خطبة عن: كم أنت ضعيف أيها الانسان ( وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا)
نوفمبر 11, 2017خطبة عن (وقفات مع حديث الأَبْرَص وَالأَقْرَع وَالأَعْمَى)
نوفمبر 11, 2017الخطبة الأولى ( يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38) يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ) (38) ،(40) غافر
إخوة الإسلام
إن المتأمل في قوله تعالى : (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ) ، يتبين له أن الحق تبارك وتعالى قد أوضح لعباده حقيقة الدنيا وحقيقة الآخرة ، فالدنيا : دار ممر ، ودار متاع ، والمتاع: هو ما يتمتع به صاحبه برهة من الوقت ثم ينقطع عنه ويفنى ويزول ، وأما الدار الآخرة :فهي دار القرار ،أي التي يستقرّون فيها فلا يموتون ، إما في الجنة منعمون ، وإما في النار معذبون ، وقد شاء الله سبحانه وتعالى أن تكون الدنيا دار امتحان واختبار وبلاء، وليست دار جزاء، ولا حكم بين العباد، ولا فصل بينهم فيما هم فيه يختلفون، وكثير من الناس يظنون أن الدنيا دار فصل وجزاء، ودار إثابة للطائعين، وانتقام من الكافرين، وتعجيل للقصاص والحكم بين العباد، وكل ذلك خطأ وخلل في الفهم، فيوم الحساب والجزاء هو يوم الدين؛ هو يوم القيامة، والله مالكه وحده ،والحكم فيه لله وحده ، قال تعالى : {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4]؛ وهو اليوم الذي يحكم الله فيه بين العباد فيما فيه يختلفون ، قال تعالى : {فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [البقرة:113]؛ وهو اليوم الذي يفصل الله فيه بين العباد فيما كانوا يعملون ويختلفون، قال الله تعالى : {إنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [السجدة:25]؛
أيها المسلمون
وهذه الدنيا وكل ما فيها لا تساوي عند الله جناح بعوضة، ولولا رحمة الله بعباده أن يضل أكثرهم، ويصيروا أمة واحدة على الكفر والفسوق والعصيان ،لخص الكافرين بنعم دنيوية لا يتخيلها عقل، ولا يثبت مع رؤيتها إلا قلب ثلة قليلة من أصحاب اليقين والإيمان ؛ وفي ذلك قال الله تعالى : {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} [الزخرف:33]. وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: “يؤتي بالدنيا يوم القيامة في صورة عجوزة شمطاء زرقاء أنيابها بادية مشوه خلقها فتشرف على الخلائق. فيقال: أتعرفون هذه؟ فيقولون: نعوذ الله من معرفة هذه. فيقال: هذه الدنيا التي تشاجرتم عليها، بها قاطعتم الأرحام وبها تحاسدتم وتباغضتم ، ثم يُقذف بها في جهنم فتنادي أين اتباعي وأشياعي؟ فيقول الله عز وجل الحقوا بها أتباعها وأشياعها” [عدة الصابرين]. وروى أحمد في مسنده (عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ كُنْتُ فِي رَكْبٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذْ مَرَّ بِسَخْلَةٍ مَيْتَةٍ مَنْبُوذَةٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَتَرَوْنَ هَذِهِ هَانَتْ عَلَى أَهْلِهَا ». فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ هَوَانِهَا أَلْقَوْهَا. قَالَ « فَوَ الَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ هَذِهِ عَلَى أَهْلِهَا » وفي سنن الترمذي (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ ». ومن العجيب ، ورغم أن الدنيا حقيرة ، ومصيرها إلى زوال ، والبقاء فيها محال ، وهي عَرَضٌ زائلٌ ، والانسان فيها دائمُ الكَبَد، كثيرُ النَكَد، قصيرُ الأمَد، ملئٌ بالمزعجات والمنغِّصات والمفاجآت ،إلا أن حال أكثر الناس فيها : انهماكٌ في طلب الدنيا، وحبٌ عظيم لزهرتها، وتفانٍ في المنافسة عليها، وما علم هؤلاء أنه َمَا عِيبَتِ الدُّنيا بأبلغَ مِن ذكرِ فنائِها وتقلُّبِ أحوالِها : فنراها تَتَبَدَّلُ صحَّتها بالسَّقمِ، ووجودُها بالعَدَمِ، وشبيبتُها بالهرمِ، ونعيمُها بالبؤسِ، وحياتُها بالموتِ، وعمارتُها بالخرابِ، واجتماعُها بفرقةِ الأحبابِ، لذا فقد فهم أصحاب العقول حقيقتها ، وأبصروا خديعتها : فقالَ الحَسَنُ البصري: إنَّ الموتَ قد فَضَحَ الدُّنيا فلمْ يَدَعْ لذي لبٍّ بها فرحًا. وقالَ مُطَرِّفٌ بن عبدالله: إنَّ هذا الموتَ قد أَفْسَدَ على أهلِ النَّعيمِ نعيمَهُم، فالتَمِسوا نعيمًا لا موتَ فيهِ. وقالَ يَزيدُ الرَّقاشِيُّ: أمِنَ أهلُ الجنَّةِ الموتَ فطابَ لهُمُ العيشُ، وأمِنوا مِنَ الأسقامِ فهنيئًا لهُم في جوارِ اللهِ طولُ المقامِ.
