( دروس: زواج الرسول عائشة وغزوة بدر
أبريل 17, 2019دروس: ما قبل البعثة وبدء الوحي وموقف قريش والهجرة للحبشة
أبريل 17, 2019( دروس في مختصر السيرة النبوية ) 3
معجزة الاسراء والمعراج
ولما ضاقت الأرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحاطت به الأحزان ،كانت في رحلة الإسراء والمعراج سلوته ،كانت رحلة الاسراء والمعراج لتقول له يا محمد : إن كان أهل الأرض يعذبونك ،فإن أهل السماء يكرمونك ،وإن كنت مطاردا في الأرض، فأنت مرحبا بك في السماء ، وإن كان أهل الأرض لا يعرفون مقامك ،فتعال الى بيت المقدس لترى بين الأنبياء والرسل منزلتك ، وارتق إلى السماء لتنظر عند سدرة المنتهى مقامك .
فقد روى البخاري: ( أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةَ أُسْرِىَ بِهِ « بَيْنَمَا أَنَا فِي الْحَطِيمِ – وَرُبَّمَا قَالَ فِي الْحِجْرِ – مُضْطَجِعًا ، إِذْ أَتَانِي آتٍ فَقَدَّ – قَالَ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فَشَقَّ – مَا بَيْنَ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ – فَاسْتَخْرَجَ قَلْبِ ، ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ إِيمَانًا ، فَغُسِلَ قَلْبِي ثُمَّ حُشِىَ ، ثُمَّ أُوتِيتُ بِدَابَّةٍ دُونَ الْبَغْلِ وَفَوْقَ الْحِمَارِ أَبْيَضَ » . فَقَالَ لَهُ الْجَارُودُ هُوَ الْبُرَاقُ يَا أَبَا حَمْزَةَ قَالَ أَنَسٌ نَعَمْ ، يَضَعُ خَطْوَهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ – « فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ ، فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ ، فَقِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ . قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ . قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ . قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَفَتَحَ ، فَلَمَّا خَلَصْتُ ، فَإِذَا فِيهَا آدَمُ ، فَقَالَ هَذَا أَبُوكَ آدَمُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ . فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلاَمَ ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالاِبْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ . ثُمَّ صَعِدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ )..
وهكذا ينتقل من سماء إلى سماء .بين ترحيب الملائكة وحفاوة الانبياء…فقال :
(ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ السَّادِسَةَ ، فَاسْتَفْتَحَ ، قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ . قِيلَ مَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ . قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ . قَالَ مَرْحَبًا بِهِ ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ ، فَلَمَّا خَلَصْتُ ، فَإِذَا مُوسَى قَالَ هَذَا مُوسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ . فَلَمَّا تَجَاوَزْتُ بَكَى ، قِيلَ لَهُ مَا يُبْكِيكَ قَالَ أَبْكِى لأَنَّ غُلاَمًا بُعِثَ بَعْدِى ، يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَكْثَرُ مَنْ يَدْخُلُهَا مِنْ أُمَّتِى . ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ ، قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ . قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ . قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ . قَالَ نَعَمْ . قَالَ مَرْحَبًا بِهِ ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَلَمَّا خَلَصْتُ ، فَإِذَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ هَذَا أَبُوكَ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ . قَالَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، فَرَدَّ السَّلاَمَ قَالَ مَرْحَبًا بِالاِبْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ . ثُمَّ رُفِعَتْ لِي سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى ، فَإِذَا نَبِقُهَا مِثْلُ قِلاَلِ هَجَرَ ، وَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ قَالَ هَذِهِ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى ، وَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ نَهْرَانِ بَاطِنَانِ ، وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ . فَقُلْتُ مَا هَذَانِ يَا جِبْرِيلُ قَالَ أَمَّا الْبَاطِنَانِ ، فَنَهَرَانِ فِي الْجَنَّةِ ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ . ثُمَّ رُفِعَ لِي الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ ، ثُمَّ أُتِيتُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ وَإِنَاءٍ مِنْ عَسَلٍ ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ ، فَقَالَ هِيَ الْفِطْرَةُ أَنْتَ عَلَيْهَا وَأُمَّتُكَ . ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَىَّ الصَّلَوَاتُ خَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ .
