خطبة عن (من وصايا الرسول: تُحِبُّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ)
مارس 17, 2016خطبة عن ( لا يمنعك عن الحق لَوْمَة لائِمٍ )
مارس 17, 2016الخطبة الأولى ( من وصايا الرسول: لا تَخَفْ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله هو خير الخلق وحبيب الحق ورحمة الله للخلق أجمعين .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
في معجم الطبراني عن أبي ذر ( قلت : يا رسول الله زدني قال : ( لا تخف في الله لومة لائم قلت : يا رسول الله زدني قال : ( تحب للناس ما تحب لنفسك )
إخوة الاسلام
قوله صلى الله عليه وسلم (لا تَخَفْ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ ). ومن ذلك : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،قَالَ الْعُلَمَاء : وَلَا يَخْتَصُّ الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر بِأَصْحَابِ الْوِلَايَات بَلْ ذَلِكَ جَائِز لِآحَادِ الْمُسْلِمِينَ . قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ : وَالدَّلِيل عَلَيْهِ إِجْمَاع الْمُسْلِمِينَ ؛ فَإِنَّ غَيْر الْوُلَاة فِي الصَّدْر الْأَوَّل ، وَالْعَصْر الَّذِي يَلِيه كَانُوا يَأْمُرُونَ الْوُلَاة بِالْمَعْرُوفِ ، وَيَنْهَوْنَهُمْ عَنْ الْمُنْكَر ، مَعَ تَقْرِير الْمُسْلِمِينَ إِيَّاهُمْ ، وَتَرْكِ تَوْبِيخهمْ عَلَى التَّشَاغُل بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر مِنْ غَيْر وِلَايَة . ثُمَّ إِنَّهُ إِنَّمَا يَأْمُر وَيَنْهَى مَنْ كَانَ عَالِمًا بِمَا يَأْمُر بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ ؛ وَذَلِكَ يَخْتَلِف بِاخْتِلَافِ الشَّيْء ؛ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْوَاجِبَات الظَّاهِرَة ، وَالْمُحَرَّمَات الْمَشْهُورَة كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَام وَالزِّنَا وَالْخَمْر وَنَحْوهَا ، فَكُلّ الْمُسْلِمِينَ عُلَمَاء بِهَا ، وَإِنْ كَانَ مِنْ دَقَائِق الْأَفْعَال وَالْأَقْوَال وَمِمَّا يَتَعَلَّق بِالِاجْتِهَادِ لَمْ يَكُنْ لِلْعَوَامِّ مَدْخَل فِيهِ ، وَلَا لَهُمْ إِنْكَاره ، بَلْ ذَلِكَ لِلْعُلَمَاءِ . ثُمَّ الْعُلَمَاء إِنَّمَا يُنْكِرُونَ مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ أَمَّا الْمُخْتَلَف فِيهِ فَلَا إِنْكَار فِيهِ لِأَنَّ عَلَى أَحَد الْمَذْهَبَيْنِ كُلّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ . وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْبَاب أَعْنِي بَاب الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر قَدْ ضُيِّعَ أَكْثَره مِنْ أَزْمَانٍ مُتَطَاوِلَة ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْأَزْمَان إِلَّا رُسُوم قَلِيلَة جِدًّا . وَهُوَ بَاب عَظِيم بِهِ قِوَام الْأَمْر وَمِلَاكُهُ .وَإِذَا كَثُرَ أَوَّلًا عَمّ الْعِقَابُ الصَّالِحَ وَالطَّالِحَ . وَإِذَا لَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَد الظَّالِم أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّه تَعَالَى بِعِقَابِهِ ، قال تعالى :(فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) النور 63، فَيَنْبَغِي لِطَالِبِ الْآخِرَة ، وَالسَّاعِي فِي تَحْصِيل رِضَا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَعْتَنِيَ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا تأخذه في ذلك لومة لائم ، فَإِنَّ نَفْعَهُ عَظِيم لَا سِيَّمَا وَقَدْ ذَهَبَ مُعْظَمُهُ ، وَيُخْلِص نِيَّته ، وَلَا يُهَادِن مَنْ يُنْكِر عَلَيْهِ لِارْتِفَاعِ مَرْتَبَته ؛ فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ : { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ } الحج 40 ،وَقَالَ تَعَالَى : { وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاَللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } آل عمران 102. وَقَالَ تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } العنكبوت 69 . وَقَالَ تَعَالَى : { أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ } العنكبوت 2، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَجْر عَلَى قَدْر النَّصَب ، وَلَا يُتَارِكهُ أَيْضًا لِصَدَاقَتِهِ وَمَوَدَّته وَمُدَاهَنَته وَطَلَب الْوَجَاهَة عِنْده وَدَوَام الْمَنْزِلَة لَدَيْهِ ؛ فَإِنَّ صَدَاقَته وَمَوَدَّته تُوجِب لَهُ حُرْمَة وَحَقًّا ، وَمَنْ حَقّه أَنْ يَنْصَحهُ وَيَهْدِيه إِلَى مَصَالِح آخِرَته ، وَيُنْقِذهُ مِنْ مَضَارِّهَا . وَصَدِيق الْإِنْسَان وَمُحِبُّهُ هُوَ مَنْ سَعَى فِي عِمَارَة آخِرَتِهِ وَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى نَقْصٍ فِي دُنْيَاهُ . وَعَدُوُّهُ مَنْ يَسْعَى فِي ذَهَاب أَوْ نَقْص آخِرَته وَإِنْ حَصَلَ بِسَبَبِ ذَلِكَ صُورَة نَفْعٍ فِي دُنْيَاهُ . وَإِنَّمَا كَانَ إِبْلِيس عَدُوًّا لَنَا لِهَذَا وَكَانَتْ الْأَنْبِيَاء صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ أَوْلِيَاء لِلْمُؤْمِنِينَ لِسَعْيِهِمْ فِي مَصَالِح آخِرَتهمْ ، وَهِدَايَتهمْ إِلَيْهَا ، وَنَسْأَل اللَّه الْكَرِيم تَوْفِيقنَا وَأَحْبَابنَا وَسَائِر الْمُسْلِمِينَ لِمَرْضَاتِهِ ، وَأَنْ يَعُمَّنَا بِجُودِهِ وَرَحْمَته . وَيَنْبَغِي لِلْآمِرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهِي عَنْ الْمُنْكَر أَنْ يَرْفُق لِيَكُونَ أَقْرَب إِلَى تَحْصِيل الْمَطْلُوب . فَقَدْ قَالَ الْإِمَام الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : ( مَنْ وَعَظَ أَخَاهُ سِرًّا فَقَدْ نَصَحَهُ وَزَانَهُ ، وَمَنْ وَعَظَهُ عَلَانِيَة فَقَدْ فَضَحَهُ وَشَانَهُ )
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( من وصايا الرسول: لا تَخَفْ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله هو خير الخلق وحبيب الحق ورحمة الله للخلق أجمعين .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وما زال الحديث موصولا عن الوصية الثامنة من وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر وهي قوله صلى الله عليه وسلم ( لا تَخَفْ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ ). وَمِمَّا يَتَسَاهَل أَكْثَر النَّاس فِيهِ مِنْ هَذَا الْبَاب مَا إِذَا رَأَى إِنْسَانًا يَبِيع مَتَاعًا مَعِيبًا أَوْ نَحْوه فَإِنَّهُمْ لَا يُنْكِرُونَ ذَلِكَ ، وَلَا يُعَرِّفُونَ الْمُشْتَرِي بِعَيْبِهِ ، وَهَذَا خَطَأٌ ظَاهِرٌ . وَقَدْ نَصَّ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ يَجِب عَلَى مَنْ عَلِم ذَلِكَ أَنْ يُنْكِر عَلَى الْبَائِع ، وَأَنْ يُعْلِم الْمُشْتَرِي بِهِ . وَأَمَّا صِفَة النَّهْي وَمَرَاتِبه فَقَدْ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيث الصَّحِيح : ” فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ” فَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَبِقَلْبِهِ )مَعْنَاهُ فَلْيَكْرَهْهُ بِقَلْبِهِ . وَلَيْسَ ذَلِكَ بِإِزَالَةٍ وَتَغْيِيرٍ مِنْهُ لِلْمُنْكَرِ وَلَكِنَّهُ هُوَ الَّذِي فِي وُسْعِهِ . وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَذَلِكَ أَضْعَف الْإِيمَان ) مَعْنَاهُ وَاَللَّه أَعْلَم أَقَلُّهُ ثَمَرَة ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه : هَذَا الْحَدِيث أَصْل فِي صِفَة التَّغْيِير فَحَقُّ الْمُغَيِّر أَنْ يُغَيِّرهُ بِكُلِّ وَجْه أَمْكَنَهُ زَوَاله بِهِ قَوْلًا كَانَ أَوْ فِعْلًا ؛ فَيَكْسِر آلَات الْبَاطِل ، وَيُرِيق الْمُسْكِر بِنَفْسِهِ ، أَوْ يَأْمُر مَنْ يَفْعَلهُ ، وَيَنْزِع الْغُصُوبَ وَيَرُدَّهَا إِلَى أَصْحَابهَا بِنَفْسِهِ ، أَوْ بِأَمْرِهِ إِذَا أَمْكَنَهُ وَيَرْفُق فِي التَّغْيِير جَهْده بِالْجَاهِلِ وَبِذِي الْعِزَّة الظَّالِم الْمَخُوف شَرّه ؛ إِذْ ذَلِكَ أَدْعَى إِلَى قَبُول قَوْله . فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنّه أَنَّ تَغْيِيرَهُ بِيَدِهِ يُسَبِّبُ مُنْكَرًا أَشَدّ مِنْهُ مِنْ قَتْله أَوْ قَتْل غَيْره بِسَبَبٍ كَفَّ يَدَهُ ، وَاقْتَصَرَ عَلَى الْقَوْل بِاللِّسَانِ وَالْوَعْظ وَالتَّخْوِيف . فَإِنْ خَافَ أَنْ يُسَبِّب قَوْله مِثْل ذَلِكَ غَيَّرَ بِقَلْبِهِ ،
الدعاء