خطبة عن فتنة الدنيا وقوله تعالى ( وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا )
ديسمبر 5, 2020خطبة عن : الله يخلق ويملك ويختار ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ )
ديسمبر 12, 2020الخطبة الأولى ( الإسلام والتغيير للأفضل )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) (11) الرعد
إخوة الإسلام
إن التغيير سُنةٌ كونيةٌ ، وأمرٌ فطريٌ في هذه الحياة الدنيا ؛ إذ أن حياة الإنسان قائمةٌ على مبدأ التغيير، ودين الإسلام ذلك الدين العظيم الذي ارتضاه الله للبشرية جمعاء دينا قيما خالدا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه هذا الدين العظيم كان له الأثر الواضح في تغيير النفوس والأفكار نحو الأفضل والأصلح بالنسبة لمعتنقيه ، يقول الله تعالى : (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) (9) الاسراء ، والمتتبع لمن أسلم وحسن إسلامهم في مختلف الأزمان يلاحظ مستغربا كيف انقلبت حال هؤلاء الأشخاص من حال إلى حال , وكيف نبذوا ما حملوه من أفكار وقيم بمجرد الدخول في هذا الدين, وفور تسلل شعاع النور إلى قلوبهم ،إنه الإسلام , هذا الدواء الشافي الذي أرسله الله لنا شفاء لما في النفوس , وتصحيحا لما في العقول من مفاهيم , وانقلابا جذريا على واقع ملؤه العادات البالية والمعتقدات الفاسدة ،هذا هو الإسلام الذي يذلل الصعاب ,ويوحد الجهود , ويرقى بالإمكانيات , ويقول للإنسان غير نفسك للأفضل ،نعم لقد تسلل الإسلام إلى قلوب الكثيرين في الماضي والحاضر ,فجعل منهم أنموذجا حيا وواضحا لأثره وتأثيره في التغيير , فنقلهم من ذل المعصية إلى عز الطاعة , ومن حدود الدنيا إلى حدود الخلود , ومن قسوة القلب إلى الحب والرحمة والخشية والخضوع فكانوا بذلك خير مثال لخير دين ، وفي قوله عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) (11) الرعد، ففي ذلك خير شاهد ودليل على دعوة الاسلام للبشرية كلها للتغيير للأفضل ،فالله تعالى يساعد العبد على التغير نحو الأفضل إذا بدأ هو بذلك، وعقد النية، وأخذ بالأسباب، فالحياة لا تسير على وتيرة واحدة، وإنما لا بد من محطات يقف الإنسان مع نفسه فيها ليقيّم وضعه ،ومدى سيره على الطريق المستقيم الصحيح.
فمما لاشك فيه أن دين الإسلام قد قرّر قاعدة [ التغيير ] في حياة الإنسان المسلم ومن ثم في المجتمع المسلم ، وجعلها مبنيةً على مدى قدرة الأفراد على تغييرهم لأنفسهم ، وهو ما يُشير إليه قوله تعالى :{ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } (الرعد: 11) .ومعنى هذا أن حكمة الله تعالى وإرادته (جل جلاله) ، جعلت مسألة تغير المجتمع راجعةٌ إلى تغير ما في أنفس أفراده ،فإذا غيَّر الأفراد ما بأنفسهم نحو الأفضل تغير المجتمع نحو الأفضل ،وإن كان التغيير إلى الأسوأ كان تغير المجتمع نحو الأسوأ .وهذا يؤكد أن الله (عز وجل) جعل مسألة التغيير بيد الإنسان ،وأمرٌ راجعٌ إلى خياره وقراره لأنه صانع التغيير ،وصاحب القرار الذي بيده أن يمضي فيه ويُحققه .ولعل مما يُعزز هذا قوله تعالى :{ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } (الأنفال : 53) .