أيها المسلمون
وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم نظرة الإسلام في الحياة الدنيا لأتباعه ، حتى يحذروها ، ولا يغتروا بها : ففي صحيح مسلم ( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَاللَّهِ مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ – وَأَشَارَ يَحْيَى بِالسَّبَّابَةِ – فِي الْيَمِّ فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ » وروى مسلم (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا ) وكتب الحسن البصري الى عمر بن عبد العزيز أما بعد: (فإن الدنيا دار ظعن وليس بدار مقام. وإنما أنزل إليها آدم عقوبة فاحذرها يا أمير المؤمنين، فإن الزاد منها تركها والغني فيها فقرها، فهي تذلّ من أعزّها وتفقر من جمعها. فأحذر هذه الدار الغرارة الخداعة ،فسرورها مشوب بالحزن وصفوها مشوب بالكدر ، وقد زواها الله عن الصالحين اختياراً وبسطها لأعدائه اغتراراً …)
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وبعد أن بين الحق لعباده حقيقة الدنيا ، أعقبها بذكر الآخرة ، ليذكرهم بحياتهم الأبدية، فقال تعالى : (وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ) (39) غافر ، فالدار الآخرة هي الدار الباقية ، وفيها الاستقرار ، إما في الجنة ، وإما في النار ، وفي الصحيحين (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ فَيُنَادِى مُنَادٍ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ فَيَقُولُ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا فَيَقُولُونَ نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ ، ثُمَّ يُنَادِى يَا أَهْلَ النَّارِ ، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ ، فَيَقُولُ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا فَيَقُولُونَ نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ ، فَيُذْبَحُ ثُمَّ يَقُولُ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ ، خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ ثُمَّ قَرَأَ (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِىَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ) مريم 39 وَهَؤُلاَءِ فِي غَفْلَةٍ أَهْلُ الدُّنْيَا ( وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ) وفي المعجم ، يقول صلى الله عليه وسلم :(اليوم الرهان وغدا السباق والغاية الجنة أو النار والهالك من دخل النار) ، فالجنة هي دار الخلود للمؤمنين ، قال الله تعالى : (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) التوبة (21) ،(22) فالجنة جعلني الله وإياكم من أهلها : لا مرض فيها ولا هرم ،ولا موت فيها ولا فناء ، روى أحمد في مسنده (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ وَأَبِى سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « فَيُنَادَى مَعَ ذَلِكَ إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلاَ تَمُوتُوا أَبَداً وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلاَ تَسْقَمُوا أَبَداً وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلاَ تَهْرَمُوا أَبَداً وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلاَ تَبْأَسُوا أَبَداً ». قَالَ يُنَادَوْنَ بِهَؤُلاَءِ الأَرْبَعِ فهَلُمُّوا يا أمة محمد ، يا أمة التوحيد ، إلى دارٍ : لا يُموتُ سكَّانُها، ولا يَخْرَبُ بُنيانُها، ولا يَهْرَمُ شبَّانُها، ولا يَتَغَيَّرُ حسنُها وإحسانُها. هَلُمُّوا يا أمة محمد إلى دارٍ : هواؤُها النَّسيمُ ، وماؤُها التَّسنيمُ، ويَتَقَلَّبٌ أهلُها في رحمةِ أرحمِ الرَّاحمينَ، ويَتَمَتَّعُونَ بالنَّظرِ إلى وجْهِهِ الكريمِ ، (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) يونس (10) وروى مسلم في الصحيح « سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً قَالَ هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ فَيُقَالُ لَهُ ادْخُلِ الْجَنَّةَ. فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ فَيُقَالُ لَهُ أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ رَضِيتُ رَبِّ. فَيَقُولُ لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ. فَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ رَضِيتُ رَبِّ. فَيَقُولُ هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ. فَيَقُولُ رَضِيتُ رَبِّ. قَالَ رَبِّ فَأَعْلاَهُمْ مَنْزِلَةً قَالَ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِى وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ». قَالَ وَمِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) السجدة (17)
الدعاء