خطبة عن ( وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ)
يوليو 9, 2016خطبة عن ( وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ)
يوليو 9, 2016الخطبة الأولى (وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ)
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ ».
إخوة الإسلام
حديثنا عن قوله صلى الله عليه وسلم : (وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ )، وهي كلمة جامعه مانعة : ” وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ” ، وفي حديث ابن عمر ” وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ ” أي : فمن أَعَانَ أخاه وسعى – حسب طاقته – في قضاء حاجته – وسَوَاءٌ أكَانَ ذلك بِقَلْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ أَوْ بِهِمَا لِدَفْعِ الْمَضَارِّ أَوْ جَلْبِ الْمَنَافِعِ إِذْ الْكُلُّ عَوْنٌ – ” كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ ” أي: أَنَّ الْمُكَافَأَةَ عَلَى ذلك بِجِنْسِهَا مِنْ الْعِنَايَةِ الْإِلَهِيَّةِ ، وهي أن الله تعالى يعينه وييسر له قضاء حاجاته كما يسعى هو في قضاء حاجة إخوانه ؛ وروى الطبراني عَنْ زَيْدِ بن ثَابِتٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ” لا يَزَالُ اللَّهُ فِي حَاجَةِ الْعَبْدِ ، مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ ” (وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ) : هذا فيه حث على أن يعين المرء أخاه بأعظم حث، حيث جعل أن العبد إذا أعان أخاه، فإن الله في عونه، فإذا كنت في حاجة أخيك كان الله في حاجتك، وإذا أعنت إخوانك المسلمين، واحتجت إلى الإعانة، فإن الله يعينك، وهذا من أعظم الفضل والثواب، وقد أخرج الطبراني من حديث عمر مرفوعًا ” أفضل الأعمالِ إدخالُ السرورِ على المؤمن، كَسَوتَ عورتَهُ أو أشبعتَ جَوْعَتَه أو قضيتَ حاجَتَه ” ، وكانَ عمر يتعاهد الأرامل يستقي لهنَّ الماء بالليل وقد حصل أن رءاهُ طلحةُ بالليلِ يدخل بيت امرأة فدخلَ إليها طلحةُ نهارًا فإذا هي عجوزٌ عمياء مقعدة، فسألها ماذا يصنعُ هذا الرجل عندكِ ؟ فقالتُ هذا مِن كذا وكذا يتعاهدني يأتيني بـما يُصلِحُني ويُخرجُ عني الأذى فقال طلحة: ثَكِلَتْكَ أمُّك يا طلحة أعوراتِ عمرَ تتبع،
إخوة الإسلام
ثم ننتقل إلى قوله صلى الله عليه وسلم 🙁 وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ)، فلما كان للعلم منزلة عظيمة ، ومكانة رفيعة ؛ جاء الحديث ليؤكد على فضله وعلو شأنه ، فهو سبيل الله الذي ينتهي بصاحبه إلى الجنة ، والمشتغلون به إنما هم مصابيح تنير للأمة طريقها ، وهم ورثة الأنبياء والمرسلين ، لذلك شرّفهم الله تعالى بالمنزلة الرفيعة ، والمكانة عالية ، فقد روى الترمذي(رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِى فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ »، فالعلماء هم أهل الذكر ، وهم أهل الخشية ، وشتان بين العالم والجاهل وقوله : ( وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا ، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ” : فيه الحثُّ على طلب العلم الشرعيِّ وسلوك الطرق الموصلة إلى تحصيله ، سواء أكان ذلك طريقًا حسيًّا ، كمشي وسفر لطلبه وملازمة العلماء والأخذ عنهم ، واقتناء الكتب المفيدة وقراءتها والاستفادة منها ؛ أو كان طريقًا معنويًا مثل حفظه ، ودارسته ، ومذاكرته ، ومطالعته ، وكتابته ، والتفهُّم له ،ونحو ذلك مِنَ الطُّرق المعنوية التي يُتوصَّل بها إلى العلم . والجزاء على ذلك من الله تسهيل الطريق التي يصل بها طالب العلم إلى الجنَّة ، وذلك يكون بإعانته على تحصيل ما قصد ، فيكون بذلك محصِّلاً للعلم ؛ ويكون – أيضًا – بإعانته على العمل بما علمه من أحكام الشريعة ، وذلك يفضي به إلى دخول الجنَّة ؛كما قد يُيَسِّرُ الله لطالبِ العلم علومًا أُخَرَ ينتفع بها ، وتكونُ موصلة إلى الجنَّة ، كما قيل : من عَمِلَ بما عَلِمَ ، أورثه الله علم ما لم يعلم ؛ وكما قيل : ثوابُ الحسنة الحسنةُ بعدَها ، وقد دلَّ على ذلك قولُه تعالى : ( وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً ) [ مريم : 76 ] ، وقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ) [ محمد : 17 ]
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وننتقل إلى قوله صلى الله عليه وسلم (وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ، وقوله : ” وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ ” أي : المسجد ، فإن بيوت الله هي المساجد ، قال الله تعالى : ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) [ النور : 36 وقال تعالى ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا )[ الجن : 18 ] ؛فأضاف الله المساجد إليه ؛لأنها موضع ذكره ؛ وقوله : ” يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ” أي: يشتركون في قراءة بعضهم على بعض ، ويدرس بعضهم على بعض ، وأصل الدراسة التعهد ،وفيه الحثُّ على الاجتماع في المساجد لتلاوة القرآن وتدارسه ، ويكون ذلك بقراءة أحد المجتمعين والباقون يسمعون ، وبقراءتهم بالتناوب ليقوِّم بعضُهم بعضًا في القراءة ، وإذا كان فيهم عالم بتفسيره علَّمهم ، وإن كانوا من أهل العلم أوطلبته تدارسوا معانيه ، ” إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ ، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ ، وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ ، وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ” هذا هو الجزاء على العمل ، ولا يخفى ما فيه من الفضل العظيم : نزول الطمأنينة عليهم ، وتشملهم الرحمةَ وتغطِّيهم ، وتحيط بهم الملائكة ، ويذكرهم الله تعالى فيمن عنده من الملائكة ؛ وهذه الخصال الأربعُ لكلِّ المجتمعين على ذكر الله تعالى ، وأولى ما يصرف العبد فيه وقته : تعلم القرآن ونشر علومه ، كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري« خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ » ،وهذه الخيرية إنما جاءت من تعلّق هذا العلم بكلام الله تعالى ، وشرف العلم بشرف ما تعلق به . على أن تلك البشارات العظيمة لا تُنال إلا بجدّ المرء واجتهاده ، لا بشخصه ومكانته ، فلا ينبغي لأحد أن يتّكل على شرفه ونسبه ؛ فإنّ ميزان التفاضل عند الله تعالى هو العمل الصالح ، فلا اعتبار لمكانة الشخص إن كان مقصّرا في العمل ، ولذا يقول الله عز وجل في كتابه : { فإذا نُفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون } المؤمنون : 101
الدعاء