خطبة عن (احذروا الغلول (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)
أكتوبر 8, 2016خطبة عن (أَعْظَمُ الناس حَقًّا عَلَى الْمَرْأَةِ زَوْجُهَا)
أكتوبر 15, 2016الخطبة الأولى ( وقفات على باب الكريم )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) (186) البقرة ،وقال تعالى : (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ) النمل 62
وفي الصحيحين واللفظ للبخاري (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ »
إخوة الإسلام
الدعاء نعمة عظيمة جاد بها المولى على عباده، فالدعاء شأنه عظيم ونفعه عميم ، ومكانته عاليةً في الدين،
فما استُجِلبت النعم بمثله، ولا استدفعت النقم بغيره، ذلك أنه يتضمن توحيد الله وإفراده بالعبادة دون من سواه.
فما أشد حاجة العباد إلى الدعاء، نعم كل الناس بحاجة إلى الدعاء ، بل كل من في الأرض جميعاً كلهم وربي بأمس الحاجة للدعاء، وإخلاصهم لرب الأرض والسماء، ليصلوا بذلك إلى خيري الدنيا والآخرة. فاين عالم بربه ؟ واين خائف من ذنبه؟ واين مسرور بقربه؟ واين مشغول بذكره ، واين مشفق من بعده؟ فإن الذنوب تورث الغفلة ، والغفلة تورث القسوة ، والقسوة تورث البعد من الله ، والبعد من الله يورث النار ،وهذه همسات أو قل وخزات ، أو قل زفرات ، ليت يسمعها كل منا فيقف مع نفسه وقفة الحريص على آخرته .. إنها وقفة على باب الكريم
أيها الموحدون
إننا نعيش في زمان تغيرت واختلفت فيه السلوكيات والقيم ، زمان آثر الناس فيه الفاني على الباقي ، وجلّ غايتهم رضوان الناس ولو بسخط الله ، احتلت الدنيا كل المواقع في قلوبهم واندحر حب الآخرة بل تلاشى وغاب ، اصبح المعروف منكرا والمنكر معروفا ، زمان فيه ازدهرت كل العلوم الا العلم بالله تعالى ، يخاف الناس من بعضهم ومن الفقر ، ومن المرض ومن المجهول ولا يخافون من الله ، يسرون بالتافه والرخيص ويبثون للزائل ولا يسرّون لطاعة ربهم والانس به ، ولما كان هذا حالهم فانهم قد اعتدوا على حمى الله تعالى وتجاوزوا حدوده ، وهتكوا محارمه ،
إنهم لقسوة قلوبهم وجفاف مآقيهم من دمع الخوف والرجاء ولأن ألسنتهم قد انعقدت عن ذكر الله تعالى ، فقد ظنوا ويا لخيبتهم ، وتوقعوا ويا لتعاستهم أن الله لا يراهم ،فهتكوا الستور واعتدوا على المحارم وبارزوا الخالق العظيم بقبائح الافعال والصنائع . ويزيد في طغيانهم وتجاوزهم الحدود حلم الله عليهم وامهاله سبحانه وتعالى لهم حتى ليخيل إليهم أنهم من عذاب الله مفلتون ومن قبضته ناجون ولا يدرون أن الله يمد لهم في العذاب مدا ، وأنه سبحانه وتعالى يقول لهم ولغيرهم : (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) (45) ) القلم . فهذه الهمسات أهديها إلى كل هؤلاء الذين ألفوا الذنوب ، حتى ما عادوا يشعرون بوخزها ولذعها لهم، فتراكمت نكتها السوداء على قلوبهم ، حتى أصبحت قلوبهم سوداء منتكسة ، لا تحرم حراما ولا تحل حلالا ، لقد ادمنوا على الذنوب والفوها حتى أصبحت جزءا من حياتهم فقادتهم إلى الغفلة والتيه والضياع ، لقد تبلد الحس وتبلدت المشاعر وجمدت العيون فلم تعد تدمع دموع الخشية وقست القلوب فلم تعد تذكر الله تعالى ، نعم لقد استهانوا بالذنوب حتى كثرت فقادتهم الى الغفلة ، ولقد غفلوا ولم ينتبهوا حتى قادتهم الغفلة الى القسوة ولقد قست قلوبهم فلم تعد تتقبل الا سيئ الافعال وقبائح الاخلاق حتى قادتهم الى البعد عن الله تبارك وتعالى ، وهكذا ظلوا في تباعد دائم ومستمر عن الله تعالى وحزبه وفي اقتراب دائم مستمر من الشيطان ورهطه حتى اقتربوا الى النار وابتعدوا عن الجنة ، نقول لهؤلاء جميعا : ترى إلى أين ستكون عاقبة هذا المبتعد عن ربه ، ومن له إن لم يكن الله وليه، وإلى أين المفر إن لم يكن إلى الله ، وبمن يلوذ إن لم يلذ بحمى الله ، ومن يرجو ان لم يكن رجاؤه في الله وعلى باب من يقف إن اغلق دونه باب الله ،
أيها المسلمون
فهيا أيها المذنب وكلنا ذلك المذنب ، وتعال أخي الغافل ، تعال إلى وقفة على باب الكريم ،فداو ذنبك بالاستغفار وغفلتك بالذكر وقسوتك بالخشوع والانكسار وبعدك بالوقوف على باب الكريم والارتماء على أعتابه ،وقل له: اسألك بعزك وذلي اسألك بقوتك وضعفي اسألك بغناك وفقري، إلهي :عبيدك غيري كثير أما أنا فليس لي رب سواك.
