خطبة عن (أيها المجاهدون: لكم المغفرة والجنات قبل النصر والبُشريات)
أكتوبر 24, 2023خطبة عن خلق الإيثار ،وحديث ( قَدْ عَجِبَ اللَّهُ مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ )
أكتوبر 31, 2023الخطبة الأولى ( إِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
رُوي في الصحيحين البخاري ومسلم : (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ ،فَوَجَدَ بِئْرًا ،فَنَزَلَ فِيهَا ،فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ ،فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ ،يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ ،فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِى كَانَ بَلَغَ بِي ،فَنَزَلَ الْبِئْرَ ،فَمَلأَ خُفَّهُ ، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ ،فَسَقَى الْكَلْبَ ،فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ » .قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ،وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا؟ . فَقَالَ: « فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ »
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم – إن شاء الله تعالى – مع هذا الأدب النبوي الكريم ،والذي يحتوي على الكثير من الدروس والعبر ،ويحمل بين طياته العديد والعديد من الفوائد والدرر ،فهذا الحديث فيه بيان للنظرة الإسلامية لمفهوم الرحمة بمعناها الشامل للكائنات التي بثها الله في هذا الكون الرحيب ،وخاصة عالم الإنسان ،وعالم الحيوان، تلك الرحمة التي تجعل قلب المؤمن يشع برحمته على من حوله، وهذا ما تناوله الحديث في مضمونه ،والذي جاء بأسلوب قصة واقعية حدثت، وليست قصة خيالية ضربت مثلاً، إنها قصة رجل استبد به العطش لدرجة كبيرة ،دفعته للبحث عن قطرة ماء، ولكن رحمة الله أدركته ،عندما وجد بعد طول بحث وعناء ماء في بئر، فنزل وشرب حتى ارتوى، وحمد الله على ذلك، ولكنه عند خروجه من ذلك البئر ،وجد كلباً يلهث من شدة العطش، فأخذته الرحمة بهذا الحيوان الأعجم ،وتذكر حالته عندما كان في الظمإ، فنزل إلى البئر مرة أخرى ،فملأ خفه ماء ،وسقى ذلك الكلب الظمآن ،فشكر الله له ذلك الصنيع ، وأثابه خيراً، وغفر له ذنبه، وأدخله بذلك جنته .
فيبين الحديث: أن هذا الرجل هو إنسان قد أثَّرت فيه الأخلاق الفاضلة ،واستجاشت قلبه عوامل الرحمة ،فاستجاب قلبه استجابة خالصة ،لا مجال للرياء فيها ،وليس للغرض الشخصي مطمح وراءها ،ولم يكن معه إناء ، وكان ذلك كافيا أن ينصرف ،ولكنه نزل إلى البئر ،ونزع خفه ، وملأه ماءً ،وأمسك الخف بفيه حتى صعد البئر ،وهنا تظهر حذاقته وإنسانيته ،بما فيها من تواضع ،وما فيها من رحمة ،حقاً إنه رجل قد بلغت به الرحمة الإنسانية مبلغاً عظيماً ،حتى فعل ذلك كله بمحض الإخلاص والرحمة والشفقة ،ولم يطلب على عمله مطمعاً من أجر ،أو شكر أحد من الناس ،أو سمعة عندهم ،فأثنى الله تعالى عليه ،بأن ذكره بين الملائكة ،ورفع من شأنه ، لأنه قام بعمله خالصاً لوجه الله تعالى ،لا تشوبه شائبة الرياء ،فاستحق هذا الرجل التشريف: فشكر الله تعالى له فغر له ذنوبه لإسدائه الجميل لحيوان أعجم.
ويتبين لنا أيضا : أن هذا الإحسان وقع لكلب، وهو حيوان غريب عن هذا الرجل ،ومع ذلك فالله تعالى غفر لهذا الإنسان، فكيف إذا كان الإحسان لحيوان أنفع :مثل الجمل ،والضأن ، والبقر ،وما أشبه ذلك من بهيمة الأنعام أو غيرها؟ ، بل كيف لو كان الاحسان لإنسان؟. وكيف بمن سقى أمة؟!، وكيف بمن حفر بئراً لقرية لا يجدون الماء مثلاً، أو أجرى نهراً، أو أجرى عيناً، أو نحو ذلك،
والنبي ﷺ يبين لنا: أن هذا الرجل غفر له لمّا قدم هذا المعروف، وهذا المعروف قليل، سقى هذا الكلب من البئر، وهو لم يخسر شيئاً إطلاقاً، لم يشترِ الماء، فكأنه يقول لنا: على الإنسان ألا يحتقر من المعروف شيئاً، ولو كان شيئاً يسيرًا، فإن الله تعالى يكتب ذلك ،فلا يضيع، قال الله تعالى : (وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ ) [البقرة:272].
