خطبة عن (أسباب الانحراف في الدين)
نوفمبر 27, 2023خطبة عن (الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى)
نوفمبر 28, 2023الخطبة الأولى ( أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ .. قُمْ أَبَا تُرَابٍ ، قُمْ أَبَا تُرَابٍ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
رُوي في الصحيحين واللفظ للبخاري : (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: مَا كَانَ لِعَلِىٍّ اسْمٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَبِى تُرَابٍ ، وَإِنْ كَانَ لَيَفْرَحُ بِهِ إِذَا دُعِيَ بِهَا ، جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – بَيْتَ فَاطِمَةَ – عَلَيْهَا السَّلاَمُ – فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا فِي الْبَيْتِ فَقَالَ :« أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ » . فَقَالَتْ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ ، فَغَاضَبَنِي فَخَرَجَ فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – لإِنْسَانٍ :« انْظُرْ أَيْنَ هُوَ » ،فَجَاءَ ،فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ فِي الْمَسْجِدِ رَاقِدٌ . فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَهْوَ مُضْطَجِعٌ ،قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ ، فَأَصَابَهُ تُرَابٌ ،فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَمْسَحُهُ عَنْهُ – وَهْوَ يَقُولُ:« قُمْ أَبَا تُرَابٍ ،قُمْ أَبَا تُرَابٍ » ،وفي رواية الامام مسلم : (فَجَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ مُضْطَجِعٌ قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ فَأَصَابَهُ تُرَابٌ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَمْسَحُهُ عَنْهُ ،وَيَقُولُ: « قُمْ أَبَا التُّرَابِ قُمْ أَبَا التُّرَابِ ».
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم -إن شاء الله تعالى- مع هذا الأدب النبوي الكريم ، والذي يرشدنا فيه صلى الله عليه وسلم إلى آداب متعددة ، وفوائد جمة ، ومنها : أولا : أدبه صلى الله عليه وسلم في معالجة المشكلات الأسرية ، والخلافات الزوجية ،والتي لا يخلو بيت منها ، فلا يوجد بيت بلا خلاف ، ولا يمكن لزوجين أن يتوافقا في كل رأي ، ولكن من سنة الله تعالى في خلقه الاختلاف في الطباع ،وعدم تطابق الآراء أحيانا، وبسبب ذلك قد يحدث الخلاف والشقاق والخصام بين الزوجين أو أفراد الاسرة الواحدة ، وهو ما عبرت عنه فاطمة الزهراء (رضي الله) عنها بقولها : (كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ ، فَغَاضَبَنِي فَخَرَجَ فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي) ،ولا حرج على الزوج إن خاف على نفسه أن يغلبه غضبه وانفعاله مع زوجته أن يخرج من البيت إلى أن يسكت عنه الغضب، ثم يرجع ليُرْضي زوجته أو ترضيه، وهذا ما فعله عليّ رضي الله عنه بذهابه ونومه في المسجد.. ومن حسن تصرف الزوجة مع ما يحدث بينها وبين زوجها ألا تذكره لأحد وتفشيه بين أهلها، وهذا ما فعلته فاطمة رضي الله عنها في عدم إفشائها أسرار بيتها ولو لأبيها النبي صلى الله عليه وسلم ،قال ابن بطال: وفيه أن أهل الفضل قد يقع بين الكبير منهم وبين زوجته ما طُبِعَ عليه البشر من الغضب، وقد يدعوه ذلك إلى الخروج من بيته ولا يعاب عليه. قلت: ويحتمل أن يكون سبب خروج عليّ خشية أن يبدو منه في حالة الغضب ما لا يليق بجناب فاطمة رضي الله عنهما، فحسم مادة الكلام بذلك إلى أن تسكن فورة الغضب من كل منهما”.
