{قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ} النمل 65 وقوله تعالى: ﴿{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ} الانعام 59 ، وقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿{قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ}﴾ الانعام 50 ، وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ». وفي مسند البزار : (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ ، أَوْ تُطِيَّرَ لَهُ أَوْ تَكَهَّنَ ، أَوْ تُكِهِّنَ لَهُ أَوْ سَحَرَ ، أَوْ سُحِرَ لَهُ وَمَنْ عَقَدَ عُقْدَةً أَوْ قَالَ : مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً ، وَمَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ – صلى الله عليه وسلم -.
أيها المسلمون
وبما ذكرنا من الأحاديث يتبين لطالب الحق أن علم النجوم وما يسمى بالطالع وقراءة الكف وقراءة الفنجان ومعرفة الخط، وما أشبه ذلك مما يدعيه الكهنة والعرافون والسحرة كلها من علوم الجاهلية التي حرمها الله ورسوله ومن أعمالهم التي جاء الإسلام بإبطالها والتحذير من فعلها أو إتيان من يتعاطاها وسؤاله عن شيء منها أو تصديقه فيما يخبر به من ذلك؛ لأنه من علم الغيب الذي استأثر الله به. ونصيحتي لكل من يتعلق بهذه الأمور: أن يتوب إلى الله ويستغفره، وأن يعتمد على الله وحده ويتوكل عليه في كل الأمور مع أخذه بالأسباب الشرعية والحسية المباحة، وأن يدع هذه الأمور الجاهلية ويبتعد عنها ويحذر سؤال أهلها أو تصديقهم، طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وحفاظا على دينه وعقيدته، وحذرا من غضب الله عليه، وابتعادا عن أسباب الشرك والكفر التي من مات عليها خسر الدنيا والآخرة.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (مَنْ أَتَى كَاهِنًا، أَوْ عَرَّافًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقد شرع الله سبحانه لعباده ما يتقون به شر السحر قبل وقوعه، وأوضح لهم سبحانه ما يعالج به بعد وقوعه رحمة منه لهم، وإحساناً منه إليهم، وإتماماً لنعمته عليهم. وفيما يلي بيان للأشياء أو الأسباب التي يُتقى بها خطر السحر قبل وقوعه، والأشياء التي يعالج بها بعد وقوعه من الأمور المباحة شرعاً. أما ما يتقى به خطر السحر قبل وقوعه، فأهم ذلك وأنفعه هو التحصن بالأذكار الشرعية والدعوات والمعوذات المأثورة، ومن ذلك قراءة آية الكرسي خلف كل صلاة مكتوبة بعد الأذكار المشروعة بعد السلام، ومن ذلك قراءتها عند النوم، وآية الكرسي هي أعظم آية في القرآن الكريم، وهي قوله سبحانه: (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) البقرة 255. ومن ذلك قراءة: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [ سورة الإخلاص ] وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [سورة الفلق] وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [سورة الناس ] ، خلف كل صلاة مكتوبة، وقراءة السور الثلاث ثلاث مرات في أول النهار بعد صلاة الفجر وفي أول الليل بعد صلاة المغرب. ومن ذلك قراءة الآيتين من آخر سورة البقرة في أول الليل، وهما قوله تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) البقرة 285 ، 286 ، وفي البخاري: (فَقَصَّ الْحَدِيثَ: فَقَالَ (إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ لَنْ يَزَالَ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلاَ يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ . وَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « صَدَقَكَ وَهْوَ كَذُوبٌ ذَاكَ شَيْطَانٌ » وفي سنن الترمذي وغيره (عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ قَرَأَ الآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ ». ومن ذلك الإكثار من التعوذ بـ (كلمات الله التامات من شر ما خلق) في الليل والنهار، وعند نزول أي منزل في البناء أو الصحراء أو الجو أو البحر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « مَنْ نَزَلَ مَنْزِلاً ثُمَّ قَالَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ. لَمْ يَضُرُّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ » رواه مسلم . وفي سنن الترمذي« مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ بِسْمِ اللَّهِ الَّذِى لاَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَيَضُرُّهُ شَيْءٌ ». فهذه الأذكار والتعوذات من أعظم الأسباب في اتقاء شر السحر وغيره من الشرور لمن حافظ عليها بصدق وإيمان وثقة بالله واعتماد عليه وانشراح صدر لما دلت عليه،
