خطبة عن (لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ)
أغسطس 20, 2025الخطبة الأولى ( حين يغفل المسلمون عن أسلحتهم ينال منهم عدوهم (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً..) النساء (102)
إخوة الإسلام
إن المتأمل والمتدبر لهذا المقطع من الآية الكريمة من كتاب الله العزيز ،يري كيف لأنها تنبه المسلمين إلي وجوب الحذر والحيطة والأخذ بالأسباب، حين تقوم موجباتها، حتي في الصلاة والعابدين بين يدي رب العزة، فالآية ترتب صلاة الخوف للمصلين الذين تتهددهم أخطار، كيف يؤدون الصلاة آخذين بأسباب الحذر، وتأمرهم أن تقوم طائفة منهم معها أسلحتها ليكونوا وراء الساجدين، ولتأتي طائفة أخري لم يصلوا فيصلوا مع الرسول عليه السلام، وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ،حتي لا يميل عليهم الأعداء ميلة واحدة ،مستغلين قيامهم بمناسك الصلاة،
فتأمّل كيف يكَلّف الله تعالى العابدين، وهم في صلاتهم بين يدي الله ـ بأشد الحذر والانتباه لما يتهددهم من خطر ؟ ،فقد شاءت حكمة الله تعالي وعنايته أن تستحضر وجوب الأخذ بالأسباب ، مهما كانت الصوارف ،حتي ولو كانت في العبادات، فلم تعدهم الآية بملائكة تنزل لتحمي ظهور المصلين، وإنما أوكلت إليهم أن ينظموا أنفسهم ،ويتخذوا من الأسباب والاحتياطات والترتيبات في صلاتهم ما يؤمنهم من الخطر الذي يتهددهم ،ومن يتأمّل النواتج النهائية في معركة أُحُد ، يتأمّل مسار هذه المعركة، وكيف دان النصر في بدايتها للمسلمين علي الكفار الذين كانوا أكثر عدداً وعدة، حين التزم المسلمون بالأخذ بالأسباب، ثم يرى أن الدائرة لم تدر عليهم في نهايتها إلاّ حينما تركوا الأسباب ،وغادروا قمة الجبل التي كانوا يسيطرون منها علي المعركة، فلم يكن البلاء الذي حلّ بالمسلمين، إلاّ إشارة جلّية لأثر ترك الأخذ بالأسباب!!؛ فالقرآن الكريم لم يكتفِ بتوضيح إجراءات المعركة، وإنما أضاف إليها عنصر الحذر والاحتياط. كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَمِيعَا} [النساء: 71]، فالحذر من الأعداء – ولو كانت الظروف آمنة مسالمة – أول إجراء يمكن القيام به تجاههم ،
فأعداء المسلمين في تربص دائم ،وهذا يعني أنَّ محبتهم للإيقاع بالمؤمنين وتمنيهم القضاء عليهم كامنة في نفوسهم، فهم ينتظرون الفرصة السانحة للانقضاض على أهل الإيمان، وهذه هي الحقيقة التي قررها القرآن الكريم ،وحدثنا التاريخ عن ديمومتها وثبوتها في نفوس الذين كفروا، فهناك رغبة جامحة في استئصال أهل الإيمان، وحنين مدفون في الصدور، لا يطفئه إلا القضاء عليهم ،وهذا التحذير الذي جاء في وقتٍ آمن يدلُّ دلالة عميقة على عدم الثقة بالأوضاع الآمنة؛ فإنها تخفي دموية لا نظير لها، هذا من جانب. ومن جانب آخر فإنها تدل على وجوب الإعداد والحذر والجاهزية الدائمة لصدِّ العدوان ودفع الصائل، قال القرطبي رحمه الله: «وهذا يدلُّ على تأكيد التأهُّب والحذر من العدو في كل الأحوال وترك الاستسلام؛ فإنَّ الجيش ما جاءه مصاب قط إلا من تفريطٍ في حذر» فليست المسألة مجرد عداء، إنها رغبة القضاء التام على أهل الإيمان، الرغبة التي تتوارثها الأجيال الكافرة تلو الأجيال)
أيها المسلمون
