ندوة بعنوان ( أهمية العمل للفرد والمجتمع )
يوليو 22, 2016درس بعنوان(حقوق الآباء على الأبناء وحقوق الأبناء على الآباء)
يوليو 22, 2016ندوة بعنوان ( الصداقة )
( تأثر الصديق بصديقه ، والصاحب بصاحبه )
الأخوة الحضور … السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من الأمور الفطرية التي فطر الله تعالى الإنسان عليها في هذه الحياة: الصداقة، فلا بد للمرء في هذه الحياة من جلساء وأصحاب، يتحدث معهم، ويتحدثون معه، يبث إليهم همومه ويشكو إليهم أحزانه ويستشيرهم فيما يُلمّ به من ملمات وأمور…فالمصاحبة مما حث عليها الإسلام ، ورغّب في السعي إليها، والصداقة تدعيم للعلاقات الاجتماعية، وتقوية للمودات، وشدّ لأواصر الصلات.
فالصديق أيها الاخوة.. من ضرورات الحياة، ومن طبائع البشر، ومن ظنّ أنه يمكن أن يستغني عن صديق في هذه الحياة فهو مغرور، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: ((الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)) .
أيها الاخوة ..، والمرء في هذه الحياة على مشرب صديقه وجليسه، ولا يشك عاقل من الناس في أهمية الصداقة والمؤاخاة في حياة المسلم وأثرها على سلوكه وأخلاقه، فالأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف.
أيها الأحبة، ومن أجمل ما قيل في تعريف الصديق ما قاله بعضهم: الصديق إنسان هو أنت إلا أنه غيرك. ومثل هذا القول قد روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين أقطع طلحة بن عبيد الله أرضاً وكتب له بها كتاباً وأشهد فيه ناساً منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين، فأتى طلحة بكتابه إلى عمر ليختمه له، فامتنع عمر، فرجع طلحة إلى أبي بكر مغضباً وقال: والله ما أدري أأنت الخليفة أم عمر ؟ فقال أبو بكر:( بل عمر لكنّه أنا).
الاخوة الحضور، وقد جاءت وصايا السلف الصالح في الحث على اختيار الأصدقاء وانتقاء الأصحاب والأخلاء، ومن ذلك قول أحدهم: “اصحب مَن إذا صحبته زانك، وإذا خدمته صانك، وإذا أصابتك فاقة جاد لك بماله، وإذا رأى منك حسنةً عدّها، وإن رأى سيئة كتمها وسترها، لا تخاف بوائقه، ولا تختلف طرائقه”…وقال لقمان لابنه وهو يعظه: “يا بني إياك وصاحب السوء، فإنه كالسيف المسلول، يعجبك منظره، ويَقبُح أثره، يا بني ثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاثة مواطن: لا يعرف الحليم إلا عند الغضب، ولا الشجاع إلا عند الحرب، ولا الأخ إلا عند الحاجة”. وقيل لخالد بن صفوان: أي إخوانك أحب إليك؟ قال: “الذي يغفر زللي، ويقبل عِللي، ويسد خللي”. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “اصحب من ينسى معروفه عندك، ويذكر حقوقك عليه”.
الاخوة الاعزاء، لقد أصبحت الصداقة الحقة من غرائب الدنيا وعجائب الزمان وذلك لمّا بعد الناس عن المنهج الصحيح للروابط والعلاقات فيما بينهم، فأصبح اجتماعهم إلا من رحم الله من أجل الدنيا، يجتمعون عليها، ويتفرقون من أجلها، حتى إنه ليصدُق فيهم قول القائل:
ما في زمانك ما يعزُّ وجوده……إن رمته إلا صديقٌ مخلصُ
والرجل العاقل يدرك أن الحصول على الصديق الوفيّ والخليل الحميم من أصعب الأشياء إن لم يكن من المستحيلات، ولذلك ينظر بعين البصيرة إلى أعمال وأخلاق من يريد صداقته، فمن رضي أعماله وأخلاقه صادقه، ومن سخط أعماله وأخلاقه ابتعد عنه
أيها الاخوة، ولما كان للصداقة هذه الأهمية في حياة الأفراد وتأثيرها على سلوكه فقد ذكر أهل العلم صفات، يجب على المسلم أن يختار صديقه وجليسه على وفقها: أولها: أن يكون ذا دين واستقامة، فإنّ ذا الدين يقف به دينه على الخيرات، ويجنبه المحرمات، مما يعود على صاحبه بالخير، وتارك الدين عدوّ لنفسه فكيف ترجى منه مودةُ غيره. قال أحد الحكماء: “اصطفِ من الإخوان ذا الدين والحسب والرأي والأدب، فإنه ردءٌ لك عند حاجتك، ويدٌ عند نائبتك، وأُنسٌ عند وحشتك، وزينٌ عند عافيتك”….فالخلق والدين شرط ضروري للجليس الصالح والصديق الناصح، ولن يكون صديقاً ناصحاً من يكون على غير دين، ولن يكون خليلاً وفياً من يخالفك في الفكر، ألا فليحذر من يصادقون بعض أهل المنكرات والفساد ..الصفة الثانية: أن يكون عاقلاً، فإن العقل رأس المال، والصديق الأحمق يفسد أكثر مما يصلح، ويضر أكثر مما ينفع، لذا كان لا بد أن يكون الصديق صاحب عقلٍ موفور، وسلوك محمود، ومن الجهل صحبة ذوي الجهل والحماقة ممن لا تدوم صداقتهم، ولا تثبت مودتهم، وقديماً قيل احذر مودة ماذقٍ……مزج المرارةَ بالحلاوة
يُحصي الذنوب عليك……أيام الصداقةِ للعداوةِ
الصفة الثالثة: أن يكون محمود الأخلاق، مرضيّ الفعال، مؤثراً للخير، آمراً به، كارهاً للشر ناهياً عنه…قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (عليك بإخوان الصدق تعش في أكنافهم فإنهم زينٌ في الرخاء، وعدةٌ في البلاء، ولا تصحب الفاجر فتتعلم من فجوره ولا تطلعه على سرّك، واستشر في أمرك الذين يخشون الله تعالى).
