خطبة عن (وقفات مع حديث :الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً)
نوفمبر 20, 2016خطبة عن ( تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ)
نوفمبر 22, 2016الخطبة الأولى (وقفات مع حديث: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ وشِرَارِكُمُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان . ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام أحمد في مسنده ، والبخاري في الأدب المفرد وغيرهما ، وصححه الألباني ( عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ ». قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا ذُكِرَ اللَّهُ تَعَالَى ». ثُمَّ قَالَ « أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمُ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الأَحِبَّةِ الْبَاغُونَ للْبُرَآءِ الْعَنَتَ ».
إخوة الإسلام
هذا الحديث من الأحاديث الجامعة لهذه الفضائل في كلمات قليلة ،وقول النبي –صلى الله عليه وسلم ) أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ )..، فهذه السؤال وتلك الطريقة متكررة في حديث النبي- صلى الله عليه وسلم ، ويهدف منها صلى الله عليه وسلم شحذا للقلوب ، ولفتا للانتباه ، واستدعاءً للأذهان ، حتى تعي القلوب الكلام ، وتستوعب ما يقال ؛ فكثيرا ما يأتي أو يلقي عليه الصلاة والسلام العلم على طريقة السؤال “أتدرون ما كذا” “هل أنبئكم بكذا” “ألا أخبركم بكذا” ،نعم ، فكثيرا ما يأتي في حديثه بهذه العبارات ، فإذا استعدت القلوب وأصغت الأسماع وتهيئوا للسماع وقالوا: بلى يا رسول الله ،أو نعم يا رسول الله ، أو نحو ذلك ، ألقى عليه الصلاة والسلام عليهم العلم وهم في تمام التهيؤ ، وهذا من كمال نصحه عليه الصلاة والسلام ، وحسن بيانه صلى الله عليه وسلم ، وقد قال الله-تعالى- فيه : (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) (128) التوبة ،فيقول صلى الله عليه وسلم : « أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ »؟. : أي يا أهل الإيمان :ألا أخبركم بخياركم ؟ : ألا أذكر لكم صفات الأخيار منكم؟ ، والغرض من ذكر هذه الصفات أن يتحلى بها الإنسان ،وأن يجتهد بأن يكون متصفا بها ، وأيضا الغرض من ذكر صفات شرار الناس ، هو أن يحذر الإنسان منها ؛ فقد قال عليه الصلاة والسلام : « أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ »؟. قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ : وهذا جواب أي بلى أخبرنا ، نعم أخبرنا بخيارنا، قَالَ « الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا ذُكِرَ اللَّهُ تَعَالَى ». وهذا فيه بيان : أن الأخيار من أهل الإيمان ، والأفاضل منهم ، والمقدمون فيهم ، هم من كانوا بهذه الصفة . ” إِذَا رُؤُوا ذُكِرَ اللَّهُ تَعَالَى ” ،وذلك لحسن استقامتهم، وحسن عبادتهم، وإقبالهم على طاعة الله –جلَّ وعلا- ولتواضعهم وذلهم لله ، وانكسارهم بين يديه،
ولما قام فيهم من الخشية لله ،والهيبة لله ،والتعظيم لله ،والتأثر بتلاوة كلام الله بالمواعظ ونحو ذلك ،قال الله – جلَّ وعلا- ” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (4) ” الأنفال . وقال تعالى : (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (19) السجدة ،فذكر عليه الصلاة والسلام أن خيار الناس هم الذين إذا رُؤُوا ذكر الله . لماذا؟ ،لأنهم على هيئة من الصلاح والاستقامة والتواضع لله ، والذل له ، ودوام ذكره، والتعظيم له – سبحانه وتعالى – لا يفترون عن ذكر الله ولا يغفلون ، ويحافظون على طاعة الله – جل وعلا- ويواظبون على الخير وأعمال الخير؛ فإذا لقيهم الإنسان ذكر الله – جل وعلا- لأن أعمالهم وأخلاقهم وخصالهم وخلالهم كل ذلك يذكِّر بالله تعالى ، وهؤلاء يصح أن يقال في مثلهم دعاة إلى الله-سبحانه وتعالى- بلسان الحال ،
وكم من إنسان استقام على طاعة الله – جل وعلا- برؤيته لشخص دون أن يحدثه ، نعم ، رآه ديِّنا مستقيما محافظا، بعيدا عن السوء ، بعيدا عن المنكرات، فرؤيته له ولتدينه ومحافظته واستقامته كانت سببا في هدايته للصراط المستقيم ، وهذه تسمى الدعوة بالقدوة – القدوة الحسنة- فهم أهل استقامة وأهل محافظة على طاعة الله – تبارك وتعالى- فإذا رُؤُوا ذكر الله –سبحانه وتعالى- لا يرى فيهم الإنسان ما يدعو إلى الغفلة ولا يرى فيهم ما يفتح عليه باب الشر وإذا جالسهم فمثلهم كما قال عليه الصلاة والسلام في الجليس الصالح إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه أو أن تشم منه رائحة طيبة ، والحديث في الصحيحين (عَنْ أَبِى بُرْدَةَ عَنْ أَبِى مُوسَى – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً ، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً » . فأهل الإيمان والصلاح والتقوى: الخبث ليس موجودا عندهم ، والنتن ليس موجودا عندهم ، والشرور ليست موجودة عندهم ، وفتح باب الفساد ليس موجودا لديهم ؛ ولعل هذا المعنى يُذِّكرنا بحديث وهو في سنن الترمذي بسند حسن صحيح (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَقَفَ عَلَى أُنَاسٍ جُلُوسٍ فَقَالَ « أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِكُمْ مِنْ شَرِّكُمْ ». قَالَ فَسَكَتُوا فَقَالَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَقَالَ رَجُلٌ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنَا بِخَيْرِنَا مِنْ شَرِّنَا. قَالَ « خَيْرُكُمْ مَنْ يُرْجَى خَيْرُهُ وَيُؤْمَنُ شَرُّهُ وَشَرُّكُمْ مَنْ لاَ يُرْجَى خَيْرُهُ وَلاَ يُؤْمَنُ شَرُّهُ ».