قال(ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَىَّ الصَّلَوَاتُ خَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ .فَرَجَعْتُ فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسَى ، فَقَالَ بِمَا أُمِرْتَ قَالَ أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ . قَالَ إِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ ، وَإِنِّي وَاللَّهِ قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ ، وَعَالَجْتُ بَنِى إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ . فَرَجَعْتُ ، فَوَضَعَ عَنِّى عَشْرًا ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّى عَشْرًا ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّى عَشْرًا ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ ، فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ ، فَرَجَعْتُ فَقَالَ مِثْلَهُ ، فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى ، فَقَالَ بِمَا أُمِرْتَ قُلْتُ أُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ . قَالَ إِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تَسْتَطِيعُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ ، وَإِنِّي قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ ، وَعَالَجْتُ بَنِى إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ . قَالَ سَأَلْتُ رَبِّى حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ ، وَلَكِنْ أَرْضَى وَأُسَلِّمُ – قَالَ – فَلَمَّا جَاوَزْتُ نَادَى مُنَادٍ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي »
ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من رحلة الاسراء والمعراج بقلب قد امتلأ إيمانا وعزيمة وتوكلا على الله وإصرارا على المضي في الدعوة الى الله، وتبليغ رسالته مهما ترتب على ذلك ،فأخبر قريشا بما حدث في الإسراء والمعراج، فكذبوه
فقد روى البخاري : (جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ – رضى الله عنهما – قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « لَمَّا كَذَّبَنِي قُرَيْشٌ قُمْتُ فِي الْحِجْرِ ، فَجَلَّى اللَّهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ » . وفي المستدرك : (عن عائشة رضي الله عنها قالت : لما أسري بالنبي صلى الله عليه و سلم إلى المسجد الأقصى
يتحدث الناس بذلك فارتد ناس فمن كان آمنوا به و صدقوه و سمعوا بذلك إلى أبي بكر رضي الله عنه فقالوا : هل لك إلى صاحبك يزعم أسرى به الليلة إلى بيت المقدس ؟ قال : أو قال ذلك ؟ قالوا : نعم قال : لئن كان قال ذلك لقد صدق قالوا : أو تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس و جاء قبل أن يصبح ؟ قال : نعم إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة فلذلك سمي أبو بكر الصديق )
رحلة الطائف : خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- من مكة مُتَّجهاً إلى الطائف سيراً على الأقدام، خوفاً من أن تعتقد قريش أنه قد غادر مكة فيتبعونه ويُعطلون عليه ما يصبو إليه، وكان في صحبته حِبُّه زيد بن الحارثة،
بدأ النبي -صلى الله عليه وسلم- بدعوة كبار القوم من أهل الطائف الذين هم أهل الحلِّ والعقد فيها وإليهم يرجع أمرها، فدعاهم إلى الإسلام، وعرض عليهم أن تحتضن الطائف دعوته بدلاً من مكة التي رفضه أهلها وعذبوه وأصحابه، فكان ردُّ أسياد الطائف على النبي قاسياً، فبعد أن طردوه منها أغروا به سفهاءهم وصبيانهم، فتبعوه بالحجارة وسبوه ووصفوه بالجنون، حتى إنه صلى الله عليه وسلم أُصيب بقدميه الشريفتين من أثر حجارة صبيان الطائف، وسالت منها الدماء، فزاد همُّ النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصابه الحزن
خرج منها رسول الله حزينا .يقول صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين :
( فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِى ، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلاَّ وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ ، فَرَفَعْتُ رَأْسِى ، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِى ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِى فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ ، فَنَادَانِى مَلَكُ الْجِبَالِ ، فَسَلَّمَ عَلَىَّ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ ، فَقَالَ ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمِ الأَخْشَبَيْنِ ، فَقَالَ النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا » .
ثم سار صلى الله عليه وسلم وهو مكروب موجع ، تسيل رجلاه دما ،فدخل حائطا فإذا في الحائط عقبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، فلما رآهما كره مكانهما لما يعلم من عداوتهما الله ورسوله ، فلما رأياه أرسلا إليه غلاما لهما يدعى عداسا وهو نصراني من أهل نينوى معه عنب ، فلما جاءه عداس قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من أي أرض أنت يا عداس ؟ » قال له عداس : أنا من أهل نينوى ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : من مدينة الرجل الصالح يونس بن متى ، فقال له عداس : وما يدريك من يونس بن متى قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ..وكان لا يحقر أحدا أن يبلغه رسالة ربه :
« أنا رسول الله ، والله تعالى أخبرني خبر يونس بن متى » . فلما أخبره بما أوحى الله عز وجل من شأن يونس بن متى ، خر عداس ساجدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يقبل قدميه وهما يسيلان الدماء ..ثم سار صلى الله عليه وسلم حتى دخل مكة.
———————————————————–
بيعة العقبة الأولى
فلما أراد الله عز وجل إظهار دينه وإعزاز نبيه صلى الله عليه وسلم وإنجاز موعده له ،عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم نفسه على جماعة من الأنصار من قبيلة الخزرج .. قال لهم : ممن أنتم ؟ قالوا : نفر من الخزرج . قال : أمن موالي يهود ؟
قالوا : نعم ، قال : أفلا تجلسون أكلمكم ؟ قالوا : بلى . قال : فجلسوا معه ، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله عز وجل وعرض عليهم الإسلام ، وتلا عليهم القرآن.
وكانت الأوس والخزرج أهل شرك وأصحاب أوثان ، فكانوا.. إذا كان بينهم شيء ، قالت اليهود : إن نبيا مبعوث الآن قد أظل زمانه نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم .
فلما كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك النفر ودعاهم إلى الله عز وجل قال بعضهم لبعض : يا قوم اعلموا والله أن هذا النبي الذي توعدكم به يهود فلا تسبقنكم إليه ، فأجابوه لما دعاهم إلى الله عز وجل ، وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام وقالوا له : إنا قد تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم ، وعسى الله عز وجل أن يجمعهم الله بك. وسنقدم عليهم فندعوهم إلى أمرك ، ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين ، فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل
أعز منك..
بيعة العقبة الأولى : وفي العام التالي كانت بيعة العقبة الأولى وفيها بايع جماعة من الانصار رسول الله .
