خطبة عن (مرافقة الرسول في الجنة)
سبتمبر 1, 2024خطبة عن (حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) مختصرة
سبتمبر 8, 2024الخطبة الأولى ( سَيَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِى أَقْوَامٌ تَجَارَى بِهِمْ الأَهْوَاءُ كَمَا يَتَجَارَى الْكَلْبُ لِصَاحِبِهِ)
الحمد لله رب العالمين .اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى أبو داود في سننه وحسنه الألباني: (عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِى سُفْيَانَ أَنَّهُ قَالَ: أَلاَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَامَ فِينَا فَقَالَ :«أَلاَ إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً ،وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ ،ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ ،وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ ،وَهِىَ الْجَمَاعَةُ ». زَادَ ابْنُ يَحْيَى وَعَمْرٌو فِي حَدِيثَيْهِمَا:« وَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِى أَقْوَامٌ تَجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الأَهْوَاءُ ،كَمَا يَتَجَارَى الْكَلْبُ لِصَاحِبِهِ ».وَقَالَ عَمْرٌو :« الْكَلْبُ بِصَاحِبِهِ لاَ يَبْقَى مِنْهُ عِرْقٌ وَلاَ مَفْصِلٌ إِلاَّ دَخَلَهُ ».
إخوة الإسلام
في هذا الحديث النبوي الكريم يبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن في الاعتِصام بكتابِ اللهِ تعالَى وبسُنَّةِ نبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سبيلُ النَّجاةِ، والأمْنِ مِنَ الفِتَنِ، فيُخبِرُ الصحابي الجليل مُعاويةُ بنُ أبي سفيانَ رضِيَ اللهُ عنه فيقول : “ألَا إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قام فينا”، أي: خَطَبَنا، فقال: “ألَا إنَّ مَنْ قبْلَكم مِنْ أهلِ الكتابِ افْتَرقوا على ثِنتينِ وسبعينَ مِلَّةً”، أي: اليهودَ والنَّصارى ،وقيل: إنَّ المرادَ بهم النَّصارى، وقد ذُكِرَ في اليهودِ أنَّها ستَفترِقُ على إحْدَى وسبعينَ فِرقةً. “وإنَّ هذه المِلَّةَ”، أي: إنَّ تلك الأُمَّةَ وهي أُمَّةُ الإسلامِ، “ستَفترِقُ على ثلاثٍ وسبعينَ، ثِنتانِ وسبعون في النَّارِ”، أي: إنَّ تلك الفِرَقَ الَّتي ستَنشأُ وتتكوَّنُ في تلك الأُمَّةِ هم مَنْ يُخالِفُ أهلَ الحقِّ في أصولِ التَّوحيدِ وفي تقديرِ الخيرِ والشَّرِّ، وجزاؤُهم بذلك النَّارُ، “وواحِدةٌ في الجَنَّةِ وهي الجماعةُ”، أي: إنَّ الفِرقةَ النَّاجيةَ بَيْن هؤلاءِ هم الجَماعةُ مِن أهلِ العِلْمِ والفقهِ والمجاهِدينَ في سَبيلِ اللهِ والآمِرين بالمَعروفِ والنَّاهينَ عنِ المُنكرِ، الَّذين اجتَمعوا على الاعتِصامِ بكِتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ ،واتِّباعِ آثارِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وسُنَّتِه، وابْتَعَدوا عن البِدعِ والتحريفِ والتَّغييرِ. ثم قال صلَّى الله عليه وسلَّم: “وإنَّه سيَخرُجُ مِن أُمَّتي أقوامٌ”، أي: سيكونُ مِن بَيْنِ تِلك الفِرَقِ أقوامٌ، “تَجَارَى بهم تلك الأهواءُ”، أي: يكون اتِّباعُهم للهوى والبِدَعِ، “كما يَتَجَارَى الكَلَبُ لصاحِبِه”، أي: كما يَسْري داءُ الكَلْبِ بالجسدِ الَّذي يُصيبُه، وداءُ الكلبِ: هو عَضَّتُه الَّتي تَصِلُ إلى جميعِ الجسدِ، “لا يَبْقى منه عِرْقٌ ولا مِفْصَلٌ إلَّا دخَلَه”، أي: إنَّ حِرصَهم في اتِّباعِ الهوى يكون مِثلَ سُرعةِ انتشارِ المرضِ بين العُروقِ ومَفاصِلِ الجسمِ، وهي إشارةٌ إلى تشبُّعِ نفْسِه بما اتَّبعَتْ مِنَ الأهواءِ والبِدَعِ.