ولننظر كيف عالج الرسول صلى الله عليه وسلم هذه المشكلة؟ ،وكيف تصرف صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف ،فرسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل على ابنته فاطمة ولم يجد عليا في الدار ، فهم أن في الأمر شيئا غير طبيعي ، فسأل ليستوضح الأمر : (فَقَالَ « أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ » ،قال الكرماني في شرح صحيح البخاري”: “قوله صلى الله عليه وسلم: (ابن عمك) أي زوجها علي رضي الله عنه. فإن قلتَ: لِمَ اختار هذه العبارة، ولم يقل أين زوجك؟ أو أين علي؟! قلتُ: لعله صلى الله عليه وسلم فهم أنه جرى بينهما شيء فأراد استعطافها عليه بذكر القرابة النسبية التي بينهما”، وفي هذا الموقف النبوي مع فاطمة وعلي رضي الله عنهما ظهرت حكمة النبي صلى الله عليه وسلم في عدم سؤاله لفاطمة رضي الله عنها عما بينها وبين وزوجها، حتى لا تتسع دائرة الخلاف بينهما، ولكنه صلى الله عليه وسلم بحث عن الطرف الآخر عن (علي) رضي الله عنه 🙁فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – لإِنْسَانٍ « انْظُرْ أَيْنَ هُوَ » فَجَاءَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ فِي الْمَسْجِدِ رَاقِدٌ . فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَهْوَ مُضْطَجِعٌ ، قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ ، فَأَصَابَهُ تُرَابٌ)،
وهنا يظهر لنا جليا حسن خُلُقه صلى الله عليه وسلم وكرمه في تلطفه مع زوج ابنته ،مع وجود شيء بينهما، فمن حكمة الأب مع زوج ابنته أن ينظر إليه ،ويشعره أنه بزواجه من ابنته قد أصبح ابناً من أبنائه، وفرداً من أفراد الأسرة، فيكون صهره موضع إكرامه وتقديره، قال ابن حجر في فتح الباري في كلامه حول هذا الموقف النبوي: “وفيه كرم خلق النبي صلى الله عليه وسلم لأنه توجه نحو عليّ ليترضَّاه، ومسح التراب عن ظهره ليبسطه، وداعبه بالكنية المذكورة المأخوذة من حالته، ولم يعاتبه على مغاضبته لابنته ،مع رفيع منزلتها عنده، فيؤخذ منه استحباب الرفق بالأصهار، وترك معاتبتهم إبقاء لمودتهم” ، لقد كانت عَلاقة النبي صلى الله عليه وسلم ببناته وأزواجهن عَلاقة قائمة على الحب والحنان، والاهتمام والمودة، وكان من هديه صلى الله عليه وسلم مع بناته بعد زواجهن زيارتهن والسؤال عنهن، والتدخل للإصلاح بينهن وبين أزواجهن إن وُجِدَت مشكلة وعَلِم بها، بشكل يضمن إعادة الود والصفاء إلى جو الأسرة ـ إن رأى وكانت المصلحة في التدخل بينهما
أيها المسلمون
إنّ العيش بسعادة واطمئنان، ضرورة من ضروريّات الحياة لدى كلّ إنسان، لذلك نجده يبحث دوماً عن الراحة والاستقرار، لعلّه يجد الحياة الهانئة المليئة بالسرور والفرح ،بعيداً عن الخلافات والمشكلات، وقد بين الله سبحانه لنا مكان الراحة، والسكينة، والاستقرار في قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (21) الروم، لذلك جُعلت السعادة في تكوين الأسرة المسلمة وبنائها، ولا يكون ذلك سهلاً، بل يحتاج الإنسان أن يبحث عن دعائم قوية لبناء بيته وأسرته، لينعم بالراحة، ولا يجد من يكدّر صفو حياته.
وقد يقع بين أهل الفضل ما يقع، فيقع من الكبير، والعالم، ويقع من القدوة بينه وبين زوجته شيء، هذا من طبيعة البشر، لكن فرق بيننا، وبين السلف الصالح، فالقضية عندهم سرعان ما تزول، والمشكلة سرعان ما تحل، وقضية العناد، والمكابرات، والهجر الطويل، هذه لا توجد عندهم، أما عند الخلف فكثير، وتستمر القضية، ومحاكم، وتشهيرات، وأخبار في المجتمع سيئة، وتلوك الألسن الأعراض ، لذا فإني أقدم لكم بعض الطرق والوسائل لحل المشكلات الزوجية حال حدوثها : فإنّ أهمّ ما يجب على الزوجين فعله حينما يختلفان، أو تحدث مشكلة بسيطة بينهما هو: عدم إعطاء المشكلة أكبر من حجمها، بل ومحاولة التصغير من حجمها، وعدم إخراجها من حدود البيت الذي يعيشان فيه، ولا بدّ من أن يفهم كل من الزوجين الآخر، حتّى إن حدث خلاف بينهما، فيستطيعان أن يتفاهما، ويعرف كل منهما مقصد ونيّة الآخر، وحذارِ من التشكيك ونزع الثقة من أحد الزوجين للآخر، وإذا حدث خلاف أو مشكلة بسيطة، فيجب على الفور إخماد هذه المشكلة بمعرفة السبب الرئيس منه، دون أن يفتح كلّ من الزوجين على الآخر آفاقاً لا تنتهي من الاتهامات والشتائم، ولا بدّ من العتاب، ولكن بطريقة وديّة بعيداً عن الصراخ والصخب، ولا بدّ أن يستمع كل منهما للآخر، ثم ينهيان الخلاف في مكانه، دون العودة إليه مرة أخرى.