أيها المسلمون
إنّ قرار التغيير في الحياة ليس فقط شعاراً برّاقاً يتردّد على ألسنة الكثيرين، بل هو منهج حياة ،يرافقهُ اعتقادٌ قلبي، هدفهُ التغيير للأفضل، والتقرب إلى الله تعالى، ويقوم على قواعد ثابتةٍ وراسخةٍ، تضمن له النجاح والاستمرار في مشواره وتقدمه، الذي يطلب فيه العون والتوفيق من الله سبحانه وتعالى أولاً وأخيراً. كما قال القائل : (فإذا لم يكن عونٌ من الله للفتى .. فأوّل ما يقضي عليه اجتهادُهُ) ، وعلى المرء أن يعلم أهمية التغيير، فما أجمل أن يُعيد المرء تنظيم نفسه بين وقتٍ وآخر، وأن يجلس معها ليرى مواطن الضعف والركود، فينتقدها ويقويها، وأن يضع السياسات قصيرة المدى وطويلة المدى ليُنقذ ما يمكن إنقاذه، ويتخلص من الركود والجمود، ويبدأ من جديد بكل حيويةٍ ونشاطٍ متسلّحاً بالأمل، والسعادة والتفاؤل بمستقبلٍ واعد، فالتغيير يبدأ من الفرد فهو أساس التغيير للأفضل ، وعليه أيضا أن يدرك دوافع وأسباب التغيير، فيسأل المرء نفسه : لماذا قررت التغيير في حياتي؟، وما الدافع وراء التغيير؟، فالتغيير الناجح هو الذي يقوم على أسبابٍ أو أهدافٍ يُرجى تحقيقها ،وهي التي دفعته للتغيير ، فمن أسباب التغيير للأفضل : أن المسلم القوي ذو الفائدة أعظم درجةٍ وأرفع قدراً عند الله تعالى؛ فهو يفوق منزلة من الذي اكتفى بنفسه، وابتعد عن الآخرين؛ فلم ينشر الفائدة، ولم يترك أثراً، وعملاً ينال به الأجر والثواب. وفي التغيير استجابة لأمر الله سبحانه وتعالى، عندما دعا المؤمنين إلى الاجتهاد والعمل، وكي لا يكونوا عالة على غيرهم، وأنّ الله سبحانه وتعالى سيجازيهم على عملهم هذا يوم القيامة، قال الله تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إلى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) التوبة (105).
وفي التغيير للأفضل تحقيق للذات والتميز والنجاح في الحياة؛ وهذا ما يسعى إليه كل إنسان بأن تكون له قيمته ووزنه ونجاحه بين الناس، فإن أقدم على عمل نفع به غيره من البشر، حاز خيري الدنيا والآخرة، فهو بذلك حقق ذاته ونجاحه في الدنيا، والفوز برضا الله وثوابه في الآخرة، ولا تعارض بين نجاح الدنيا ونجاح الآخرة؛ فكلاهما يسلكه الناس في طريق واحد، يحرص في ذلك على تجديد النية لله وإفادة البشرية من أعماله. ولعل من أهم أسباب التغيير الذي يسعى له الإنسان، السعادة والهناء في الدنيا، فكم من بائسٍ مضطربٍ كئيبٍ أقدم على الانتحار أو الهلاك بسبب ما هو فيه من وضعٍ نفسيٍ وعاطفيٍ وقف أمامه مكتوف الأيدي، حتى تجتمع عليه الصعاب وتستهلك قواه الكامنة، فيصبح ضعيف الإرادة هزيل النفس، مضطرب الفوائد فهذه الصفات إن اجتمعت في فرد أهلكته، ولذلك كان من الضروري له التغيير للأفضل، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من نفسه التي تستحق أن يحيا وينجح من أجلها، ومن فوائد التغيير : القضاء على الملل؛ فالحياة تحتاج إلى تغيير مستمر، لإبعاد شبح الملل عنها، فإذا بقيت العادات اليومية في المنزل مثلاً دون تغيير، والجلسة كذلك بالطريقة نفسها، والعمل بالنمط ذاته، أصبحت الحياة ما هي إلا أيام مكررة، طغى عليها الملل، وأصاب صاحبها الإحباط والاكتئاب، فلا يضر الإنسان إن أحدث شيئاً من التغيير، كالأكل خارج المنزل، أو تغيير وضع أثاث المنزل، فهذه الأمور على صغرها إلا أنّها لها الفائدة الكبرى في تغيير نفسية الإنسان للأفضل، وشعوره بالراحة والنشاط، وتمد الإنسان بطاقةٍ تدفعه إلى العمل بسعادة.
