خطبة عن (انْتِظَارُ الْفَرَجِ)
نوفمبر 14, 2024خطبة عن (نُورٌ عَلَى الطَّرِيقِ)
نوفمبر 17, 2024الخطبة الأولى ( إِنَّ مِنْ أَرْبَى الرِّبَا الاِسْتِطَالَةَ فِي عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى أبو داود في سننه وصححه الألباني 🙁عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « إِنَّ مِنْ أَرْبَى الرِّبَا الاِسْتِطَالَةَ فِي عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ ».
إخوة الإسلام
إن الإسلام هو دِينُ الأخلاقِ الحسَنةِ، وقد أمرَ الله تعالى المسلمين بحفظِ الأعْراضِ مِن أنْ تُنتَهكَ بالقولِ أو الفعلِ؛ لأنَّه ممَّا يورِثُ العَداوةَ والبَغضاءَ بينَ المسلِمينَ، فقال الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) (12) الحجرات ،وقال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) (23): (25) النور ،وفي هذا الحَديثِ المتقدم ذكره يقولُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم :”إنَّ مِن أَرْبَى الرِّبا”، أي: أفْحشِه وأرذَلِه وأكثرُه وَبالًا على صاحِبه، “الاستِطالةَ في عِرض ِالمسلمِ بغيرِ حَقٍّ”، أي: الوُقوعَ في عِرضِ المسلمِ بالقَولِ أو الفِعلِ، أو بالغِيبة وسَيِّئ القولِ بغيرِ حَقٍّ ،وبغيرِ سَببٍ شَرعيٍّ يُبيحُ له استِباحةَ عِرضِ أخيهِ، وبأكثرَ ممَّا يستحِقُّه من القولِ أو الفعلِ ،وقد قيلَ: إذا كانَ الرِّبا في المالِ مُحرَّمًا ومِن الكبائرِ؛ فإن تشبِيهَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم الوُقوعَ في الأعراضِ بالوقوعِ في الرِّبا المحرَّم هوَ على سَبيل المبالغةِ، وذلكَ لأنَّ العِرضَ أعزُّ وأغلى على الإنسانِ مِن المالِ؛ فيكونُ الوُقوعُ فيه أشدَّ ضَررًا وخُطورةً مِن الوقوعِ في رِبا المالِ ،فالربا في الشريعة الإسلامية ربوان :ربا الأعراض، وربا الأموال، وكلاهما من الكبائر، لكن الأول أشد وأخطر وأكثر، وإن كان الثاني أشهر ،ومعنى (الاستطالة) أي إطالة اللسان، والاستطالة في عرض الشخص أن يتناول منه أكثر مما يستحقه على ما قيل له ،وأكثر مما رخص له فيه، ولذلك مثله بالربا وعده من عداده، ثم فضله على جميع أفراده، لأنه أكثر مضرة وأشد فسادا، فإن العرض شرعا وعقلا أعز على النفس من المال وأعظم منه خطرا، ولذلك أوجب الشارع بالمجاهرة بهتك الأعراض ما لم يوجب بنهب الأموال .
وقوله صلى الله عليه وسلم (بِغَيْرِ حَقٍّ) فيه تنبيه على أن العرض ربما تجوز استباحته في بعض الأحوال، وذلك مثل قوله صلى الله عليه وسلم (لي الواجد يحل عرضه)، فيجوز لصاحب الحق أن يقول فيه إنه ظالم ،وإنه متعد ونحو ذلك، ومثله ذكر مساوي الخاطب والمبتدعة والفسقة على قصد التحذير. فالله تعالى يقول {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 194]، ويقول سبحانه:”{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40]، ويقول وقوله الحق :{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ}[النحل:129] ،فشرع سبحانه العدل وهو القصاص، وندب إلى الفضل وهو العفو، ومن زاد في الرد عن المثل فقد أربى واعتدى في هذا الربا.