وهي أيضاً من أعظم السلاح لإزالة السحر بعد وقوعه، مع الإكثار من الضراعة إلى الله وسؤاله سبحانه أن يكشف الضرر ويزيل البأس. ومن الأدعية الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم في علاج الأمراض من السحر وغيره – وكان صلى الله عليه وسلم يرقي بها أصحابه ما في الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – يُعَوِّذُ بَعْضَهُمْ يَمْسَحُهُ بِيَمِينِهِ « أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ ، وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي ، لاَ شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا » . يقولها ثلاثاً. ومن ذلك الرقية التي رقى بها جبرائيل النبي صلى الله عليه وسلم وهي كما في صحيح مسلم (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ اشْتَكَيْتَ فَقَالَ « نَعَمْ ». قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ اللَّهُ يَشْفِيكَ بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ. ويكرر ذلك ثلاث مرات.
أيها المسلمون
ومن علاج السحر بعد وقوعه أيضاً وهو علاج نافع للرجل إذا حبس من جماع أهله: أن يأخذ سبع ورقات من السدر الأخضر فيدقها بحجر أو نحوه، ويجعلها في إناء ويصب عليه من الماء ما يكفيه للغسل، ويقرأ فيها آية الكرسي وسورة (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)، وسورة (وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) ،وسورة ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) ، وسورة (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس ] ،وآيات السحر التي في سورة الأعراف، وهي قوله سبحانه: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ) [الاعراف 117 ، 119 ]، والآيات التي في سورة يونس وهي قوله سبحانه: ( وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ * فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ * فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ * وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ) [يونس 79 ، 82 ]، والآيات التي في سورة طه: ( قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى * قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ) [طه 65 ، 69 ]، وبعد قراءة ما ذكر في الماء يشرب منه ثلاث مرات ويغتسل بالباقي، وبذلك يزول الداء إن شاء الله، وإن دعت الحاجة لاستعماله مرتين أو أكثر فلا بأس حتى يزول الداء. ومن علاج السحر أيضاً -وهو من أنفع علاجه-: بذل الجهود في معرفة موضع السحر في أرض أو جبل أو غير ذلك، فإذا عرف واستخرج وأتلف بطل السحر هذا ما تيسر بيانه من الأمور التي يُتقى بها السحر ويعالج بها والله ولي التوفيق.
أيها المسلمون
وأما العلاج بعمل السحرة الذي هو التقرب إلى الجن بالذبح أو غيره من القربات فهذا لا يجوز؛ لأنه من عمل الشيطان، بل من الشرك الأكبر، فالواجب الحذر من ذلك، كما لا يجوز علاجه بسؤال الكهنة والعرافين والمشعوذين واستعمال ما يقولون؛ لأنهم لا يؤمنون ولأنهم كذبة فجرة يدعون علم الغيب ويلبسون على الناس، وقد حذّر الرسول صلى الله عليه وسلم من إتيانهم وسؤالهم وتصديقهم كما سبق وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ النُّشْرَةِ فَقَالَ « هُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ».رواه الإمام أحمد وأبو داود بإسناد جيد، والنشرة هي حل السحر عن المسحور ومراده صلى الله عليه وسلم بكلامه هذا النشرة التي يتعاطاها أهل الجاهلية، وهي سؤال الساحر ليحل السحر، أو حله بسحر مثله من ساحر آخر. أما حله بالرقية والمعوذات الشرعية والأدوية المباحة فلا بأس بذلك كما تقدم، وقد نص على ذلك العلامة ابن القيم والشيخ عبد الرحمن بن حسن في فتح المجيد رحمة الله عليهما، ونص على ذلك أيضاً غيرهما من أهل العلم.
الدعاء