أيها المسلمون
ولنا اليوم -إن شاء الله تعالى- وقفات تأملية في قوله صلى الله عليه وسلم : « وَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِى أَقْوَامٌ تَجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الأَهْوَاءُ كَمَا يَتَجَارَى الْكَلْبُ لِصَاحِبِهِ ،لاَ يَبْقَى مِنْهُ عِرْقٌ وَلاَ مَفْصِلٌ إِلاَّ دَخَلَهُ ». ،فقد ركّب الله عز وجل في الإنسان مجموعة من الغرائز ,التي يهواها ويميل إليها بفطرته , وذلك لضرورة بقائه على هذه الأرض وعمارتها ،ومن ذلك ميله إلى الطعام والشراب والنكاح ,وحبه للمال والتملك ,وغير ذلك مما هو مركوز في الفطر ,قال الله تعالى : {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} (14) (آل عمران) ، وليتحقق أيضاً معنى الابتلاء والامتحان ,الذي من أجله أوجد الله الإنسان في هذه الحياة قال الله تعالى : {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) الملك (2) ,وهذا الميل الذي ركب في الإنسان هو الذي يطلق عليه (الهوى), وهو ميل النفس إلى ما تحبه وتهواه من الخير أو الشر ،فالهوى في الأصل ليس مذموماً بإطلاق ,وإنما المذموم منه ما تجاوز الحد المشروع ،فإن مالت النفس إلى ما يخالف الشرع ،فهو الهوى المذموم ,وإن مالت إلى ما يوافق الشرع ،فهو الهوى الممدوح ،ولكن لما كان الغالب على متبع الهوى أنه لا يقف عند الحد الشرعي الجائز ,أطلق ذم اتباع الأهواء والشهوات في النصوص الشرعية ،وصار علامة على كل ما خالف الحق ،وللنفس فيه حظ ورغبة من الأقوال والأفعال والمقاصد ،ولذا قال ابن عباس رضي الله عنهما : ” ما ذكر الهوى في موضع من كتاب الله إلا ذمه ” ،وقال ابن رجب – رحمه الله – : «وكذلك البدع إنما تنشأ من تقديم الهوى على الشرع ،ولهذا يسمى أهلها أهل الأهواء .وكذلك المعاصي إنما تقع من تقديم الهوى على محبة الله ورسوله ومحبة ما يحبه»، وقال الشاطبي – رحمه الله – : «ولذلك سمي أهل البدع أهل الأهواء، لأنهم اتبعوا أهواءهم فلم يأخذوا الأدلة الشرعية مأخذ الافتقار إليها، والتعويل عليها، حتى يصدروا عنها، بل قدموا أهواءهم، واعتمدوا على آرائهم، ثم جعلوا الأدلة الشرعية منظورًا فيها من وراء ذلك» ،ومما ينبغي أن يعلم أن أهواء الشبهات أعظم وأخطر من أهواء الشهوات ،قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : «واتباع الأهواء في الديانات أعظم من اتباع الأهواء في الشهوات فإن الأول حال الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين كما قال تعالى : ” فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ” [القصص: 50] ، ولهذا كان من خرج عن موجب الكتاب والسنة من العلماء والعباد يجعل من أهل الأهواء، كما كان السلف يسمونهم أهل الأهواء، وذلك أن كل من لم يتبع العلم فقد اتبع هواه ،والعلم بالدين لا يكون إلا بهدى الله الذي بعث به رسوله»
أيها المسلمون
إن الشيطان إذا وسوس للإنسان ،ولم يجد منه سماعًا لهذا الوسواس، بحث في نفس الإنسان عن هوى لشيء أو ميلًا تجاه أمر ما، فيتخذه مدخلًا لإيقاعه في معصية الله عز وجل، ويروى أن إبليس قال: “أهلكت العباد بالذنوب فأهلكوني بالاستغفار، فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء، فهم يحسبون أنهم مهتدون فلا يستغفرون”، ومن هنا جاء التحذير الإلهي لبني آدم من اتباع أهوائهم حتى لا يوردهم ذلك المهالك، بل أرشدهم إلى اتباع سبيل الله ومراده لأنه هو الصراط المستقيم، ولأن سبيل الله وما شرعه فيه الصلاح والفلاح للإنسان في كل أمور الدنيا والآخرة، يقول الله تعالى: {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} (26) ص ، واتباع الهوى دليل على صدأ القلب