عند ذلك لن تكون النتيجة الا رحمة الله وغفرانه ،فيا كل المذنبين وكلنا مذنب ويا كل الغافلين وكلنا غافل ويا كل القساة وكلنا قاس ، يا كل البعيدين وكلنا بعيد ، ألسنا جميعا نعرف هذا في أنفسنا ، ألسنا جميعا نستشعر كل هذا في ذاتنا ، ما بالنا إذن ، ونحن نعلم أنه الله الرحمن الرحيم ، وأن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ، إنه الله الذي لو اقتربنا منه شبرا لاقترب منا ذراعا ولو اتيناه نمشي لاتانا هرولة ، إنه الله الذي يقول في صحف ابراهيم لابن آدم :(فوعزتي وجلالي لا بد لك من الورود إليّ والوقوف بين يدي اعدد لك أعمالك واحصي لك أفعالك حتى إذا أيقنت بالبوار وظننت أنك من أصحاب النار قلت لك لا تحزن يا عبدي فمن أجلك اسميت نفسي العزيز الغفار). فما بالنا إذن لا نتوب إليه متوسلين إليه ، ضارعين إليه ، واقفين على بابه لنقول له (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (23) الأعراف ،ولن يكون جواب الكريم إذا وُقف على بابه إلا أن يقول :
(يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (53)) الزمر
أيها المسلمون
نعم على باب الكريم وقفنا ، ولا نزال نقف وندعو ونهتف ،وقفنا نشكو إليّه ضعف قوتنا, وقلة حيلتنا, وهواننا على الناس, لكننا لم ولن نقنط أبدًا من رحمته, وقد تمثلنا قول زكريا عليه السلام: (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ) (4) مريم , وقفنا ندعوه ،يا رب ليس لنا رب سواك فنرجوه ، ولا معبود لنا سولك فندعوه , جئناك بذنوب عديدة, وهموم مديدة, وأمة ممزقة شريدة, وليس للأمر من دونك كاشف, وأنت صاحب الحول والطول, ومن أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون . يا رب وقفت بباب الكريم ربى الرحيم التواب.. فنظرة من رضاه تفتح مغلق الأبواب.. وقطرة من بحر جوده تملأ كل الرحاب.. سكبت من نواظري دموع التائب الأواب.. أخطأت كثيراً سيدي وخير الخطائين الأواب.. من تاب بعد الذنب أبدلته كل ذنب بثواب.. بِكَ نستَجِيـــــرُ وَمَـــنْ يُجِيـــرُ سواكـــــا فَـارحم ضعيفاً يحتمـــي بِحِمَاكَــا
أخي في الله :اغتنم الفرص قبل أن يواريك التراب.. وعد لمولاك أيها العبد الآبق تنجو من العقاب.. لا تحسبن في الدنيا خلوداً فلا مناص من الإياب.. أتعمر دار الدنيا وتجعل دار الآخرة خراب؟!.. الكيس من إذا دانت له الدنيا وكثرت الأصحاب.. ترك زخرفها وذكر ربه مخلصاً وأناب. تعالى أنا وأنت نقف على باب الكريم ونهتف من أعماقنا،ونقول : على باب الكريم بكيت حالي وقلت الله يا رب الموالي
عظيم الشأن يا بحر العطايا ومن خلق الوجود بلا مثال
ويا من فضله منم غير حد ومن يعطي الجميع بلا سؤال
عبدك ابن عبدك جاء يدعو وما للشك عندي من مجال
بأنك لن ترد دعاء عبد أتى يدعوك في ثوب ابتهال
وقفت بزلتي أبدي هواني وارجو منك غفران انشغالي
عن الذكر الذي قصرت فيه وما ضيعت من فضل الليالي
وان كنت الذي قصرت ذكرا وطال البعد مني وانشغالي
فيكفيني اعترافي ان ربي هو الاحد المجيب بلا جدال
واشهد انه المعبود حقا وليس له شريك في الكمال
شهادة مؤمن قد جاء يدعو ويرجو توبة بعد الضلال
وان يرض الكريم ويعف عني فمن كل الحوادث لا ابالي
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وقفات على باب الكريم )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