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (فشكر اللهُ له فغفر له فأدخله الجنة)، يتبين لنا أن هناك أمورا بينها تلازم، فإذا غفر الله تعالى للإنسان فإنه يدخل الجنة بإذن الله تعالى، فذكر المغفرة، وذكر دخول الجنة في سقي كلب،
ويتبين لنا أيضا : أن الله تبارك وتعالى نوع لنا طرق الخير وكثرها لمصالح عباده ،فكل من جاهد نفسه في الالتماس بما يسر الله له منها فهو على خير عظيم، فهذه الدار الدنيا هي دار المسابقة إلى الخيرات ، والمسارعة إلى الطاعات ،وطرق الخير كثيرة ،فعلى المؤمن أن ينتهز الفرصة مدة حياته، وأن يجتهد في القيام بما يسر الله له من أنواع الخير بحسب الطاقة، فالخير طرقه كثيرة ،ووسائله متعددة : فالصلوات الخمس ،واقامتها والمسارعة إليها ،وكثرة الخطا إلي المساجد ،كل ذلك فيه فضل عظيم ،ومغفرة الذنوب وحط الخطايا، وكذا الزكاة، والصوم، والحج، والصدقات، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وتعليم الجاهل ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإرشاد الضال، وإنقاذ من أشرف على مهلكة ،ومن أزال غصن الشوك عن الطريق، فكل هذا من أسباب دخول الجنة،
أيها المسلمون
وفي هذا الحديث الشريف دعوة للرفق والرحمة بالحيوان، تلك الدعوة التي سبقت الداعين إلى الرفق بالحيوان اليوم بمئات السنين، وهذه الدعوة الإسلامية للرفق بالحيوان لم تحرز السبق في الزمان فقط، بل في المحتوى الحقيقي للرحمة الشاملة بالإنسان والحيوان، فالدعوات الحديثة التي قامت للرفق بالحيوان اليوم والتي اتخذت طابع التقدم والحضارة والرقي والبعد الإنساني، نجد أصحابها يتناسون حقوق الإنسان في كثير من البلدان ويستخدمون أشنع وأبشع وسائل الدمار والإبادة للجنس البشري الذي كرّمه الله تعالى.
ولكن الشريعة الإسلامية دعت إلى الرحمة الشاملة في عالم الإنسان أولاً ،ثم إلى الرحمة بالحيوان ثانياً ،ففي الحديث الشريف جعل الرحمة بالحيوان والرفق به لوناً من ألوان العبادة التي تجلب رضوان الله ومغفرته، وتلك إشارة تربوية سامية ،حرص الإسلام على تربية أبنائه عليها ،وهذا ما وضحه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته في قوله صلى الله عليه وسلم: «في كل كبدٍ رطبة أجر».
فالرحمة بالحيوان عبادة بنظر الإسلام تجلب الثواب والمغفرة، والقسوة على الحيوان والغلظة عليه مما يتسبب في هلاكه جريمة بنظر الإسلام ،يعاقب الله عليها بالعذاب الأليم يوم القيامة، وهذا المفهوم وضحه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري ومسلم: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ ، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ ، لاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلاَ سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا ، وَلاَ هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ » ،هذه هي نظرة الإسلام إلى الرحمة بالحيوان ،التي جعلها الإسلام عبادة، وجعل تعذيبه سبباً في دخول النار، فهل جاءت قوانين للبشر في الرفق بالحيوان ،والبعد عن تعذيبه ،كما جاء معنا في هذه الأحاديث ،التي جاءت مثلاً أعلى في الرحمة بهذه المخلوقات الضعيفة؟
أيها المسلمون
وفي الحديث بيان أيضا : أن لداعي الخير أن يسوق الأخبار والقصص، بشرط أن تكون قصصا حقة، وأن يفيد الناس بسوقه لها ،بذكر العبر والاعتبار، وفي الحديث أيضا، عند قوله: (فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِى كَانَ بَلَغَ بِي)، فيه أن تذكر النعم يُعين على شكرها، وبخاصة إذا رأى من حُرِمَها، ودعاة الخير أولى الناس بهذا، إذا أنعم الله عليك بالعلم، ورأيت من جهل فاحمد الله، وبلغ العلم ،فإذا كان هذا الرجل لما شرب وارتوى سقى الكلب، وتذكر نعمة الله عليه، فسقى حيوانا فأُجِر عليه، فما بالك بمن علَّم أو سقى الناس حياة القلوب، فالطعام حياة الأبدان، والعلم حياة القلوب، وحياة القلوب أعظم من حياة الأبدان، كما أن موت القلوب أعظم من موت الأبدان.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وفي الحديث أيضا: ” السعي في عمل الخير مع كل أحد ،وفيه أن شكر الله تعالى يكون بالقول والفعل، وحتى تكون الفائدة كاملة، قالوا: شكر الله -جل وعلا- على أربعة أقسام: بالقول وباللسان، وبالقلب، وبالجوارح، وبالنعمة ذاتها ، فباللسان يلهج لسانك بشكر الله تعالى، وبالقلب أن تعتقد أن كل ما تيسر لك من النعم فهو من فضل الله ورحمته، وبالجوارح أن تسخر جوارحك في طاعة الله وأن تكفها عن معصية الله، فهذا شكر لله بنعمة الجوارح، وبالنعمة ذاتها آتاك الله مالا أنفق في طاعة الله، آتاك الله علما علم الناس كما علمك الله، وفي قول الصحابة: يا رسول الله إن لنا في البهائم أجرا، فيه حرص الصحابة على جميع سبل الخير، فعلى داعي الخير أن يحرص على كل سبيل يحصل به خيرا، وأن لا يسترخص شيئا من ذلك، وفي الحديث الرد على جمعيات الرفق بالحيوان، وطالب العلم ينبغي أن يكون على بينة فيما يُرمى به الإسلام من الشبهات والتضليل، وبخاصة أن كثيرا من ضعفاء النفوس من المسلمين ينساق وراء هذه الشبهات جهلا أو مرضا، مرضا قلبيا.
ومن هدي الحديث النبوي الشريف: الإحسان إلى كل حي من إنسان، وطير، وحيوان ، والتعامل بلين ورفق مع كل كائن حي ، وأن كل معروف مادي أو معنوي فهو صدقة ، وأن أبواب الخير أو المعروف لا تعد ولا تحصى ، وأن العمل المخلَص الصادق, الذي تبتغي به وجه الله- عزَّ وجل- طريقك للجنة ، وأن أحب الخلق إلى الله, أنفعهم لخلق الله.
الدعاء