خطبة عن ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ)
يوليو 10, 2016خطبة عن (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا )
يوليو 10, 2016الخطبة الأولى ( وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ )
الحمد لله رب العالمين , اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك وأشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان سيدنا محمدا عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم والقلب الرحيم ورحمه الله للخلق اجمعين اللهم صلي وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي اله وصحبه اجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : ( إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) المعارج
إخوة الإسلام
تناولت معكم في لقاء سابق بعض آيات من سورة المعارج وتبين لنا من خلالها أن الغالبية العظمي من الناس طبعوا علي مخالفة الفطرة وجبلوا على الصفات القبيحة فهم إذا مسهم الشر لم يصبروا ولكنهم يجزعون ويسخطون وإذا مسهم الخير لم ينفقوا ولم يعطوا كما أعطاهم الله من فضله وتكنهم منعوا خيرهم وبخلوا على إخوانهم من المحتاجين والسائلين والمحرومين ،فقال تعالى : (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) (25)) المعارج ،ثم استثنى الله من هؤلاء عباده الصالحين الذين آمنوا بالله وأطاعوه فأتمروا بما أمر وانتهوا عما نهى فقال سبحانه: (إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) المعارج ، واليوم إن شاء الله نستكمل بعض الآيات التي تصف أخلاق وصفات عباد الله الصالحين فيقول سبحانه : (وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) المعارج ، فمن صفات المؤمنين أنهم يصدقون بيوم الدين .. ويوم الدين : هو يوم القيامة- ومعنى يوم الدين- آي –يوم الحساب والجزاء ..فهؤلاء المؤمنون –آمنوا بيوم البعث والنشور يوم يجمع الله الأولين والآخرين يوم تجزى كل نفس بما كسبت يوم تثقل موازين أهل الفلاح والطاعة -وتخف موازين أهل المعاصي والفجور –نعم : (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11) ) القارعة
أيها الموحدون
والتصديق بيوم القيامة –ليس معناه الإيمان أو التصديق بالقلب فحسب.. ولكنه إيمان يتبعه عمل ،عمل صالح ينجيهم من أهوال هذا اليوم العصيب وهم خائفون أن يحاسبوا حسابا عسيرا ،ومشفقون أن يعذبوا بالنار لأنهم يعلمون أن عذاب ربهم غير مأمون ، وأن الخلاص غير مضمون،فيزيدهم هذا الخوف إقبالا” على الله ويزيدهم في عمل الصالحات والتقرب إلى الله فهم كانوا: ( كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) ) الذاريات ،نعم ..كانوا يسارعون في الخيرات وكانوا لله عابدين خاشعين فهم يعيشون بين الرجاء والخوف فلا غلبة الرجاء تحملهم على الكسل والتسويف ولا شدة اليأس تسلمهم للقنوط من رحمة الله ..( وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) ) المعارج، فمن صفات المؤمنين أيضا أنهم مشفقون من عذاب ربهم ,خائفون وجلون ,لأنهم يعلمون أن القلوب تتقلب ,وتتغير ,وهم خائفون ومشفقون أن تتقلب قلوبهم ,ويسلبوا نعمة الإيمان والطاعة ,وعند ذلك يكونوا من أهل عذاب السعير ,…هم خائفون مشفقون ألا تقبل أعمالهم كما قال الله سبحانه وتعالى في شأنهم (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61) المؤمنون .. لذا كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) كثيرا ما يدعو ربه كما في سنن الترمذي (عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ « يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِى عَلَى دِينِكَ ». فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا قَالَ « نَعَمْ إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أَصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ ». (وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) ، (إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ ) .أي: إن عذاب الله لا يأمنه أحد مهما عمل ..ومهما قدم من الأعمال ,فهو لا يأمن مكر الله , ولا يأمن عذابه يقول سبحانه وتعالى : (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99)) الاعراف .. وفي مسند البزار : (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِقَوْمٍ يَضْحَكُونَ فَقَالَ : أَتَضْحَكُونَ ؟ وَذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ ؟ قَالَ : فَمَا رُئِيَ أَحَدٌ مِنْهُمْ ضَاحِكًا حَتَّى مَاتَ ، قَالَ وَنَزَلَتْ فِيهِمْ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ، وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ. )
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ )
الحمد لله رب العالمين.. حمدا يوافى نعمه ويكافئ مزيده ،… وأشهد أن لا الله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد،( أيها المسلمون )
ونواصل حديثنا حول قوله تعالى . ( وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ) (إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ ) .فالمؤمن لا يـأمن مكر الله وهو مشفق من عذاب الله, لذا فهو يعيش حياته ضارعا إلى ربه لاجئا إلى حماه . المؤمن يعيش حياته في معية ربه لا يغفل عنه لحظة حتى لا ينقطع عنه مدده ,ولا يحرم من رضاه ..(فالعبد المؤمن بين مخافتين –بين أجل قد مضى لا يدرى ما الله صانع فيه- وبين اجل قد بقى –لا يدرى ما الله قاض فيه ،فما بعد الموت من مستعتب – ولا بعد الدنيا من دار, إلا الجنة أو النار.) ،ويقول الحسن البصرى رحمه الله (المؤمن يعمل بالطاعات وهو مشفق, وجل, خائف..والفاجر يعمل بالماضي, وهو آمن .. ونستكمل الموضوع في لقاء قادم إن شاء الله
الدعاء