روى البخاري : (أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ – مِنَ الَّذِينَ شَهِدُوا بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – – وَمِنْ أَصْحَابِهِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ – أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ « تَعَالَوْا بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا ، وَلاَ تَسْرِقُوا ، وَلاَ تَزْنُوا ، وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ ، وَلاَ تَأْتُونَ بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ ، وَلاَ تَعْصُونِي فِي مَعْرُوفٍ ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهْوَ لَهُ كَفَّارَةٌ ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ، إِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ » . قَالَ فَبَايَعْتُهُ عَلَى ذَلِكَ)
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع القوم مصعب بن عمير ليؤمهم في الصلاة ..ويدعوهم الى الإسلام .. فَنَزَلَ فِي بني غَنْمٍ عَلَى أَسْعَدَ بن زُرَارَةَ، فَجَعَلَ يَدْعُو النَّاسَ سِرًّا، وَيَفْشُو الإِسْلامُ، وَيَكْثُرُ أَهْلُهُ وَهُمْ فِي ذَلِكَ مُسْتَخْفُونَ بِدُعَائِهِمْ،
ثُمَّ إِنَّ أَسْعَدَ بن زُرَارَةَ أَقْبَلَ هُوَ وَمُصْعَبُ بن عُمَيْرٍ حَتَّى أَتَيَا بِئْرَ مُرِّيٍّ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا، فَجَلَسْنَا هُنَالِكَ وَبَعَثَا إِلَى رَهْطٍ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ فَأَتَوْهُمْ مُسْتَخْفِينَ، فَبَيْنَمَا مُصْعَبُ بن عُمَيْرٍ يُحَدِّثُهُمْ وَيَقُصُّ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ أُخْبِرَ بِهِمْ سَعْدُ بن مُعَاذٍ، فَأَتَاهُمْ فِي لأُمَتِهِ مَعَهُ الرُّمْحُ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: عَلامَ يَأْتِينَا فِي دُورِنَا بِهَذَا الْوَحِيدِ الْفَرِيدِ الطَّرِيحِ الْغَرِيبِ، يُسَفِّهُ ضُعَفَاءَنَا بِالْبَاطِلِ، وَيَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ؟ لا أَرَاكُمْ بَعْدَهَا بِشَيْءٍ مِنْ جِوَارِنَا، فَرَجَعُوا، ثُمَّ إِنَّهُمْ عَادُوا الثَّانِيَةَ بِبِئْرِ مُرِّيٍ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا، فَأُخْبِرَ بِهِمْ سَعْدُ بن مُعَاذٍ الثَّانِيَةَ، فَوَاعَدَهُمْ بِوَعِيدٍ دُونَ الْوَعِيدِ الأَوَّلِ، فَلَمَّا رَأَى أَسْعَدُ مِنْهُ ليِنًا، قَالَ: يَا ابْنَ خَالَةِ اسْمَعْ مِنْ قَوْلِهِ، فَإِنْ سَمِعْتَ مُنْكَرًا، فَارْدُدْهُ يَا هَذَا مِنْهُ، وَإِنْ سَمِعْتَ خَيْرًا فَأَجِبْ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَاذَا يَقُولُ؟ فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ مُصْعَبُ بن عُمَيْرٍ:” (حم ، وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ” [الزخرف آية 3]..
فلما قرأ مصعب بن عمير القرآن على سعد ابن معاذ (، فَقَالَ سَعْدُ بن مُعَاذٍ: مَا أَسْمَعُ إِلا مَا أَعْرِفُ، فَرَجَعَ وَقَدْ هَدَاهُ اللَّهُ، وَلَمْ يُظْهِرْ لَهُمُ الإِسْلامَ حَتَّى رَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ، فَدَعَا بني عَبْدِ الأَشْهَلِ إِلَى الإِسْلامِ، وَأَظْهَرَ إِسْلامَهُ
وَقَالَ: مَنْ شَكَّ فِيهِ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ أَوْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، فَلْيَأْتِنَا بِأَهْدَى مِنْهُ نَأْخُذْ بِهِ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ جَاءَ أَمْرٌ لَتُحَزَّنَّ فِيهِ الرِّقَابُ، فَأَسْلَمَتْ بنو عَبْدِ الأَشْهَلِ عِنْدَ إِسْلامِ سَعْدٍ وَدُعَائِهِ إِلا مَنْ لا يُذْكَرُ، فَكَانَتْ أَوَّلَ دُورٍ مِنْ دُورِ الأَنْصَارِ أَسْلَمَتْ بِأَسْرِهَا، ثُمَّ إِنَّ بني النَّجَّارِ أَخْرَجُوا مُصْعَبَ بن عُمَيْرٍ وَاشْتَدُّوا عَلَى أَسْعَدَ بن زُرَارَةَ، فَانْتَقَلَ مُصْعَبُ بن عُمَيْرٍ إِلَى سَعْدِ بن مُعَاذٍ، فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ يَدْعُو وَيَهْدِي اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ، حَتَّى قَلَّ دَارٌ مِنْ دُورِ الأَنْصَارِ إِلا أَسْلَمَ فِيهَا نَاسٌ لا مَحَالَةَ وَأَسْلَمَ أَشْرَافُهُمْ وَأَسْلَمَ عَمْرُو بن الْجَمُوحِ، وَكُسِرَتَ أَصْنَامُهُمْ، فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ أَعَزَّ أَهْلِهَا، وَصَلُحَ أَمَرُهُمْ وَرَجَعَ مُصْعَبُ بن عُمَيْرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ يُدْعَى الْمُقْرِئَ ) رواه الطبراني في المعجم .
وهكذا.. لم يبق دار في المدينة إلا دخله الإسلام
بيعة العقبة الثانية
جاءت الأنصار كما وعدهم النبي صلى الله عليه وسلم العقبة ، فأتاهم ومعه العباس رضي الله عنه ،
ففي مسند أحمد : (أَبِى عَنْ عَامِرٍ قَالَ انْطَلَقَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَمَعَهُ الْعَبَّاسُ عَمُّهُ إِلَى السَّبْعِينَ مِنَ الأَنْصَارِ عِنْدَ الْعَقَبَةِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَقَالَ « لِيَتَكَلَّمْ مُتَكَلِّمُكُمْ وَلاَ يُطِيلُ الْخُطْبَةَ فَإِنَّ عَلَيْكُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَيْناً وَإِنْ يَعْلَمُوا بِكُمْ يَفْضَحُوكُمْ ». فَقَالَ قَائِلُهُمْ وَهُوَ أَبُو أُمَامَةَ سَلْ يَا مُحَمَّدُ لِرَبِّكَ مَا شِئْتَ ثُمَّ سَلْ لِنَفْسِكَ وَلأَصْحَابِكَ مَا شِئْتَ ثُمَّ أَخْبِرْنَا مَا لَنَا مِنَ الثَّوَابِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَلَيْكُمْ إِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ. قَالَ فَقَالَ « أَسْأَلُكُمْ لِرَبِّى عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَأَسْأَلُكُمْ لِنَفْسِي وَلأَصْحَابِي أَنْ تُؤْوُنَا وَتَنْصُرُونَا وَتَمْنَعُونَا مِمَّا مَنَعْتُمْ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ ». قَالُوا فَمَا لَنَا إِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ قَالَ « لَكُمُ الْجَنَّةُ ». قَالُوا فَلَكَ ذَلِكَ ).ولما انتشر الإسلام في المدينة أذن لرسول صلى الله عليه وسلم أن يهاجروا إليها ، وفي البخاري : (عَنِ الْبَرَاءِ – رضى الله عنه – قَالَ أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَجَعَلاَ يُقْرِئَانِنَا الْقُرْآنَ ، ثُمَّ جَاءَ عَمَّارٌ وَبِلاَلٌ وَسَعْدٌ ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ ثُمَّ جَاءَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – فَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَرِحُوا بِشَيْءٍ فَرَحَهُمْ بِهِ ، حَتَّى رَأَيْتُ الْوَلاَئِدَ وَالصِّبْيَانَ يَقُولُونَ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ قَدْ جَاءَ )
