خطبة عن (اللَّهُمَّ نَصْرَكَ الَّذِي وَعَدْتَ)
يوليو 24, 2025خطبة عن (الله هو الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ)
يوليو 26, 2025الخطبة الأولى ( اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام أحمد في مسنده : (عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ « اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي ».، وفيه أيضا وحسنه الألباني في الإرواء : (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي »
إخوة الإسلام
نسعد اليوم بلحظات طيبة -إن شاء الله- مع هذا الأدب النبوي الكريم ، والذي يدعونا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حسن الخلق ،فحُسنُ الخُلقِ مِن تَمامِ الإيمانِ، وقد أرشَدَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى طَلبِ التَّحلِّي بمَكارمِ الأخلاقِ، وكان صلى الله عليه وسلم قُدوةً لنا في ذلك، فعلى المسلم أن يسأل الله -عز وجل- كما أحسن صورته الظاهرة وجملها وكملها أن يحسن صورته الباطنة فيهبه أخلاقًا كريمة تكمُل بها إنسانيته ويطهر بها باطنه. وفي هذا الحَديثِ كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: اللَّهُمَّ أحسَنْتَ خَلْقي”، أي: أكمَلْتَ خَلقَ الجسَدِ في أحسَنِ صُورةٍ، “فأحْسِنْ خُلقي”، أي: حَسِّنْ أخلاقي وكَمِّلْها بالتَّحلِّي بأحْسَنِها، ففي الحديث توسل إلى اللَّه تعالى بصفاته، وأفعاله من كمال القدرة, وحسن التصوير، وهو من أعظم أنواع التوسل إلى اللَّه تعالى. وفيه دُعاءٌ وطلَبٌ لكَمالِ وإتمامِ النِّعمةِ عليه بإكمالِ دِينِه. وهذا تَعليمٌ نَبويٌّ بأنْ يَطلُبَ المؤمِنُ معاليَ الأخلاقِ في دُعائِه للهِ؛ فاللهُ سُبحانه وتَعالى هو الموفِّقُ إلى كلِّ خيرٍ، والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مع كَمالِ خُلقِه، يَطلُبُ مِن اللهِ أنْ يُحسِّنَ أخلاقَه، وما فعَلَ ذلك إلَّا ليكونَ القُدْوةَ لنا في ذلك، ولِيَعلَمَ كلُّ مُؤمنٍ أنَّ أصلَ الأخلاقِ غَريزيَّةٌ في العبْدِ، ولكنَّه يُصقِلُها بفِعلِ الطاعاتِ والتَّحلِّي بمَكارِمِها .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ((اللَّهُمَّ أحسَنْتَ خَلْقي)) فيه توسلٌ آخر، وهو توسل بنعم الله السابقة، فجمع بين توسلين عظيمين, قبل الدعاء لما يترتب عليها من الاستجابة والقبول. وسؤال النبي صلى الله عليه وسلم أن يُحسّن خُلُقَه تعليماً لأمته في سؤال حسن الخلق وذلك لما له من شأن عظيم، وفضل كبير, وموقع جليل في قلوب العباد، فقد جاءت الأحاديث الكثيرة في بيان فضله، وعلو شأنه، ففي الصحيحين: (عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ كُنَّا جُلُوسًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو يُحَدِّثُنَا إِذْ قَالَ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا ، وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ « إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقًا »،وفي سنن الترمذي وغيره : (عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ » ، وحسن الخلق من أعظم الأسباب في القرب من النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، ففي سنن الترمذي : (عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَىَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّى مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاَقًا) ،وحسن الخلق يكون مع اللَّه تعالى, ويكون مع عباد اللَّه، فحسن الخلق مع اللَّه تعالى: يكون بالرضا بحكمه شرعاً وقدراً, وتلقي ذلك بالانشراح وعدم التضجر، وعدم الأسى والحزن، وحمده وشكره على بلائه ونعمائه سراً وعلناً، وحسن الخلق مع الخلق هو كف الأذى، وبذل الندى، وطلاقة الوجه.
أيها المسلمون
ولأن الله تعالى كرم الانسان وخلقه في أحسن تقويم فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن ضرب الوجه أو تقبيحه؛ فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا يقولن أحدكم لأحد: قبَّح الله وجهك، ووجهًا أشبه وجهك؛ فإن الله خلق آدم على صورته))؛ [رواه البخاري في الادب]، وهو بذلك صلوات ربي وسلامه عليه يلفت أنظارنا إلى بديع خلق الله ،وجميل صنعه سبحانه وتعالى ، فهو الذي خلق الإنسان من طين، ثم سوَّاه في أحسن صورة ،وفي أحسن تقويم، فكان على هذا النحو من التمام والحسن والجمال؛ ليُستَدلَّ به على قدرته وعظمته؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ﴾ [الانفطار: 6 – 8] ؛ يقول ابن عاشور: “إن الخَلْقَ والتسوية والتعديل وتحسين الصورة من الرفق بالمخلوق، وهي نِعَمٌ عليه، وجميع ذلك تعريضٌ بالتوبيخ على كفران نعمته بعبادة غيره”.