تعالوا نلهج بلا إله إلا الله ، فما قرعت أبواب السماء بمثل مفاتيح الدعاء، لا إله إلا الله أجاب الله قوماً بنملة بعد أن رفعت يديها بها إلى السماء فلما خرج سليمان يستسقي بالناس وفي طريقه للمصلى رأى نملة رفعت يديها تدعوا الذي يعطي ويمنع ويلطف ويغيث، قال سليمان أيها الناس عودوا فقد كفيتم بدعاء غيركم، فأخذ الغيث ينهمر، لا إله إلا الله إليه يصعد الكلم الطيب والدعاء الخالص والهاتف الصادق والدمع البريء، فهلا قرعنا بابه وهلا لذنا بجنابه ووقفنا بعتبات بابه. فيا أصحاب الحاجات؛ ويا مَن تكالبت عليكُم الملمات، ويا كل مكروب، ويا كل مهموم، يا كل مظلوم،
أليس فيكم عينٌ باكيةٌ وقلبٌ حزين؟ أليس منكم من الضعفاء المنكوبين؟ أليس منكم عزيزٌ قد ذل؟ وغني قد افتقر؟ وصحيح قد مرض؟ أنتم وأولئك إلى من تلجئون ومن تنادون ومن تشتكون؟ وأيديكم إلى من تمدون؟ اقرعوا باب الكريم وجدّوا في الدعاء، فالدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين ونور السماوات والأرضين. اقرعوا الباب وأكثروا القرع والإلحاح. واعلموا أن الله العفو أحب إليه من الانتقام والرحمة أحب إليه من العقوبة، سبقت رحمته غضبه، وحلمه عقوبته، الفضل أحب إليه من العدل، والعطاء أحب إليه من المنع، إذاً بادر أخي بقرع الباب وأنت الذليل الحقير واذرع إلى العلي الكبير تذرع الأسير بقلبٍ كبير. لا إله إلا الله هو ناصر الضعيف ومفزع كل ملهوف، لا إله إلا الله من تكلم سمع نطقه ومن سكت علم سره ومن عاش فعليه رزقه ومن مات فإليه منقلبه، لا إله إلا الله إذا أراد شيئا قال له كن فيكون، ما بين طرفت عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال. قال تعالى : ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ [البقرة: 186] لا إله إلا الله قريب يسمع ويجيب، قريب عطاؤه ممنوح، وخيره يغدو ويروح وبابه مفتوح، حليم كريم صفوح، قريب فرجه في لمح البصر وغوثه في لفتتِ النظر، قريب جواد مجيد،
لا ضد له ولا ند، أقرب للعبد والله من حبل الوريد، محمود ممدوح حميد، لا إله إلا الله دعا المذنبين للمتاب، وفتح للمستغفرين الباب، ورفع عن أهل الحاجات الحجاب فهلا قرعتم الباب وناديتم العزيز الوهاب كما دعاه عبده يونس ﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87] فأسمعوا الإجابة ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ فسبحان من سمعه من قعر البحار وهو على عرشه واحد قهار. وناد إذا سجدت له اعترافاً كما ناداه ذوالنون ابن متى وأكثر ذكره في الأرض دأبا لتذكر في السماء إذا ذكرتا لا إله إلا الله ﴿ يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾ [الرحمن: 29] أين أنتم يا أهل الحاجات؟ أين المرضى؟ أين المديونون؟ أين المستضعفون؟ لماذا طرقتم الأبواب كلها ونسي الكثير باب الله. إنه باب الكريم لا تسألن بني آدم حاجةَ وسل الذي أبوابه لا تحجبُ الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب جاء في رواية أن سعيد أبن عنبسة قال: (بينما رجل جالس يعبث بالحصى ويحذف به قال إذ رجعت حصى ودخلت في أذنه فبقيت مدة من الزمن وهي تألمه وبينما هو ذات يومٍ جالس إذ سمع رجل يقرأ ﴿ أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ﴾النمل: 62] فقال ذلك الرجل: يا رب يا رب أنت المجيب وأنا المضطر فاكشف ما بي من ضر، فنزلت الحصاة من أذنه في الحال).