الإذن بالهجرة ، والاستعداد لها
أذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة ..وأنزل الله تعالى عليه قوله تعالى :
(وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا) (80) الاسراء
وفي صحيح البخاري : (أَنَّ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – زَوْجَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَتْ لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلاَّ وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلاَّ يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – طَرَفَيِ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً ، فَلَمَّا ابْتُلِىَ الْمُسْلِمُونُ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا نَحْوَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ ، حَتَّى بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ وَهْوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ . فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَخْرَجَنِي قَوْمِي ، فَأُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الأَرْضِ وَأَعْبُدَ رَبِّى . قَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ فَإِنَّ مِثْلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ لاَ يَخْرُجُ وَلاَ يُخْرَجُ ، إِنَّكَ تَكْسِبُ الْمَعْدُومَ ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ ، وَتَقْرِى الضَّيْفَ ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ ، فَأَنَا لَكَ جَارٌ ، ارْجِعْ وَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبَلَدِكَ . فَرَجَعَ وَارْتَحَلَ مَعَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ ، فَطَافَ ابْنُ الدَّغِنَةِ عَشِيَّةً فِي أَشْرَافِ قُرَيْشٍ ، فَقَالَ لَهُمْ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لاَ يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلاَ يُخْرَجُ ، أَتُخْرِجُونَ رَجُلاً يَكْسِبُ الْمَعْدُومَ ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ ، وَيَقْرِى الضَّيْفَ ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ فَلَمْ تُكَذِّبْ قُرَيْشٌ بِجِوَارِ ابْنِ الدَّغِنَةِ ، وَقَالُوا لاِبْنِ الدَّغِنَةِ مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِى دَارِهِ ، فَلْيُصَلِّ فِيهَا وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ ، وَلاَ يُؤْذِينَا بِذَلِكَ ، وَلاَ يَسْتَعْلِنْ بِهِ ، فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا . فَقَالَ ذَلِكَ ابْنُ الدَّغِنَةِ لأَبِى بَكْرٍ ، فَلَبِثَ أَبُو بَكْرٍ بِذَلِكَ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ ، وَلاَ يَسْتَعْلِنُ بِصَلاَتِهِ ، وَلاَ يَقْرَأُ فِي غَيْرِ دَارِهِ ، ثُمَّ بَدَا لأَبِى بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ وَكَانَ يُصَلِّى فِيهِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ ، فَيَنْقَذِفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ ، وَهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْهُ ، وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلاً بَكَّاءً ، لاَ يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ ، وَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ . فَقَالُوا إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ بِجِوَارِكَ ، عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ ، فَقَدْ جَاوَزَ ذَلِكَ ، فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ ، فَأَعْلَنَ بِالصَّلاَةِ وَالْقِرَاءَةِ فِيهِ ، وَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا فَانْهَهُ ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِى دَارِهِ فَعَلَ ، وَإِنْ أَبَى إِلاَّ أَنْ يُعْلِنَ بِذَلِكَ فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ ، فَإِنَّا قَدْ كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ ، وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لأَبِى بَكْرٍ الاِسْتِعْلاَنَ . قَالَتْ عَائِشَةُ فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةِ إِلَى أَبِى بَكْرٍ فَقَالَ قَدْ عَلِمْتَ الَّذِى عَاقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ ، فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَرْجِعَ إِلَىَّ ذِمَّتِي ، فَإِنِّي لاَ أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّى أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فَإِنِّي أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . وَالنَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ )
تقول عائشة : (فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – لِلْمُسْلِمِينَ « إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لاَبَتَيْنِ » . وَهُمَا الْحَرَّتَانِ ، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ ، وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ قِبَلَ الْمَدِينَةِ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « عَلَى رِسْلِكَ ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي » . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَهَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ قَالَ « نَعَمْ » . فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – لِيَصْحَبَهُ ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ وَهْوَ الْخَبَطُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ)
الهجرة إلى المدينة
قَالَتْ عَائِشَةُ : فَبَيْنَمَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِى بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ قَالَ قَائِلٌ لأَبِى بَكْرٍ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – مُتَقَنِّعًا – فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا – فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِدَاءٌ لَهُ أَبِى وَأُمِّي ، وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلاَّ أَمْرٌ .
