دروس: ما قبل البعثة وبدء الوحي وموقف قريش والهجرة للحبشة
أبريل 17, 2019خطبة عن سجود التلاوة وفضائله وحديث (اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي)
أبريل 20, 2019( دروس في مختصر السيرة النبوية ) 1
يقول الله تعالى في محكم آياته: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (164) آل عمران
وقال سبحانه (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (128) التوبة
حقا إنها لنعمة عظمى, ومنّة كبرى أن بعث الله فينا رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم رحمةً للعالمين، وهدىً للمتقين، ونورًا للحيارى والضالين، فأحيا بهذا الرسول قلوبًا ميتة، وأسمع به آذانًا صمًا، وأنار به أعينًا عميًا، وجعل رسالته خاتمة خالدة, شاملةً، ونحن نشهد أنه صلى الله عليه وسلم بلغ الرسالة, وأدى الأمانة, ونصح للامة, وجاهد حق الجهاد, فأبان الخير كله، ودعا إليه ،وأبان الشر كله ، وحذر منه ,فالخير كلَّ الخير في اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،واقتفاء أثره، وسلوك طريقته.
وسبيلُ ذلك هو معرفة هديه ، وتعلمُ أقواله ،وأفعاله ،وأحواله، وتدارسُ سيرته، فسيرة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم هي المعين الذي لا ينضب، والروضة التي لا ينقطع زهرها.
وإن البعد عن سيرته صلى الله عليه وسلم، والجهل بسنته ، يهوي بصاحبه إلى ظلمات الجهل والبدع، وقد ذم الله الذين جهلوا سيرته فقال تعالى في شأنهم : ( أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ ، فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ) المؤمنون 69.
ومن هنا كان من الواجب علينا – نحن المسلمين – أن نتعرف على سيرة رسولنا ، لتكون لنا منارة على الطريق، وهداية على الدرب .
لذا. فإنني سوف أتناول معكم السيرة المباركة إن شاء الله تعالى ،بصورة مختصرة ،ومبسطة ، لتضيء لنا الطريق الذي أظلم ، وتبين لنا الحق الذي التبس
وفي دراستنا للسيرة النبوية المطهرة ، نعتمد ونتحرى الصحيح ، قدر المستطاع في الأحداث، ولا نعتمد على بعض الأحداث التي قد تكون شيقة، ولكنها ليست صحيحة ،لأننا نهدف من وراء دراسة السيرة النبوية، أن نخرج بقواعد عامة لبناء الأمة الإسلامية ، فلا بد أن نعتمد على الصحيح .
وبداية : فمعنى السيرة : هي كل ما وصل إلينا من تفاصيل ، وأحداث ، تتعلق بحياة الرسول صلى الله عليه وسلّم؛ من صفات خُلقية ، وخلقية ، وغزوات ، وسرايا، كما أنها أيضاً ، كافة الأحداث والوقائع المؤكدة الحصول ، والمنقولة بالروايات الصحيحة ، ذات العلاقة بحياة خير الأنام محمد صلى الله عليه وسلم ، منذ لحظة ما قبل الولادة ، وحتى ما بعد وفاته،
ومعنى فقه السيرة : أي تناول السيرة النبوية للنبي صلى الله عليه وسلم ،لأخذ الدروس والعبر منها ، وتطرقها لبعض الأحكام الفقهية.
وتنقسم السيرة النبوية إلى قسمين : من حيث الزمن : وتنقسم إلى ثلاث أقسام :
الأول : من الولادة إلى البعثة .
الثاني : من البعثة حتى هجرته إلى المدينة ويسمى بالعهد المكي .
الثالث : من وصوله إلى المدينة إلى حتى وفاته ويسمى بالعهد المدني .
أما تقسيم السيرة : من حيث موضوعاتها :
أولا : الشمائل والأخلاق النبوية : وتشتمل الصفات الخلقية والخلقية.
ثانيا : الدلائل النبوة : وهي المعجزات والبراهين الدالة على صدقه في النبوة والرسالة . ثالثا : السير والمغازي : ويدخل في هذا القسم تعاملاته صلى الله عليه وسلم المختلفة مع أهله ،ومع أصحابه ،ومع المسلمين ،ومع أعدائه ، وجهاده في نشر الدعوة والرسالة ، وكذا غزواته وسراياه .
أما عن أهمية دراسة السيرة النبوية ، فمنها :
– معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم معرفة شاملة . – التأسي والاقتداء به صلى الله عليه وسلم .
– الوقوف على معجزاته الدالة على صدق نبوته ورسالته . – الاستعانة بالسيرة لفهم القرآن والسنة النبوية .
– أخد الدروس والعبر التي تضئ للمسلم الطريق و توصله إلى الأمان .