ففي سنن الترمذي (عَنْ سَلْمَانَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلاَّ الدُّعَاءُ وَلاَ يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلاَّ الْبِرُّ ».
عباد الله
عليكم بالدعاء فهو من أنفع الأدوية، فالدعاء عدو البلاء يدافعه ويعالجه، أو يمنع نزوله ويرفعه أو يخففه إذا نزل، وهو سلاح المؤمن. فأرفع أكفك إلى السماء وأقرع باب السماء بمفاتيح الدعاء، وقل (يا أرحم الراحمين ، ويا أكرم الأكرمين )، فمن الذي يفزع إليه المكروب ويستغيث به المنكوب، وتصمد إليه الكائنات، وتسأله المخلوقات، وتلهج بذكره الألسن، وتألهه القلوب؟ إنه الله الذي لا إله إلا الله هو ، أحسن الأسماء، وأجمل الحروف ، وأصدق العبارات، وأثمن الكلمات. وفي مستدرك الحاكم (عن أنس بن مالك رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه و سلم : قال لا تعجزوا في الدعاء فإنه لا يهلك مع الدعاء أحد ) فليتنا عباد الله ندعوا الله كثيرا، وليت ضعفنا يتصل بقوته ، وفقرنا يتصل بغناه ،وعجزنا بقدرته، سبحان الله حق لنا والله أن ندعوه في الشدة والرخاء والسراء والضراء، ونفزع إليه في الملمات ونتوسل إليه في الكربات، كل الحبال تتسرب إلا حبله، وكل الأبواب توصد إلا بابه، يأمرك الله وأنت الضعيف المحتاج ،وهو الغني القوي الواحد الماجد، فإذا نزلت بك النوازل وألمت بك الخطوط فألهج بذكره، واهتف باسمه، وأطلب مدده، وأسأله فتحه ونصره، مرغ الجبين لتقديس أسمه، لتحصل على تاج الحرية، وأرغم الأنف في طين عبوديته لتحوز أوسام النجاة، وأصبر فإن مع العسر يسرا ومع الصبر نصرا وبعد الشدةِ رخاء وبعد الضراء سراء، وإذا رأيت الحبل يشتد ويشتد فأعلم أنه سوف ينقطع، إذاً فلا تضيقوا ذرعاً فمن المحال دوام الحال، وأفضل العبادة انتظار الفرج، والأيام دول والدهر متقلب والغيب مستور والحكيم كل يوم هو في شأن ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، فبشر المريض بعلاج سريعٍ بإذن الله، وبشر المنكوب بلطفٍ خفي وكفٍ حانية وادعة، وبشر الفقير بغنى والغائب بالقدوم والمتعب بالراحة والمسجون بالخروج، فالدهر مقبلٌ مدبر، والأيام آخذة معطيه، ولكل نازلةٍ رحيل، ولكل صعوبة سهولة، ولكل داء دواء، حكمة نافذة وقدرة باهرة، فلا تجزع فإن مع العسر يسرا، ولا تيأس إن مع العسر يسرا إذاً فاقرعوا باب السماء بالدعاء وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ففي سنن الترمذي (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاَهٍ » وفي صحيح مسلم (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ يَقُولُ « لاَ يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ». وفي الصحيحين واللفظ للبخاري (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ ،قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى بِي ، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي ، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِى ، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا ، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِى أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً »
الدعاء