خطبة عن ( أتدري ما هي النار؟)
نوفمبر 22, 2016خطبة عن ( كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى)
نوفمبر 23, 2016الخطبة الأولى ( مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَالا يَعْنِيهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي في سننه (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ ».
إخوة الإسلام
مع الهدي النبوي نعيش هذه اللحظات الطيبة إن شاء الله ، ومع هذا الحديث الشريف نسعد بتوجيهات رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، ففي هذا الحديث العظيم، وهو أصل كبير في تأديب النفس وتهذيبها، وصيانتها عن الرذائل والنقائص، وترك ما لا جدوى فيه ولا نفع ، فيقول صلى الله عليه وسلم (مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَالا يَعْنِيهِ )
نعم ، فمن استحضر أن الله -عز وجل- يرى حاله ، ويسمع كلامه، ويطلع على أفعاله، وأنه كما قال تعالى {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]، فمن استحضر ذلك ، فإنه لا يتكلم إلا فيما يعلم أن هذا الكلام ينفعه ، ويسعفه أحوج ما يكون إليه، وكذلك حينما يهم بعمل من الأعمال فإنه ينظر ،هل هذا العمل يقربه إلى الله؟، أو أن ذلك يضره في الآخرة؟. قال ابن رجب رحمه الله : هذا الحديث أصل من أصول الأدب ، قال حمزة الكناني رحمه الله : هذا الحديث ثلث الإسلام ، وقال ابن عبد البر رحمه الله : كلامه هذا صلى الله عليه وسلم من الكلام الجامع للمعاني الكثيرة الجليلة في الألفاظ القليلة، وهو ما لم يقُلْه أحد قبله، والله أعلم ، وقال ابن حجر الهيتمي رحمه الله : وهذا الحديث ربع الإسلام على ما قاله أبو داود، وأقول: بل هو نصف الإسلام، بل هو الإسلام كله ، وذكر الصنعاني رحمه الله : أن هذا الحديث من جوامع الكلم النبوية، يعمُّ الأقوال، ويعمُّ الأفعال ،وقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَالا يَعْنِيهِ )) : أي: من جملة محاسن إسلام الإنسان، وكمال إيمانه: تركه ما لا يُهمه من شؤون الدنيا، سواء من قول أو فعل. وقال ابن تيمية رحمه الله : ولا سيما كثرة الفضول فيما ليس بالمرء إليه حاجة من أمر دين غيره ودنياه
وقيل: فإن اقتصر الإنسان على ما يعنيه من الأمور، سَلِمَ من شر عظيم، والسلامة من الشر خير ،وقال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله : إن من لم يترك ما لا يعنيه، فإنه مسيء في إسلامه ،وقال ابن القيم رحمه الله : وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم الورع كله في كلمة واحدة، فقال: ((من حسن إسلام المرء: تركُه ما لا يعنيه))، فهذا يعم الترك لما لا يعني: من الكلام، والنظر، والاستماع، والبطش، والمشي، والفكر، وسائر الحركات الظاهرة والباطنة، فهذه كلمة شافية في الورع
أيها المسلمون
فحسْن إسلام المرء أن يكمله، وأن يصححه، فكيف يصحَّح هذا الإيمان؟ وكيف يصحَّح الإسلام؟ وكيف يكمَّله؟
يكمل بجملة أمور من أعظمها وأهمها وأبرزها: أن يترك ما لا يعنيه، وظاهر هذا اللفظ العموم، يعني: في كل الأمور، فيدخل فيه ما يتعلق بالقلب، وما يتعلق باللسان، وما يتعلق بالجوارح. أما القلب: فهو أشرف هذه الأعضاء، فلا يجعل هذا القلب للأفكار السيئة، والخواطر الرديئة، ومستقراً للإرادات الفاسدة، ولا يسترسل في التفكير فيما يتعلق بأمور الشهوات المحرمة، أو يسترسل في التفكير فيما يتعلق بالشبهات، فهذا من الاشتغال بما لا يعني، ومن التفكير بما لا يعني، ويدخل فيه أيضاً فعل بعض النَّوْكَى ( أحلام اليقظة )، وهم الذين فسد تفكيرهم، وفسدت إراداتهم، وهؤلاء هم الذين يعيشون بأحلام كما يقال، يعني : هو يفكر ويتخيل أنه غنيّ، أو يفكر ويتخيل أنه مطيع لله -عز وجل-، أو يفكر ويتخيل أنه استطاع أن يبيع هذه القطعة، أو هذا الماء القليل، ثم ربح فيه، ثم اشترى ثانياً فصار عنده أكثر، ثم اشترى ثلاثة، ثم أربعة، ثم صار يملك الملايين، فهذا تفكير فاسد لا يجلب عليه نفعاً، لا في الدنيا، ولا في الآخرة، فهذا فعل العاجز يجلس يعيش في أحلام وردية كما يقال، لكنه لا يعمل عملاً جاداً في الحياة ينفعه في دنياه وفي آخرته، هذا ما يتعلق بالقلب. أما ما يتعلق بالجوارح: فأنه يشغل جوارحه بما لا يعنيه، بما لا ينفعه في الدنيا، وبما لا