——————————————————————-
أحوال ” الجزيرة العربية ” قبل مجيء الإسلام إليها
كانت الجزيرة العربية قبل مجيء الإسلام في شر حال، فلما امتنَّ عليهم بالإسلام، وصاروا من أهله، وأبنائه: صار أهل الجزيرة في خير حال، فقد سادوا الأمم، وأصبحوا خير أمة أخرجت للناس.
ويتمثل السوء الذي وُجد في الجزيرة العربية قبل الإسلام في مظاهر كثيرة، لا نستطيع حصرها لكثرتها، ولا يمنع أن نذكر أبرز تلك المظاهر، ومنها : أ. في جانب العقيدة:
1. كان العرب يعبدون الأصنام، ويتقربون لها، ويذبحون عندها، ويعظمونها التعظيم كله، وهي من صنع أناسٍ مثلهم من البشر، وأحياناً تكون من صنع أيديهم، من التمر، أو الطين، أو غيرها، وكان عدد الأصنام التي حول الكعبة المشرفة حوالي 360 صنماً، قال الله تعالى واصفاً أولئك الجاهليين: ( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ ) يونس/ 18.
2. وكانوا يتطيرون : فإذا أراد أحدهم زواجاً ، أو سفراً ، أو تجارة : ألقى طيراً في السماء ، فإن ذهب يميناً : مضى في أمره ، واعتقد فيه الخير والنفع ، وإن ذهب الطير شمالاً : أحجم عن أمره ، وترك المضي فيه ، واعتقد فيه الشرَّ وكانوا يتشاءمون : فإذا سمع أحدهم صوت بومة ، أو رأى غراباً : ضاق صدره ، واعتقد أنه سيصيبه ضرر أو أذى
في يومه ، وكانوا لا يتزوجون في شوال ؛ اعتقاداً منهم بأنه لن يكتب له النجاح .
3. كان ولاء أهل الجزيرة العربية يتوزع على القوى العظمى في زمانهم ، فبعضهم ولاؤه للروم ، وآخرون للفرس ، وثالث للحبشة .
ب. في جانب الأخلاق والسلوك والعادات :
أ. كان العرب في الجاهلية يغزو بعضهم بعضاً، ويقتل بعضهم بعضاً، لأتفه الأسباب، وتطول الحروب بينهم لأعوامٍ عديدة، فيُقتل الرجال، وتُسبى النساء والأطفال.
ب. كانوا لا يتنزهون عن الخبائث، ومنها أنهم كانوا يأكلون الميتة، ويشربون الدم.
ج. كان غير القرشيين يطوفون بالكعبة عراة ، نساء ورجالاً ، إن لم يمن عليهم القرشيون بثياب من عندهم ، ويعتقدون أن ثياباً عصي الله فيها لا تصلح أن يطاف بها ،
د. وكان الزنا منتشراً بينهم ، وكذا آثاره ، ومن أعظمها : نسبة الولد لغير الزوج .
عن عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت : إَنَّ النِّكَاحَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءٍ : فَنِكَاحٌ مِنْهَا : نِكَاحُ النَّاسِ الْيَوْمَ يَخْطُبُ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ وَلِيَّتَهُ أَوْ ابْنَتَهُ فَيُصْدِقُهَا ثُمَّ يَنْكِحُهَا . وَنِكَاحٌ آخَرُ : كَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ إِذَا طَهُرَتْ مِنْ طَمْثِهَا أَرْسِلِي إِلَى فُلَانٍ فَاسْتَبْضِعِي مِنْهُ وَيَعْتَزِلُهَا زَوْجُهَا وَلَا يَمَسُّهَا أَبَدًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي تَسْتَبْضِعُ مِنْهُ فَإِذَا تَبَيَّنَ حَمْلُهَا أَصَابَهَا زَوْجُهَا إِذَا أَحَبَّ وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ رَغْبَةً فِي نَجَابَةِ الْوَلَدِ فَكَانَ هَذَا النِّكَاحُ نِكَاحَ الِاسْتِبْضَاعِ .
وَنِكَاحٌ آخَرُ : يَجْتَمِعُ الرَّهْطُ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ كُلُّهُمْ يُصِيبُهَا فَإِذَا حَمَلَتْ وَوَضَعَتْ وَمَرَّ عَلَيْهَا لَيَالٍ بَعْدَ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا أَرْسَلَتْ إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَسْتَطِعْ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْ يَمْتَنِعَ حَتَّى يَجْتَمِعُوا عِنْدَهَا تَقُولُ لَهُمْ قَدْ عَرَفْتُمْ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِكُمْ وَقَدْ وَلَدْتُ فَهُوَ ابْنُكَ يَا فُلَانُ تُسَمِّي مَنْ أَحَبَّتْ بِاسْمِهِ فَيَلْحَقُ بِهِ وَلَدُهَا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْتَنِعَ بِهِ الرَّجُلُ .
