خطبة عن (التفاؤل والتشاؤم في ميزان الإسلام)
نوفمبر 24, 2016خطبة عن حديث (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ)
نوفمبر 27, 2016الخطبة الأولى (وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14) عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ) (16) الواقعة
إخوة الإسلام
يتبين لنا من الآيات السابقة: ينقسم الناس يوم القيامة ثلاثة أقسام لا رابع لها : { فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ } الواقعة، وقد ذكرهم الله تعالى غير مرتبين في الفضل، فبدأ الله بأصحاب الميمنة ثم ثنَّى بأصحاب الشمال، ثم ثلَّث بالسابقين، ولكن عند التفصيل بدأ بهم مرتبين على حسب الفضل فبدأ بالسابقين، ثم بأصحاب اليمين، ثم بأصحاب الشمال، وهذا التفصيل المرتب خلاف الترتيب المجمل، وهو من أساليب البلاغة، وجاء في تفسير قوله تعالى : (وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً ) في مختصر بن كثير رحمه الله :
أي ينقسم الناس يوم القيامة إلى ثلاثة أصناف: قوم عن يمين العرش، وهم الذين يؤتون كتبهم بأيمانهم، وهم جمهور أهل الجنة، وآخرون عن يسار العرش، وهم الذين يؤتون كتبهم بشمالهم ويؤخذ بهم ذات الشمال وهم عامة أهل النار،
وطائفة سابقون بين يديه عزَّ وجلَّ ، وهم أحظى وأقرب من أصحاب اليمين، ففيهم الرسل والأنبياء والصديقون والشهداء، وهم أقل عدداً من أصحاب اليمين، ولهذا قال تعالى في عددهم : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) (14) الواقعة ،وقال آخرون من المفسرين : أصحاب اليمين: هم المقتصدون الذين أخذوا بالمُبَاحات وأطاعوا الله عز وجل. وأصحاب الشمال: خرجوا عن منهج الله وانهمكوا في الملذات المحرمة، أصحاب اليمين طبقوا منهج الله واستعملوا المُبَاح، أصحاب الشمال خرجوا عن منهج الله وانغمسوا في الملذات المحرمة. ولكن السابقين السابقين ، فهؤلاء صنف آخر، هؤلاء هم الذين باعوا أنفسهم في سبيل الله، هؤلاء جل وقتهم ومالهم وأهلهم وخبراتهم وعلمهم وذهابهم وغدوهم ورواحهم سفرهم وإقامتهم كلها في سبيل الله، هؤلاء من قالوا : إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي، فهم لا يطؤون موطئاً يُغيظ الكفار إلا كُتِبَ لهم به عمل صالح، ولا ينالون من عدو نيلاً إلا كُتِبَ لهم به عمل صالح ، فَالْمُرَاد بِالسَّابِقِينَ هُمْ الْمُبَادِرُونَ إِلَى فِعْل الْخَيْرَات كَمَا أُمِرُوا، كَمَا قَالَ تَعَالَى ” وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (133) آل عمران ، وَقَالَ تَعَالَى ” سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (21) الحديد ، فَمَنْ سَابَقَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا وَسَبَقَ إِلَى فِعْل الْخَيْر كَانَ فِي الْآخِرَة مِنْ السَّابِقِينَ إِلَى الْكَرَامَة فَإِنَّ الْجَزَاء مِنْ جِنْس الْعَمَل وَكَمَا تَدِين تُدَان . وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : ” وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ(12) الواقعة . وقال ابن عباس والسدي : أصحاب الميمنة هم الذين كانوا عن يمين آدم حين أخرجت الذرية من صلبه فقال الله لهم : هؤلاء في الجنة ولا أبالي . وقال زيد بن أسلم : أصحاب الميمنة هم الذين أخذوا من شق آدم الأيمن يومئذ ، وأصحاب المشأمة الذين أخذوا من شق آدم الأيسر . وقال عطاء ومحمد بن كعب : أصحاب الميمنة هم من أوتي كتابه بيمينه ، وأصحاب المشأمة هم من أوتي كتابه بشماله . وقال ابن جريج : أصحاب الميمنة هم أهل الحسنات ، وأصحاب المشأمة هم أهل السيئات . وقال الحسن والربيع : أصحاب الميمنة الميامين على أنفسهم بالأعمال الصالحة ، وأصحاب المشأمة المشائيم على أنفسهم بالأعمال السيئة القبيحة . وفي صحيح مسلم من حديث الإسراء عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (فَلَمَّا عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَإِذَا رَجُلٌ عَنْ يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ وَعَنْ يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ – قَالَ – فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى – قَالَ – فَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالاِبْنِ الصَّالِحِ – قَالَ – قُلْتُ يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا آدَمُ -صلى الله عليه وسلم- وَهَذِهِ الأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ فَأَهْلُ الْيَمِينِ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَالأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى ) وذكر الحديث ،وقال المبرد : وأصحاب الميمنة أصحاب التقدم ، وأصحاب الشأمة أصحاب التأخر . والعرب تقول : اجعلني في يمينك ولا تجعلني في شمالك ، أي : اجعلني من المتقدمين ولا تجعلنا من المتأخرين ،والتكرير في ما أصحاب الميمنة و ما أصحاب المشأمة للتفخيم والتعجيب
أيها المسلمون
وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد : (عَنْ مُعَاذ بْن جَبَل أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا هَذِهِ الْآيَة” وَأَصْحَاب الْيَمِين مَا أَصْحَاب الْيَمِين . وَأَصْحَاب الشِّمَال مَا أَصْحَاب الشِّمَال ” فَقَبَضَ بِيَدِهِ قَبْضَتَيْنِ فَقَالَ ” هَذِهِ لِلْجَنَّةِ وَلَا أُبَالِي وَهَذِهِ لِلنَّارِ وَلَا أُبَالِي” وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد أَيْضًا: (عَنْ عَائِشَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ” أَتَدْرُونَ مِنْ السَّابِقُونَ إِلَى ظِلّ يَوْم الْقِيَامَة” قَالُوا اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم قَالَ ” الَّذِينَ إِذَا أُعْطُوا الْحَقّ قَبِلُوهُ وَإِذَا سُئِلُوهُ بَذَلُوهُ وَحَكَمُوا لِلنَّاسِ كَحُكْمِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ ” وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم عَنْ عَطَاء بْن يَسَار عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو قَالَ : قَالَتْ الْمَلَائِكَة يَا رَبّ جَعَلْت لِبَنِي آدَم الدُّنْيَا فَهُمْ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَتَزَوَّجُونَ فَاجْعَلْ لَنَا الْآخِرَة فَقَالَ لَا أَفْعَل فَرَاجَعُوا ثَلَاثًا فَقَالَ لَا أَجْعَل مَنْ خَلَقْت بِيَدَيَّ كَمَنْ قُلْت لَهُ كُنْ فَكَانَ . ثُمَّ قَرَأَ عَبْد اللَّه ” وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّات النَّعِيم ” ، وفي صحيح البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِى بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِى يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِى يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِى يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِى يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِى يَمْشِى بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِى لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِى لأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَىْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِى عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ » . وفي هذا الحديث قد بين فيه أولياء اللّه المقتصدين، وأصحاب اليمين والمقربين السابقين. فالصنف الأول: الذين تقربوا إلى اللّه بالفرائض. والصنف الثاني: الذي تقربوا إليه بالنوافل بعد الفرائض، وهم الذين لم يزالوا يتقربون إليه بالنوافل حتى أحبهم، كما قال تعالى. وهذان الصنفان قد ذكرهم اللّه في غير موضع من كتابه كما قال: { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر: 32] . وكما قال اللّه تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين: 22-28] .
أيها المسلمون
وبعد أن تعرفنا على أصناف الناس يوم القيامة ، وصفات كل منهم ، وجزائه ،ألا فكونوا من السابقين الى الخيرات والطاعات ، لتفوزوا يوم القيامة بأعلى الدرجات ،فإن الجنة هي دار الفائزين، والفوز يجمع السلامة من الشر، والظفر بالخير.. ومن فاز بالجنة وما فيها من النعيم المقيم الذي منه رضوان الرحمن ورؤيته فقد فاز بأعلى ما يطمح إليه إنسان من جزاء، وحقق أعظم فوز يخطر ببال؛ لأنه ظفر بخلود أبدي فيما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.. فلا حزن يكدره، ولا تفكير في الموت ينغصه؛ ولذا يقول أهله وهم يرون النعيم ﴿ أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلَّا مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ ﴾ [الصَّفات: 58-61]. ويقول الله تعالى مخبراً عن فوزهم بنعيم أبدي ﴿ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا المَوْتَ إِلَّا المَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الجَحِيمِ * فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ ﴾ [الدُخان: 56-57]. وحقيق أن يسمى هذا الفوز فوزاً عظيماً، وفوزاً كبيراً، وفوزاً مبيناً، وأن يوصف أصحابه بأنهم فائزون ومفلحون، فيا لهف نفوس المؤمنين على تحقيقه، ويا لسعيهم الحثيث لحصوله.. حين خالفوا في الدنيا أهواءهم، وقهروا نفوسهم، وأتعبوا أجسادهم في مرضاة ربهم سبحانه وتعالى.. حين حافظوا على الفرائض، وأتبعوها بالنوافل، وكفوا عن المحرمات.. وأساس هذا الفوز لمن أراده، وأصله الذي إن حققه ناله: هو الإيمان والعمل الصالح، وجاء الإخبار عن ذلك في آيات عدة ،قال تعالى: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ المُبِينُ ﴾ [الجاثية: 30] ، وقال تعالى : ﴿ لِيُدْخِلَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ الله فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الفتح: 5]. وقال تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الفَوْزُ الكَبِيرُ ﴾ [البروج: 11] ، فلا فوز بلا إيمان وعمل صالح، فمن حققه فاز فوزاً وصف في أكثر مواضع القرآن بأنه عظيم، وفي بعضها وصف بأنه مبين، وفي بعضها بأنه كبير، وهو كذلك : ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا ﴾ [الإنسان: 20].