ينفعه في الآخرة، كالذي يلعب الورق، أو يضيع الزمان في ألعاب لا تنفعه، لا تقوي بدنه، ولا يحصل له بهذه الأمور نفع لا في الدنيا ولا في الآخرة. وقل مثل ذلك فيما يحصل من الاشتغال بألوان المحرمات، فهو اشتغال بما لا يعني، وقل مثل ذلك أيضاً فيما يحصل به فضول النظر، وفضول الأكل، وفضول الخلطة والمجالسة، كل هذا من فعل الجوارح، فإن ذلك اشتغال بما لا يعني. وإذا نظر الإنسان إلى أمور لا يحل له النظر إليها فهذا اشتغاله بما لا يعني، وإما أن يكون ذلك مما يتعلق بالصور الفاتنة، أو بقراءة أمور لا يجوز له أن يقرأها مما يثير الغرائز، أو مما يحرك الشكوك والشبه المضلة في النفوس. وهكذا أيضاً ما يتعلق باللسان، وهو أكثر اشتغال الناس بما لا يعني، كالكلام في الغيبة، والنميمة، والوقيعة في أعراض الناس، والسؤال الذي يكون من قبيل الفضول، وفضول الكلام، فلان أين يعمل؟ كم دخله؟ هذا البيت ملك أو إيجار؟ هذه السيارة له أو مستأجرة؟ هل اشتراها هو أو اشتراها أبوه؟ ماذا يستفيد الإنسان من هذه الأسئلة؟! فهي نقص في إسلام الإنسان. وهو علم لا ينفع وجهل لا يضر ،بل إن بعض أهل العلم قال: إن التوسع في الدنيا هو من الاشتغال فيما لا يعني، وإنما يأخذ منها ما يحتاج إليه مما يغنيه عن الناس، فلا يكون محتاجاً إليهم، ولا يحتاج أهلُه ولا ولده إلى الناس، لكن التوسع في جمع حجارة الذهب والفضة، وهو لم يخلق لهذا، فتكون منافسة الناس واشتغالهم وجدهم وتعبهم في جمع هذه الأحجار من الأحمر والأبيض فهذا لم نخلق من أجله، ثم بعد ذلك {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [التكاثر: 1 – 3]، فإذا وضع في قبره عرف أن ذلك التهافت، وذلك الاشتغال والتوسع في الدنيا الزائد عن الحاجة أنه من الاشتغال بما لا يعني، وأن ذلك يكون على حساب الاستعداد للآخرة، وليس معنى ذلك أن الإنسان يعطل دنياه، لا، لكن المقصود ألا تشغله دنياه عن آخرته. وكذلك من الاشتغال بما لا يعني الوقيعة في أعراض الناس، فلان فيه كذا، وفلان فعل كذا، وفلان ترك كذا، وفلان قال لفلان كذا.
وماذا يعنيك؟ وماذا تنتفع من هذا الكلام؟ وما الذي يجنيه هذا القول لك من نفع في الدنيا أو في الآخرة؟ ولكن الإنسان إذا ثقل عليه العمل يحصل له هذا الاشتغال في الأمور التي لا تنفعه، وإذا مُكر بالعبد كان شغله بغيره، ونسي نفسه وأعرض عنها فلم يصلحها، ولم يقوم عيوبه، وإنما الإنسان طاقة فيصرف هذه الطاقة بالنظر في عيوب الآخرين، وتتبع ما عندهم من زلات وأخطاء وما أشبه ذلك، فيبدأ يشرّح عباد الله -عز وجل-، فلان فعل، وفلان ترك، هذا لا يليق، ينبغي أن يشتغل بنفسه وبعمله وبذنوبه.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَالا يَعْنِيهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن كلام السلف في ترك ما لا يعني: قال عمر بن عبدالعزيز: من عد كلامَه مِن عمله، قلَّ كلامه فيما لا ينفعه. وقال الحسن البصري: علامة إعراض الله تعالى عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه. وقيل: من سأل عما لا يعنيه، سمع ما لا يرضيه. وقال معروف الكرخي : كلام العبد فيما لا يعنيه خذلان من الله تعالى. وقيل للقمان: ما بلغ بك ما نرى؟ يريدون الفضل، قال: صِدق الحديث، وأداء الأمانة، وترك ما لا يعنيني. وقال الشافعي: ثلاثة تزيد في العقل: مجالسة العلماء، ومجالسة الصالحين، وترك الكلام فيما لا يعني. وقال محمد بن عجلان: إنما الكلام أربعة: أن تذكر الله، وتقرأ القرآن، وتسأل عن علم فتخبر به، أو تكلم فيما يعنيك من أمر دنياك.
أيها المسلمون
وفي هذا الحديث فوائد كثيرة ومتعددة ، فمن الفوائد التي نستلهمها من هذا الحديث: 1- ينبغي للإنسان أن يدع ما لا يعنيه؛ لأن ذلك أحفظ لوقته، وأسلم لدينه. 2- ترك اللغو والفضول دليل على كمال إسلام المرء. 3- الحث على استثمار الوقت بما يعود على العبد بالنفع. 4- البُعد عن سفاسف الأمور ومرذولها. 5- التدخل فيما لا يعني يؤدي إلى الشقاق بين الناس. 6- الحديث أصل عظيم للكمال الخلقي، وزينة للإنسان بين ذويه وأقرانه. 7- وفي الحديث حثٌّ على الاشتغال فيما يعني المرءَ من شؤون دِينه ودنياه، فإذا كان مِن حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، فمِن حُسنه إذًا اشتغالُه فيما يعنيه.
الدعاء