وَنِكَاحُ الرَّابِعِ : يَجْتَمِعُ النَّاسُ الْكَثِيرُ فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ لَا تَمْتَنِعُ مِمَّنْ جَاءَهَا وَهُنَّ الْبَغَايَا كُنَّ يَنْصِبْنَ عَلَى أَبْوَابِهِنَّ رَايَاتٍ تَكُونُ عَلَمًا فَمَنْ أَرَادَهُنَّ دَخَلَ عَلَيْهِنَّ فَإِذَا حَمَلَتْ إِحْدَاهُنَّ وَوَضَعَتْ حَمْلَهَا جُمِعُوا لَهَا وَدَعَوْا لَهُمْ الْقَافَةَ ثُمَّ أَلْحَقُوا وَلَدَهَا بِالَّذِي يَرَوْنَ فَالْتَاطَ بِهِ وَدُعِيَ ابْنَهُ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ .
فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ هَدَمَ نِكَاحَ الْجَاهِلِيَّةِ كُلَّهُ إِلَّا نِكَاحَ النَّاسِ الْيَوْمَ ) . رواه البخاري
هـ. وكانوا يقتلون أولادهم بسبب ما هم فيه من فقر، وبسبب خوفهم من الوقوع في الفقر، وكان بعضهم يدفنون بناتهم خشية وقوعهن في الأسر، وجلب العار لهم،
قال تعالى: ( وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ) الأنعام/ من الآية 151،
و. كان عندهم الفخر بالآباء والنسب، حتى إنهم ليذكرون آباءهم ويفتخرون بهم في موسم الحج، وأثناء إقامة شعائره.
ز. وكانوا يتعاملون بالربا، على أشكال وأصناف وصور متنوعة.
وقد أجمل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه حالهم في الجاهلية، فقال أمام النجاشي في الحبشة لما هاجر إليها:
(أَيُّهَا الْمَلِكُ كُنَّا قَوْماً أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ نَعْبُدُ الأَصْنَامَ وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ وَنَقْطَعُ الأَرْحَامَ وَنُسِيءُ الْجِوَارَ يَأْكُلُ الْقَوِىُّ مِنَّا الضَّعِيفَ فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولاً مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالأَوْثَانِ وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحاَرِمِ وَالدِّمَاءِ وَنَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ وَقَوْلِ الزُّورِ وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَأَمَرَنَا بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ – قَالَ فَعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الإِسْلاَمِ – فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ فَعَبَدْنَا اللَّهَ وَحْدَهُ فَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئاً وَحَرَّمْنَا مَا حُرِّمَ عَلَيْنَا وَأَحْلَلْنَا مَا أُحِلَّ لَنَا )رواه أحمد
ح. المرأة في الجاهلية :
وقد تعرضت المرأة لأبشع صنوف العذاب، والإهانة، والتحقير، في الجاهلية، ويتمثل ذلك في صور كثيرة – وهذا غير الوأد الذي ذكرناه من بعض أفعال العرب -:
1. كانت المرأة تُحرم من الميراث مطلقاً، فلا نصيب لها فيما يتركه ولدها، أو والدها، أو أمها من مال، ولو عظم، بل كانوا يعاملونها على أنها سلعة تورث ! وإلى ذلك الإشارة في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً ) النساء/ 19 .
فقد روى البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَولَه : كَانُوا إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ كَانَ أَوْلِيَاؤُهُ أَحَقَّ بِامْرَأَتِهِ ، إِنْ شَاءَ بَعْضُهُمْ تَزَوَّجَهَا ، وَإِنْ شَاءُوا زَوَّجُوهَا ، وَإِنْ شَاءُوا لَمْ يُزَوِّجُوهَا ، فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْ أَهْلِهَا ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي ذَلِكَ .
2. وكانوا يجبرونهن على الزواج بمن يكرهن، أو يمنعونهن من الزواج.
3. وكان الأزواج يعلقون أمر زوجاتهم ، فلا هي زوجة له ، ولا هي تستطيع الزواج بغيره ، ومن ذلك : أنه كان يحرمها على نفسه ، ويجعلها كأمه ، أو أخته ، أو يحلف أن لا يجامعها ، فتصير معلقة ، فجاء الإسلام بتحريم الظهار ، وبوضع أمدٍ لمن أقسم أن لا يجامع زوجته ، وجعل ذلك إلى أربعة أشهر ، فإما أن يكفر عن يمينه ويجامعها ، أو يجبر على تطليقها ، وهو ما يسمَّى ” الإيلاء ” ، وهو المذكور في قوله تعالى :
(لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ . وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
البقرة/ 226 ، 227 .
