خطبة عن (مقياس التفاضل بين الناس التقوى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)
نوفمبر 7, 2016خطبة عن (التحذير من مجالسة المستهزئين (فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)
نوفمبر 8, 2016الخطبة الأولى (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 153]. وروى الإمام أحمد في مسنده (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَطًّا بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ « هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ مُسْتَقِيماً ». قَالَ ثُمَّ خَطَّ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ ثُمَّ قَالَ « هَذِهِ السُّبُلُ لَيْسَ مِنْهَا سَبِيلٌ إِلاَّ عَلَيْهِ شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ ». ثُمَّ قَرَأَ (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ ). وفيه أيضا : (عَنِ النَّوَاسِ بْنِ سَمْعَانَ الأَنْصَارِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً صِرَاطاً مُسْتَقِيماً وَعَلَى جَنْبَتَىي الصِّرَاطِ سُورَانِ فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ وَعَلَى الأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعاً وَلاَ تَتَفَرَّجُوا وَدَاعِى يَدْعُو مِنْ جَوْفِ الصِّرَاطِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُفْتَحَ شَيْئاً مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ قَالَ وَيْحَكَ لاَ تَفْتَحْهُ فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ وْالصَّرِاطُ الإِسْلاَمُ وَالسُّورَانِ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى وَالأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلِى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالدَّاعِي مِنْ فَوْقِ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ »
إخوة الإسلام
الصراط : هو الطريق المعبّد ، والصراط المستقيم: هو الطريقُ الواضح الذي لا اعوجاجَ فيه. الصِّراطُ المستقيم : هو سبيلُ الله، المتمثِّل باتباع ما أمر الله ورسوله به، وبالبُعد عما نهى اللهُ ورسوله عنه، فمن فعَل ذلك كان سالكًا على الصراط المستقيم؛ فاتِّباع الصراط المستقيم يعني الأخذَ بالدِّين كله ،وأما الصراطُ الحسي فهو الذي يُنصَب يوم القيامة فوق جهنم، فيعبُر عليه الناس؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾ [مريم: 71، 72]. وهو الذي يُنصَب يوم القيامة ليمرَّ عليه جميع الخلائق من البشر، وتكون سرعتُهم عليه بحسَب أعمالِهم ولطفِ الله بهم، ومَن كان مِن أهل النار، سقَط عنه في النارِ، وفي رواية أخرى لمسلم، وفيها: ((وعلى جسر جهنم كلاليبُ وحَسَكٌ تأخذ من شاء الله))، وعن المغيرة بن شعبة قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((شِعار المؤمنين على الصراط يوم القيامة: ربِّ، سلِّم سلِّم)) أخرجه الترمذي. والصراط المستقيم : هو صراطُ الأنبياء وطريقهم، وطريقُ مَن سار على نهجهم ممن أنعَم الله عليهم، ووفَّقهم إلى هذا المنهجِ القويم ،وعن أبان; أن رجلا قال لابن مسعود : ما الصراط المستقيم؟ قال : تركنا محمد صلى الله عليه وسلم في أدناه ، وطرفه في الجنة ، وعن يمينه جواد ، وعن يساره جواد ، وثم رجال يدعون من مر بهم . فمن أخذ في تلك الجواد انتهت به إلى النار ، ومن أخذ على الصراط انتهى به إلى الجنة . ثم قرأ ابن مسعود : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ) الآية . فهذا الصراطُ المستقيم الذي تقدَّم ، عنى به اتِّباعَ الدِّين الإسلامي ، وعدَمَ الميلِ عنه إلى غيره، وهو الذي دعا إلى اتِّباعه الأنبياءُ والرسل؛ قال الله تعالى: ﴿ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾ [يس: 60، 61]، وجاء على لسانِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أن اللهَ سبحانه وتعالى هداه إلى هذا الصراطِ؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام: 161]، وهذا الصراطُ هو الدِّين الثَّابت القائم الذي عليه إبراهيمُ عليه الصلاة والسلام، وهو: “الحنيفية السَّمحة”، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا أصبَح يقول: « أَصْبَحْنَا عَلَى فِطْرَةِ الإِسْلاَمِ وَكَلِمَةِ الإِخْلاَصِ وَدِينِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَمِلَّةِ أَبَيْنَا إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ » رواه أحمد ومن قبلِ نبيِّنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم هدى اللهُ أبانا إبراهيمَ إلى هذا الصراطِ المستقيمِ؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [النحل: 120، 121]، وكانت الدعوةُ إلى الصراطِ المستقيم دعوةَ الأنبياء؛ لأنها دعوةٌ إلى الدِّين الحقِّ، فعلى لسان عيسى عليه السلام جاءت هذه الدعوةُ؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾ [الزخرف: 63، 64]،
