خطبة عن السواك وحديث (لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِى لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلاَةٍ)
سبتمبر 28, 2019خطبة عن قوله تعالى (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)
أكتوبر 5, 2019الخطبة الأولى ( مرض العجب )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
في الصحيحين واللفظ لمسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِى قَدْ أَعْجَبَتْهُ جُمَّتُهُ وَبُرْدَاهُ إِذْ خُسِفَ بِهِ الأَرْضُ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الأَرْضِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ». وفي رواية في سنن الترمذي : « خَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فِي حُلَّةٍ لَهُ يَخْتَالُ فِيهَا فَأَمَرَ اللَّهُ الأَرْضَ فَأَخَذَتْهُ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا أَوْ قَالَ يَتَلَجْلَجُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ »
إخوة الإسلام
في هذا الحديث يبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضا من الأمراض التي تصيب القلوب ،ألا وهو مرض العجب بالنفس ، وداء ( العُجب بالنفس ) من الأدواء الخفية، التي يحتاج صاحبها يقظة على الدوام؛ حتى يسلم منها ، فقد يمنُّ الله على بعض عباده بنعمة من النعم؛ من علم، أو مال، أو جاه، أو هداية وصلاح ، أو أولاد ، أو موهبة حسنة، كصوته الجميل ، أو قوته أو ذكائه ،أو جمال الصورة ،أو .. ، فيحسب غير الموفق أنه إنسان مميز عن غيره ، فيعجب بنفسه ، ويعلو على أقرانه ، ويزهو بنفسه ، ويعلو في عينه قدره وجاهه ، وربما صعَّر خده للناس، ونأى بجانبه عنهم، واستنكف عن قَبول الحق، وهذه مَهلكة ومَزلَّة قَدَم، وما يؤذي فيها المرء إلا نفسه، والمرء إذا لم يلحظْ نفسه، فإنها تقوده إلى العطَب والخسران المبين .. فالعجب هو الزهو بالنفس ، واستعظام الأعمال ،والركون إليها ، وإضافتها إلى النفس ،مع نسيان إضافتها إلى المُنعم سبحانه وتعالى ، والعجب بالنفس محرم ؛ لأنه نوع من الشرك ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (وكثيراً ما يقرن الرياء بالعجب ، فالرياء من باب الإشراك بالخلق ، والعجب من باب الإشراك بالنفس ، وهذا حال المستكبر ، فالمرائي لا يحقق قوله {إِيَّاكَ نَعْبُدُ } والمعجب لا يحقق قوله :{ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فمن حقق قوله {إِيَّاكَ نَعْبُدُ } خرج عن الرياء ومن حقق قوله : { وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} خرج عن الإعجاب ). وقال أبو حامد الغزالي رحمه الله : ( اعلم أن العجب مذموم في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى : {كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا } [ 25: التوبة] . هذا هو الداء ، فماذا عن الدواء ؟
أيها المسلمون
وعلاج هذا الداء (العُجب بالنفس ) يسيرٌ على من يسره الله عليه؛ ويكون ذلك بعدة أمور ، ومنها : أولاً : أن يعلم العبد أن هذه النعمة إنما هي محض توفيق الله، وأنه ليس لنفسه في ذلك الفضل شيءٌ، وأنه لا حول له ولا قوة إلا بالله، وأنه لولا الله لكان هملاً مضاعًا، ولكن الله هو الذي أنعم وتفضل، ووهب وامتن، كما قال الله تعالى : { وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً } ( النساء : 83 )، وقال الله تعالى : { وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ } ( النور : 21 )، وقد قال الله تعالى لنبيه محمد – صلى الله عليه وسلم – وهو أفضل الخلق :{وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا } ( النساء : 113 )، وقال تعالى على لسان نبيه شعيب عليه السلام :{ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } ( هود : 88 ). ولذا كان من الدعاء النبوي الذي ينبغي للمسلم أن يقوله طرَفَي النهار : “اللهم رحمتك أرجو ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله لا اله الا أنت ” حسنه الألباني وجاء هذا المعنى في قول الصحابي : ” فإنك إن تكلني إلى نفسي تقربني من الشر، وتباعدني من الخير، وإني لا أثق إلا برحمتك ” وقال الرازي : ” والذي جربته من أول عمري إلى آخره؛ أن الإنسان كلما عوَّل في أمر من الأمور على غير الله ،صار ذلك سببًا إلى البلاء والمحنة والشدة والرزية، وإذا عوَّل العبد على الله ولم يرجع إلى أحد من الخلق ،حصل ذلك المطلوب على أحسن الوجوه؛ ثانيًا : ومن علاج داء ( العجب بالنفس) : أن يعلم العبد أن بقاء هذه النعمة منوط بشكرها، وشكرُها يتحقق : بمسكنة العبد وفاقته إلى ربه؛ فكلما زادت النعمة على العبد ، كلما تحتَّم عليه أن يزيد افتقاره للخالق، وتواضعه للخلق؛ فمهما بلغ العبد من الصلاح والديانة، فإنه لا ينبغي له أن يدَّعي الكمال، بل يذل لربه، ويعترف بتقصيره وظُلْمه لنفسه، فهذا آدم وزوجه – عليهما السلام – يقولان : { رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ } ( الأعراف : 23 ) ، إنها قمة التذلل لله رب العالمين
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مرض العجب )
الحمد لله رب العالمين .وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وما زال حديثنا موصولا عن علاج مرض العجب بالنفس ، فهذا نبي الله نوح عليه السلام يقول : { وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الخَاسِرِينَ } ( هود : 47 )، وقال إبراهيم عليه السلام : { وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ } الشعراء : 82 وقال موسى عليه السلام : { رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي } ( القصص : 16 )، وقال يونس عليه السلام : { لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } (الأنبياء : 87 ) وفي الصحيحين : (عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ – رضى الله عنه – قَالَ لِلنَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي . قَالَ « قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِى ظُلْمًا كَثِيرًا ، وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ ، فَاغْفِرْ لِي مِنْ عِنْدِكَ مَغْفِرَةً ، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ »
أيها المسلمون
واعلموا يقينا أنه لا يسلم إنسان من نقص ، عدا الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين ، فمن خفيت عليه عيوب نفسه فقد سقط ، فليتدارك الانسان نفسه بالحث عن عيوبه ، والاشتغال بذلك عن الإعجاب بها ، وعن عيوب غيره التي لا تضره لا في الدنيا ولا في الآخرة ، ثم نقول للمعجب : ارجع إلى نفسك ،فإذا ميزت عيوبها فقد داويت عجبك .فإن أعجبت بعقلك فعقلك وذكاؤك مهما يكن ، فقدراته محدودة وإن أعجبت بآرائك ، فاعلم أنك تصيب وتخطئ ، وإن أعجبت بعملك الصالح ، فتفكر في معاصيك وتقصيرك ، وإن أعجبت بعلمك ، فتذكر قوله تعالى 🙁وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) (85) الاسراء
أيها المسلمون
احذروا مرض العجب بالنفس ، وداووا هذا المرض القلبي اللعين ، وكونوا من المتواضعين مع الله ، ومع الخلق أجمعين .
الدعاء