والطبع عليه والعياذ بالله، يقول تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} (16) محمد ، والعاقل يعلم أن جميع المعاصي إنما تنشأ من اتباع هوى النفس ، وتقديمه على محبة الله ورسوله، فإذا أغلق المسلم باب الهوى أمام الشيطان ،فلا يستطيع غوايته ،وقد عد النبي صلى الله عليه وآله وسلم اتباع الهوى من المهلكات، فَفِي الْحَدِيثِ { ثَلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ شُحٌّ مُطَاعٌ وَهَوًى مُتَّبَعٌ وَإِعْجَابُ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ} أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ ،وذلك لأن الهوى إذا تمكن من الإنسان وغرق فيه، تمادى بصاحبه فلا يستطيع تركه، يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: “إن أشد ما أخاف عليك خصلتان، إتّباع الهوى وطول الأمل، فأما اتباع الهوى، فإنه يصد عن الحق”. فلا نجاة من هلكة الهوى إلا بمخالفته، وقد تظافرت النصوص الشرعية والآثار عن السلف على ذم الأهواء ,والتحذير من اتباعها ,ومن الآيات التي حذرت من اتباع الهوى ووبخت أهل الأهواء ،قوله تعالى : (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ) (87) (البقرة) ،وقال تعالى : (وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ) (119) (الأنعام) . وقد حذر سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم وأمته من اتباع أهواء الكفار والمنحرفين فى مواضع كثيرة من كتابه كقوله سبحانه: (وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ). (المائدة :49). ،وقد ضرب النبي – صلى الله عليه وسلم – في عدد من الأحاديث الأمثال ,التي تبين خطورة اتباع الهوى وعاقبة ذلك ،ومن هذه الأحاديث ما رواه الإمام مسلم : (قَالَ حُذَيْفَةُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلاَ تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ »، كما روى البخاري: (أن أَبَا هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « إِنَّمَا مَثَلِى وَمَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا ، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي تَقَعُ فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا ، فَجَعَلَ يَنْزِعُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَقْتَحِمْنَ فِيهَا ، فَأَنَا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ ، وَأَنْتُمْ تَقْتَحِمُونَ فِيهَا » ، كما كان السلف رضي الله عنهم يحذرون من اتباع الهوى ،ومما أثر عنهم في ذلك :قال رجل للحسن البصري: يا أبا سعيد أي الجهاد أفضل؟ قال: جهاد هواك .وقال ابن تيميه: جهاد النفس والهوى أصل جهاد الكفار والمنافقين، فإنه لا يقدر على جهادهم حتى يجاهد نفسه وهواه أولاً حتى يخرج إليهم .وقال بشر الحافي: البلاء كله في هواك، والشفاء كله في مخالفتك إياه. وقال عطاء: من غلب هواه عقله وجزعُه صبرَه افتضح. وقال أبو علي الثقفي: من غلبه هواه توارى عنه عقله،
أيها المسلمون
هكذا يتبين لنا أن من اخطر الأدواء التي تعترض الانسان هوى النفس، وهو امر خفي، يعد من مكنونات الصدور، ومخبآت النفوس، فمسالكه ومساربه دقيقة جداً، لدرجة أن المرء ربما لا يدرك اختلاط آرائه وأفكاره بالهوى، إلا اذا تجرد تمام التجرد من كل علائق النفس، ومطامعها وشهواتها، واتقى الله حق تقواه، هنالك يحصل له الفرقان الذي يميز به بين الحق والباطل، وبين الرغوة والصريح ، ولذلك فقد أوغل المشركون في الانحراف والزيغ ورد الحق على الرغم من معرفتهم صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، وسمو التعاليم التي جاء