إن وجود الإسلام في الأرض هو بذاته غيظ ورعب لأعداء هذا الدين ،ولأعداء الجماعة المسلمة في كل حين، فالإسلام بذاته يؤذيهم ويغيظهم ويخيفهم، فهو من القوة ومن المتانة بحيث يخشاه كل مبطل، ويرهبه كل باغ، ويكرهه كل مفسد، فهو حرب بذاته عليهم ،بما فيه من حق أبلج، ومن منهج قويم، ومن نظام سليم، فهو بهذا كله حرب على الباطل والبغي والفساد، ومن ثم لا يطيقه المبطلون البغاة المفسدون، ومن ثم يرصدون لأهله ليفتنوهم عنه، ويردوهم كفاراً في صورة من صور الكفر الكثيرة، ذلك أنهم لا يأمنون على باطلهم وبغيهم وفسادهم، وفي الأرض جماعة مسلمة تؤمن بهذا الدين، وتتبع هذا المنهج، وتعيش بهذا النظام
ولقد دأب القرآن الكريم على التحذير من المشركين، والتنبيه على أنَّ عهودهم غير موثوقة. قال تعالى: { كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ} (7): (10) التوبة ،
فالقرآن يثبت في هذه الآيات وغيرها أنَّ عهود المشركين لا يمكن الثقة بها بوصفها تكتيكاً يستخدمونه لحيلة حربية قادمة ، فقد حرصت قريش على استئصال شأفة المؤمنين الجدد، واستعدت لذلك أيما استعداد، فزحفت بجيوشها إلى مدينة النبي صلى الله عليه وسلم مرتين: مرة في أحد، ومرة في الخندق، ومنذ سقوط الدولة القيصرية في الشام، ورجوع الشام إلى الحضن الإيماني، منذ ذلك الحين والغرب الروماني يعد العدة ويغزو البلاد الإسلامية المرة بعد المرة، فيما يعرف بالحروب الصليبية. وإلى هذه الساعة! لم يفتأ الغرب النصراني يقاتل أهل الإيمان ويكيد لهم الدسائس والحِيل، ويوقع بهم أشنع المذابح ،كما أنشأ اليهود دولة لتفتك بجسد هذه الأمة؛
فلا تغتر يا مؤمن بمعسول الكلام الذي يُسمعوننا إياه، ولا تغتر بأكاذيبهم التي صنعوا منها أجهزة عالمية ضخمة، كهيئة حقوق الإنسان، وهيئة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وصندوق النقد الدولي.. إلى غيرها من الكيانات التي تقوم بالتغطية القانونية على الجرائم العظمى، فلقد حذرنا الله تعالى من أنهم لا عهد لهم ولا ذمة، ولقد أخبرنا سبحانه وتعالى أنهم يناورون ويتنقلون بين أنواع من الخطط، بغية تحقيق الإستراتيجية الكبرى لهم ،قال الله تعالى : {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ} [البقرة: 217]، فهل لأحدٍ بعد هذا البيان الرباني أن يثق بالمشركين، أو يظنَّ أنه في مأمن من عداوتهم وقتالهم؟
أيها المسلمون
لقد أمرنا الله تعالى بإعداد القدر المستطاع من الحذر من الأعداء ، وأمرنا بإعداد العدَّة لملاقاتهم والظفر عليهم. قال الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْـخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لا تُظْلَمُونَ} [الأنفال: 60]. ، لذا قال السعدي رحمه الله: كل ما تقدرون عليه من القوة العقلية والبدنية وأنواع الأسلحة ونحو ذلك مما يعين على قتالهم، فدخل في ذلك أنواع الصناعات التي تُعمل فيها أصنافُ الأسلحة والآلات من المدافع والرشاشات والبنادق والطيارات الجوية والمراكب البرية والبحرية والحصون والقلاع والخنادق وآلات الدفاع والرأي والسياسة التي بها يتقدم المسلمون ويندفع عنهم به شر أعدائهم وتَعَلُّم الرَّمْيِ، والشجاعة والتدبير، وفي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى عَلِىٍّ ثُمَامَةَ بْنِ شُفَىٍّ أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ « وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ » ،