4. ولننظر ماذا كانت تفعل الزوجة بعد وفاة زوجها : قَالَتْ زَيْنَبُ بنت أبي سلمة : كَانَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا تُوُفِّىَ عَنْهَا زَوْجُهَا دَخَلَتْ حِفْشًا ، وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا ، وَلَمْ تَمَسَّ طِيبًا حَتَّى تَمُرَّ بِهَا سَنَةٌ ، ثُمَّ تُؤْتَى بِدَابَّةٍ حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ طَائِرٍ فَتَفْتَضُّ بِهِ ، فَقَلَّمَا تَفْتَضُّ بِشَيْءٍ إِلاَّ مَاتَ ، ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُعْطَى بَعَرَةً فَتَرْمِى . رواه البخاري ومسلم
والحِفش : البيت الصغير . تفتض : تمسح به جلدها .
—————————————————
نسب الرسول ( صلى الله عليه وسلم )
من الأحاديث التي تتعلق بسلسلة نسبه صلى الله عليه وسلم:
فقد روى البخاري في صحيحه : ( عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « بُعِثْتُ مِنْ خَيْرِ قُرُونِ بَنِى آدَمَ قَرْنًا فَقَرْنًا ، حَتَّى كُنْتُ مِنَ الْقَرْنِ الَّذِى كُنْتُ فِيهِ »
وروى مسلم في صحيحه : (وَاثِلَةَ بْنَ الأَسْقَعِ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِى هَاشِمٍ وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِى هَاشِمٍ ».
وفي سنن البيهقي : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « مَا وَلَّدَنِى مِنْ سِفَاحِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ شَيْءٌ مَا وَلَّدَنِى إِلاَّ نِكَاحٌ كَنِكَاحِ الإِسْلاَمِ ».
فهو صلى الله عليه وسلم ..محمد ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب من ولد إسماعيل عليه السلام.. وجاء في ( سنن الترمذي ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلَ وَاصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ بَنِى كِنَانَةَ وَاصْطَفَى مِنْ بَنِى كِنَانَةَ قُرَيْشًا وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِى هَاشِمٍ وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِى هَاشِمٍ ».
ولهذا قال ابن عباس: لم يكن بطن من بطون قريش إلا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم نسب يتصل بهم .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : « بُعِثْتُ مِنْ خَيْرِ قُرُونِ بَنِى آدَمَ قَرْنًا فَقَرْنًا ، حَتَّى كُنْتُ مِنَ الْقَرْنِ الَّذِى كُنْتُ فِيهِ »
وروى الإمام أحمد قَالَ الْعَبَّاسُ( بَلَغَهُ صلى الله عليه وسلم بَعْضُ مَا يَقُولُ النَّاسُ قَالَ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ « مَنْ أَنَا ».
قَالُوا أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم .فَقَالَ :
« أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ خَلْقِهِ وَجَعَلَهُمْ فِرْقَتَيْنِ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ فِرْقَةٍ وَخَلَقَ الْقَبَائِلَ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ قَبِيلَةٍ وَجَعَلَهُمْ بُيُوتاً فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ بَيْتاً فَأَنَا خَيْرُكُمْ بَيْتاً وَخَيْرُكُمْ نَفْساً »
وقد ثبت في ( الصحيح ) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
« أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ »
————————————————
مولده ( صلى الله عليه وسلم ) وبعد أن تعرفنا على نسبه الشريف وأنه صلى الله عليه وسلم خيار من خيار من خيار ، نتعرف على مولده صلى الله عليه وسلم :
فبمولده ولد الهدى، وبمولده أشرق الضياء ،وعم النور ،فمولده مولد للإيمان بعد الكفر، ومولد للهداية بعد الضلال ،ومولد للحق بعد الباطل ،ومولد للنور بعد الظلام
وقد ولد صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين فعن أبي قتادة قَالَ (وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الاِثْنَيْنِ قَالَ « ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَىَّ فِيهِ » ..
وكان مولده عليه الصلاة والسلام عام الفيل، وتوفي أبوه عبد الله وهو في بطن أمه.
وفي الحديث ( رؤيا أمي التي رأت حين حملت بي ، كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام ).
ولما ولدته أمه أرسلت الى جده عبد المطلب تبشره بحفيده ،فجاء مستبشرا ،ودخل به الكعبة ،ودعا الله وشكره، وسماه محمدا ليكون محمودا في الأرض والسماء .