وقال الألباني: حديث صحيح ،فقوله صلى الله عليه وسلم هنا (خياركم الذين إذا رُؤُوا ذكر الله)، هو قريب في المعنى من قوله صلى الله عليه وسلم : ” خياركم من يرجى خيره ويؤمن شره ” ؛ لأن هؤلاء إذا جُلِس عندهم وحُضِر في مجالسهم ، لا يسمع منهم الإنسان إلا الخير ، ولا يسمع منهم الشر ، فيكون جلوسه معهم لا يذكره إلا بالله ولا يذكره إلا بالخير ، ولا يذكره إلا بالأعمال الصالحة والطاعات الزاكية ، فهو لا يسمع منهم كلاما أو يرى فيهم أفعالا تفتح عليه شرا أو فسادا ،وهذا هو معنى قول النبي- عليه الصلاة والسلام- في الحديث “الذين إذا رُؤُوا ذكر الله ” .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (وقفات مع حديث: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ وشِرَارِكُمُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان . ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ثم قال صلى الله عليه وسلم : « أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمُ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الأَحِبَّةِ الْبَاغُونَ للْبُرَآءِ الْعَنَتَ ».
فهذا يقابله في الحديث الآخر ” حديث أبي هريرة، قال :” شركم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره” ، ومن عدم أمن شر هؤلاء ما ذكر النبي – عليه الصلاة والسلام – من حالهم هنا . قال ” قال:” المشَّاؤُون بالنميمة ” والمشَّاء : صفة مبالغة ففيه من صفات الأشرار أنهم يسعون بالنميمة بين الناس ويكثر فيهم هذا الأمر – السعي بالنميمة- أي نقل الكلام بين الناس على وجه الفساد ونشر العداوات . قال : قال:” المشَّاؤُون بالنميمة، المفسدون بين الأحبة” . وهذا العطف هنا توضيح لمآل النميمة ونتيجتها وغايتها وثمرتها ؛ فالنميمة : نتيجتها الإفساد بين الأحبة ، وإيقاع العداوات بين المتحابين ، يقول يحيى اليماني –رحمه الله- :” يفسد النَّمَّام في ساعة ما لا يفسده الساحر في سنة”. فالنَّمَّام كلامه سريع الإفساد . ثم بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن من صفاتهم وأخلاقهم أنهم : المفسدون بين الأحبة” ثم ذكر لهم صفة أخرى قال:” البَاغُون البُرَآءَ العنت ” والبَاغُون البُرَآءَ: أي يبغون في حق الأبرياء من عباد الله العنت: أي الهلكة والمشقة والفتنة والشر. فهم الذين يطلبون للبريء السالم المشقة والفساد ، يريدون أن يلطخوا المطهرين السالمين بما عافاهم الله منه من الآثام والعيوب . بل ويبحثون عن زلاتهم وهناتهم ليفضحوهم بها بين الناس ليكونوا في الفساد سواء
وهذه أيضا من نتائج النميمة وثمارها ، فالنَّمَّام يجعل بين الأبرياء عنتا ومشقة وفسادا وشرا ، والنَّمَّام يجعل بين الأبرياء ، ويجعل بين المتآخين ، ويجعل بين المتحابين ، ويجعل بين المتصافين ، يجعل بينهم عنتا ومشقة وشرا وفسادا وعدوانا ، هذا هو معنى قوله صلى الله عليه وسلم : البَاغُون البُرَآءَ العنت : أي يطلبون العنت والمشقة والشر والفساد في حق الأبرياء ، وفي حق المتآخين ، وفي حق المتصافين ، وفي حق المتوادين ؛ وهذا كله مما يبين لنا خطورة حال النّمَّام وأنه من أشرِّ الناس ، وقوله صلى الله عليه وسلم ( ألا أخبركم بشراركم )، فهذا من أشرِّ الناس – والعياذ بالله- فقد أصبحت مهمته في المجتمع نشر العداوات ، والفساد والافساد. والنمّام والعياذ بالله ، لا يهدأ له بال ، ولا يرتاح له خاطر ، إلا إذا رأى الأخوة متباغضين ، وإذا رأى المتحابين متعادين ، وإذا رأى في الأبرياء العنت والمشقة ، إذا رآهم كذلك وعلى هذه الحال ، أحس أنه أدى مهمته ، ولكن عقوبة الله له يوم القيامة عظيمة.
أيها المسلمون
والمقصود من الحديث : الحث على مكارم الأخلاق ولين الجانب ، والنهي عن النميمة أو السعي بين الناس بالفساد والشر ، وخاصة الأتقياء الأنقياء المسالمون الذين لا غل في قلوبهم ولا حسد ولا ضغينة . ففي سنن ابن ماجة : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ قَالَ « كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ ». قَالُوا صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ قَالَ « هُوَ التَّقِىُّ النَّقِيُّ لاَ إِثْمَ فِيهِ وَلاَ بَغْىَ وَلاَ غِلَّ وَلاَ حَسَدَ ».
الدعاء