خطبة عن ( نهاية قارون، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)

                                         الخطبة الأولى  ( نهاية قارون، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)

 الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان ..ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام  .. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له  وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وكشف الله به الغمة .. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين                 

                                                    أما بعد    أيها المسلمون

 قال الله تعالى عن قارون : ( فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82) تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (81 ) :(83) القصص

إخوة الإسلام 

ونواصل حديثنا عن قصة قارون دروس وعبر، وتوقفت معكم عند قوله تعالى : (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ) ، فلما لم ينته قارون من بغيه وظلمه ، وتكبره ، كان العقاب في الدنيا ، ولعذاب الآخرة أكبر ، كان العقاب في الدنيا ليكون عبرة لكل من جاء بعده ، فقال تعالى :(فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ) ، خسف الله به الأرض فابتلعته هو وداره بما فيها من أموال وزينة، فلم يكن له أنصار يمنعونه من عذاب الله، ولم يكن يستطيع أن ينتصر لنفسه. فما نفعه مال، ولا دافع عنه أهل  (وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ)  أي: بذاته. فلم تكُنْ له عُصْبة تحميه، ولا استطاع هو حماية نفسه، فمَنْ يدفع عذاب الله إن حلَّ، ومَنْ يمنعه وينقذه إنْ خُسِفت به الأرض؟!، أخذه الله أخذ عزيز مقتدر ، ليعلم هو وأمثاله في كل زمان ومكان ، أن الله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ، فليرجع الظالمون عن غيهم وبغيهم ، وليراجعوا أنفسهم ، وليتذكروا دائما ، أن عذاب الله للكافرين واقع ، ما له من دافع ، وفي صحيح البخاري: (عَنْ أَبِى مُوسَى – رضى الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِى لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ » . قَالَ ثُمَّ قَرَأَ ( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهْىَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ) وفي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِى قَدْ أَعْجَبَتْهُ جُمَّتُهُ وَبُرْدَاهُ إِذْ خُسِفَ بِهِ الأَرْضُ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِى الأَرْضِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ». وهنا ينبغي أن نتساءل: كيف كان حال مَنْ اغتروا به، وفُتِنوا بماله وزينته؟،قال تعالى (وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ )، هكذا قال من تمنوا أن يكونوا مثله بالأمس ، فبعد أن عاينوا ما حاق به من عذاب الله وبأسه الذي لا يُردُّ عن القوم الكافرين – ها هم اليوم – يثوبون إلى رُشْدهم ، ويعودون إلى وعيهم ، ويعترفون بجهلهم ، وعلموا أن الله إذا بسط لعبده في الرزق ، فهو يختبره ويمتحنه  فقالوا: ( وَيْكَأَنَّ الله يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ )، فكلمة (وَىْ)  تدل على الندم والتحسُّر على ما حدث . فقولهم (وي) ندماً على ما كان منهم من تمني النعمة التي تنعَّم بها قارون وتخطيئاً  لأنفسهم، بعد أنْ شاهدوا الخَسْف به وبداره،  {يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ … }   أي: يقبض ويُضيق، وليس بسْط الرزق دليل كرامة، ولا تضييقه دليلَ إهانة، بدليل أن الله يبسط الرزق لقارون، ثم أخذه أخْذ عزيز مقتدر. فهو سبحانه يبسط الرزق لمن يشاء لحكمة ، ويمنع الرزق ممن يشاء لحكمة ، فهو عليم خبير ، وعلى العبد أن يرضى بحكمه ويستسلم لأمره ، وفي مسند أحمد: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَحْمِى عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ مِنَ الدُّنْيَا وَهُوَ يُحِبُّهُ كَمَا تَحْمُونَ مَرِيضَكُمْ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ تَخَافُونَهُ عَلَيْهِ ».   

                                               أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم

                                     الخطبة الأولى ( نهاية قارون، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)

 الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان ..ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام  .. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له  وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وكشف الله به الغمة .. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين                 

                                                  أما بعد    أيها المسلمون

 ففي كل زمان ومكان نسمع ونرى أولئك الذين يتمنون الغنى والجاه والسلطان ، وتتوق أنفسهم إلى الكنوز والقصور ، وهذا إن دل فإنما يدل على حبهم للدنيا ، ورغبتهم فيها ،وهذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يصحح لنا الأمنيات والرغبات فيقول كما في صحيح البخاري :(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِى اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ فَسَمِعَهُ جَارٌ لَهُ فَقَالَ لَيْتَنِى أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِىَ فُلاَنٌ فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَهْوَ يُهْلِكُهُ فِى الْحَقِّ فَقَالَ رَجُلٌ لَيْتَنِى أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِىَ فُلاَنٌ فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ »  ، وفي رواية  « لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِى اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً فَهْوَ يَقْضِى بِهَا وَيُعَلِّمُهَا »)

أيها المؤمنون

 ثم يلفتنا الحق تبارك وتعالى إلى قضية هامة ، وهي أن الجنة دار النعيم المقيم ، لا تنال بالجاه ولا بالسلطان ، ولا بكثرة الأموال والأولاد ، ولا للمتكبرين ولا المفسدين ،ولكنها للمؤمنين المتقين ، الجنة للمنفقين وللمتواضعين وفي سنن البيهقي (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« طُوبَى لِمَنْ تَوَاضَعَ مِنْ غَيْرِ مَنْقَصَةٍ ، وَذَلَّ فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ مَسْكَنَةٍ ، وَأَنْفَقَ مَالاً جَمَعَهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ ، وَرَحِمَ أَهْلَ الذُّلِّ وْالْمَسْكَنَةِ ، وَخَالَطَ أَهْلَ الْفِقْهِ وَالْحِكْمَةِ ، طُوبَى لِمَنْ ذَلَّ فِي نَفْسِهِ وَطَابَ كَسْبُهُ وَصَلَحَتْ سَرِيرَتُهُ ، وَحَسُنَتْ عَلاَنِيُتُهُ ، وَعَزَلَ عَنِ النَّاسِ شَرَّهُ ، طُوبَى لِمَنْ عَمِلَ بِعِلْمِهِ ، وَأَنْفَقَ الْفَضْلَ مِنْ مَالِهِ ، وَأَمْسَكَ الْفَضْلَ مِنْ قَوْلِهِ ». لذلك ختم الله القصة بقوله تعالى : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ )، هذه هي صفات المؤمنين من أهل جنات النعيم ،هذه هي صفات طلاب الآخرة ، والحريصين عليها  ،  ألا فكونوا من المشمرين لها ،ففي سنن ابن ماجه (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ لأَصْحَابِهِ « أَلاَ مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ فَإِنَّ الْجَنَّةَ لاَ خَطَرَ لَهَا هِىَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ نُورٌ يَتَلأْلأُ وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ وَقَصْرٌ مَشِيدٌ وَنَهَرٌ مُطَّرِدٌ وَفَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ نَضِيجَةٌ وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ فِى مَقَامٍ أَبَدًا فِي حَبْرَةٍ وَنَضْرَةٍ فِي دَارٍ عَالِيَةٍ سَلِيمَةٍ بَهِيَّةٍ ». قَالُوا نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « قُولُوا إِنْ شَاءَ اللَّهُ »

                                                             الدعاء