فهو محمود عند ربه، ومحمود عند أهل السماء ،ومحمود عند أهل الأرض ، وهو محمود في صفاته وأخلاقه ، محمود في سلوكه وآدابه ، محمود في عبادته وخلواته ، محمود في صمته وكلامه ،محمود مع أصحابه وأعدائه، وعند أهله وجيرانه ،وعند أقاربه وأرحامه ، هو محمود في كل شيء ، لذلك فهو محمد ( صلى الله عليه وسلم )
الولادة: روى ابن إسحاق عن نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا له: يا رسول الله أخبرنا عن نفسك .
قال( نعم أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاء لها قصور الشام، واسترضعت في بني سعد بن بكر .
كما روي عن حسان بن ثابت قال : والله إني لغلام يفعة ابن سبع سنين أو ثمان أعقل كل ما سمعت إذ سمعت يهوديا يصرخ بأعلى صوته على أطمة بيثرب : يا معشر يهود، حتى إذا اجتمعوا إليه قالوا له : ويلك مالك ؟ قال : طلع الليلة نجم أحمد الذي ولد به ).
الرضاعة : ومن مرضعاته ـ صلى الله عليه وسلم ـ : حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية من بني سعد ، الذي كان استرضاعه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في باديتها ـ بني سعد ـ شأنه شأن سادات قريش ، يرضعون أولادهم في البوادي ليقووا أجساما ، ويفصحوا لسانا .
وخلال طفولته في رعاية حليمة السعدية وقعت للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ آيات وإرهاصات دلت على بركته وفضله ، وأشهر ما روي في ذلك حديث حليمة السعدية ـ رضي الله عنها ـ الطويل المشهور الذي رواه كافة أهل السير ، والذي فيه أنه بمجرد حلول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عليها لإرضاعه ورعايته ، امتلأ ثديها باللبن ، فارتوى منه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وابنها ، بعد أن كان يبكي من الجوع لجفاف ثدي أمه ، ولا ينام هو وأهله ، وامتلأ ضرع ماشيتها باللبن بعد أن كانت يابسة ، وأصبحت راحلتها نشطة قوية تسير في مقدمة الركب ، بعد أن كانت عاجزة تسير في مؤخرة الركبان ، وحيثما حلت أغنام حليمة تجد مرعاً خًصْباً فتشبع ، ولا تجد أغنام غيرها شيئا ، وكان ينمو نمواً سريعا لا يشبه نمو الغلمان .
ولذلك تحايلت حليمة لإقناع والدة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بضرورة رجوعه إلى البادية بحجّة الخوف عليه من وباء مكة ، وقد أحب أهل بيت حليمة هذا الطفل المبارك ، وأحسنوا في معاملته ورعايته وحضانته ، حتى كانوا أحرص عليه وأرحم به من أولادهم .
شق الصدر : ثم يحكي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حدث له من شق صدره وهو عند مرضعته حليمه فيقول:
(فبينا أنا مع أخ لي خلف بيوتنا نرعى بهما لنا ، إذ أتاني رجلان عليهما ثياب بيض بطست من ذهب ،مملوء ثلجا ،ثم أخذاني ،فشقا بطني ،واستخرجا قلبي ،فشقاه فاستخرجا ،منه علقة سوداء ،فطرحاها ،ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج حتى أنقياه ،ثم قال أحدهما لصاحبه :
زنه بعشرة من أمته . فوزنني بهم فوزنتهم ثم قال : زنه بمئة من أمته . فوزنني بهم فوزنتهم ثم قال : زنه بألف من أمته . فوزنني بهم فوزنتهم فقال : دعه عنك، فوالله لو وزنته بأمته لوزنها )
وقد روى أحمد.(أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ 🙁 كَيْفَ كَانَ أَوَّلُ شَأْنِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