أيها المسلمون
ونقل ابن تيمية رحمه الله تعالى جملة من الآثار عن السلف في الاتباع ثم قال: ((فمن أراد لنفسه الفوز والنجاة عليه أن يلزم غرز هؤلاء، ويسلك نهجهم، ويتبع طريقهم، ومن كان كذلك فقد سبق سبقاً بعيداً، وفاز فوزاً عظيماً)) ،فإن من يريد الفوز في الآخرة فعليه أن يصبر في الدنيا على الطاعات، ويصبر عن المعاصي، ويصبر على مقادير الله تعالى فيه؛ ذلك أن الإيمان والعمل الصالح يحتاج إلى صبر كيما يحقق العبد الفوز في الآخرة، فيكون ممن يقول الله تعالى فيهم : ﴿ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ اليَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الفَائِزُونَ ﴾ [المؤمنون: 111]. والمؤمن يعلم بفوزه عند موته حين يرى ملائكة الرحمة تستقبله ، ففي الحديث: ((ثُمَّ يجئ مَلَكُ الْمَوْتِ عليه السَّلاَمُ حتى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فيقول أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ أخرجي إلى مَغْفِرَةٍ مِنَ الله وَرِضْوَانٍ قال فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كما تَسِيلُ الْقَطْرَةُ من في السِّقَاءِ)) رواه أحمد. وكم من مؤمن أخبر بفوزه عند موته، منهم حرام بن ملحان رضي الله عنه، طعنه المشركون في بئر معونة فأخذ الدم بيده من موضع الطعن فرشَّه على وجهه ورأسه وهو يقول: ((فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ)) رواه الشيخان. وعلى العبد أن يسأل الله تعالى العافية فإنها سبب للفوز؛ ذلك أن الإنسان إذا عوفي من الكفر والنفاق والكبائر فقد فاز، وإذا عوفي من البلاء عوفي من الضجر والتسخط ففاز، فإن ابتلي استعان بالله تعالى على بلواه وصبر، وأصل ذلك ما روى مُعَاذٌ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم :((أتى على رَجُلٍ وهو يصلي وهو يقول في دُعَائِهِ: اللهم إني أَسْأَلُكَ الصَّبْرَ، قال: سَأَلْتَ الْبَلاَءَ فَسَلِ الله الْعَافِيَةَ، قال: وَأَتَى على رَجُلٍ وهو يقول: اللهم إني أَسْأَلُكَ تَمَامَ نِعْمَتِكَ، فقال: ابن آدَمَ هل تدري ما تَمَامُ النِّعْمَةِ؟ قال: يا رَسُولَ الله، دَعْوَةٌ دَعَوْتُ بها أَرْجُو بها الْخَيْرَ، قال: فإن تَمَامَ النِّعْمَةِ فَوْزٌ مِنَ النَّارِ وَدُخُولُ الْجَنَّةِ… )) رواه أحمد. وجاء عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((أن من قرأ في ليلة بمائتي آية كتب من الفائزين)) رواه الدارمي. فعلى من أراد الفوز في الآخرة أن يعمل صالحاً وهو يحسن الظن بالله تعالى أن الله تعالى يرحمه ويمنحه الفوز العظيم؛ ذلك أن إحسان الظن بلا عمل غرور، كما أن العمل بلا ظن حسن في الله تعالى قنوط، والغرور والقنوط مانعان من الفوز في الآخرة.
الدعاء