بها، وذلك بسبب سيطرة الهوى على نفوسهم، حتى أن القرآن الكريم يذكر لنا أنهم بسبب عنادهم ومخالفتهم للحق عن علم قد اتخذوا أهواءهم آلهة من دون الله فقال الله تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) (23) الجاثية، وكذلك اهل البدع على مرور العصور قد احدثوا انهيارات عقدية وايمانية داخل صفوف المسلمين ،كل ذلك بسبب تشبع نفوسهم بالأهواء المضلة التي تتجارى بهم كما يتجارى الكلب بصاحبه وذلك بالجناية على نصوص الوحيين، بالتأويلات الفاسدة ،ولخطورة الهوى، ولكونه من الصفات القبيحة، والاخلاق الرديئة، والتي لا تليق بآحاد المؤمنين، فقد نزه الله منه نبيه صلى الله عليه وسلم فقال الله تعالى: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) (1) :(4) النجم ،فهو المعصوم، ولذلك كان جوابه صلى الله عليه وسلم لأصحاب الاهواء المضلة والعقائد الفاسدة كما حكى الله عز وجل ذلك بقوله تعالى: (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) (56) الانعام ، واتباع الهوى يختلف بحسب المتبع ،فقد يكون اتباع الهوى كبيرة من الكبائر، كالحيف في القضية، وعدم العدل بين الزوجات بالسوية ،قال الله تعالى: (فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) النساء (135)، وقد يكون اتباع الهوى مروقاً من الدين مثل: ترك الايمان، او عدم اعتقاد صحة رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، او تبديل الشريعة، او دعوى عدم صلاحية الاسلام في هذا العصر ونحوها من الامور التي تعد من نواقض الدين.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( سَيَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِى أَقْوَامٌ تَجَارَى بِهِمْ الأَهْوَاءُ كَمَا يَتَجَارَى الْكَلْبُ لِصَاحِبِهِ)
الحمد لله رب العالمين .اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
واتباع الهوى لا تكاد تسلم منه نفس بشرية إلا من عصم الله، إلا أنه يكثر في نفس، ويقل في أخرى بحسب ما يقوم فيها من إيمان ومراقبة لله تعالى ،وإذا أردت أن تمتحن نفسك فانظر ما يعترضك من أمور يتجاذبك فيها مرادان ومحبوبان : مراد ومحبوب لله، ومراد ومحبوب للنفس والشيطان، فمتى قدمت الأول فأنت سالم موفق، ومتى قدمت الثاني فلتعلم أنك في خطر عظيم، يحتاج منك المسارعة إلى تطهير نفسك من هذا الداء المردي، وذلك بكتاب الله وسنة رسوله ،واللذان فيهما الشفاء من كل داء، وعليك بمراقبة الله جل وعلا في كل احيانك، فبها يخرج الانسان بإذن الله من حظوظ النفس، ويتجرد من نزواتها، فعلى العبد أن يتأمل كم أضاعت معصيته من فضيلة، وكم أوقعت في رذيلة، وكم أكلة منعت أكلات، وكم من لذة فوتت لذات، وكم من شهوة كسرت جاهاً، ونكست رأساً، وقبحت ذكراً وأورثت ذماً، وأعقبت ذلاً، وألزمت عاراً لا يغسله الماء، ويتم التخلص من هذه الآفة بعزيمة حر يغار لنفسه وعليها ،وجرعة صبر يصبر نفسه على مرارتها تلك الساعة، وقوة نفس تشجعه، والشجاعة كلها صبر ساعة، وملاحظته الألم الزائد على لذة طاعة هواه، وإبقائه على منزلته عند الله تعالى وفى قلوب عباده، وهو خير وأنفع له من لذة موافقة الهوى، وإيثاره لذة العفة وعزتها وحلاوتها على لذة المعصية، والتفكر في أنه لم يخلق للهوى وإنما هيء لأمر عظيم لا يناله إلا بمعصيته للهوى، وألا يختار لنفسه أن يكون الحيوانُ البهيمُ أحسنَ حالاً منه ؛ فالحيوان قد يحسن التمييز بين ما ينفعه وما يضره، وأن يأنف لنفسه من ذل طاعة الهوى وأن يكون تحت قهر الشيطان، وأن يوازن بين سلامة الدين والعرض والمال والجاه ،ونيل اللذة المطلوبة ،وأن يعلم أن الهوى ما خالط شيئاً إلا أفسده ، حتى وإن كان علماً وزهداً،
الدعاء