دروس رمضان: (صلاح الحال والبال)
مارس 4, 2023دروس رمضان: ( لَا تَرْكَنُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ )
مارس 4, 2023دروس رمضان: ( كن من الصادقين )
قال الله تعالى : (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (119) التوبة
فالصدق من أهمِّ وأبرز صفات المؤمنين، والصدقَ يكون في العقيدة، والقول، والفعل؛
وفي موطإ مالك: (عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ أَنَّهُ قَالَ (قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَانًا فَقَالَ « نَعَمْ ». فَقِيلَ لَهُ أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلاً فَقَالَ « نَعَمْ ». فَقِيلَ لَهُ أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّابًا فَقَالَ « لاَ »
وقد اتَّفق العلماءُ على إطلاق الصدِّيقية على الذي تستوي سريرتُه وعلانيته، ومن اتَّصف بذلك فهو الصِّدِّيق الحقيقي، وأول الصديقين أبو بكر رضي الله عنه، فهو الذي صدَّق رسولَ الله وآزره،
ومن تحرَّى الصدقَ في أقواله وأفعاله وأحواله، صار الصدق سجيةً له؛ وينتهي بصاحبه إلى الجنة، وفي الصحيحين: (عَنِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا)،
والصدوقُ مقبول الحديث عند الناس، ومقبولُ الشهادة عند الحكَّام،
ومن صدق الله تعالى صدقه الله ، فقد روى النسائي في سننه بسند صحيح: (أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَعْرَابِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ ثُمَّ قَالَ أُهَاجِرُ مَعَكَ فَأَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْضَ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةٌ غَنِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَبْيًا فَقَسَمَ وَقَسَمَ لَهُ فَأَعْطَى أَصْحَابَهُ مَا قَسَمَ لَهُ وَكَانَ يَرْعَى ظَهْرَهُمْ فَلَمَّا جَاءَ دَفَعُوهُ إِلَيْهِ فَقَالَ مَا هَذَا قَالُوا قِسْمٌ قَسَمَهُ لَكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَخَذَهُ فَجَاءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَا هَذَا قَالَ قَسَمْتُهُ لَكَ قَالَ مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى إِلَى هَاهُنَا وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ بِسَهْمٍ فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَقَالَ: إِنْ تَصْدُقْ اللَّهَ يَصْدُقْكَ، فَلَبِثُوا قَلِيلًا ثُمَّ نَهَضُوا فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحْمَلُ قَدْ أَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أَشَارَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَهُوَ هُوَ قَالُوا نَعَمْ قَالَ صَدَقَ اللَّهَ فَصَدَقَهُ ثُمَّ كَفَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جُبَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَدَّمَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ فَكَانَ فِيمَا ظَهَرَ مِنْ صَلَاتِهِ اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ فَقُتِلَ شَهِيدًا أَنَا شَهِيدٌ عَلَى ذَلِكَ).
فإذا صَدَقْتَ الله، صَدَقَكَ الله، وكان معك، ناصرا وحافظا، ومؤيدا،
وإذا كنت صادقا مع الله، فسيعطيك مرادك، ويحقق لك رجاءك، وأهدافك،
قال الله تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ) 23، 24 الأحزاب
والصدق مع الله تعالى يكون في النية، فالصادق مع ربه في نيته، يقبل الله منه عمله، ويضاعف له أجره، وينال بنيته الصادقة الصالحة أجر ما لم يعمل ،ففي صحيح مسلم:( أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ).
ومن الشواهد على صدق النية، ما في سنن ابن ماجه وغيره، قال صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ هَذِهِ الأُمَّةِ كَمَثَلِ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً وَعِلْمًا فَهُوَ يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ فِي مَالِهِ يُنْفِقُهُ فِي حَقِّهِ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يُؤْتِهِ مَالاً فَهُوَ يَقُولُ : لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ هَذَا عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ الَّذِى يَعْمَلُ». قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «فَهُمَا فِي الأَجْرِ سَوَاءٌ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً وَلَمْ يُؤْتِهِ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ يُنْفِقُهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ وَرَجُلٌ لَمْ يُؤْتِهِ اللَّهُ عِلْمًا وَلاَ مَالاً فَهُوَ يَقُولُ : لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ مَالِ هَذَا عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ الَّذِى يَعْمَلُ ». قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم: «فَهُمَا فِي الْوِزْرِ سَوَاءٌ».
