خطبة عن حديث: (الْبِرُّ: حُسْنُ الْخُلُقِ)
نوفمبر 20, 2016خطبة عن (وقفات مع حديث: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ وشِرَارِكُمُ)
نوفمبر 21, 2016الخطبة الأولى (وقفات مع حديث :الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
في الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً , وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ ) وعند مسلم : ( الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ – أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ – شُعْبَةً , فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ , وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ , وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ )
إخوة الإسلام
لقد أراد النبي – صلى الله عليه وسلم – بهذا الحديث أن يعطي تصوراً مجملاً عن الإيمان، وأنه متعدد الأركان والشرائع ، وأنه مشتمل على الأعمال الصالحة القلبية، والفعلية، والقولية، فذكر صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أعلى مراتب الإيمان وهو التوحيد (َقوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ) ، وأدنى مراتبه وهو ما لا يقيم له الناس وزناً من الأعمال الصالحة كإماطة الأذى عن الطريق، وذكر صلى الله عليه وسلم “الحياء” للدلالة على ما بينهما من أعمال صالحة يَصْدُقُ على جميعها مسمى الإيمان .وقوله صلى الله عليه وسلم : ( الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ – أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ – شُعْبَةً )
فلعل من أحسن ما جاء في بيان شعب الإيمان ما ذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري فقال: ولم يتفق من عدّ الشعب على نمط واحد، وأقربها إلى الصواب طريقة ابن حبان، لكن لم نقف على بيانها من كلامه، وقد لخصت مما أوردوه ما أذكره وهو: أن هذه الشعب تتفرع عن أعمال القلب، وأعمال اللسان، وأعمال البدن: فأعمال القلب : فيه المعتقدات والنيات، وتشتمل على أربع وعشرين خصلة: الإيمان بالله، بذاته وصفاته وتوحيده بأنه ليس كمثله شيء، واعتقاد حدوث ما دونه، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله، والقدر خيره وشره، والإيمان باليوم الآخر، ويدخل فيه مسألة القبر والبعث والنشور والحساب والميزان والصراط والجنة والنار ومحبة الله والحب والبغض فيه، ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم واعتقاد تعظيمه، ويدخل فيه الصلاة عليه واتباع سنته، والإخلاص ، ويدخل فيه ترك الرياء والنفاق والتوبة والخوف والرجاء والشكر والوفاء والصبر والرضا بالقضاء والتوكل والرحمة والتواضع، ويدخل فيه توقير الكبير ورحمة الصغير وترك الكبر والعجب وترك الحسد وترك الحقد وترك الغضب. وأعمال اللسان : وتشتمل على سبع خصال: التلفظ بالتوحيد، وتلاوة القرآن، وتعلم العلم، وتعليمه. والدعاء، والذكر ويدخل فيه الاستغفار واجتناب اللغو.
وأعمال البدن، : وتشتمل على ثمان وثلاثين خصلة ،منها ما يختص بالأعيان، وهي خمس عشرة خصلة: التطهير حساً وحكماً، ويدخل فيه اجتناب النجاسات، وستر العورة والصلاة فرضاً ونفلاً والزكاة كذلك. وفك الرقاب والجود ويدخل فيه إطعام الطعام وإكرام الضيف والصيام فرضاً ونفلاً، والحج والعمرة كذلك، والطواف والاعتكاف والتماس ليلة القدر، والفرار بالدين ويدخل فيه الهجرة من دار الشرك والوفاء بالنذر والتحري في الأيمان وأداء الكفارات.