أيها المسلمون
هكذا يتبين لنا أن للتغيير للأفضل فوائد كبيرة ومتعددة ،فتوكل على الله تعالى، وابدأ التغيير من داخل قلبك، فغير معتقداتك الخاطئة وآمن برب الكون، وبأن كل شيء بيده سبحانه، وبوقوفه إلى جانبك، واقتنع بنفسك، وآمن بقدرتها على التغير. خاطب نفسك باللغة الإيجابية والمحفزة للعمل، ولا تحاول الإنصات لأي عبارات محبطة قد تقود للخلف، وتذكر أن الذين بدؤوا رحلة التغيير كانوا فاشلين ولا يملكون شيئاً. حدد هدفك من التغيير بوضوح لتستطيع رسم الطريق الذي تنوي السير فيه، وخذ ورقةً وقلماً واكتب ما هي الأمور التي تحب أن تغيرها في نفسك؛ مثل: ترك التدخين، أو حفظ القرآن الكريم، أو إنزال الوزن، أو صلة الأرحام، أو تطوير مهارات العمل، وبعد ذلك اكتب السلبيات التي تنتج في حال لم تحقق هدفك، والنتائج الإيجابية التي تنتج عند تحقيق الهدف، فذلك يشحن طاقتك باستمرار. لا تحاول الإنصات إلى ذكريات الماضي ولا ترهق نفسك بالتفكير بتلك الفترة، وإنما اجعل نظرك دائماً للفترة المقبلة من حياتك مع تصور حدوث التغيير، وما ستكون عليه بإذن الله تعالى. غيّر استراتيجية عملك عند عدم الوصول إلى النتائج التي تطمح للوصول إليها، ولا تحاول الجلوس واليأس والفشل، وإنما اتبع طرقاً أخرى لتحقيق الأهداف. ابدأ دائماً بخطوات صغيرة ولا تحاول القفز في خطوات واسعة وكبيرة؛ لأن ذلك قد يؤدي إلى الفشل والشعور بالإحباط، وابدأ بتطبيق الأهداف السهلة ثم الأصعب فالأصعب. لا تنتظر تغير الظروف لتكون في صالحك، وإنما غير الظروف لتكون لمصلحتك ولتستطيع تحقيق أهدافك. أعط نفسك مكافآت عند تحقيقك أي هدف أو تُحدِث أي تغيير، لتشجع نفسك على الاستمرار في التغيير.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الإسلام والتغيير للأفضل )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وإليك -أخي المسلم- هذه المجموعة من الأمثلة والتي أقترح عليك القيام بها ، والتي يمكن – متى تم تطبيقها أو تطبيق بعضها أن يتحقق جزءٌ كبيرٌ من التغيير الإيجابي المطلوب في حياتك ،ومنها : عوّد نفسك المحافظة على بعض الأذكار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم على مدار اليوم والليلة .اغتنم فترة فراغك وفي سفرك وانتقالك في إشغال لسانك بذكر الله تعالى تسبيحًا ، وتهليلاً ، وحمدًا ، واستغفارًا ، وتكبيرًا . اجعل من ضمن برنامجك الأُسبوعي زيارة أحد الأقارب أو الأصدقاء أو الجيران للسلام والاطمئنان عليه . مارس رياضة المشي أو الجري الخفيف لمدة عشر دقائق يوميًا .عوّد نفسك الجلوس مع والديك ، أو مع أفراد أسرتك وتبادل الحديث الودي معهم ولو لوقتٍ قصيرٍ يومياً . احرص على التبكير في حضور مواعيدك ، وجرِّب أن تنام مبكراً ،واحرص على أن تبدأ بالسلام على والديك يومياً وتقبيل أيديهما . وتلطف في كلامك مع إخوانك وأصدقائك وجيرانك وكل من هم حولك . تصدق بمبلغ من المال ولو بالقليل . حافظ على استعمال السواك باستمرار ، واحرص على جمال المظهر والأناقة المعقولة والمقبولة في الملبس والمظهر والشكل العام . تعود على سماع وجهات نظر الآخرين وتقبُلها وإن كانت مُخالفة لوجهة نظرك الخاصة .أعد النظر في قائمة القنوات التلفزيونية التي تُشاهدها في بيتك . حاول تنظيم وقتك وأداء ما عليك من واجباتٍ في حينها دون تأخير .أعد ترتيب محتويات غرفتك أو مكتبك أو سيارتك حتى تبدو أكثر نظاماً . حاول زيارة المستشفى للسلام على المرضى من إخوانك المسلمين وإن لم تعرفهم ،وحافظ على زيارة المقابر والسلام على أموات المسمين والدعاء لهم . قم بتلبية الدعوات التي توجَّه لك ، ولاسيما من الأهل والأقارب والجيران .وشارك في حضور المناسبات المختلفة التي تُدعى إليها . اجتهد أن تُصلي كل الفروض مع جماعة المسلمين في المسجد .وزد معدل تلاوتك للقرآن الكريم في اليوم الواحد بضع آيات .وحاول أن تقرأ عدة صفحات من كتابٍ مفيدٍ في اليوم الواحد . أعد النظر في محتويات رسائل الجوال المكتوبة والمرئية عندك ، وتخلّص مما لا يرضاه الله تعالى منها . استمع لشريطٍ إسلاميٍ واحدٍ في كل يوم لأحد الدعاة . حافظ على أداء صلاة الوتر قبل أن تأوي إلى فراشك . احرص على أداء صلاة الضحى ولو ركعتين .
فلا شك أن تطبيقك لهذه الأمثلة في حياتك والمحافظة عليها ستؤدي إلى نتائج مُدهشة قد لا تتوقعها ، والتجربة أكبر برهان كما يُقال . ولاسيما أنك ستشعر – بإذن الله تعالى – بتجدد حياتك ، وتبدُل أحوالك ، وتغير قناعاتك ، وزيادة التصرفات الإيجابية في أدائك اليومي ؛ وبذلك يتحقق التغيير الإيجابي المطلوب . فاستعن بالله وحده عند شروعك في مشوار التغيير ؛ فهو الذي له الأمر كُله ، وهو الذي يُقدِّر الأقدار ، وهو الذي يشاءُ ويختار ،وليكن أول تغييرٍ تحرص عليه أن تعمل على مضاعفة إيمانك بالله تعالى ، وتقويته عن طريق زيادة الأعمال الصالحة التي ترضيه سبحانه .وتذكّر أن كل إنسانٍ موفّق إلى عملٍ صالحٍ من أعمال الخير ، فمن الناس من وفّق إلى الصلاة ، ومنهم من وفق إلى الصدقة ، ومنهم من وفق إلى الصيام ، ومنهم من وفق إلى الدعوة إلى الله تعالى ، ومنهم من وفق إلى الخُلق الحسن ، ومنهم من وفق للإصلاح بين الناس ، وهكذا .فليكن لك مع الله تعالى خبيئة وسر بينك وبينه يقودك إلى رضوانه ، وتفوز بجناته والنظر إلى وجهه الكريم
الدعاء