أيها الاخوة، لقد حذّر المصطفى صلى الله عليه وسلم من مجالسة الأشرار ومصاحبة الأنذال، وحث على اختيار الصديق الصالح والجليس المؤمن لما له من نفع في الدنيا والآخرة، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة)) .
وقديماً قيل: ما شيء أسرع في فساد الرجل وصلاحه من صاحبه.
وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي)) ..فإخوان الصدق هم خير مكاسب الدنيا، زينةٌ في الرخاء، وعدّةٌ في الشدة، ومعونة على خير المعاش والمعاد، هم كما قيل: إن جالستهم نفعوا، وإن شاورتهم نصحوا، وهكذا تكون مصاحبة الأخيار أهل العلم والفضل والتقى والصلاح…والصديق الفاسد والجليس السوء مما حذر الله تعالى منه ورسوله فمن يصاحب الأشرار وأهل السوء والفحش والمعاصي فهو إما أن ينساق معهم إلى مواقع الإثم ومواطن الريب فتمسه نار المعصية في الدنيا ويصلى نار جهنم في الأخرى، وإما أن يناله خبيث رائحتهم واقتباس سيرتهم فيجد ما يؤذيه من قول وعمل قال الله تعالى: (وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاء قِرِيناً )..فمصاحبة الأشرار سم ناقع، وبلاء واقع، فكم هلك بسببهم أقوام، وكم فسد بسببهم أقران، كم من شاب وفتى صغير أو كبير انحرف عن الطريق المستقيم، وضل عن الهدي القويم، وسلك سبيل الهوى والشيطان الرجيم بسبب صديق السوء، وجليس الضلالة الذي قاده إلى الخراب والهلاك، وأوقعه في الضلال والفساد قال الله تعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يالَيْتَنِى اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً ياوَيْلَتَا لَيْتَنِى لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً لَّقَدْ أَضَلَّنِى عَنِ الذّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِى وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً) … وفي المقابل كم من ضال تائهٍ قاده الجليس الصالح إلى مجالس الخير وحلقات الذكر فهداه الله على يديه وأصبح من عباد الله المتقين، ينافس في الخير ويُسابق في العمل الصالح. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله))، وذكر منهم: ((رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه)) متفق عليه. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن لله عباداً ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم النبيون والشهداء يوم القيامة لقربهم من الله تعالى ومجلسهم منه، هم قوم من أفناء الناس، من نزّاع القبائل، تصادقوا في الله وتحابوا فيه، يضع الله عز وجل لهم يوم القيامة منابر من نور، يخاف الناس ولا يخافون، هم أولياء الله عز وجل الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون)) الاخوة الكرام ..قيل أن الناس على ثلاث طبقات: منهم من هو كالغذاء لا يستغنى عنه. ومنهم من هو كالدواء لا يحتاج إليه إلا زمناً معيناً. ومنهم من هو كالداء لا يحتاج إليه أبداً…و اعلموا أن للصداقة آداباً، وللصحبة حقوقاً، فلا بد من النصيحة للصديق في السر والعلن، وتخفيف الأثقال عنه ومعاونته فيما ينوبه من حادثات الدهر، أو يناله من نكبات الحياة، فإن مراقبته في الظاهر نفاق، وتركه في الشدة لؤم وخسّة. وعليك بعد ذلك أن لا تُفرِطَ في حبه، بل تترفق وتقتصد، فإن الأيام دول، فقد يصير الصديق عدوّاً، والعدوّ صديقاً. قال عليّ رضي الله عنه: “أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما” رواه البخاري في الأدب المفرد.
ولا بد أيضاً من غض الطرف عن الزلات، والتجاوز عن الهفوات بقدر ما يحفظُ الصداقة، وتدوم معه العشرة، فإن من رام بريئاً من الهفوات سليماً من الزلات فقد رام مستحيلاً:
ومن يتتبع جاهداً كل عثرةٍ……يجدها ولا يسلم له الدهر صاحبُ
ألا فعليكم بمصاحبة الأخيار واحذروا صحبة الاشرار