خطبة عن صفات المؤمنين ، وقوله تعالى ( إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا )
نوفمبر 7, 2020خطبة عن التوكل والعمل بالأسباب ( اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ )
نوفمبر 14, 2020الخطبة الأولى ( الايجابية والسلبية : (كن ايجابيا ولا تكن سلبيا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (76) النحل
إخوة الإسلام
لقد ضرب الله سبحانه وتعالى مثلا في القرآن الكريم للفرق بين الإيجابية والسلبية، فقال جل شأنه:” وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ” (النحل: 76)
فالأبكم: هو السلبي العاجز، والذي يعتبر حملا زائدا على المجتمع، فإذا طلبت منه شيئًا لا يفعله، وأما الذي يأمر بالعدل : فهو الايجابي ،الذي يصلح في الأرض ولا يفسد ،وينفع نفسه والآخرين ،
وقد تحدث القرآن الكريم عن الإيجابية والسلبية في قصة النملة ،وقصة الهدهد ،وقصة مؤمن يس ،أما في قصة النملة ،فيقول الله جل وعلا: (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) النمل (17) :(19) ،
والقصة على قصرها إلا أنها تضرب مثلًا لنملة إيجابية، نملة شجاعة، كان من الممكن أن تهرب وحدها ،وتدخل جحرها، ولا تسأل عن غيرها من النمل ـ ولكن هذه هي السلبية ،فحينما رأت الجيش قبل غيرها من النمل، خشيت على أمتها، ولم تعش لنفسها، رغم أنه كان من الممكن أن تموت تحت الأقدام وهي تنادي على النمل، فضحت من أجل الآخرين، ونادت على قرية النمل (يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) ، ولهذا تبسم سيدنا سليمان، والله سبحانه وتعالى ساق لنا هذا الموقف من قصة النملة ليقول لنا: عار عليكم أيها المؤمنون من الرجال والنساء، أن تكون نملة صغيرة لديها من الإيجابية ما تفتقدونه أنتم؟ ، فكن إيجابيا ولا تكن سلبيا .
أيها المسلمون
وفي قصة الهدهد أيضا تظهر الإيجابية وعدم السلبية، يقول الله سبحانه وتعالى: (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26) قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27) اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28) قَالَتْ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) النمل (20) :(31)
فالهدهد سمع بأن هناك قومًا يعبدون الشمس من دون الله في بلاد اليمن، بمملكة سبأ، فجن جنونه ،وهو في فلسطين، أي على بعد مسافة كبيرة من اليمن، ولكنه صاحب رسالة، فطار إلى اليمن يتفقدهم، حتى أنه ذهب إلى عرش الملكة نفسها ،وعاد بالأخبار، ليصبح سببًا في هداية أمة، وفور عودته من رحلته الاستكشافية والدعوية أخبرته الطيور بتوعد سيدنا سليمان -عليه السلام-له، فمكث غير بعيد عن سليمان؛ وجاء إلى نبي الله سليمان عليه السلام وهو موقن بأنه يقوم برسالة عظيمة ،فالإيجابية تزرع الشجاعة، والثقة بالنفس ،فالهدهد عندما رأى آلهة تعبد من دون الله لم يقف مكتوف الأيدي ، ولكنه تحرك بإيجابية ،وأبلغ نبي الله سليمان بالأمر ليتخذ ما يراه مناسبا تجاه هذه المشكلة ،وبالفعل كانت نهاية القصة أن أسلمت ملكة سبأ وقومها لله رب العالمين ، قال الله تعالى : (قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) النمل (44) ،وهكذا كان الهدهد بسبب ايجابيته سببا في نجاة أمة من النار، وتتعبد لله الواحد القهار ،فعار علينا نحن – المسلمين- أن نكون سلبيين ولا نكون ايجابيين، ولا نحمل هم هذا الدين ،ولا نبلغه للناس أجمعين ،بل يجب علينا أن نكون ايجابيين في كل مناحي الحياة ، فكن مركز إيجابية في مؤسستك، وفي بيتك واسرتك ،وفي بلدتك ومجتمعك ،قم بالإصلاح، وإياك والتعلل بالظروف، وأنه لا فائدة، بل استخدم الإمكانات في قهر المؤثرات.
أيها المسلمون
أما القصة التالية فهي قصة مؤمن حريص على أن يكون ايجابيا ،ينتصر للحق ، ويقف بجانب أهله ،ويدعو إلى الله تعالى ،ويتحمل النتائج المترتبة على ذلك ،والقصة تدور أحداثها في قرية كانت مركزًا لما حولها من القرى، وكان أهلها على الكفر ،فأرسل الله تعالى إليهم ثلاثة من الرسل لهدايتهم ،فكذبوا الرسل ،مدعين بأنهم بشر مثلهم، فالكثير يتخيل أن الإصلاح والهداية لا يجوز أن تأتي من أناس مثلنا، بل يجب أن يأتي من قوى خارقة، مثل الملائكة، فلا يتقبلون أن يصلح مشاكلهم شخص عادي مثلهم ،أو من أهلهم، ويأتي هذا الرجل من أقصى المدينة ، وهو ليس بنبي، بل رجل عادي ،كان من الممكن أن لا يبالي ولا يهتم بالأمر ،ولكن هذه هي السلبية وعدم الايجابية، فقام هذا الرجل بالانتصار للرسل ،ودعا قومه إلى لتباع الرسل والايمان بالله وحده ،فعليه أن يبلغ ، وليترك النتائج لله وحده ،قال الله تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19) وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) يس (13) :(27)
فهذا الرجل المؤمن حينما أدرك طريق النجاة سَلَكَهُ، ولم يكتفِ بذلك، بل إنه حاول أن يدعو قومه لسلوك ذات الطريق ،عسى أن ينجُوا في الدنيا والآخرة ،وهذا الرجل له لفتات في دعوته لقومه تدلُّ على ذكائه وحسن تصرفه ،وإدراكٍ صافٍ للحقيقة الدينية، وكيفية دعوة قومه الكافرين ،لقد التفت هذا الرجل المؤمن في البداية إلى عدم سعي هؤلاء الرسل لتحصيل أي منفعة دنيوية، وذلك شأن الدعوة الحقَّة؛ ألَّا تكون وسيلةً للتكسب، ولكن الدعوة الصادقة تقوم على البذل والعطاء؛ فقال الرجل لقومه: إنهم لا يسألونكم أجرًا على ما جاءوكم به من الهدى، وباتباعكم إياهم لن تخسروا شيئًا، بل إنكم ستربحون بالاحتفاظ بما تملكون، وبالنجاة من عذاب الله والفوز بجنته باتباع الدين الحق.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الايجابية والسلبية : (كن ايجابيا ولا تكن سلبيا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وهذا الرجل المؤمن الإيجابي اتَّخذ سبيلًا في النُّصح لقومه بأسلوب منطقي بليغ لطيف، فتحدث كأنه ينصح نفسه، وهو يريد تقديم النصح لهم؛ فقال: ﴿وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي﴾ وهو يريد أن يقول لهم: ومالكم لا تعبدون الذي فطركم؛ بدليل أنه قال: ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ ولم يقل: وإليه أرجع. وعلى هذه الطريقة في الحديث أخذ يخاطب قومه، فيتساءل مستنكرًا: كيف يتخذ آلهة يعبدهم من دون الله، وهي في حقيقتها مخلوقات لا تضر ولا تنفع! وأنه إن فعل ذلك يكون في ضلال مبين! وأعلن إيمانه بالله داعيًا قومه أن يسمعوا له ويطيعوه، لكن قومه -كما يذكر المفسرون- قاموا بقتله، فأخبرنا الله بحاله وجزائه، قال تعالى: ﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ۞ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾ [يس: 26-27].،
فمن دلالات قصة هذا الرجل المؤمن أن المرء ينبغي أن يكون إيجابيا حريصًا على قومه وأهله ومجتمعه، يرجو لهم الخير، ويسعى لخيرهم وصلاحهم.
وهذا الرجل المؤمن لم يشمت في قومه حين دخل الجنة، بل إنه تأسَّى على حالهم، وقال: يا ليتهم يعلمون بما رزقني الله به من نعيم وتكريم، وفي هذا تنبيه على وجوب كظم الغيظ، والحلم عن أهل الجهل والبغي، وعدم الشماتة بهم والدعاء عليهم.
الدعاء