دروس رمضان: ( احذروا الفاسقين )
مارس 4, 2023دروس رمضان: ( الرسول شاهد ومبشر ونذير)
مارس 4, 2023دروس رمضان: ( الانسان من طبق إلى طبق )
يقول الله تعالى: (فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16) وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) (16): (19) الانشقاق.
(لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) (19) الانشقاق: لتركبُنَّ-أيها الناس- أطوارا متعددة وأحوالا متباينة: وهذا دليل ضعفك وعجزك، فمن النطفة إلى العلقة إلى المضغة إلى نفخ الروح، ثم يكون وليدًا وطفلًا، ثم مميزًا، ثم يجري عليه قلم التكليف، والأمر والنهي،
ويكون الانسان درجة بعد درجة، ورتبة بعد رتبة في القرب من الله تعالى والرفعة. ثم يموت بعد ذلك، ثم يبعث ويجازى بأعماله،
فهذه الطبقات المختلفة الجارية على العبد، دالة على أن الله وحده هو المعبود، الموحد، المدبر لعباده بحكمته ورحمته، وأن العبد فقير عاجز، تحت تدبير العزيز الرحيم.
ومن معانيها أيضا: (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) (19) الانشقاق، أي: لتركبن- أيها الرسول الكريم- أحوالا شريفة بعد أخرى من مراتب القرب. أو مراتب من الشدة بعد مراتب من الشدة، ثم تكون العاقبة لك. وفي صحيح البخاري: (عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) حَالاً بَعْدَ حَالٍ، قَالَ هَذَا نَبِيُّكُمْ – صلى الله عليه وسلم -) ،
ولتركبن يا محمد سماء بعد سماء، ودرجة بعد درجة، ورتبة بعد رتبة، في القربة من الله تعالى .أي في رحلة الاسراء والمعراج ،
وقال الحسن: أمرا بعد أمر، رخاء بعد شدة، وشدة بعد رخاء، وغنى بعد فقر، وفقرا بعد غنى، وصحة بعد سقم، وسقما بعد صحة، فلا أحزان تدوم، ولا أوجاع على العموم. فلا تستبطئ الفرج؛ فالذي خلقك يرفع همك ولو بعد حين.
(لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ): فهذا الحال المتغير يدل على عجز الإنسان وقلة حيلته وضيق أفقه، فالزمان لا يثبت على حال، كما قال عز وجل: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: ١٤٠]، فتارة فقر، وتارة غنى، وتارة عز، وتارة ذل، وتارة يفرح الموالي، وتارة يشمت الأعادي.
فالسعيد من لازم أصلًا واحدًا على كل حال، وهو تقوى الله عز وجل، فإنه إن استغنى زانته، وإن افتقر فتحت له أبواب الصبر، وإن عوفي تمت النعمة عليه، وإن ابتلي، جملته. ولا يضره إن نزل به الزمان أو صعد، أو أعراه، أو أشبعه، أو أجاعه؛ لأن جميع تلك الأشياء تزول وتتغير، والتقوى أصل السلامة، حارس لا ينام، يأخذ باليد عند العثرة، ويواقف على الحدود. والمنكر من غرته لذة حصلت مع عدم التقوى، فإنها ستحول، وتخليه خاسرًا. فلازم التقوى في كل حال، فإنك لا ترى في الضيق إلا السعة، وفي المرض إلا العافية، هذا نقدها العاجل، والآجل معلوم. والقلوب بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء،
ففي صحيح مسلم : (أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِىَّ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ قُلُوبَ بَنِى آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ ». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ ».
فالله تعالى هو الذي بيده تثبيت الأمور، والمؤمن يسأل ربه الثبات على الإيمان والثبات على الحق، فالقلوب تتقلب وهي بين إصبعين من أصابع الله،
وأن الله جل وعلا بيده تصريف الأمور وتقليب القلوب كيف يشاء، هذا يقلب فيرتد عن دينه، وهذا يقلب فيسلم، وهذا يقلب قلبه فيقع في المعاصي، فالقلوب بيد الله جل وعلا، وهو الذي يصرفها كيف يشاء،
والمؤمن يسأل ربه الثبات: ففي سنن الترمذي : (عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ « يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِى عَلَى دِينِكَ ». فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا قَالَ « نَعَمْ إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أَصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ ».
(لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ): فقد اقتضت حكمة الله تعالى- خلق هذا العالم تمتزج فيه اللذة بالألم، والخير بالشر، والعسر باليسر؛ ولم يرد سبحانه بذلك أضرار خلقه ولا هلاكهم، وإنما يفعل لحكمة باهرة، وحجة قاهرة، وآية ظاهرة؛
فتغير الأحوال وعدم ثباتها سنة من سنن الله تعالى في خلقه، وقد اشتكى أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من هذا التغير والتقلب، ففي صحيح مسلم: (عَنْ حَنْظَلَةَ الأُسَيِّدِيِّ قَالَ – وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ – لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ قَالَ قُلْتُ نَافَقَ حَنْظَلَةُ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ مَا تَقُولُ قَالَ قُلْتُ نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيَ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَافَسْنَا الأَزْوَاجَ وَالأَوْلاَدَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيرًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا. فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قُلْتُ نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَمَا ذَاكَ ». قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْىَ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الأَزْوَاجَ وَالأَوْلاَدَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيرًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِى الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلاَئِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ». ثَلاَثَ مَرَّاتٍ).