وفي حديث الثلاثة الذين تسعر بهم النار، لم يكونوا صادقين مع الله في نياتهم، ففي الحديث الذي رواه الترمذي: (يَقُولُ اللَّهُ لِلْقَارِئِ أَلَمْ أُعَلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي قَالَ بَلَى يَا رَبِّ. قَالَ فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عُلِّمْتَ قَالَ كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ. فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلاَئِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ إِنَّ فُلاَنًا قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ. وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ الْمَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ أَلَمْ أُوَسِّعْ عَلَيْكَ حَتَّى لَمْ أَدَعْكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ قَالَ بَلَى يَا رَبِّ. قَالَ فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ قَالَ كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ وَأَتَصَدَّقُ. فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلاَئِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلاَنٌ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ. وَيُؤْتَى بِالَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ فِي مَاذَا قُتِلْتَ فَيَقُولُ أُمِرْتُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ. فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلاَئِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلاَنٌ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ ». ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى رُكْبَتِي فَقَالَ « يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أُولَئِكَ الثَّلاَثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ »،
ومن الصدق مع الله: الصدق في العمل: ويكون بإتقان العمل، ففي شعب الإيمان للبيهقي: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)،
فعلى المسلم الصادق أن يتقن عمله، يتقن وضوءه وصلاته وصيامه وحجه، ويتقن حرفته ووظيفته، ويتقن في بيعه وشرائه،
ففي سنن الترمذي: (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ»،
وقوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (119) التوبة،
نزلت هذه الآية في قصة قبول توبة الصحابي (كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ) حين تخلف عن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك: ففي الصحيحين في حديث طويل: (أن كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ قِصَّةِ تَبُوكَ قَالَ كَعْبٌ …(فَلَمَّا بَلَغَنِى أَنَّهُ تَوَجَّهَ قَافِلاً حَضَرَنِى هَمِّى ، وَطَفِقْتُ أَتَذَكَّرُ الْكَذِبَ وَأَقُولُ بِمَاذَا أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَدًا وَاسْتَعَنْتُ عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِى رَأْىٍ مِنْ أَهْلِى، فَلَمَّا قِيلَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَدْ أَظَلَّ قَادِمًا زَاحَ عَنِّى الْبَاطِلُ ،وَعَرَفْتُ أَنِّى لَنْ أَخْرُجَ مِنْهُ أَبَدًا بِشَىْءٍ فِيهِ كَذِبٌ ، فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ ، … ، فَجِئْتُهُ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ ،ثُمَّ قَالَ «تَعَالَ». فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَقَالَ لِى « مَا خَلَّفَكَ أَلَمْ تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ ». فَقُلْتُ بَلَى، إِنِّى وَاللَّهِ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، لَرَأَيْتُ أَنْ سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ، وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلاً ،وَلَكِنِّى وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّى لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَىَّ، وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَىَّ فِيهِ إِنِّى لأَرْجُو فِيهِ عَفْوَ اللَّهِ، لاَ وَاللَّهِ مَا كَانَ لِى مِنْ عُذْرٍ، وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلاَ أَيْسَرَ مِنِّى حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضِىَ اللَّهُ فِيكَ». فَقُمْتُ وَثَارَ رِجَالٌ مِنْ بَنِى سَلِمَةَ فَاتَّبَعُونِى، فَقَالُوا لِى وَاللَّهِ مَا عَلِمْنَاكَ كُنْتَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا، وَلَقَدْ عَجَزْتَ أَنْ لاَ تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – بِمَا اعْتَذَرَ إِلَيْهِ الْمُتَخَلِّفُونَ، قَدْ كَانَ كَافِيَكَ ذَنْبَكَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – لَكَ، فَوَاللَّهِ مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونِى حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ فَأُكَذِّبُ نَفْسِى ،…. ثم يقول: ( حَتَّى كَمَلَتْ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – عَنْ كَلاَمِنَا ، فَلَمَّا صَلَّيْتُ صَلاَةَ الْفَجْرِ صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً ، وَأَنَا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِى ذَكَرَ اللَّهُ ، قَدْ ضَاقَتْ عَلَىَّ نَفْسِى ، وَضَاقَتْ عَلَىَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ ، أَبْشِرْ . قَالَ فَخَرَرْتُ سَاجِدًا ، وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ ، وَآذَنَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلاَةَ الْفَجْرِ ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا ، وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَىَّ مُبَشِّرُونَ ، وَرَكَضَ إِلَىَّ رَجُلٌ فَرَسًا ، وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ فَأَوْفَى عَلَى الْجَبَلِ وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الْفَرَسِ ، فَلَمَّا جَاءَنِى الَّذِى سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِى نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَىَّ ، فَكَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا بِبُشْرَاهُ ، وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ ، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا ، وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَيَتَلَقَّانِى النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنُّونِى بِالتَّوْبَةِ ، يَقُولُونَ لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ . قَالَ كَعْبٌ حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ فَقَامَ إِلَىَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِى وَهَنَّانِى ، وَاللَّهِ مَا قَامَ إِلَىَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ ، وَلاَ أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ ، قَالَ كَعْبٌ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَهْوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ « أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ » . قَالَ قُلْتُ أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ قَالَ « لاَ ، بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ » ويقول : (فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا نَجَّانِى بِالصِّدْقِ، وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِى أَنْ لاَ أُحَدِّثَ إِلاَّ صِدْقًا مَا بَقِيتُ ، فَوَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَبْلاَهُ اللَّهُ فِى صِدْقِ الْحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلاَنِى ، مَا تَعَمَّدْتُ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – إِلَى يَوْمِى هَذَا كَذِبًا ، وَإِنِّى لأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِى اللَّهُ فِيمَا بَقِيتُ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ – صلى الله عليه وسلم – ( لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِىِّ وَالْمُهَاجِرِينَ ) إِلَى قَوْلِهِ ( وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) فَوَاللَّهِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَىَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ أَنْ هَدَانِى لِلإِسْلاَمِ أَعْظَمَ فِى نَفْسِى مِنْ صِدْقِى لِرَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – أَنْ لاَ أَكُونَ كَذَبْتُهُ ، فَأَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا) ،