كما يلاحظ في هذه الآية الكريمة أنها تأمر بالإعداد لقومٍ بيننا وبينهم عهد مخافة خيانتهم، فكيف بعدوٍ نراه يتربص بنا الدوائر، ويتحين الفرص المتوالية للانقضاض علينا! ومع ذلك فإنَّ هذه الآية تحتمل العموم، كما قال ابن عطية رحمه الله: «ويحتمل أن يعيده على جميع الكفار المأمور بحربهم في ذلك الوقت ثم استمرت الآية في الأمة عامة، إذ الأمر قد توجه بحرب جميع الكفار» ، قال ابن عاشور رحمه الله: «أعداء لا يعرفهم المسلمون بالتعيين ولا بالإجمال ،وهم من كان يضمر للمسلمين عداوة وكيداً، ويتربص بهم الدوائر) ، وقال القرطبي: «وفي قوله تعالى: {فَاحْذَرْهُمْ} وجهان: أحدهما: فاحذر أنْ تثق بقولهم أو تميل إلى كلامهم. الثاني: فاحذر ممايلتهم لأعدائك وتخذيلهم لأصحابك» ،فهو يضيف معاني أخرى للحذر من المنافقين، وهو الحذر من الثقة بهم، لأنهم مستمرئون للخداع، كارهون لأهل الإيمان، مضمرون الشر لهم. والحذر – أيضاً – من ممايلتهم الأعداء وموالاتهم ونصرتهم. والحذر من جهودهم الحثيثة في تخذيل أهل الإيمان.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( حين يغفل المسلمون عن أسلحتهم ينال منهم عدوهم (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وتفصيل الخطة النافعة في مواجهة أعداء المسلمين والاسلام تكون كالآتي: أولا : الحذر من طاعة المشركين، وأخذ مشورتهم وآرائهم، قال الله تعالى : {إن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} آل عمران (100) . ،ثانيا : التمسك بهدى الله، قال الله تعالى : { وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) آل عمران (101) ، ثالثا : الاعتصام بالجماعة ونبذ الفرقة، قال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} آل عمران (103). قال ابن مسعود رضي الله عنه : «عليكم بالجماعة فإنها حبل الله الذي أمر به، وإنَّ ما تكرهون من الجماعة والطاعة خيرٌ مما تحبون في الفرقة»:، وهذا هو الافتراق بالفتن، والافتراق في العقائد، وأما الافتراق في مسائل الفروع والفقه فليس يدخل في هذه الآية، وقد اختلف الصحابة في الفروع أشدَّ اختلاف؛ وهم يدٌ واحدة على كل كافر ،رابعا : تحمُّل مسؤولية الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْـخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْـمُفْلِحُونَ} آل عمران (104) ، قال ابن كثير رحمه الله: «والمقصود من هذه الآية أنْ تكون فرقة من الأمة متصدية لهذا الشأن، وإن كان ذلك واجباً على كل فردٍ في الأمة بحسبه» ،وقال السعدي رحمه الله: «ويدخل في ذلك العلماء المعلمون للدين، والوعاظ الذين يدعون أهل الأديان إلى الدخول في دين الإسلام، ويدعون المنحرفين إلى الاستقامة، والمجاهدون في سبيل الله، والمتصدون لتفقد أحوال الناس وإلزامهم بالشرع كالصلوات الخمس والزكاة والصوم والحج وغير ذلك من شرائع الإسلام، وكتفقد المكاييل والموازين، وتفقد أهل الأسواق ومنعهم من الغش والمعاملات الباطلة» ،فعلى الأمة مسؤولية عامة في الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أهل العلم مسؤولية خاصة وشديدة في الدعوة إلى الخير ونشر العلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الدعاء