ومنها ما يتعلق بالاتباع وهي ست خصال: التعفف بالنكاح والقيام بحقوق العيال وبر الوالدين وفيه اجتناب العقوق وتربية الأولاد وصلة الرحم وطاعة السادة والرفق بالعبيد. ومنها ما يتعلق بالعامة، وهي سبع عشر خصلة: القيام بالإمرة مع العدل ومتابعة الجماعة، وطاعة ولي الأمر والإصلاح بين الناس، ويدخل فيه قتال الخوارج والبغاة والمعاونة على البر، ويدخل فيه الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود، والجهاد ومنه المرابطة وأداء الأمانة، ومنه أداء الخمس، والقرض مع وفائه وإكرام الجار وحسن المعاملة وفيه جمع المال من حله وإنفاق المال في حقه ومنه ترك التبذير والإسراف ورد السلام وتشميت العاطس وكف الأذى عن الناس، واجتناب اللهو وإماطة الأذى عن الطريق،
أيها المسلمون
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ) وفي لفظ آخر عند أحمد : ( أَرْفَعُهَا وَأَعْلَاهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ) ،فهي لا تكون أعلى الشعب وأرفعها إلا إذا أقرّ بها بإخلاص وصدق ويقين , قد اطمأن قلبه بها وأنست نفسه إليها . وهذه الكلمة هي كلمة التوحيد وأعلى خصال الإيمان , بها علو الإيمان وأهله , ولهذا حينما يقاتل الكفار لتكون كلمة الله هي العليا , يُدعون إلى الكلمة العليا وهي ( لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ) , ولذا لا يكون مقاتلاً لأجل أن تكون كلمة الله هي العليا حتى يُخلص في قوله لهذه الكلمة . فالمراد بـ ( قَوْل لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ) أي القول المواطئ للقلب ,وما أكثر من يتلفظ بها اليوم , لكنه لا يعمل بمقتضاها , والناس حيال هذه الكلمة وتلك الشهادة متفاوتون ،فمنهم من ينطق بها وهو زنديق كالمنافقين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ،ومنهم من ينطق بها وهو صديق , وهذا هو الذي جاءت الأخبار بالثناء على قائلها بأن يكون صادقاً ومخلصاً في قوله بها ،ومنهم من ينطق بها وهو بين بين , أي يقولها قولاً لكنها لا تحجزه عن المعاصي ولا تحمله على الصبر والرضا والشكر ومقامات الإيمان العليا ؛ لأن الكلمة وإن قالها بلسانه وهي عليا وفضلى , لكنه لم يعلو قلبه بها , فلم تزكو نفسه ولم يزكو عمله ،ولهذا كلما علت هذه الكلمة في القلب عظمت محارم الله في نفسه , ولهذا جاء في الحديث عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لاَ يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ ، لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ ، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ » رواه البخاري ،وهذا هو المراد من قولها أن تكون بالإخلاص والصدق ؛ حتى يعمل ويؤدي الواجبات بيقين ويجتنب المحارم بيقين , فلا يجنبها عادة , والعبد يؤجر في عمله كله , حتى الترك إذا اجتنبها بصدق ويقين , وعلم بما له من الأجر العظيم باجتنابها , فيستحضر ما في هذه المعاصي والذنوب من العقاب والعذاب , فيجتنبها إجلالاً لله عز وجل وإعظاماً لأمره بأدائه ونهيه باجتنابه . ولمّا كان القوم تختلف مقاماتهم في هذه الكلمة , وأن أفضلهم من قالها بصدق ويقين , كانت أعمالهم كذلك تختلف بحسبها في قلوبهم , ولهذا يصلي الشخصان ويصوم المكلفان ويحجان ويتصدقان وهكذا من سائر أعمال البر , فتجد أحدهم عمله كله في الدرجات العلى , والآخر في أدنى الدرجات , وربما كان جهد الأول وسعيه أقل من الآخر , لكنه عمل بيقين وصدق خوفاً من الله ورجاء ما عنده سبحانه وتعالى , وأما الآخر فليس عنده ذلك التصديق واليقين الذي عند الأول , فكان بين عمليهما كما بين السماء والأرض . وهذه الكلمة العظيمة من قالها استحق أخوة الإيمان وإن كان من أبعد الناس , ومن أباها استحق العداوة وإن كان أقرب الناس , لأن ذاك علا بإيمانه على كل شيء فكان أقرب من كل قريب . وكلمة التوحيد فيها نفي وإثبات , فلا إله معبود بحق إلا الله سبحانه وتعالى وهذا هو الإثبات , والنفي لجميع الآلهة المعبودة سوى الله عز وجل , وأنها باطلة . ثم انظر كيف ذكر صلى الله عليه وسلم في أعلى الشعب كلمة لا يمكن أن ينوب أحدٌ عن أحد بها ولا تقبل الحوالة ولا الوكالة , بل لا يصلح أن يقولها إلا كل شخص عن نفسه , وهو الذي يؤمن بها ويوحد الله بها سبحانه وتعالى , وهي عمل لازم للعبد
أيها المسلمون
ثم ذكر صلى الله عليه وسلم عملاً يسيراً لكنه نفع متعدي وهو : ( إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ ) وهذا يبين عظمة هذا الدين وهذه الشريعة , كيف جعلت إزالة الأذى عن الطريق من شعب الإيمان التي من فرط فيها فقد نقص إيمانه ؛ لأنه لم يستكمل الشعب , وهذا يبين أن من استكمل الشعب استكمل الإيمان لحيازته لأعلى الشعب إلى أن وصل إلى أدناها .فإماطة الأذى عن الطريق من الإيمان. ومن فضائله: – أولاً: أنه سبب لدخول الجنة. فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلاً يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ كَانَتْ تُؤْذِى النَّاسَ ». رواه مسلم. – ثانياً: أنه سبب لمغفرة الذنوب. فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِى بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ ، فَغَفَرَ لَهُ » متفق عليه
أيها المسلمون
ومن شعب الإيمان التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث : ( الْحَيَاءُ ) وهو خلق جميل يبعث على ترك رذائل الأخلاق والأعمال , فتنكسر النفس على الإقدام عليها ؛ لأن فيها دناءة تنافي الحياء , وهذا هو الحياء الشرعي الممدوح صاحبه , وقيل في معناه : أنه خلق يتولد من رؤية نعم الله رؤية التقصير في شكرها فينتج عنهما خلق الحياء . وهذا الحياء الموصوف خيرٌ كلُّه ففي صحيح مسلم (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ ». قَالَ أَوْ قَالَ « الْحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ ». , وفي صحيح البخاري (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما مَرَّ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – عَلَى رَجُلٍ وَهْوَ يُعَاتَبُ فِي الْحَيَاءِ يَقُولُ إِنَّكَ لَتَسْتَحْيِي . حَتَّى كَأَنَّهُ يَقُولُ قَدْ أَضَرَّ بِكَ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ » . ولا يدخل في مسمى الحياء الشرعي الاستحياء في طلب العلم بعدم السؤال والمشاركة بالبحث فيه , وكذا الاستحياء من الناس بعدم إنكار منكر , فإن هذا ضعف وخورٌ وجُبن عن تحصيل الخير .ففي صحيح البخاري عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِى مِنَ الْحَقِّ ، فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ قَالَ النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – « إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ » . فَغَطَّتْ أُمُّ سَلَمَةَ – تَعْنِى وَجْهَهَا – وَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَتَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ قَالَ « نَعَمْ تَرِبَتْ يَمِينُكِ فَبِمَ يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا » ، وَفي البخاري : قَالَ مُجَاهِدٌ لاَ يَتَعَلَّمُ الْعِلْمَ مُسْتَحْىٍ وَلاَ مُسْتَكْبِرٌ . وَقَالَتْ عَائِشَةُ نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ . وأسمى منازل الحياء وأكرمها الحياء من الله سبحانه وتعالى ، فنحن نطعم من خيره الذي رزقنا، ونتنفس من هوائه الذي أشاعه بيننا، ونمشي على أرضه التي ذللها لنا ودحاها، ونستظل بسمائه التي من غير عمد رفعها، والإنسان إذا قدم له أخوه الإنسان نعمة استحيى منه فكيف بهذه النعم العظام الضخام التي ضمتنا ولا غنى لنا عنها ؟. ويكون الاستحياء – عباد الله – من الله حق الحياء بحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى وذكر الموت والبلى، وألا يجدنا الله حيث نهانا وألا يفقدنا حيث أمرنا . ففي سنن الترمذي ومسند أحمد (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ ». قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. قَالَ « لَيْسَ ذَاكَ وَلَكِنَّ الاِسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى وَتَحْفَظَ الْبَطْنَ وَمَا حَوَى وَتَتَذَكَّرَ الْمَوْتَ وَالْبِلَى وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ ». أما عن الحياء من الناس : فمنه أن نعرف لأصحاب الحقوق حقوقهم ومنازلهم ، وليس من مسلم إلا وله حق، ألا وهو حق الإسلام فيعطى كل ذي حق حقه، فالصغير يجل من يكبره، وفي سنن أبي دواد (عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ مِنْ إِجْلاَلِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ ». والمتعلم مع من يعلمونه وفي الحديث: ((تواضعوا لمن تعلمون منه )) رواه الطبراني ولا نعجب إذا سمعنا قول الرسول : (( الحياء والإيمان قرناء جميعا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر)) حديث صحيح رواه الحاكم. ومن فضائل الحياء : – أولاً: أنه من علامات الإيمان. لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: « دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ » متفق عليه. – ثانياً: الحياء أبهى زينة. ففي مسند أحمد وسنن ابن ماجة (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَا كَانَ الْفُحْشُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلاَّ شَانَهُ وَلاَ كَانَ الْحَيَاءُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلاَّ زَانَهُ ».
– ثالثاً: الحياء من صفات الرب. وخلق يحبه الله (قَالَ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ ».رواه أبو داود. – رابعاً: الحياء خلق الإسلام. فعَنْ زَيْدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ رُكَانَةَ يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لِكُلِّ دِينٍ خُلُقٌ وَخُلُقُ الإِسْلاَمِ الْحَيَاءُ ». رواه مالك وغيره .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (وقفات مع حديث :الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فينبغي للمسلم أن يسارع ويسابق في الخيرات , والعبد إذا اجتهد في خصلة من خصال الخير لا يقول يقيناً إن هذه هي الشعبة المرادة , بل يجتهد في جميع خصال الخير حتى يستكمل جميع الشعب , روى البخاري عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( أَرْبَعُونَ خَصْلَةً أَعْلَاهُنَّ مَنِيحَةُ الْعَنْزِ , مَا مِنْ عَامِلٍ يَعْمَلُ بِخَصْلَةٍ مِنْهَا رَجَاءَ ثَوَابِهَا وَتَصْدِيقَ مَوْعِدِهَا إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهَا الْجَنَّةَ ) . قَالَ حَسَّانُ : فَعَدَدْنَا مَا دُونَ مَنِيحَةِ الْعَنْزِ مِنْ رَدِّ السَّلَامِ , وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ , وَإِمَاطَةِ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ , فَمَا اسْتَطَعْنَا أَنْ نَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً.
وهذا يبين كثرة طرق الخير في هذه الشريعة وأنه لا حصر لها , فمهما اجتهد العبد وعمل لن يحصي طرق الخير كما قال صلى الله عليه وسلم كما في مسند أحمد وغيره :(عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلاَةُ وَلَنْ يُحَافِظَ عَلَى الْوُضُوءِ إِلاَّ مُؤْمِنٌ » وهذا هو الواجب على المؤمن أن يجتهد في تحصيل خصال الخير لكنه لن يحصيها , ولهذا قال صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ , فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا , وَأَبْشِرُوا ) . فالمقصود أنه صلى الله عليه وسلم ذكر هذه الشعب العظيمة , وأنها كالأصول وتحتها فروع تتفرع منها , جاء ذكرها في الأخبار الواردة عنه صلى الله عليه وسلم , ومنها ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال 🙁 مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ , نُودِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ : يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ , فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ , وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ , وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ , وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ ) . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ , فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا ؟ قَالَ : ( نَعَمْ , وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ ) , وكذلك ما جاء في غيرها من الأخبار , من الإصلاح بين المتخاصمين , وحمل المتاع للإنسان , ودلالة الضال وما أشبه ذلك من خصال الخير وشعب الإيمان , فينبغي للمسلم أن يجتهد في تحصيلها خاصة في مثل هذا الوقت الذي تكون الضرورة في الاجتهاد في خصال الخير من الدعوة إلى الله عز وجل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة والكلمة الطيبة وما أشبه ذلك من أشد الضرورات , خصوصاً مع توفر الوسائل عبر الاتصالات الحديثة التي تسهل له وتعينه على تحصيلها , فلهذا جديرٌ بالمؤمن أن يجتهد في تحصيل هذه الشعب وخصال الخير أو ما تيسر منها ؛ حتى يحوز الخير ويحصل على الأجر العظيم , والله عز وجل شاكر حليم عليم ,
أيها المسلمون
وفي هذا الحديث فوائد متعددة ، وعبر مستلهمة ، فمن الفوائد والدروس والعبر التي نستلهمها من هذا الحديث :
1- أن الإيمان عبارة عن شرائع الدين كلها، سواء كانت أعمالاً بالقلب، أم بالجوارح، أم باللسان. 2- أن أعلى شرائع الإيمان وفرائضه شهادة (لا إله إلا الله ) بإخلاص ويقين . 3- أن “إماطة الأذى” عن طريق الناس من الإيمان.
4- أن “الحياء” من الإيمان، وهو خلق يحجز الإنسان عن فعل الرذائل وارتكاب القبائح. 5- تفاوت الأعمال الصالحة في مراتبها من الإيمان، فمنها ما يكون في أعلى مراتب الإيمان، ومنها ما يكون في أدناها، وما بين أعلى الإيمان وأدناه شعب متعددة . 6- فضل شهادة التوحيد وأنها أفضل شعب الإيمان . 7- دخول العمل الصالح في مسمى الإيمان وحقيقته .
الدعاء