قَالَتْ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَاسْتَأْذَنَ ، فَأُذِنَ لَهُ فَدَخَلَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – لأَبِى بَكْرٍ « أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ » . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ » . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّحَابَةُ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « نَعَمْ » . قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَخُذْ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « بِالثَّمَنِ » . قَالَتْ عَائِشَةُ فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الْجَهَازِ ، وَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِى بَكْرٍ قِطْعَةً مَنْ نِطَاقِهَا فَرَبَطَتْ بِهِ عَلَى فَمِ الْجِرَابِ ، فَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقِ – قَالَتْ – ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ –
صلى الله عليه وسلم – وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ فَكَمَنَا فِيهِ ثَلاَثَ لَيَالٍ ). وعن أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ قَالَتْ.. لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَخَرَجُ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ احْتَمَلَ أَبُو بَكْرٍ مَالَهُ كُلَّهُ مَعَهُ خَمْسَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ أَوْ سِتَّةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ – قَالَتْ – وَانْطَلَقَ بِهَا مَعَهُ – قَالَتْ – فَدَخَلَ عَلَيْنَا جَدِّى أَبُو قُحَافَةَ وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ فَقَالَ
وَاللَّهِ إِنِّي لأَرَاهُ قَدْ فَجَعَكُمْ بِمَالِهِ مَعَ نَفْسِهِ. قَالَتْ قُلْتُ كَلاَّ يَا أَبَتِ إِنَّهُ قَدْ تَرَكَ لَنَا خَيْراً كَثِيراً – قَالَتْ فَأَخَذْتُ أَحْجَاراً فَتَرَكْتُهَا فَوَضَعْتُهَا فِي كُوَّةٍ فِي الْبَيْتِ كَانَ أَبِى يَضَعُ فِيهَا مَالَهُ ثُمَّ وَضَعْتُ عَلَيْهَا ثَوْباً ثُمَّ أَخَذْتُ بِيَدِهِ فَقُلْتُ يَا أَبَتِ ضَعْ يَدَكَ عَلَى هَذَا الْمَالِ – قَالَتْ – فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ فَقَالَ لاَ بَأْسَ إِنْ كَانَ قَدْ تَرَكَ لَكُمْ هَذَا فَقَدْ أَحْسَنَ وَفِى هَذَا لَكُمْ بَلاَغٌ. قَالَتْ وَلاَ وَاللَّهِ مَا تَرَكَ لَنَا شَيْئاً وَلَكِنِّى قَدْ أَرَدْتُ أَنْ أُسْكِنَ الشَّيْخَ بِذَلِكَ)
وفي المستدرك للحاكم : يقول عمر ابن الخطاب رضي الله عنه :
( والله لليلة من أبي بكر خير من آل عمر .و ليوم من أبي بكر خير من آل عمر. لقد خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم لينطلق إلى الغار و معه أبو بكر فجعل يمشي ساعة بين يديه و ساعة خلفه حتى فطن له رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا أبا بكر مالك تمشي ساعة بين يدي و ساعة خلفي ؟ فقال : يا رسول الله أذكر الطلب فأمشي خلفك ثم أذكر الرصد فأمشي بين يديك فقال : يا أبا بكر لو كان شيء أحببت أن يكون بك دوني قال : نعم و الذي بعثك بالحق ما كانت لتكون من ملمة إلا أن تكون بي دونك فلما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر : مكانك يا رسول الله حتى أستبرئ لك الغار فدخل و استبرأه حتى إذا كان في أعلاه ذكر أنه لم يستبرئ الحجرة فقال : مكانك يا رسول الله حتى استبرئ الحجرة فدخل و استبرئ ثم قال : انزل يا رسول الله فنزل فقال عمر : و الذي نفسي لتلك الليلة خير من آل عمر).
وعَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِى بَكْرٍ رضى الله عنه قَالَ. قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا فِي الْغَارِ. لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا فَقَالَ
« مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا » رواه البخاري
ويحكي سيدنا ابو بكر الصديق عن بعض أحداث الهجرة، وهم في طريقهم إلى المدينة فيقول كما في صحيح البخاري :
( ارْتَحَلْنَا مِنْ مَكَّةَ ، فَأَحْيَيْنَا أَوْ سَرَيْنَا لَيْلَتَنَا وَيَوْمَنَا حَتَّى أَظْهَرْنَا وَقَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ ، فَرَمَيْتُ بِبَصَرِى هَلْ أَرَى مِنْ ظِلٍّ فَآوِىَ إِلَيْهِ ، فَإِذَا صَخْرَةٌ أَتَيْتُهَا فَنَظَرْتُ بَقِيَّةَ ظِلٍّ لَهَا فَسَوَّيْتُهُ ، ثُمَّ فَرَشْتُ لِلنَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فِيهِ ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ اضْطَجِعْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ . فَاضْطَجَعَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – ثُمَّ انْطَلَقْتُ أَنْظُرُ مَا حَوْلِي ، هَلْ أَرَى مِنَ الطَّلَبِ أَحَدًا فَإِذَا أَنَا بِرَاعِي غَنَمٍ يَسُوقُ غَنَمَهُ إِلَى الصَّخْرَةِ يُرِيدُ مِنْهَا الَّذِى أَرَدْنَا ، فَسَأَلْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلاَمُ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ سَمَّاهُ فَعَرَفْتُهُ . فَقُلْتُ هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ قَالَ نَعَمْ . قُلْتُ فَهَلْ أَنْتَ حَالِبٌ لَبَنًا قَالَ نَعَمْ . فَأَمَرْتُهُ فَاعْتَقَلَ شَاةً مِنْ غَنَمِهِ ، ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ ضَرْعَهَا مِنَ الْغُبَارِ ، ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ كَفَّيْهِ ، فَقَالَ هَكَذَا ضَرَبَ إِحْدَى كَفَّيْهِ بِالأُخْرَى فَحَلَبَ لِي كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ ، وَقَدْ جَعَلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – إِدَاوَةً عَلَى فَمِهَا خِرْقَةٌ ، فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ ، فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَوَافَقْتُهُ قَدِ اسْتَيْقَظَ ، فَقُلْتُ اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ ثُمَّ قُلْتُ قَدْ آنَ الرَّحِيلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « بَلَى » . فَارْتَحَلْنَا وَالْقَوْمُ يَطْلُبُونَا ، فَلَمْ يُدْرِكْنَا أَحَدٌ مِنْهُمْ غَيْرُ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ عَلَى فَرَسٍ لَهُ . فَقُلْتُ هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَقَالَ « لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا »
سراقة ليحكي لنا قصته : ففي صحيح البخاري : (سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ يَقُولُ جَاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَأَبِى بَكْرٍ دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، مَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ ، فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمِي بَنِى مُدْلِجٍ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ جُلُوسٌ ، فَقَالَ يَا سُرَاقَةُ ، إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةً بِالسَّاحِلِ – أُرَاهَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ . قَالَ سُرَاقَةُ فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ ، فَقُلْتُ لَهُ إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ ، وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلاَنًا وَفُلاَنًا انْطَلَقُوا بِأَعْيُنِنَا . ثُمَّ لَبِثْتُ فِى الْمَجْلِسِ سَاعَةً ، ثُمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِى وَهْىَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ فَتَحْبِسَهَا عَلَىَّ ، وَأَخَذْتُ رُمْحِى ، فَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ ، فَحَطَطْتُ بِزُجِّهِ الأَرْضَ ، وَخَفَضْتُ عَالِيَهُ حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِى فَرَكِبْتُهَا ، فَرَفَعْتُهَا تُقَرَّبُ بِى حَتَّى دَنَوْتُ مِنْهُمْ ، فَعَثَرَتْ بِي فَرَسِى ، فَخَرَرْتُ عَنْهَا فَقُمْتُ ، فَأَهْوَيْتُ يَدِى إِلَى كِنَانَتِي فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الأَزْلاَمَ ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا أَضُرُّهُمْ أَمْ لاَ فَخَرَجَ الَّذِى أَكْرَهُ ، فَرَكِبْتُ فَرَسِى ، وَعَصَيْتُ الأَزْلاَمَ ، تُقَرِّبُ بِي حَتَّى إِذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَهْوَ لاَ يَلْتَفِتُ ، وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الاِلْتِفَاتَ سَاخَتْ يَدَا فَرَسِى فِي الأَرْضِ حَتَّى بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ ، فَخَرَرْتُ عَنْهَا ثُمَّ زَجَرْتُهَا فَنَهَضَتْ ، فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا ، فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً ، إِذَا لأَثَرِ يَدَيْهَا عُثَانٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِالأَزْلاَمِ ، فَخَرَجَ الَّذِى أَكْرَهُ ، فَنَادَيْتُهُمْ بِالأَمَانِ فَوَقَفُوا ، فَرَكِبْتُ فَرَسِى حَتَّى جِئْتُهُمْ ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِى حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنَ الْحَبْسِ عَنْهُمْ أَنْ سَيَظْهَرُ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيكَ الدِّيَةَ . وَأَخْبَرْتُهُمْ أَخْبَارَ مَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمِ الزَّادَ وَالْمَتَاعَ ، فَلَمْ يَرْزَآنِى وَلَمْ يَسْأَلاَنِي إِلاَّ أَنْ قَالَ أَخْفِ عَنَّا . فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ أَمْنٍ ، فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ ، فَكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ أَدِيمٍ ، ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -)
قصة أم معبد الخزاعية : وفي المستدرك (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن معه مَرُّوا عَلَى خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيَّةِ ، وَكَانَتْ بَرْزَةً جَلْدَةَ تَحْتَبِي بِفِنَاءِ الْقُبَّةِ ،ثُمَّ تَسْقِي وَتُطْعِمُ ، فَسَأَلُوهَا لَحْمًا وَتَمْرًا لِيَشْتَرُوهُ مِنْهَا ، فَلَمْ يُصِيبُوا عِنْدَهَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ، وَكَانَ الْقَوْمُ مُرْمِلِينَ مُسْنِتِينَ ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى شَاةٍ فِي كِسْرِ الْخَيْمَةِ ، فَقَالَ : ” مَا هَذِهِ الشَّاةُ يَا أُمَّ مَعْبَدٍ ؟ ” قَالَتْ : خَلَّفَهَا الْجَهْدُ عَنِ الْغَنَمِ ، قَالَ : ” فَهَلْ بِهَا مِنْ لَبَنٍ ؟ ” , قَالَتْ : هِي أَجْهَدُ مِنْ ذَلِكَ ، قَالَ : “أَتَأْذَنِينَ أَنْ أَحْلُبَهَا ؟ ” قَالَتْ : بَلَى بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي نَعَمْ إِنْ رَأَيْتَ بِهَا حَلْبًا فَاحْلُبْهَا ، فَدَعَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ” فَمَسَحَ بِيَدِهِ ضَرْعَهَا وَسَمَّى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَدَعَا لَهَا فِي شَاتِها ، فَتَفَاحَتْ عَلَيْهِ وَدَرَّتْ واجْتَرَّتْ وَدَعَا بِإِنَاءٍ يُرْبِضُ الرَّهْطَ فَحَلَبَ فِيهَا ثَجًّا حَتَّى عَلاهُ الْبَهَاءُ ، ثُمَّ سَقَاهَا حَتَّى رُوِيَتْ وَسَقَى أَصْحَابَهُ حَتَّى رَوَوْاوَشَرِبَ آخِرَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ أَرَاضُوا ثُمَّ حَلَبَ فِيهَا ثَانِيًا بَعْدَ بَدْءٍ حَتَّى مَلأَ الإِنَاءَ ، ثُمَّ غَادَرَهُ عِنْدَهَا ثُمَّ بَايَعَهَا وارْتَحَلُوا عَنْهَا ” ، فَقَلَّمَا لَبِثَتْ حَتَّى جَاءَ زَوْجُهَا أَبُو مَعْبَدٍ يَسُوقُ أَعْنُزًا عِجَافًا يَتَسَاوَكْنَ هُزْلا ضُحًى،مُخُّهُنَّ قَلِيلٌ ، فَلَمَّا رَأَى أَبُو مَعْبَدٍ اللَّبَنَ عَجِبَ ، وَقَالَ : مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا اللَّبَنُ يَا أُمَّ مَعْبَدٍ ؟ وَالشَّاةُ عَازِبٌ حِيَالٌ ، وَلا حَلُوبةَ فِي الْبَيْتِ ؟ قَالَتْ : لا وَاللَّهِ إِلا أَنَّهُ مَرَّ بنا رَجُلٌ مُبَارَكٌ مِنْ حَالِهِ كَذَا وَكَذَا ، قَالَ : صِفِيهِ لِي يَا أُمَّ مَعْبَدٍ ، قَالَتْ : رَأَيْتُ رَجُلا ظَاهَرَ الْوَضَاءَةِ أَبْلَجَ الْوَجْهِ حَسَنَ الْخَلْقِ لَمْ تَعِبْهُ ثُحْلَةٌ وَلَمْ تُزْرِ بِهِ صَعْلَةٌ ، وَسِيمٌ ، فِي عَيْنَيْهِ دَعَجٌ ، وَفِي أَشْفَارِهِ وَطَفٌ ، وَفِي صَوْتِهِ صَهَلٌ ، وَفِي عُنُقِهِ سَطَعٌ ، وَفِي لِحْيَتِهِ كَثَاثَةٌ ، أَزَجُّ أَقْرَنُ ، إِنْ صَمَتَ فَعَلَيْهِ الْوَقَارُ ، وَإِنْ تَكَلَّمَ سَمَاهُ وَعَلاهُ الْبَهَاءُ ، أَجْمَلُ النَّاسِ وَأَبَهَاهُ مِنْ بَعِيدٍ ، وأَحْلاهُ وَأَحْسَنُهُ مِنْ قَرِيبٍ ، حُلْوُ الْمِنْطَقِ ، فَصْلٌ لا هَذِرٌ وَلا تَزِرٌ ، كَأَنَّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتٌ نَظْمٌ يَتَحَدَّرْنَ ، رَبْعٌ لا يَأْسَ مِنْ طُولٍ ، وَلا تَقْتَحِمُهُ عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ ، غُصْنٌ بَيْنَ غُصْنَيْنِ فَهُوَ أَنْضَرُ الثَّلاثَةِ مَنْظَرًا ، وَأَحْسَنُهُمْ قَدْرًا ، لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفُّونَ بِهِ ، إِنْ قَالَ أَنْصَتُوا لِقَوْلِهِ ، وَإِنْ أَمَرَ تَبَادَرُوا إِلَى أَمْرِهِ ، مَحْفُودٌ مَحْشُودٌ لا عَابِسٌ وَلا مُفَنَّدٌ ، قَالَ أَبُو مَعْبَدٍ : هُوَ وَاللَّهِ صَاحِبُ قُرَيْشٍ الَّذِي ذُكِرَ لَنَا أَمْرُهُ مَا ذُكِرُ بِمَكَّةَ ، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَصْحَبَهُ وَلأَفْعَلَنَّ إِنْ وَجَدْتُ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلا) ..
وصول الركب الي أطراف المدينة
روى البخاري : (وَسَمِعَ الْمُسْلِمُونَ بِالْمَدِينَةِ مَخْرَجَ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – مِنْ مَكَّةَ ، فَكَانُوا يَغْدُونَ كُلَّ غَدَاةٍ إِلَى الْحَرَّةِ فَيَنْتَظِرُونَهُ ، حَتَّى يَرُدَّهُمْ حَرُّ الظَّهِيرَةِ ، فَانْقَلَبُوا يَوْمًا بَعْدَ مَا أَطَالُوا انْتِظَارَهُمْ ، فَلَمَّا أَوَوْا إِلَى بُيُوتِهِمْ ، أَوْفَى رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِهِمْ لأَمْرٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِ ، فَبَصُرَ بِرَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَأَصْحَابِهِ مُبَيَّضِينَ يَزُولُ بِهِمُ السَّرَابُ ، فَلَمْ يَمْلِكِ الْيَهُودِىُّ أَنْ قَالَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا مَعَاشِرَ الْعَرَبِ هَذَا جَدُّكُمُ الَّذِى تَنْتَظِرُونَ . فَثَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى السِّلاَحِ ، فَتَلَقَّوْا رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – بِظَهْرِ الْحَرَّةِ ، فَعَدَلَ بِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ فِي بَنِى عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، وَذَلِكَ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ ، وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – صَامِتًا ، فَطَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنَ الأَنْصَارِ مِمَّنْ لَمْ يَرَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يُحَيِّى أَبَا بَكْرٍ ، حَتَّى أَصَابَتِ الشَّمْسُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى ظَلَّلَ عَلَيْهِ بِرِدَائِهِ ، فَعَرَفَ النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – عِنْدَ ذَلِكَ ، فَلَبِثَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فِي بَنِى عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً وَأُسِّسَ الْمَسْجِدُ الَّذِى أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى ، وَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – ، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَسَارَ يَمْشِى مَعَهُ النَّاسُ حَتَّى بَرَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ – صلى الله عليه وسلم – بِالْمَدِينَةِ ، وَهْوَ يُصَلِّى فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَكَانَ مِرْبَدًا لِلتَّمْرِ لِسُهَيْلٍ وَسَهْلٍ غُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِى حَجْرِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ « هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ الْمَنْزِلُ » . ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – الْغُلاَمَيْنِ ، فَسَاوَمَهُمَا بِالْمِرْبَدِ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا ، فَقَالاَ لاَ بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ثُمَّ بَنَاهُ مَسْجِدًا ، وَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَنْقُلُ مَعَهُمُ اللَّبِنَ فِي بُنْيَانِهِ ، وَيَقُولُ وَهُوَ يَنْقُلُ اللَّبِنَ « هَذَا الْحِمَالُ لاَ حِمَالَ خَيْبَرْ هَذَا أَبَرُّ رَبَّنَا وَأَطْهَرْ » . وَيَقُولُ « اللَّهُمَّ إِنَّ الأَجْرَ أَجْرُ الآخِرَهْ فَارْحَمِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ »
أقام صلى الله عليه وسلم عند أبي أيوب.. ففي صحيح مسلم ( عَنْ أَبِى أَيُّوبَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- نَزَلَ عَلَيْهِ فَنَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم- فِي السُّفْلِ وَأَبُو أَيُّوبَ فِي الْعُلْوِ قَالَ – فَانْتَبَهَ أَبُو أَيُّوبَ لَيْلَةً فَقَالَ نَمْشِى فَوْقَ رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَنَحَّوْا فَبَاتُوا فِي جَانِبٍ ثُمَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم« السُّفْلُ أَرْفَقُ ». فَقَالَ لاَ أَعْلُو سَقِيفَةً أَنْتَ تَحْتَهَا. فَتَحَوَّلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْعُلْوِ وَأَبُو أَيُّوبَ فِي السُّفْلِ فَكَانَ يَصْنَعُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم- طَعَامًا فَإِذَا جِيءَ بِهِ إِلَيْهِ سَأَلَ عَنْ مَوْضِعِ أَصَابِعِهِ فَيَتَتَبَّعُ مَوْضِعَ أَصَابِعِهِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا فِيهِ ثُومٌ فَلَمَّا رُدَّ إِلَيْهِ سَأَلَ عَنْ مَوْضِعِ أَصَابِعِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقِيلَ لَهُ لَمْ يَأْكُلْ. فَفَزِعَ وَصَعِدَ إِلَيْهِ فَقَالَ أَحَرَامٌ هُوَ فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ وَلَكِنِّى أَكْرَهُهُ »
فرح أهل المدينة بمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم
في مسند أحمد : (قَالَ أَنَسٌ فَمَا رَأَيْتُ يَوْماً قَطُّ أَنْوَرَ وَلاَ أَحْسَنَ مِنْ يَوْمِ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَبُو بَكْرٍ الْمَدِينَةَ وَشَهِدْتُ وَفَاتَهُ فَمَا رَأَيْتُ يَوْماً قَطُّ أَظْلَمَ وَلاَ أَقْبَحَ مِنَ الْيَوْمِ الَّذِى تُوُفِّىَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِيهِ).