قَالَ كَانَتْ حَاضِنَتِي مِنْ بَنِى سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَابْنٌ لَهَا فِي بَهْمٍ لَنَا وَلَمْ نَأْخُذْ مَعَنَا زَاداً فَقُلْتُ يَا أَخِي اذْهَبْ فَأْتِنَا بِزَادٍ مِنْ عِنْدِ أُمِّنَا فَانْطَلَقَ أَخِي وَمَكَثْتُ عِنْدَ الْبَهْمِ فَأَقْبَلَ طَيْرَانِ أَبْيَضَانِ كَأَنَّهُمَا نَسْرَانِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ أَهُوَ هُوَ قَالَ نَعَمْ. فَأَقْبَلاَ يَبْتَدِرَانِي فَأَخَذَانِي فَبَطَحَانِي إِلَى الْقَفَا فَشَقَّا بَطْنِي ثُمَّ اسْتَخْرَجَا قَلْبِي فَشَقَّاهُ فَأَخْرَجَا مِنْهُ عَلَقَتَيْنِ سَوْدَاوَيْنِ
فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ – قَالَ يَزِيدُ فِي حَدِيثِهِ – ائْتِنِي بِمَاءِ ثَلْجٍ فَغَسَلاَ بِهِ جَوْفِي ثُمَّ قَالَ ائْتِنِي بِمَاءِ بَرَدٍ فَغَسَلاَ بِهِ قَلْبِي ثُمَّ قَالَ ائْتِنِى بِالسَّكِينَةِ فَذَرَّاهَا فِي قَلْبِي ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ حِصْهُ فَحَاصَهُ وَخَتَمَ عَلَيْهِ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ – فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اجْعَلْهُ فِي كِفَّةٍ وَاجْعَلْ أَلْفاً مِنْ أُمَّتِهِ فِي كَفَّةٍ.. فَإِذَا أَنَا أَنْظُرُ إِلَى الأَلْفِ فَوْقِى أُشْفِقُ أَنْ يَخِرَّ عَلَىَّ بَعْضُهُمْ.. فَقَالَ لَوْ أَنَّ أُمَّتَهُ وُزِنَتْ بِهِ لَمَالَ بِهِمْ.. ثُمَّ انْطَلَقَا وَتَرَكَانِي وَفَرِقْتُ فَرَقاً شَدِيداً ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى أُمِّي فَأَخْبَرْتُهَا بِالَّذِي لَقِيتُهُ فَأَشْفَقَتْ عَلَىَّ أَنْ يَكُونَ أُلْبِسَ بِي قَالَتْ أُعِيذُكَ بِاللَّهِ. فَرَحَلَتْ بَعِيراً لَهَا فَجَعَلَتْنِي عَلَى الرَّحْلِ.. وَرَكِبَتْ خَلْفِي ..حَتَّى بَلَغْنَا إِلَى أُمِّي.. فَقَالَتْ ..أَوَ أَدَّيْتُ أَمَانَتِي وَذِمَّتِي. وَحَدَّثَتْهَا بِالَّذِي لَقِيتُ. فَلَمْ يَرُعْهَا ذَلِكَ. فَقَالَتْ إِنِّي رَأَيْتُ خَرَجَ مِنِّى نُورٌ أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ)
وقصة شرح الصدر وقعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين : في هذه المرة وهو صغير. ومرة أخرى ليلة الإسراء والمعراج
وبعد أن أتم صلى الله عليه وسلم مرحلة الرضاعة ..عادت به مربيته إلى أمه بمكة، فعاد سيدنا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) الى أمه .
الرحلة إلى المدينة ووفاة أمه : ولما بلغ ست سنين ..رأت أمه آمنة ..وفاء لزوجها عبد الله أن تزور قبره في يثرب ..فخرجت من مكة ومعها محمد وجده عبد المطلب ..وبعد الزيارة ..وفي طريق عودتها إلى مكة اشتد عليها المرض ..فماتت بالإيواء ما بين مكة والمدينة ..وعاد به جده عبد المطلب إلى مكة وفي قلبه الحزن ..فكان يحنو عليه ويقربه منه ..
وفاة جده : ولما بلغ ثماني سنوات من عمره ،توفي جده عبد المطلب ..فتكفل به عمه أبو طالب.. ولما أصبح صبيا يافعا.. خرج مع عمه أبي طالب إلى الشام وهناك كانت قصته مع بحيرى الراهب ، ففي سنن الترمذي:
(خَرَجَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى الشَّامِ وَخَرَجَ مَعَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِي أَشْيَاخٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَلَمَّا أَشْرَفُوا عَلَى الرَّاهِبِ هَبَطُوا فَحَلُّوا رِحَالَهُمْ فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ الرَّاهِبُ وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يَمُرُّونَ بِهِ فَلاَ يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَلْتَفِتُ. قَالَ فَهُمْ يَحُلُّونَ رِحَالَهُمْ فَجَعَلَ يَتَخَلَّلُهُمُ الرَّاهِبُ حَتَّى جَاءَ فَأَخَذَ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ هَذَا سَيِّدُ الْعَالَمِينَ هَذَا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ يَبْعَثُهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ. فَقَالَ لَهُ أَشْيَاخٌ مِنْ قُرَيْشٍ مَا عِلْمُكَ فَقَالَ إِنَّكُمْ حِينَ أَشْرَفْتُمْ مِنَ الْعَقَبَةِ لَمْ يَبْقَ شَجَرٌ وَلاَ حَجَرٌ إِلاَّ خَرَّ سَاجِدًا وَلاَ يَسْجُدَانِ إِلاَّ لِنَبِيٍّ وَإِنِّي أَعْرِفُهُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ أَسْفَلَ مِنْ غُضْرُوفِ كَتِفِهِ مِثْلَ التُّفَّاحَةِ. ثُمَّ رَجَعَ فَصَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا فَلَمَّا أَتَاهُمْ بِهِ وَكَانَ هُوَ فِي رِعْيَةِ الإِبِلِ قَالَ أَرْسِلُوا إِلَيْهِ فَأَقْبَلَ وَعَلَيْهِ غَمَامَةٌ تُظِلُّهُ فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْقَوْمِ وَجَدَهُمْ قَدْ سَبَقُوهُ إِلَى فَيْءِ الشَّجَرَةِ فَلَمَّا جَلَسَ مَالَ فَيْءُ الشَّجَرَةِ عَلَيْهِ فَقَالَ انْظُرُوا إِلَى فَيْءِ الشَّجَرَةِ مَالَ عَلَيْهِ. قَالَ فَبَيْنَمَا هُوَ قَائِمٌ عَلَيْهِمْ وَهُوَ يُنَاشِدُهُمْ أَنْ لاَ يَذْهَبُوا بِهِ إِلَى الرُّومِ فَإِنَّ الرُّومَ إِذَا رَأَوْهُ عَرَفُوهُ بِالصِّفَةِ فَيَقْتُلُونَهُ فَالْتَفَتَ فَإِذَا بِسَبْعَةٍ قَدْ أَقْبَلُوا مِنَ الرُّومِ فَاسْتَقْبَلَهُمْ فَقَالَ مَا جَاءَ بِكُمْ قَالُوا جِئْنَا أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ خَارِجٌ فِي هَذَا الشَّهْرِ فَلَمْ يَبْقَ طَرِيقٌ إِلاَّ بُعِثَ إِلَيْهِ بِأُنَاسٍ وَإِنَّا قَدْ أُخْبِرْنَا خَبَرَهُ بُعِثْنَا إِلَى طَرِيقِكَ هَذَا فَقَالَ هَلْ خَلْفَكُمْ أَحَدٌ هُوَ خَيْرٌ مِنْكُمْ قَالُوا إِنَّمَا أُخْبِرْنَا خَبَرَهُ بِطَرِيقِكَ هَذَا. قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ أَمْرًا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَقْضِيَهُ هَلْ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ رَدَّهُ قَالُوا لاَ. قَالَ فَبَايَعُوهُ وَأَقَامُوا مَعَهُ قَالَ أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ أَيُّكُمْ وَلِيُّهُ قَالُوا أَبُو طَالِبٍ فَلَمْ يَزَلْ يُنَاشِدُهُ حَتَّى رَدَّهُ أَبُو طَالِبٍ وَبَعَثَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ بِلاَلاً وَزَوَّدَهُ الرَّاهِبُ مِنَ الْكَعْكِ وَالزَّيْتِ)
—————————————————
نشأة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة
نشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم نشأة طيبه ،فقد حفظه الله ورعاه ..واحاطه الله بعنايته ورباه ،فقد كان يتيما فآواه ،وعائلا فأغناه وضالا في البحث عن الحق فهداه ، ففي صحيح مسلم :
(لَمَّا بُنِيَتِ الْكَعْبَةُ ذَهَبَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَالعَبَّاسٌ يَنْقُلاَنِ حِجَارَةً فَقَالَ الْعَبَّاسُ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- اجْعَلْ إِزَارَكَ عَلَى عَاتِقِكَ مِنَ الْحِجَارَةِ. فَفَعَلَ.. فَخَرَّ إِلَى الأَرْضِ وَطَمَحَتْ عَيْنَاهُ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ قَامَ فَقَالَ « إِزَارِي إِزَارِي ». فَشَدَّ عَلَيْهِ إِزَارَهُ.
وروى البيهقي عن زيد بن حارثة قال : (كان صنم من نحاس – يقال له ( إساف) و( نائلة ).. يتمسح به المشركون إذا طافوا ،فطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وطفت معه ،فلما مررت مسحت به ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تمسه ) .
قال زيد : فطفنا فقلت في نفسي : لأمسنه حتى أنظر ما يكون ، فمسحته ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ألم تنه ؟) .