فسبحان الله الخالق البارئ المصور، الذي خلق فسوَّى، والذي قدَّر فهدى، خلق الإنسان في أحسن تقويم، وهداه إلى صراطه المستقيم، وجعل لكل إنسان صورةً وهيئة يُعرف بها ويُستدل بها عليه، وصوَّر الكائنات وسائر مخلوقاته وفق مشيئته وما تقتضيه حكمته، وتفرد سبحانه بصفات الكمال والجلال والجمال، فدانت له الخلائق وخضعت لعظمته وعزته، وحارت العقول في بديع صنعه وجميل خلقه، سبحانه سبحانه، فله الحمد كله، وله الثناء والمجد وحده، ولا خالق ولا بارئ ولا مصوِّرَ غيره. فالله سبحانه وتعالى هو الذي رتب صوَّر الأشياء أحسن ترتيب، وصوَّرها في أحسن تصوير، وهذا يمنح الإنسان العاقل الفرصة للتدبر والتأمل في خلق الإنسان والكون؛ فيفيض الله عليه من أنواره، فهذا الكون العجيب على تنوعه واتساعه، خَلَقَهُ الله تعالى وَفْقَ نظام دقيق وترتيب محكم ومتقن، ولو حدث فيه أيُّ تغيير لاختلَّ هذا النظام، وقد أمدَّنا العلم الحديث بالعديد من الحقائق التي تؤكد هذا المعنى، وهذا الترتيب والتصوير موجود في كل جزء من أجزاء العالم وإن صغُر، تجده في النملة والذرة، وفي الإنسان والحيوان، والنبات والجماد، بل في كل عضو من أعضاء أصغر حشرة، ويكفي أن نتأمل حاسة واحدة كالبصر أو السمع عند الكائن الحي لندرك عظمة الله وبديع صنعه،
والعبد المؤمن من خلال تأمله الدائم والمستمر في الكون وفي نفسه يقوده ذلك إلى معرفة عظمة الخالق جل وعلا وقدرته؛ فلا يغتر بقوته، ولا يغريه حسنُ صورته وهيئته، ولا يطغيه ماله وعِترته، فكل ذلك إنما هو من عطاء الله وكرمه وفضله، فالمصور الحق الجدير بهذا الوصف هو الله وحده؛ لأنه هو الذي جعل لكل شيء في الوجود شكلًا يميزه ،وصورةً يُعرَف بها، فالله سبحانه وتعالى خلق الكون على هذا التناسق والتنوع العجيب والمدهش، وخلق الإنسان في صور شتى ،وأشكال لا حصر لها تدل على قدرته المطلقة؛ ففي سنن أبي داود : (قَالَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الأَرْضِ فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الأَرْضِ جَاءَ مِنْهُمُ الأَحْمَرُ وَالأَبْيَضُ وَالأَسْوَدُ وَبَيْنَ ذَلِكَ وَالسَّهْلُ وَالْحَزْنُ وَالْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ ». ،وقال الله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 99] ، وهذه النعم المتنوعة التي لا تُعَدُّ ولا تُحصى خلقها الله عز وجل للإنسان؛ لتكون سببًا في بقائه على قيد الحياة، وهي تستوجب شكر المنعم والمتفضِّل بها عليه، وعن طريقها يهتدي إلى خالقه، ويتفكر في عظمته وعجائب خلقه وقدرته؛ فإنه لا يقدر على ذلك إلا الله تعالى.
وعلى الرغم من أن الله تعالى قد أبدع تصوير الإنسان، وجعله في أحسن تقويم وأجمل صورة – فقد حثَّنا الإسلام على ألَّا يتركز اهتمامنا على الظاهر فقط، إنما يجب أن نهتم بالقلوب؛ فقد روى الامام مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ».، وفيه أيضا : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَنَاجَشُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا. الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى هَا هُنَا ». وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ « بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن أبرز الفوائد والأحكام التي يمكن أن نستنبطها من هذا الحديث: أولًا: دلّ هذا الحديث على مشروعية الدعاء بحُسن الخُلق، فإن حُسن الخُلق من أثقل ما يكون في ميزان العبد يوم القيامة ، ومن أسباب تحصيل السعادة في الدنيا والآخرة، ولذلك ينبغي أن يحرص المسلم على أن يسأل الله تعالى أن يرزقه حسن الخُلق، وأن يُوفِّقه لحُسن الخُلق، فكم من إنسانٍ حَسن الصورة في الظاهر، حَسن الخِلقة، لكنه سيء الخُلق، فيغطي سوء خُلقه محاسن خِلقته، وكم من إنسانٍ دميم الخِلقة، لكنه حسن الخُلق، فيُغطي حُسن خُلقه دمامة خِلقته ، فما قيمة جمال الصورة وحُسن الخَلق إذا كان هذا الإنسان سيء الأخلاق؟ ، فتجد أن الناس كلهم تنفر منه، حتى أقرب الناس إليه. وإذا اجتمع الأمران: حسن الخَلق والخُلق كان هذا هو الأكمل، وأما عند الترجيح بينهما، فحُسن الخُلق أكمل من حُسن الخَلق. ولذلك فإن الناس تقبل على حسن الأخلاق، وإن كان دميم الخَلق، وتنفر سيء الأخلاق، وإن كان حسن الخِلقة، وجميل الخِلقة. فمن الأدعية التي ينبغي للمسلم أن يحرص عليها أن يسأل الله تعالى أن يُحسّن خُلقه، فإذا اُستجيب لك، فقد تحقق لك خيرٌ عظيم، يكون سببًا لسعادتك في الدنيا والآخرة،
أيضًا من فوائد هذا الحديث: جواز التوسُّل بأفعال الله تعالى، ووجه هذا: أنك تتوسّل إلى الله تعالى بفعله، بإحسان خَلقك أن يُحسّن خُلقك، ونظير هذا: الصلاة الإبراهيمية: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ؛ على أن الكاف للتعليل وليست للتشبيه؛ أي من باب التوسل إلى الله عز وجل؛ لأنك كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، فصل على محمد، وعلى آل محمد، فهو من التوسل إلى الله تعالى بأفعاله. وهذا من أقسام التوسل المشروع. ومن أقسام التوسّل المشروع: التوسل إلى الله تعالى أيضًا بصالح الأعمال، كما في قصة أصحاب الصخرة، ونحو ذلك.
الدعاء