ومن وسائل حل المشكلات الزوجية أيضا: عدم إشراك أحد في حلّ المشاكل غير الزوجين، وإذا كان لا بدّ من ذلك فالبحث عن طرف محايد ،لا يقف لمصلحة أيّ منهما دون الآخر، فعند حدوث أي مشكلة، من الأفضل أن يجلس الزوجين معاً ويتفهما جيداً ،فالشيطان من أسمى مقاصده أن يفرق بين المرء وزوجه، فيحرصان على حماية حصن الزوجية، وعند حدوث مشكلة بين الزوجين واحتدام الموقف، يجب أن يحاول كل من الزوجين أن يتماسك نفسه ،ولا يتسرع بإصدار قرارات متعجلة ،قد تصعد من الموقف إلى ما لا يعلم عقباه، ومن أهم الطرق للحفاظ على الحياة الزوجية واستمرا السعادة الزوجية أن لا ينسى كل من الزوجين آثار وفضائل زوجه، فهو على كلّ حال شريك الحياة في الدنيا، والرفيق في الآخرة إذا صلح كلاهما ، فقد قال الله تعالى : (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (237) البقرة
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ .. قُمْ أَبَا تُرَابٍ ، قُمْ أَبَا تُرَابٍ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن أهم الفوائد التي يمكن أن نستنبطها من هذا الحديث : إذا لم يستطع الزوج الحوار الهادئ مع زوجته: أثناء الخصام، فعليه أنْ يخرج من البيت حتى لا يتصرف تصرّفاً غير منضبط، فينهدم بيت الزوجيّة ، فتغيير المكان أثناء الغضب، مطلب لتهدئة الإنسان، وذهاب غضبه. وفي الحديث جواز دخول الوالد في بيت ولده بغير إذن زوجها. وفيه استعطاف الشخص على غيره بذكر ما بينهما من القرابة. وفيه إباحة النوم في المسجد لغير الفقراء ولغير الغريب، وفيه الممازحة للغاضب بالتكنية بغير كنية إذا كان ذلك لا يغضبه بل يؤنسه. ، وفيه مدارة الصهر وتسلية أمره في غيابه. وفي الحديث: جواز التكنية بغير الولد فإنه صلى الله عليه وسلم كنَّاه أبا تراب”،
وقال ابن حجر في فتح الباري: ويستفاد من الحديث: جواز تكنية الشخص بأكثر من كنية، والتلقيب بلفظ الكنية وبما يشتق من حال الشخص، وأن اللقب إذا صدر من الكبير في حق الصغير تلقاه بالقبول ولو لم يكن لفظه لفظ مدح، وأن من حمل ذلك على التنقيص لا يلتفت إليه وفي الحديث بيان لعظم خلق النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه توجه نحو علي ليترضاه، ومسح التراب عن ظهره ليبسطه، وداعبه بالكنية المذكورة المأخوذة من حالته، ولم يعاتبه على مغاضبته لابنته، مع رفيع منزلتها عنده.، وفيه بيان لفضل فاطمة رضي الله عنها، وعلوّ منزلتها عند أبيها صلى الله عليه وسلم ،وحكمة علي رضي الله عنه وكمال عقله، وحبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويظهر ذلك من قول سَعْدٍ: (مَا كَانَ لِعَلِىٍّ اسْمٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَبِى تُرَابٍ ، وَإِنْ كَانَ لَيَفْرَحُ بِهِ إِذَا دُعِيَ بِهَا )
الدعاء