يهود المدينة وموقفهم من نبي الاسلام
وفي المدينة كانت تسكن قبائل من اليهود ( بنو النضير ، وبنو قريظة ، وبنو قينقاع )
فأتى الى رسول الله حبر من أحبارهم وهو عبد الله بن سلام ففي صحيح البخاري : (عَنْ أَنَسٍ – رضى الله عنه – قَالَ بَلَغَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلاَمٍ مَقْدَمُ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – الْمَدِينَةَ ، فَأَتَاهُ ، فَقَالَ إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلاَثٍ لاَ يَعْلَمُهُنَّ إِلاَّ نَبِيٌّ ، { قَالَ مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَنْزِعُ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَنْزِعُ إِلَى أَخْوَالِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « خَبَّرَنِي بِهِنَّ آنِفًا جِبْرِيلُ » . قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ . وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ . وَأَمَّا الشَّبَهُ فِي الْوَلَدِ فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَشِىَ الْمَرْأَةَ فَسَبَقَهَا مَاؤُهُ كَانَ الشَّبَهُ لَهُ ، وَإِذَا سَبَقَ مَاؤُهَا كَانَ الشَّبَهُ لَهَا » . قَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ . ثُمَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ ، إِنْ عَلِمُوا بِإِسْلاَمِى قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَهُمْ بَهَتُونِي عِنْدَكَ ، فَجَاءَتِ الْيَهُودُ وَدَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ الْبَيْتَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « أَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ » . قَالُوا أَعْلَمُنَا وَابْنُ أَعْلَمِنَا وَأَخْبَرُنَا وَابْنُ أَخْيَرِنَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ » . قَالُوا أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ . فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَيْهِمْ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ . فَقَالُوا شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا .
وَوَقَعُوا فِيهِ)
وفي مجتمع المدينة حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يؤلف بينهم ويجمع كلمتهم ويصلح ذات بينهم فآخى بين المهاجرين والانصار.. قَالَ السُّهَيْلِيّ :في فتح الباري
( آخَى بَيْن أَصْحَابه لِيُذْهِب عَنْهُمْ وَحْشَة الْغُرْبَة وَيَتَأَنَّسُوا مِنْ مُفَارَقَة الْأَهْل وَالْعَشِيرَة وَيَشُدّ بَعْضهمْ أَزْر بَعْض ، فَلَمَّا عَزَّ الْإِسْلَام وَاجْتَمَعَ الشَّمْل وَذَهَبَتْ الْوَحْشَة أَبْطَلَ الْمَوَارِيث وَجَعَلَ الْمُؤْمِنِينَ كُلّهمْ إِخْوَة وَأَنْزَلَ ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة )
وبلغ من الاخوة في الله أن عرض الانصار على المهاجرين أغلى ما يملكون ..ولكن ..إذا كان من أخلاق الأغنياء الكرم ..فان من اخلاق الفقراء العفة ..وانظروا الى هذه القصة بين مهاجري وانصاري…
عَنْ أَنَسٍ – رضى الله عنه – قَالَ قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ الْمَدِينَةَ فَآخَى النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيِّ ، وَكَانَ سَعْدٌ ذَا غِنًى ، فَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ أُقَاسِمُكَ مَالِي نِصْفَيْنِ ، وَأُزَوِّجُكَ . قَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ ، دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ . فَمَا رَجَعَ حَتَّى اسْتَفْضَلَ أَقِطًا وَسَمْنًا ، فَأَتَى بِهِ أَهْلَ مَنْزِلِهِ ، فَمَكَثْنَا يَسِيرًا – أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ – فَجَاءَ وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « مَهْيَمْ » . قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ . قَالَ « مَا سُقْتَ إِلَيْهَا ». قَالَ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ ، أَوْ وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ . قَالَ « أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ » رواه البخاري
وفي المدينة نظم النبي صلى الله عليه وسلم العلاقة بين سكانها وكتب في ذلك كتابا يستحق أن نسميه بلغة العصر دستورا أو وثيقة جاء في بعض نصوصها كما في البخاري « الْمَدِينَةُ حَرَامٌ مَا بَيْنَ عَائِرٍ إِلَى كَذَا ، فَمَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا ، أَوْ آوَى مُحْدِثًا ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ عَدْلٌ وَلاَ صَرْفٌ ، وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ . فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ ، وَمَنْ وَالَى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ » ..