خطبة عن (محبة النبي صلى الله عليه وسلم)
سبتمبر 11, 2025الخطبة الأولى ( الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَاللِّسَانُ يَزْنِى وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ وَالرِّجْلاَنِ يَزْنِيَانِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَى أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ فَزِنَى الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ وَزِنَى اللِّسَانِ النُّطْقُ وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ »، وفي مسند أحمد : (عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ وَالرِّجْلاَنِ تَزْنِيَانِ وَالْفَرْجُ يَزْنِي »، وفي رواية له :« الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَاللِّسَانُ يَزْنِي وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ وَالرِّجْلاَنِ يَزْنِيَانِ يُحَقِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ أَوْ يُكَذِّبُهُ »
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم -إن شاء الله تعالى- مع هذا الأدب النبوي الكريم والذي يحذرنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من زنا الجوارح والأعضاء ،كما حذرنا من المعصية بكل أنواعها وأشكالها ، فالله سبحانه وتعالى خَلَق النَّاسَ في هذِه الحياةِ؛ لِيَبتلِيَهم ويَختبِرَهم؛ فمَن أطاعَ ربَّه وعَصى هَواه كان جَزاؤُه الجنَّةَ في الآخِرَةِ، ومَن عَصى ربَّه واتَّبَع هَواه كان مِن أهلِ النَّارِ. وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أبو هُرَيرَةَ رضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قال: (إنَّ اللهَ كَتَبَ على ابنِ آدَمَ حَظَّه مِن الزِّنا، أدرَكَ ذلك لا مَحالَةَ”، أي: إنَّ الإنسانَ مُصيبٌ ذلك، ولا مَفَرَّ منه؛ فقد قُدِّر عليه نصيبٌ مِن الزِّنا، فهو مُدرِكٌ ذلك النَّصيبَ ومُرتكِبٌ له بلا شكٍّ، والأمورُ المقدَّرةُ لا بدَّ مِن وقوعِها، فقد قدر الله المقادير قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ،فجميع الحوادث والأفعال والكائنات لا تقع إلا بمشيئة الله تعالى ، فما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن .وجعل الله تعالى للعبد مشيئة واختيارا ،وهداه إلى طريق الخير وحضه عليه ،وعرفه طريق الشر ونهاه عن سلوكه .وما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم أنه واقع : لا يجوز الاحتجاج به على رفع اللوم عمن يفعله ، وهذا باتفاق المسلمين ،فقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة أن من علامات الساعة أن يكثر الزنا والكذب وشرب الخمر ،وأن الرجل سيأتي المرأة في الطريق ،والناس ينظرون إليه ،وأن الآخر سيأتي أمه ،فكل هذا مكتوب في اللوح المحفوظ واقع لا محالة ، ومعلوم أن كل هذا من كبائر المحرمات ،التي يستحق من فعلها العذاب الشديد ،بل هذا هو شأن أفعال العباد جميعها ، طاعاتهم ،ومعاصيهم ،إيمانهم ،وكفرهم ،كل ذلك في كتاب عند رب العالمين ؛قال الله تعالى :(وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (51) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ ) القمر/51-53 .فليس لأحد أن يحتج بالقدر على الذنب باتفاق المسلمين ، وجميع العقلاء ؛فإن هذا لو كان مقبولاً لأمكن كل أحد أن يفعل ما يخطر له من قتل النفوس وأخذ الأموال ،وسائر أنواع الفساد في الأرض ،ويحتج بالقدر ،فقد قال الله تعالى : (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ) الأنعام/ 148 ،وقال الله تعالى: (وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ، كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) النحل/ 35 وقال الله تعالى:(وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ، ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ، إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) الزخرف/ 20 ،وقال الله تعالى :(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) يس/ 47 .قال القاسمي رحمه الله : “فهذه أربعة مواضع في القرآن بيّن سبحانه فيها أن الاحتجاج بالقدر من فعل المشركين المكذبين للرسل” ” محاسن التأويل “ ،وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في “منهاج السنة النبوية” : “فالاحتجاج بالقدر حال الجاهلية الذين لا علم عندهم بما يفعلون ويتركون”