زاد غيره : قال زيد : فو الذي أكرمه وأنزل عليه الكتاب ما استلم صنما قط حتى أكرمه الله تعالى بالذي أكرمه وأنزل عليه )
فلم يشرك رسولنا بالله قط بل كان على ملة أبيه ابراهيم عليه السلام ..وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم لقي زيد بن عمرو بن نفيل قبل أن ينزل عليه الوحي فقدم إليه سفرة فيها لحم فأبى أن يأكل منه وقال : إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم ولا آكل مما لم يذكر اسم الله عليه
وقد شهد الرسول صلى الله عليه وسلم مع قريش حلف الفضول ..وهو حلف أو معاهدة بين القبائل يدعو الى مكارم الاخلاق، ففي مسند أحمد : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « شَهِدْتُ غُلاَماً مَعَ عُمُومَتِي حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ وَأَنِّى أَنْكُثُهُ »
الرسول يعمل : ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم عالة على عمه بل كان يعمل يرعي الغنم ..(فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ :« مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلاَّ رَاعِىَ غَنَمٍ ». قَالُوا : وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ :
« وَأَنَا كُنْتُ أَرْعَاهَا لأَهْلِ مَكَّةَ بِالْقَرَارِيطِ »
——————————————————————-
زواجه صلى الله عليه وسلم من السيدة خديجة رضي الله عنها
خديجة بنت خويلد رضي الله عنها كانت امرأة حازمة وذكية ، وكانت كذلك غنية ، ولها تجارات متعددة ، وكان رجال قومها يحرصون على الزواج منها ، ولم تكن تعمل في التجارة بنفسها ، وإنما كانت تستأجر رجالا يعملون لها في مالها .
ووصل إلى خديجة رضي الله عنها خبر الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم وسمعت من أخبار صدقه وأمانته الكثير ، فرغبت في أن تستأجره ليعمل لها في تجارتها ، فأرسلت له من يعرض عليه الأمر ، فوافق النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك .
وخرج النبي صلى الله عليه وسلم متاجرا بمال خديجة رضي الله عنها وكان معه غلام لخديجة يدعى : ميسرة ، وقد رأى ميسرة من الآيات التي حصلت للنبي صلى الله عليه وسلم في رحلته ما بهره ، وجعله يخبر سيدته خديجة بكل ما رآه .
فمن ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قدم مدينة بصرى بالشام نزل في ظل شجرة ، فقال أحد الرهبان لميسرة : ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي ، وكان ميسرة يرى ملكين يظلان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتدت حرارة الشمس .
ورجع النبي صلى الله عليه وسلم من رحلته تلك ، وقد ربحت تجارة خديجة أضعاف ما كانت تربح من قبل ، فأعجبت خديجة رضي الله عنها بشخص النبي صلى الله عليه وسلم ورغبت في الزواج منه ، فأرسلت صديقتها نفيسة بنت منية تعرض على النبي صلى الله عليه وسلم الأمر ، فوافق صلى الله عليه وسلم على ذلك
وحين تزوجها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كانت أيماً بنت أربعين سنة، وكان كل شريف من قريش يتمنى أن يتزوجها، فآثرت أن تتزوج برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأصابت بذلك خير الدنيا والآخرة “
وهكذا اختار الله سبحانه وتعالى لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ زوجة تناسبه وتؤازره، وتُخفف عنه ما يصيبه، وتعينه على حمل تكاليف الرسالة، وتعيش همومه، فقد كانت ـ رضي الله عنها ـ طوال حياتها مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مثلا طيبا للزوجة الصالحة، التي تعين زوجها على أعبائه، وإن أصحاب الرسالات يلقون مشقة وتعبا بالغاً من الواقع الذي يريدون تغييره، ويقاسون جهاداً كبيراً في سبيل الخير الذي يريدون نشره، وهم أحوج ما يكونون إلى من يتعهد حياتهم الخاصة بالإيناس والعون ، وكانت خديجة ـ رضي الله عنها ـ سباقة إلى ذلك، وكان لها في حياة النبي – صلى الله عليه وسلم ـ أعظم الأثر، وكانت محببة إلى قلبه ورزقه الله منها الأولاد.. زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة وعبد الله..
وكان صلى الله عليه وسلم يحب زوجته خديجة حبا كبير ..وكان يذكرها بعد وفاتها حتى غارت منه عائشة ، ففي الصحيحين ، واللفظ للبخاري : (عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – قَالَتْ مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ ، وَمَا رَأَيْتُهَا ، وَلَكِنْ كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – يُكْثِرُ ذِكْرَهَا ، وَرُبَّمَا ذَبَحَ الشَّاةَ ، ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أَعْضَاءً ، ثُمَّ يَبْعَثُهَا فِي صَدَائِقِ خَدِيجَةَ ، فَرُبَّمَا قُلْتُ لَهُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إِلاَّ خَدِيجَةُ . فَيَقُولُ إِنَّهَا كَانَتْ وَكَانَتْ ، وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ)
بناء الكعبة ، ووضع الحجر الأسود
قبل البعثة المباركة قامت قريش بتجديد بناء الكعبة ..واختلفوا فيمن يضع الحجر الاسود مكانه فاتفقوا أن يضعه أول من يدخل من هذا الباب . فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من باب بني شيبة فأمر بثوب فوضع الحجر في وسطه وأمر أن يأخذوا بطائفة من الثوب فرفعوه وأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه مكانه )..