خطبة عن (المؤمنون : لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ)
يوليو 10, 2016خطبة عن (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)
يوليو 10, 2016الخطبة الأولى (مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله هو خير الخلق وحبيب الحق ورحمة الله للخلق أجمعين .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى : ( فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) ( 36): (43) الشورى
إخوة الإسلام
يقول الله تعالى في محكم آياته : (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ.. لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ.وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ) ص(29)،واليوم إن شاء الله ..موعدنا مع هذه الآيات من سورة الشورى..والتي يقول الله تعالى فيها : (فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) ،والمعنى : فما أعطيتم أيها الناس من شيء من رياش الدنيا من المال والبنين والأولاد.. والحكم والسلطان .. والقصور والزروع والغنى والصحة والجاه وغيرها.. فهو متاع لكم.. تتمتعون به في الحياة الدنيا، سُرعان ما يزول.. وليس كنعيم الآخرة، ولا ينفعكم في معادكم.. وهو سبحان تعالى .. يحقر بذلك شأن الحياة الدنيا وزينتها.. وما فيها من الزهرة والنعيم الفاني ..فكأنه سبحانه يقول لنا ..مهما حصلتم وجمعتم من متع الدنيا.. فلا تغتروا به، فإنما هو متاع الحياة الدنيا الزائل المنتهي ، والدنيا هي دار دنيئة فانية زائلة لا محالة فلا تغتروا بها .. ثم اعقب ذلك بالحقيقة الباقية والمؤكدة . بقوله تعالى .( وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) أي : والذي عند الله..من نعيم الجنة.. لأهل طاعته والإيمان به في الآخرة، خير مما أوتيتموه في الدنيا من متاعها وأبقى، لأن ما أوتيتم في الحياة الدنيا فإنه نافد.منتهي فان، وما عند الله من النعيم في جنانه لأهل طاعته باق ومخلد.. فلا تقدموا الفاني على الباقي؛ولا تفرحوا بالزائل وتنسوا النعيم الباقي ..فكونوا من طلاب الآخرة الباقية.. ولا تكونوا من عبيد الدنيا الفانية ..(وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى).لمن.( لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ). نعم ..فنعيم الآخرة للذين آمنوا ..الذين ملأ الايمان قوبهم.(وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) فهم.يتوكلون على الله في كل أحوالهم ومن توكل على الله كفاه ..ومن توكل على الله حفظه وأعانه وثبته وصبره ووقاه..ومن توكل على الله وفقه لفعل الطاعات وترك المحرمات.. ثم بينت الآيات بعض صفات المؤمنين وبعض اخلاق الموحدين .. فقال تعالى (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ).. فمن صفات المؤمنين أنهم : ( يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ)..أي لا يقعون في كبائر الذنوب والمعاصي والموبقات ..فهم بعيدون عن الشرك والنفاق وعن الزنا والسرقة والقتل وعن السحر والكهانة ..وعن قطيعة الأرحام وعن الغيبة والنميمة . نعم فهم: (يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ ) ومن صفات المؤمنين واخلاقهم أيضا أنهم :(وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ).. فإذا ما غضبوا على مَن أساء إليهم وأخطأ في حقهم.. هم يغفرون الإساءة، ويصفحون عن عقوبة المسيء؛ طلبًا لثواب الله تعالى وعفوه .. فليس من صفاتهم الإنتقام من الناس.. ولكن من صفاتهم العفو عند المقدرة ..يصلون من قطعهم ويعفون عمن ظلمهم ويعطون من حرمهم ..ثم بينت الآيات صفات أخرى يتحلى بها المؤمنون ..فقال وقوله الحق : ( وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ) .. فالمؤمنون استجابوا لأمر ربهم .. فاتبعوا رسله .وأطاعوا أمره، واجتنبوا نهيه ..المؤمنون استجابوا لربهم فأقروا له بالوحدانية ..وتبرأوا من الشرك والمشركين ..( وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ ) أي أقاموا وحافظوا على الصلاة المفروضة بحدودها .. وأدوها في أوقاتها ..وهم ليسوا متكاسلين عنها ..ولا مفرطين فيها ولا مضيعين لها بل يؤدونها بخشوع وإخلاص لله رب العالمين
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (من صفات المؤمنين )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله هو خير الخلق وحبيب الحق ورحمة الله للخلق أجمعين .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن صفاتهم أيضا..(وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ) فإذا أرادوا أمرًا تشاوروا فيه لأن الشورى مبدأ أساسي في الإسلام (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ) فمن صفات المؤمنين أنهم أهل احسان أيديهم بالعطاء معهودة..وبالصدقات ممدودة يتصدقون على غيرهم من المحتاجين :{ والذين إِذَآ أَصَابَهُمُ البغي هُمْ يَنتَصِرُونَ } أى : أن من صفاتهم كذلك أنهم إذا بغى عليهم باغ وخاصة من المشركين، أو ظلمهم ظالم ، أو اعتدى على كرامتهم أو على دينهم معتد ، فإنهم لا يخضعون له ، ولا يذلون أمامه ، وإنما هم ينتصرون لدينهم ولكرامتهم ، بأن يقابلوا بغيه وعدوانه ، بما يردعه ثم بين سبحانه وتعالى أن منطق العدل ،( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا) ..فالمسيء يعاقب على قدر إساءته ..فمن حقك أيها المؤمن أن تعاقب من أساء إليك بمثل إساءته..هذا هو منطق العدل .. ولكن ..فوق العدل الفضل العفو والإحسان ..فإذا كنت عالى الهمة . وتستطيع أن تتحكم في مشاعرك ..وتبتغي الأجر والثواب من الله ..فعليك بالعفو والصفح عن أخيك المسلم لتنال أجرك من الله ..فقال سبحانه (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) ..ولاحظوا أنه لم يبين لنا الله سبحانه وتعالى مقدار الأجر لأنه أجر عظيم لا يعلم قدره إلا الله ( إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ).. فإن الله لا يحب أهل الظلم الذين يتعدّون على الناس، فيسيئون إليهم..ثم تنتقل الآيات لتبين لنا أن من انتصر لنفسه من بعد ظلمه كمن شتم من شتمه أو ضرب من ضربه بدون زيادة أو عدوان فهؤلاء لا ذنب عليهم ..ولا أجر لهم ..فقال سبحانه (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ .. إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ،ثم بين الله سبحانه وتعالى أن من تصدق بمظلمته وبحقه وعفى عمن ظلمه وأخطأ في حقه بأن ذلك من عزم الأمور ..بل ومن الأمور المشكورة والأفعال الحميدة .. التي عليها ثواب جزيل وثناء جميل. فقال سبحانه : (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ )
الدعاء