وأما إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بما ذكره في هذا الحديث ، فلذلك عدة حكم : منها : أن يعلم العبد أنه واقع في الذنب لا محالة ، فيجب عليه أن يبادر بالتوبة، وألا يصر على ما فعل؛ فكل ابن آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :” التَّوْبَةُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَحْصُلُ بِهِمَا التَّطْهِيرُ وَالتَّزْكِيَةُ وَلِهَذَا قَالَ فِي سِيَاقِ قَوْلِهِ. (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا) الْآيَاتِ : (وَتُوبُوا إلَى اللَّهِ) الْآيَةَ. فَأَمَرَهُمْ جَمِيعًا بِالتَّوْبَةِ فِي سِيَاقِ مَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ أَحَدٌ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ.، وقال أيضا : ” فِي قَوْلِهِ تعالى فِي آخِرِ الْآيَةِ: (وَتُوبُوا إلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) فَوَائِدُ جَلِيلَةٌ: مِنْهَا أَنَّ أَمْرَهُ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ بِالتَّوْبَةِ فِي هَذَا السِّيَاقِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْلُو مُؤْمِنٌ مِنْ بَعْضِ هَذِهِ الذُّنُوبِ الَّتِي هِيَ: تَرْكُ غَضِّ الْبَصَرِ وَحِفْظِ الْفَرْجِ وَتَرْكُ إبْدَاءِ الزِّينَةِ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ ، فَمُسْتَقِلٌّ وَمُسْتَكْثِرٌ، وَفِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ) وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: يَا عِبَادِي إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا وَلَا أُبَالِي فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ) ” “مجموع الفتاوى” ،فيكون في الحديث حث على التوبة من هذه الذنوب التي لا يسلم منها أحد . ومنها : بيان أن حب الشهوات مركوز في الإنسان ، وهو يقع بحبه للشهوات فيما حرم الله عليه ، ليعلم الإنسان أنه على خطر ، وأن استرساله مع هذه الشهوات سوف يؤدي به إلى الهلاك . قال المناوي رحمه الله :” (كتب على ابن آدم حظه من الزنا) أي خَلق له الحواس التي بها يجد لذة الزنا، وأعطاه القوى التي بها يقدر عليه، وركز في جبلته حب الشهوات ” “فيض القدير” ، ومنها : أن معرفة الإنسان بهذا التقدير ،وأنه واقع في الذنب لا محالة ، تجعله يبتعد عن هذا الذنب وأسبابه الداعية إليه ، فإنه يخشى إن تمادى وتساهل في الزنا المجازي ،الذي هو النظر ونحوه ،أن يجره ذلك إلى الوقوع في الزنا الحقيقي فيهلك .
أيها المسلمون
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : (فَزِنَى الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ) فمن أعظم نعم الله تعالى علينا نعمة البصر ، وبها امتن الله تعالى على خلقه في آياتٍ كثيرة كقوله سبحانه : ( وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل:78) .وشكر هذه النعمة من أوجب الواجبات على العبد ،حيث لا يكافئها عمل الليل والنهار ،لذا فيتحتم علينا جميعاً أن نستحي من صاحب هذه النعمة ،وأن نراقبه فيها فلا ننظر إلى ما حرّم الله ،وأن نسخرها فيما يرضي الله عنا ،ونعلم أننا غداً سوف نُسئل عما رأيناه بأبصارنا قال تعالى: ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) وقال الله تعالى 🙁 قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ) الآية (النور:30-31) . والمراد غض البصر عن العورة وعن محل الشهوة ،قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (قد أمر الله في كتابه بغضّ البصر، وهو نوعان: غضّ البصر عن العورة، وغضّه عن محلّ الشهوة. فالأول منهما كغضّ الرجل بصره عن عورة غيره، كما في صحيح مسلم : (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَلاَ الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ وَلاَ يُفْضِى الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَلاَ تُفْضِى الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ ».، وأمّا النوع الثاني: فهو غضّ البصر عن الزينة الباطنة من المرأة الأجنبية، وهو أشدّ من الأول ، فقد روى مسلم في صحيحه : (عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي).، وفي سنن الترمذي : (عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رَفَعَهُ قَالَ « يَا عَلِيُّ لاَ تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ »، فللنظرة الحرام آثارها المدمرة ،وعقوباتها الأليمة :ومنها :فساد القلب: فالنظرة تفعل في القلب ما يفعل السهم في الرمية، فإن لم تقتله جرحته، فهي بمنزلة الشرارة من النار ترمى في الحشيش اليابس، فإن لم تحرقه كله أحرقت بعضه.،ومنها : نسيان العلم: فقد نسي أحد العباد القرآن بسبب نظرة إلى غلام نصراني ،ومنها : نزول البلاء: قال عمرو بن مرة: نظرت إلى امرأة فأعجبتني فكف بصري، فأرجو أن يكون ذلك جزائي.،ومنها : إبطال الطاعات: فعن حذيفة قال: من تأمل خلق امرأة من وراء الثياب فقد أبطل صومه، ونحن أحوج ما نكون لغض البصر في هذا العصر؛ إذ شاعت المشاهد المخجلة التي تذهب بالحياء، وانتشرت الممارسات الجنسية المحرمة بين الشباب على الشات، وتخصصت بعض الفضائيات في الأفلام والأغاني المصورة (الفيديو كليب) المملوءة عريا وفحشا، حتى صار الشباب فريسة للمعاصي، وصيدا ثمينا للشيطان. ويتجرأ الكثيرون على النظرة الحرام ويستهينون بخطرها، وهي في الحقيقة كالسهم المسموم الذي لا ينجو منه إلا المتقون. وتترك النظرة الحرام -التي لا تستغرق دقائق- في النفس أثرا، وفي القلب مرارة، ربما لا تكفي سنوات طويلة لعلاج القلب منها، ومن هنا فقد جاء أمر الله بالاستئذان قبل دخول البيوت؛ يقول عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (النور: 27). وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أيضا عن إطلاق النظر، ففي الصحيحين : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ » . فَقَالُوا مَا لَنَا بُدٌّ ، إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا . قَالَ « فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْمَجَالِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا » قَالُوا وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ قَالَ « غَضُّ الْبَصَرِ ، وَكَفُّ الأَذَى ، وَرَدُّ السَّلاَمِ ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ »
أيها المسلمون
أما قوله صلى الله عليه وسلم : (وَزِنَى اللِّسَانِ النُّطْقُ ) ،فحينما يتكلم اللسان بكلمات الحب والهيام ليوقع امرأة في حباله ويزني بها فهذا من زنا اللسان ،فاللّسان الذي لا يتورّع عن النّطق بالكلام الفاحش هو لسان يرتكب زناً مجازياً، وعلى المسلم أن يحرص على حفظ لسانه ففي الحديث (ثُمَّ قَالَ « أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمَلاَكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ». قُلْتُ بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ قَالَ « كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا ». فَقُلْتُ يَا نَبِىَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ فَقَالَ « ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ » رواه الترمذي . وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم زنا الجوارح مِن بابِ البَيانِ للنَّاسِ بمَعاصي الجَوارحِ؛ حتَّى يَجتنِبوها ولا يقَعوا فيها، وهذه الأمورُ هي مُقدِّماتُ الوُقوعِ في الزِّنا، ولكن إذا لم يُصِرَّ الإنسانُ عليها، ولم يَجتَهِدْ في الوصولِ إلى الفاحشةِ فإنَّها تُكفَّرُ بالعمَلِ الصَّالحِ؛ مِن الاستِغْفارِ والتَّوبةِ والصَّلاةِ وغيرِ ذلك، وأمَّا إذا كان الإنسانُ مُصِرًّا ويَنتهِزُ الفُرَصَ ويتَحيَّنُها حتَّى يقَعَ في الفاحشةِ، ولم يَترُكْها إلَّا بسببِ العجزِ عنِ الوصولِ إليها- فإنَّ تلك الأفعالَ الَّتي يَفعَلُها مِن كلامٍ أو لمسٍ أو مشيٍ فإنَّه يُؤاخَذُ بها؛ لأنَّ هذه أعمالٌ وحركاتٌ مقصودةٌ ومتعمَّدةٌ ، ففي الحديثِ: التَّحذيرُ مِن الوقوعِ في الأفعالِ المؤدِّيةِ إلى الوقوعِ في الزِّنا؛ للتَّحرُّزِ مِن الوصولِ إلى الوقوعِ في الفاحشةِ الكُبْرى. أما قوله صلى الله عليه وسلم : (وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ) ،فمِنهم مَن يكون زِناه حقيقيًّا بإدخالِ الفرجِ في الفرجِ الحرامِ، ومِنهم مَن يكونُ زِناه بارتكابِ مقدِّماتِ الفاحشةِ؛ إمَّا بِالنَّظَرِ أو اللَّمسِ أو المشيِ، أو الكلامِ أو التَّمنِّي. وقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: “واليَدانِ تَزْنِيانِ فزِناهُما البَطشُ”، أي: بَطْشُ الأجنبيَّةِ؛ مِنَ الأَخْذِ واللَّمسِ وغيرِه، “والرِّجْلانِ تَزْنيانِ فزِناهُما المَشيُ” إلى المَرأةِ؛ للفاحشةِ، ومَواضِعِ المعصيةِ والزِّنا، “والفَمُ يَزْني فزِناهُ القُبَلُ”، القُبلُ جمْعُ قُبْلةٍ،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَاللِّسَانُ يَزْنِى وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ وَالرِّجْلاَنِ يَزْنِيَانِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
مازال حديثنا موصولا عن قوله صلى الله عليه وسلم :« إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَى أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ فَزِنَى الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ وَزِنَى اللِّسَانِ النُّطْقُ وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ »، وبناءً على هذا الحديث الشريف فيمكن القول أن هناك الزنا الأصغر ،وهناك الزنا الأكبر ،وإنَّ الزنا الأصغر هو الزنا الافتراضي أو المجازي الذي لا يزني به الإنسان بشكل ملموس، أي بجماع حقيقي ينتج عنه الملامسة ودخول ذكر الرجل في فرج المرأة، إنَّما يكون بالنظر إليها أو بلمس يدها أو ما شابه ذلك، وقد قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: “إن ابن آدم قدِّرَ عليه نصيبه منَ الزِّنا، فمنهم من يكون زناه حقيقيًا بإدخال الفرج في الفرج الحرام، ومنهم من يكون زناه مجازًا بالنظر إلى الحرام أو الاستماع إلى الزنا وما يتعلق بتحصيلهِ، أو بالمَس باليد؛ بأن يمسَّ أجنبيةً بيدهِ أو بتقبيلها، أو بالمشي بالرجل إلى الزنا، أو النظر أو اللمس أو الحديث الحرام مع أجنبية ونحو ذلك أو بالفكر بالقلب، فكل هذه أنواع من الزنا المجازي”، والمقود الزنا الأصغر ، وأما الزنا الأكبر : فهو الزنا الفعلي الذي يوجب الحدَّ الشرعي الذي نصَّ عليه الشرع، والذي هو الجلد مئة جلدة والنفي عام للزاني غير المحصن، والجلد مئة جلدة والرجم للزاني المحصن، والزنا الأكبر هو الإيلاج أي إيلاج ذكر الرجل في فرج المرأة الحرام وهو الاتصال الجنسي الحقيقي بين الرجل والمرأة بشكل غير مشروع. وجدير بالذكر أنَّ كلا النوعين يعدُّ زنا، وينبغي على الإنسان المسلم الذي يخشى الله -سبحانه تعالى- وأن يتجنَّب الزنا الأصغر والأكبر وألَّا يقترب منه بأيِّ شكل منه، وأن يحقَّق قول الله تعالى في محكم التنزيل: { وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} الاسراء (32) ؛لأنَّ في هذا رضا الله، وفي هذا دفع لسخطه وتحقيقٌ لشرعه وحكمته في الأرض.
الدعاء