خطبة عن (عَلَيْكَ بِتِلاوَةِ الْقُرْآنِ وَذِكْرِ اللَّهِ)
مارس 17, 2016خطبة عن ( تِلاوَةِ الْقُرْآنِ )
مارس 17, 2016الخطبة الأولى : عن ( ذِكْرِ اللَّهِ )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله هو خير الخلق وحبيب الحق ورحمة الله للخلق أجمعين .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ) (41)، (42) الاحزاب
إخوة الإسلام
جعل الله أهل الذكر من أولي الألباب ،وأصحاب الفكر والفهم والعلم ،فقال تعالى : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ ) (آل عمران : 190 -191 ) ؛ وبيَّن سبحانه لهم ما أعدَّ ه لهم من النعيم المقيم ، فقال تعالى : (… وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ) (الأحزاب : 35 )، والذاكر مفرِّد سابق ، سبق غيره في الدرجات ، واحتل المنازل العالية في جنات النعيم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ …قَالُوا : وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ ) رواه مسلم … وفي رواية للترمذي : ( سَبَقَ الْمُفْرِدُونَ … قَالُوا : وَمَا الْمُفْرِدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : الْمُسْتَهْتَرُونَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ ، يَضَعُ الذِّكْرُ عَنْهُمْ أَثْقَالَهُمْ ، فَيَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِفَافًا ) …ويكفي للترغيب في الذكر والإكثار منه ، والترهيب من الغفلة ، هذا المثل الذي ضربه نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم للذاكرين الله ، كما في البخاري ،عَنْ أَبِى مُوسَى – رضى الله عنه – قَالَ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « مَثَلُ الَّذِى يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِى لاَ يَذْكُرُ مَثَلُ الْحَىِّ وَالْمَيِّتِ ». فحياة القلب وطمأنينته لا تكون ، ولا تدرك إلا بذكر الله ، قال تعالى : ( الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد : 28 ) … وأفضل الذكر بعد تلاوة كتاب الله ، ما كان مأثورا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم… وفيما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن يحي بن زكرياء عليهما السلام ، أنه قال لقومه : ” وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ الْعَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ كَذَلِكَ الْعَبْدُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنْ الشَّيْطَانِ إِلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ …” ، واعلم أخي الذاكر أن الله تعالى يذكر اسمك في ملإ السماء ويُباهي بك ملائكته المقربين – فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : خَرَجَ مُعَاوِيَةُ عَلَى حَلْقَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ : مَا أَجْلَسَكُمْ ؟ قَالُوا : جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ … قَالَ: آللَّهِ ، مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ ؟ قَالُوا : وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ …قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ ، وَمَا كَانَ أَحَدٌ بِمَنْزِلَتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَلَّ عَنْهُ حَدِيثًا مِنِّي، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ : ( مَا أَجْلَسَكُمْ ؟ قَالُوا : جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا … قَالَ : آللَّهِ ، مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ ؟ قَالُوا : وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ… قَالَ : أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بِكُمْ الْمَلَائِكَةَ ) رواه مسلم ، ولفضل الذكر ، ومكانة الذاكرين ، فإن الله تعالى يغفر للذاكرين ، ولجليسهم ، فهم القوم لا يشقى بهم جليسهم.. – فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا : هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ … قَالَ: فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ..قَالَ : فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ : مَا يَقُولُ عِبَادِي ؟ قَال : يَقُولُونَ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ …قَالَ : فَيَقُولُ : هَلْ رَأَوْنِي ؟ قَالَ : فَيَقُولُونَ : لَا وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ … قَالَ : فَيَقُولُ : وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي ؟ قَالَ: يَقُولُونَ : لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً ، وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَتَحْمِيدًا وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا… قَالَ : يَقُولُ : فَمَا يَسْأَلُونِي ؟ قَالَ : يَقُولُونَ : يَسْأَلُونَكَ الْجَنَّةَ … قَالَ : يَقُولُ : وَهَلْ رَأَوْهَا ؟ قَالَ: يَقُولُونَ : لَا ، وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا… قَالَ: يَقُولُ : فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا ؟ قَالَ: يَقُولُونَ : لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً … قَالَ: يَقُولُ: فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ ؟ قَالَ : يَقُولُونَ : مِنْ النَّارِ… قَالَ: يَقُولُ : وَهَلْ رَأَوْهَا ؟ قَالَ : يَقُولُونَ: لَا ، وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا… قَالَ : يَقُولُ : فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا ؟ قَالَ : يَقُولُونَ : لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً … قَالَ : فَيَقُولُ: فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ … قَالَ : يَقُولُ مَلَكٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ : فِيهِمْ فُلَانٌ ، لَيْسَ مِنْهُمْ ، إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ …قَالَ : هُمْ الْجُلَسَاءُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ …) رواه البخاري.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( ذكر الله )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله هو خير الخلق وحبيب الحق ورحمة الله للخلق أجمعين .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
واعلموا إخوة الإسلام أن أهل الذكر هم أهل الكرم يوم القيامة ، فقد روى أحمد – عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَيُعْلَمُ أَهْلُ الْجَمْعِ مِنْ أَهْلِ الْكَرَمِ …فَقِيلَ : وَمَنْ أَهْلُ الْكَرَمِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : مَجَالِسُ الذِّكْرِ فِي الْمَسَاجِدِ.) ،وذكر الله تعالى من أحب الأعمال إليه ، فالله يحب أن يذكر ، ويحب أن يحمد ويشكر ، كما روى الطبراني في الكبير – ( سألت أم أنس رضي الله عنها الوصية، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال : (وَأَكْثِرِي مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ، فَإِنَّكِ لا تَأْتِي اللَّهَ بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ كَثْرَة ذِكْرِهِ )والذاكرون هم أفضل درجة عند الله تعالى من المجاهدين في سبيله ،كما روى الترمذي ، وأحمد ( عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ : (أَيُّ الْعِبَادِ أَفْضَلُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ قَالَ : الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ … قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمِنْ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ قَالَ : لَوْ ضَرَبَ بِسَيْفِهِ فِي الْكُفَّارِ وَالْمُشْرِكِينَ حَتَّى يَنْكَسِرَ وَيَخْتَضِبَ دَمًا لَكَانَ الذَّاكِرُونَ اللَّهَ أَفْضَلَ مِنْهُ دَرَجَةً ) ،وأعظم العابدين أجرا ، أكثرهم لله ذكرا .فقد روى الطبراني في الكبير والبيهقي في الشعب..- عَنْ سَهْلِ بن مُعَاذِ بن أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَن ْرَسُولِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلا سَأَلَهُ، فَقَالَ: أَيُّ الْمُجَاهِدِينَ أَعْظَمُ أَجْرًا ؟ قَالَ: ( أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ ذِكْرًا ، قَالَ: وَأَيُّ الصَّائِمِينَ أَعْظَمُ لِلَّهِ أَجْرًا ؟ قَالَ: أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ ذِكْرًا ، ثُمَّ ذَكَرَ الصَّلاةَ وَالزَّكَاةَ وَالْحَجَّ وَالصَّدَقَةَ، كُلُّ ذَلِكَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ ذِكْرًا ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: يَا أَبَا حَفْصٍ ذَهَبَ الذَّاكِرُونَ اللَّهَ بِكُلِّ خَيْرٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَجَلْ) ، والذي يكثر من ذكر الله هو أحد ثلاثة لا يُرد لهم دعاء– عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ثلاثة لا يرد الله دعاءهم : الذاكرون الله كثيرا ، ودعوة المظلوم ، والإمام المقسط .) رواه البيهقي في الشعب
الدعاء