ولقد بذَل نبي الله إبراهيم عليه السلام كلَّ ما في وسعه لهداية أبيه، فكان من كلامه الرَّقيق له: ﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ﴾ [مريم: 43]، وعندما كذَّبت قريشٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وكاد عليه الصلاة والسلام يَيْئس منهم؛ لأنهم استعمَلوا كلَّ السبل المانعة لانتشار دعوته، وتوقَّف عدد المؤمنين عن الزيادة في مكة؛ لِما كانت تُظهِرُه قريشٌ من العداوة والتعذيب للمؤمنين، ثبَّت اللهُ نبِيَّه وقال له: ﴿ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المؤمنون: 73]؛ أي: دعوتك هي دعوةُ الحق، فأنت تدعوهم إلى الدِّين الحق، والطريق السوي؛ فلا تبتئِسْ مِن عنادهم، واثبُتْ على دعوتك، أما هم فإنهم هم المُخطِئون؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ﴾ [المؤمنون: 74]؛
أيها المسلمون
إنّ الهداية إلى الصراط المستقيم باستبانة معالمه ومعرفة مناراته والعلم بحدوده والبعد عن نواقصه ونواقضه أساسٌ للسعادة والفلاح والفوز والنجاح في الدنيا والآخرة ،وحاجة العباد إلى الهداية إلى هذا الصراط هي أشد الحاجات وضرورتُهم إلى معرفته والعلم به وتحقيقه أشدّ الضرّورات . ولهذا فإنّ مَنْ منَّ الله عليه بدخول هذا الصراط العظيم ومعرفة دين الله القويم ، فعليه أن يعرف لله جلّ وعلا نعمته عليه وأن يشكره سبحانه وتعالى عليها وأن يحقِّق الشكر على وجهه الصحيح كمالا في العلم وتماماً في العمل ومواظبةً على طاعة الله تبارك وتعالى. ويتأكّد في هذا المقام على كلِّ مسلم يريد لنفسه الخير والسعادة أن يكون اهتمامه بهذا الصراط علما وعملا وتطبيقا أشدّ من اهتمامه بأي أمر آخر فإنه إذا أخلّ بهذا الصراط أو انتقصه أو أخل بشيء من جوانبه نقص حظه من السّعادة بحسب ذلك . والله جلّ وعلا بعث نبيه الكريم محمّدا صلى الله عليه وسلم ليدعو الناس إلى هذا الصراط وليبين لهم معالمه وحدوده، ليحي من حي عن بينة وليهلك من هلك عن بينة ،قال الله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ﴾ الشورى: ٥٢ – ٥٣ ،فبلَّغ صلواتُ الله وسلامه عليه البلاغ المبين وأبان السبيل القويم فمن سلك سبيله ولزم سنته واتبع هديه وسار على طريقه فهو على صراط مستقيم .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إنّ نبينا صلى الله عليه وسلم من كمال نصحه وحسن بيانه لهذا الصراط ضرب الأمثال وأوضح الإسلام وصراطه أتم إيضاح وتأملوا في هذا رعاكم الله ما رواه الإمام أحمد في مسنده والترمذي في جامعه وغيرهما : (عَنِ النَّوَاسِ بْنِ سَمْعَانَ الأَنْصَارِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً صِرَاطاً مُسْتَقِيماً وَعَلَى جَنْبَتَىي الصِّرَاطِ سُورَانِ فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ وَعَلَى الأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعاً وَلاَ تَتَفَرَّجُوا وَدَاعِى يَدْعُو مِنْ جَوْفِ الصِّرَاطِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُفْتَحَ شَيْئاً مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ قَالَ وَيْحَكَ لاَ تَفْتَحْهُ فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ وْالصَّرِاطُ الإِسْلاَمُ وَالسُّورَانِ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى وَالأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلِى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالدَّاعِي مِنْ فَوْقِ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ » : فتأمل هذا المثل الجليل الذي بين فيه النبي صلى الله عليه وسلم ومَثَل صراط الله المستقيم ،فإن مثل صراط الله المستقيم مثل طريق طويل على يمينه وشماله جداران ممتدان بامتداد الطريق وفي الجدارين أبواب كثيرة مفتحة عن يمينه وعن شماله وهذه الأبواب ليس لها أقفال ولا مفاتيح وإنما عليها ستائر فقط عليها ستائر مرخاة وهذه الأبواب تفضي لمن دخلها إلى الحرام ، فهذه الأبواب لا تحتاج عند دخولها إلى وقت ومعالجة وبذل مشقة فإنها ليس عليها إلا ستارة والسِّتارة إذا كانت على الباب لا تكلِّف على الداخل شيئا فإنه يدفعها بكتفه ويدخل سريعاً ، وفي هذا إشارة عباد الله أن الدخول على الحرام له أبواب كثيرة وعديدة عن يمين المرء وعن شماله وهذه الأبواب دخولها لا يكلف المرء مشقة ولا يأخذ منه وقتًا ينحرف يمنة أو ينحرف يسرة فإذا بنفسه خارجَ الصراط ، ثم إن هذه الأبواب عليها دعاة من شياطين الإنس والجنّ يدعون إليها ليَحْرفوا بمن استجاب لهم إلى الهاوية إلى النار ، وأثر ابن مسعود المتقدم فيه توضيح وبيان لهذا المقام فعندما سئل عن صراط الله المستقيم قال “تركنا رسول الله صلى اله عليه وسلم في أدناه وطرَفُه الآخر في الجنة وعلى يمنته ويسرته جوادّ (أي طرق) وعلى هذه الجواد رجالا يدعون إلى الدخول إليها فمن دخل في شيء منها أفضت به إلى النار ومن سار على الصراط المستقيم أفضى به إلى الجنة”.
أيها المؤمنون
أنت تقرأ في سورة الفاتحة قوله تعالى :(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)، فتطلب من الله أن يدلك ويرشدك ويثبتك على الصراط المستقيم، والذي قال الله عنه: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ) ،نعم : أنت تسأل الله أن يبينه لك وأن يهديك له وأن يثبتك عليه، (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)، وقد بين الله جل وعلا من هم الذين أنعم عليهم في قوله تعالى: (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً) النساء 69 ، فإذا أطعت الله ورسوله كنت مع هؤلاء ، ومن كان مع هؤلاء فلن يستوحش لا في الدنيا ولا في الآخرة، هؤلاء هم الرفيق، (وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً)، رفيق على هذا الطريق، لأن الذي يسير في طريق يحتاج إلى رفيق يؤازره ويؤنسه، فرفيقك هم هؤلاء الصفوة من العباد، ثم قال: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) ، فأنت تسأل الله أن يجنبك طريق اليهود ومن سار على نهجهم من المتساهلين والمنحلين عن صراط الله (وَلا الضَّالِّينَ) وهم من تشدد في هذا الدين كالنصارى ومن سار على نهجهم، فأنت تسأل الله أن يهديك الصراط المستقيم، وأن يجنبك طريق المغضوب عليهم وهم اليهود ومن سار على نهجهم ممن أخذ العلم وترك العمل، تساهل، ويجنبك طريق الضالين وهم الذين يسيرون على غير علم ويتشددون، وهم النصارى في رهبانيتهم، فهذا أمر مهم جدا يجب أن نتنبه له، ولن نعرفه إلا إذا تعلمنا العلم الشرعي، تعلمنا تفاصيل ذلك، وبيانه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا بد من العلم أولًا، ثم العمل والاستقامة عليه، فهناك من يدعو إلى التساهل وهناك من يدعو إلى التشدد ، فلنكن على حذر من هؤلاء وهؤلاء، لنكن على حذر من الغلاة والمتشددين والمتطرفين، ولنكن على حذر أيضا من المتساهلين والمنحلين، ولنكن مع الوسط مع الاعتدال، مع الذين سلكوا طريق المنعم عليهم، من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. فالله جل وعلا قال: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) التوبة 100، (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ) : هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ) أي بإتقان لا يغالون فيخرجون عن طريق المهاجرين والأنصار، ولا يتساهلون فيخرجون عن طريق المهاجرين والأنصار، هذا هو الإحسان، وهؤلاء هم المحسنون
أيها المسلمون
واعلموا أن كتاب الله و سنةُ رسوله عليه الصلاة والسلام فيهما العصمة من الزّلل والأَمَنَة من الانحراف ، ففي سنن البيهقي والدارقطني (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « إِنِّي قَدْ خَلَّفْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا مَا أَخَذْتُمْ بِهِمَا أَوْ عَمِلْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي وَلَنْ تَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَىَّ الْحَوْضَ ». وتأمل أخي المؤمن في هذا المثل واعظ الله الذي جعله في قلب كل مؤمن ، وأن المؤمن حسن الإسلام إذا أخذت به نفسه يمنة أو يسرة وجد في قلبه وَخْزاً وأَلَما فهو لا يرتاح ولا يقر له قرار ولا يهدأ له بال فيرجع سريعا إلى صراط الله المستقيم فهذا واعظ الله في قلب كل مؤمن ،إلا أن الإنسان إذا انغمس في الحرام وتمادى في الباطل وانهمك في الملذات والمحرمات تبلد إحساسه وذهب عنه واعظُه الذي في قلبه وهذا هو معنى قول الله تعالى: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ المطففين: ١٤ . فالواجب على المؤمن أن يجاهد نفسه في الثبات على هذا الصراط والمضي عليه إلى أن يفضي به الجنة وليحذر أشد الحذر من الانحراف عنه ذات اليمين أو ذات الشمال ،والانحراف عباد الله له مسلكان أو طريقان: إحداهما الشهوة والآخر الشبهة فالدخول إلى الحرام إما عن تتبع الشهوات أو الوقوع في الشبهات
فليحذرهما العبد وليسأل الله تبارك وتعالى أن يثبته على صراطه المستقيم وليسأله جلّ وعلا ثبات قلبه على الإيمان وقد كان عليه الصلاة والسلام يقول في دعائه كما في سنن الترمذي ومسند أحمد وغيره : « يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِى عَلَى دِينِكَ »
الدعاء