ففي هذا الحديث بيان لعظم شأن الوقوع في أعراض المسلمين، سواء كان ذلك ابتداء أو مكافأة، ومن الربا: السبتان بالسبة، والجراءة على أعراض المسلمين من علامات فساد الباطن، وخبث النية، وسوء الطوية، ولا يقدم عليها إلا من سفه نفسه، وكرماء الرجال في الجاهلية، فضلاً عن الإسلام كانوا يرفعون أنفسهم عن الكلام في الآخرين، ويعدون هذا منافياً لمكارم الأخلاق ،فالكريم ليشح بنفسه عن مواقع الهلكة، ومواقع البوار، ويرى نفسه أسمى من أن يضعها في مقام القدح في هذا، أو النيل من ذاك طمعاً في دنيا، أو منافسة على مقام، أو حسداً على نعمة، أو من باب من ينتقص الناس ليثبت لنفسه الكمال الذي حرموه، ولا خير في امرئ لا يحاسب نفسه، ولا يراجعها، ولا يوبخها، ولا يدهمها في حال غفلة ليعرف خباياها،
أيها المسلمون
وفي بيان عقوبة الخوض في أعراض الناس ،فقد روى أبو داود في سننه وغيره : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ فَقُلْتُ مَنْ هَؤُلاَءِ يَا جِبْرِيلُ قَالَ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ » ،فهؤلاء كانوا في الدنيا ينهشون لحوم الناس ،ويتكلمون فيهم، فعقوبتهم يوم القيام أنهم ينهشون لحومهم. وفي سنن أبي داود أيضا : (عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ أَكَلَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ أَكْلَةً فَإِنَّ اللَّهَ يُطْعِمُهُ مِثْلَهَا مِنْ جَهَنَّمَ وَمَنْ كُسِىَ ثَوْبًا بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَكْسُوهُ مِثْلَهُ مِنْ جَهَنَّمَ وَمَنْ قَامَ بِرَجُلٍ مَقَامَ سُمْعَةٍ وَرِيَاءٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُومُ بِهِ مَقَامَ سُمْعَةٍ وَرِيَاءٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ».، فلا يجوز للمسلم أن يستطيل في عرض الآخرين بدون حق، ففي الصحيحين: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا هُنَّ قَالَ « الشِّرْكُ بِاللَّهِ ، وَالسِّحْرُ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ » ،فمن أشد وأقبح ما يكون من الإنسان ،أن يتسلط على امرأة مؤمنة غافلة بعيدة عن الفحشاء، فيتهمها بالزنا ،وينسبها إلى ما لم يكن منها زورا وبهتانا، فذلك أذية لله وأذية لعباد الله، ولذلك توعد الله عز وجل من فعل ذلك بما سبق من العقوبة، وبين العلماء رحمهم الله أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نزل العرض منزلة الدم، فجمع بين حرمة العرض وحرمة الدم، وذلك في أعظم مشهد وأعظم جمع جُمع له في عهده صلوات الله وسلامه عليه، وذلك في حجة الوداع ، ففي الصحيحين : (عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ :قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – بِمِنًى : « أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا » . قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ « فَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ حَرَامٌ ، أَفَتَدْرُونَ أَيُّ بَلَدٍ هَذَا » . قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ « بَلَدٌ حَرَامٌ ، أَتَدْرُونَ أَيُّ شَهْرٍ هَذَا » . قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ « شَهْرٌ حَرَامٌ » . قَالَ « فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا »، فدل على أن الخوض في العرض يعتبر من المحارم المعظمة عند الله عز وجل، كحرمة يوم عرفة في الشهر الحرام في البلد الحرام، كل ذلك تعظيما من الله لأعراض المسلمين. فدل ذلك على أنه ينبغي للمسلم أن يصون لسانه من الوقيعة في عرض أخيه المسلم، بل قال العلماء: لو أن شخصا رأى رجلا أو امرأة فظن بهما ظن السوء ولم يتحقق فعلهما للسوء، فإنه يعتبر مرتكبا للجريمة على قدر ظنه، ويلقى الله بإثمهما، كما بين الله تبارك وتعالى ذلك بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ} [الحجرات:12]، فأخبر أن بعض الظن إثم وجريمة في حق الناس.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِنَّ مِنْ أَرْبَى الرِّبَا الاِسْتِطَالَةَ فِي عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
لقد نبه العلماء رحمهم الله -عند الكلام على أدب اللسان- على ما ينبغي أن يكون عليه المسلم، من عدم التكلم في حق أخيه إلا ببينة وعلم، كما أشار الله تبارك وتعالى إلى ذلك بقوله تعالى: { وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا} [يوسف:81]، ولو كان الإنسان مازحا ،فقال لأخيه: يا ابن الزانية ،أو يا ابن الزاني؛ لكان قاذفا، ويلحقه الوعيد الذي أخبر الله عز وجل عنه في كتابه ،وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فينبغي للمسلم أن يصون لسانه، وأن يصون سمعه عن سماع أي طعن في مسلم أو مسلمة بفاحشة ،قال العز بن عبد السلام: ” الأصل [في المسلم] براءة ذمته من الحقوق، وبراءة جسده من القصاص والحدود والتعزيرات، وبراءته من الانتساب إلى شخص معين، ومن الأقوال كلها، والأفعال بأسرها” ،
فانتهاك عرض المسلم حرام، والواجب حسن الظن بالمسلم، وإن وقع مسلم في زلة فيجب ستره، ولا يجوز إشاعة زلته، وهذا من اتباع خطوات الشيطان، ومن تكلم في عرضه بغير حق فصبر فله العاقبة المحمودة في الدنيا والآخرة ،
ومن مكارم الأخلاق التي حث عليها الاسلام الذب عن عرض المسلم وسمعته، والرد على أهل الباطل الذين يريدون خدش كرامة المسلمين ،والدعاء للمسلمين في ظهر الغيب ، وتتبع أخبارهم، والوقوف على أحوالهم، كل هذه تحقق للإنسان معنى النصرة ،وتجعله عضوا عاملا صالحا في كيانه الإسلامي ، كما ينبغي على الإنسان أن يحفظ غيبة العلماء، فإن حفظ عرض المسلم الذي هو من عامة المسلمين فريضة ينبغي حفظها، فكيف بالعلماء؟؟،
الدعاء