وأخبرنا – صلى الله عليه وسلم – أن لكل عمل شِرَةً وفترةً؛ يعني: مرحلة جِدٍّ وضعف، ففي مسند أحمد: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ فَكَانَ لاَ يَأْتِيهَا كَانَ يَشْغَلُهُ الصَّوْمُ وَالصَّلاَةُ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « صُمْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ». قَالَ إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى قَالَ لَهُ «صُمْ يَوْماً وَأَفْطِرْ يَوْماً» .وَقَالَ لَهُ «اقْرَإِ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ». قَالَ إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ «اقْرَأْهُ فِي كُلِّ خَمْسَ عَشْرَةَ». قَالَ إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ «اقْرَأْهُ فِي كُلِّ سَبْعٍ». حَتَّى قَالَ «اقْرَأْهُ فِي كُلِّ ثَلاَثٍ» .وَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَةً وَلِكُلِّ شِرَةٍ فَتْرَةً فَمَنْ كَانَتْ شِرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدْ أَفْلَحَ وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ».
(لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ)، فالثبات الثبات، قال الله تعالى لنبيه محمد: ﴿ وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 74]،
والثبات على الدّين يكون نتيجة توفيق الله لعبده ورحمته به؛ كما أنّ خذلان الله للعبد حاصل، إذا لم يثبت على الدين، ولم يرفع رأسًا لما بعث الله به رسوله – صلى الله عليه وسلم -. والثبات على الحق والتمسك به من صفات المؤمنين الصادقين، قال الله تعالى: (يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ) إبراهيم :27 ،
وقدوتنا في ذلك هو رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقد لاقى ما لاقى ومع ذلك كان أشد ثباتًا حتى بلغ رسالة ربه على أتم وجه.
وفي سنن الترمذي: (حَدَّثَنِى شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ قَالَ قُلْتُ لأُمِّ سَلَمَةَ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ مَا كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا كَانَ عِنْدَكِ قَالَتْ كَانَ أَكْثَرُ دُعَائِهِ « يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ ». قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لأَكْثَرِ دُعَائِكَ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ قَالَ « يَا أُمَّ سَلَمَةَ إِنَّهُ لَيْسَ آدَمِيٌّ إِلاَّ وَقَلْبُهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ فَمَنْ شَاءَ أَقَامَ وَمَنْ شَاءَ أَزَاغَ ». فَتَلاَ مُعَاذٌ (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا) آل عمران (8)،
وعلى قدر ثبات العبد على الصراط الذي نصبه الله لعباده في هذه الدار يكون ثباته على الصراط المنصوب على متن جهنم وعلى قدر سيره على هذا الصراط في الدنيا يكون سيره على ذلك الصراط فمنهم من يمر مر البرق ومنهم من يمر مر كالطرف ومنهم كالريح ومنهم من يمشي مشياً ومنهم من يحبو حبواً ومنهم المخدوش ومنهم من يسقط في جهنّم،
وفي صحيح مسلم: (فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا -صلى الله عليه وسلم- فَيَقُومُ فَيُؤْذَنُ لَهُ وَتُرْسَلُ الأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ فَتَقُومَانِ جَنَبَتَي الصِّرَاطِ يَمِينًا وَشِمَالاً فَيَمُرُّ أَوَّلُكُمْ كَالْبَرْقِ ». قَالَ قُلْتُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَيُّ شَيْءٍ كَمَرِّ الْبَرْقِ قَالَ « أَلَمْ تَرَوْا إِلَى الْبَرْقِ كَيْفَ يَمُرُّ وَيَرْجِعُ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ وَشَدِّ الرِّجَالِ تَجْرِي بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ وَنَبِيُّكُمْ قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ يَقُولُ رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ حَتَّى تَعْجِزَ أَعْمَالُ الْعِبَادِ حَتَّى يَجِيءَ الرَّجُلُ فَلاَ يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إِلاَّ زَحْفًا – قَالَ – وَفِي حَافَتَي الصِّرَاطِ كَلاَلِيبُ مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ مَنْ أُمِرَتْ بِهِ فَمَخْدُوشٌ نَاجٍ وَمَكْدُوسٌ فِي النَّارِ ». وَالَّذِى نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ إِنَّ قَعْرَ جَهَنَّمَ لَسَبْعُونَ خَرِيفًا). فهل تجزون إلا بما كنتم تعملون، ولذا، فنحن ندعو الله أن يثبّتنا على الصراط المستقيم، ونقول: (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ{6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ) الفاتحة {6} ،{7}،
فعليكم أن تجتهدوا في أخذ أسباب الثبات، وأن تحتفوا بها علماً بأن المقام جد خطير والنتائج لا تخالف مقدماتها والمسببات مربوطة بأسبابها وسنن الله ثابتة لا تتغير، ولن تجد لسنة الله تبديلاً. وتذكروا دائما قوله تعالى: (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَق)