خطبة عن أحوال يوم القيامة ، وعقوبة الظلم ( وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا )
ديسمبر 26, 2020خطبة عن ( كورونا آيَةٌ مُبْصِرَة: ( وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا )
ديسمبر 27, 2020الخطبة الأولى: اصبروا أيها المستضعفون ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ) (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (97) :(99) الحجر، وقال الله تعالى 🙁قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ) (33) :(35) الانعام
إخوة الإسلام
من المؤكد أن المسلمين اليوم مستضعفون ،فدماء تُراق، وأعراض تُنتهك، وديار تُستباح، حتى أصبح كثير منهم بين قتيل وشريد وطريد، ولكن مع هذا الحال المؤلم ،إلا أن لدينا يقينا بأن الله لم يجعل لدماء المسلمين وأموالهم ثمنًا إلا الجنة، وعلى هذا كان البيع، قال ربنا جل وعلا: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: 111]. فقد تموت الأجساد بل تمزق، فترتفع الأرواح إلى العالم العلوي، إلى جنات ونَهَر ،في مقعد صدق عند مليك مقتدر، عندها تنتهي الآلام والأحزان، وتبدأ الحياة الحقيقية التي لا همَّ فيها ولا غمَّ ولا نكَد، في دار الخلد والنعيم.
أيها المسلمون
لقد بلغ من ضعف المسلمين اليوم ،وهوانهم على عدوهم ،أن أصبح الكافرون في هذا الزمان يسخرون منهم ،وكأن التاريخ يعيد نفسه ،فهو بالضبط ما حدث للمسلمين الأوائل في مكة، وقبل الهجرة إلى المدينة ،فيصف الله سبحانه وتعالى حال المشركين فيقول: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاَءِ لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ} [المطففين: 29 – 33]. ففي هذه الآيات يصف ربُّ العالمين المستوى المتدني الذي وصل إليه زعماء الكفر في مكة؛ حيث كانوا يمرُّون على مجالس المؤمنين فيضحكون منهم، ويتغامزون فيما بينهم، وهم يُشيرون باستهزاء إلى المسلمين؛ بل يُطلقون عليهم النكات، وأنواع المزاح المختلفة، ويعتبرون ذلك من الفكاهة الممتعة؛ حتى إنهم كانوا يتسامرون مع أهلهم في بيوتهم بهذه النكات؛ بل إن الإعلام الكافر سيظل يستخدم هذه الوسيلة نفسها، في كل زمان ،وفي كل مكان، ولذلك ففي هذه الآيات التي هي بين أيدينا اليوم ، يقول الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم ،ولمن تبعه من المؤمنين في كل زمان ومكان : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ) (97) النساء ،وقال الله تعالى 🙁قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) (33) الانعام ، فيقول الله تعالى – لنبيِّه صلى الله عليه وسلم ولأتباعه من بعده : إنَّنا نعلم أنَّك تشعر بالحزن والألم بسبب كُفْر قومك وعنادهم واستهزائهم بك وبقومك، ويضيق صدرك بسبَب ما تسمعُه من شِرْك بالله وتكْذيب بالقرآن، فلا تحزن ولا تلتفت لما يقولون، فأقوالهم باطلة ،
والمسلم اليقِظ الَّذي يترسَّم خطوات نبيِّه، ويسعى إلى تمثُّل منهجه – صلى الله عليه وسلم – مطالب بأن يعرض نفسَه على هذا المسلك النبوي، ويَقيسُ من خِلاله مدى إيمانِه وقوَّة تفاعُله، ومساحة معايشتِه لهذا الدين ، فهَلْ يشعر المسلم بضِيق الصدْر إذا نيل من هذا الدين؟ ، وهل تغمُرُه الحسرة وهو يرى جُموع الهالكين تُعْرِض عن هذا الدين؟ ،وهل يكاد المسلم يقتُل نفسه ألمًا وحزنًا على ما يرى من كفر صريح، وإعراض عن الحق، واستهزاء بالرسول، وتنكيل بالمسلمين ؟، فإذا رأى المسلم في نفسِه هذه المظاهر والأعراض أو بعضها، فإنَّه على خير ،ويسير في الاتجاه السليم، وإذا بحث في نفسِه فلم يجد شيئًا من هذا، فيُخْشَى أن يكون ميِّت القلب، فاقدَ الإحساس ،عديم المسؤولية، وليحذَرْ مَن كانت هذه حاله، فقد روى الطبراني في “الأوسط”، والبيهقي في “الشعب”: عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(أَوْحَى اللَّهُ إِلَى مَلَكٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَنِ اقْلِبْ مَدِينَةَ كَذَا وَكَذَا عَلَى أَهْلِهَا!! قَالَ :إِنَّ فِيهِ عَبْدَكَ فُلَانًا لَمْ يَعْصِكَ طَرْفَةَ عَيْنٍ ؟! قَالَ : اقْلِبْهَا عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ ، فَإِنَّ وَجْهَهُ لَمْ يَتَمَعَّرَ لِي سَاعَةً قَطُّ) .وروى البيهقي في “الشعب” عَنْ مَالِكٍ قال : ” إِنَّ اللهَ ، عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ بِقَرْيَةٍ أَنْ تُعَذَّبَ فَضَجَّتِ الْمَلَائِكَةُ ، قَالَتْ :إِنَّ فِيهِمْ عَبْدَكَ فُلَانًا ،قَالَ :أَسْمِعُونِي ضَجِيجَهُ ،فَإِنَّ وَجْهَهُ لَمْ يَتَمَعَّرْ غَضَبًا لِمَحَارِمِي “، فهذا لم يتمعر وجهه أو يتغير ،ولم تظهر عليْه علامات الانكار والحزن وهو يرى الكفر والمعاصي والإعراض ،والاستهزاء بالله تعالى ،وبالدين ،وبالرسول صلى الله عليه وسلم؛ ولم يضِقْ صدره، ولم تذهب نفسُه على ذلك حسرة، وهنا يكْمُن الهلاك من حيث لا يشعر الكثيرون.
أيها المسلمون
وهذه رسالة أوجهها إلى المؤمنين الذين يعيشون اليوم ظروفًا صعبة وقاسية، ويتعرَّضون لأشدِّ ألوان التعذيب بسبب انتسابهم للإسلام، أقول لهم فيها: اصبروا واحتسبوا، فلن يطول هذا الألم كثيرًا، نعم لن يُرْفَع الألم بالكلية؛ لأن الحياة الدنيا بشكل عامٍّ دار ابتلاء؛ ولكن وتيرته ستنخفض إلى الدرجة التي يُمكنكم أن تتعايشوا معها، وهذه الفترة المحدودة التي تتعرَّضُون فيها للأذى الشديد لن تنال إلَّا عددًا محدودًا منكم، أمَّا الأغلب فسيحفظهم ربُّهم من التعرُّض لهذا التنكيل، فتُكْمِل الدعوة طريقها دون تعطُّل، وهذا ينبغي أن يرفع من همَّتكم، ويشدَّ من أزركم، فلا يملأ الرعب قلوبكم من تعرُّضكم لتعذيب الظالمين أو تنكيلهم ،الله سبحانه وتعالى لطيف بعباده المؤمنين، وهو أرحم بهم من الأمِّ بولدها، ولا يبتلي المسلمين إلا ليرفع من درجاتهم، ويُطَهِّرهم من ذنوبهم، ويختبر إيمانهم وصدقهم، فإذا تحقَّق ذلك رفع الله عنهم البلاء، وخفَّف عليهم المصيبة، وألقى في قلوبهم سعادة واطمئنانًا يُثَبِّت عزيمتهم؛ بل يَسَّر ظروفًا حولهم تُشعرهم بأنه سبحانه وتعالى معهم، يُمَهِّد لهم الطريق، ويدفع عنهم الأعداء، ويهديهم إلى ما فيه خيرهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة ،فنحن لا نحتاج إلَّا لصبر ساعة! فالبلاء سيُرفع قريبًا، وسيظهر الفجر بعد ظلمات الليل ،فهذا الذي نراه ونشاهده ،حدث في كل مراحل بناء الأُمَّة الإسلامية، وشاهدناه في واقعنا المعاصر، فإن هناك فتراتٍ معينةً ارتفعت فيها وتيرة الصدام، حتى شملت صور التعذيب والقتل؛ لكنها لا تلبث أن تنتهي؛ لأن الباطل كان زهوقا ،وقدر الله نافذ، فلا فكاك، ولا مهرب من القدر المقدور؛ قال تعالى: ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَرًا مَقْدُورًا﴾ [الأحزاب: 38]،
ومع إدراكنا أنه قد يتعرَّض البعض للأذى الشديد، فإن بناء الأُمَّة أمر واجب، والجماعة المؤمنة الصالحة هي نواة هذا البناء، وبغيرها لا تقوم الأُمَّة، وما لا يتمُّ الواجب إلَّا به فهو واجب، فلا يرهبنَّكم احتمال وقوع الأذى عن القيام بواجب أنتم منوطون به، وهذه المجموعة التي قد تتعرَّض للأزى الشديد هي المجموعة المنتقاة، وهم الصفوة حقًّا، وقد اختارهم الله عز وجل ليدفع بهم الأذى عن بقية إخوانهم، ومن داخل هذه المجموعة المنتقاة سينتقي الله مجموعة أقل، ليُقْتَلوا في سبيله، ويصيروا شهداء الأُمَّة، وهذا اختيار رفيع من إله كريم؛ قال تعالى: ﴿وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ﴾ [آل عمران: 140]،
فلا تحزن إن اختارك الله لسجن أو تشريد أو تعذيب، أو قتل، فإنك -ولله الحمد- من المصطَفَيْنَ ،واعلموا أنه لا يُرسل الله عز وجل هذا البلاء إلَّا ويُرسل معه القوَّة لتحمُّله، والمُعَذَّب في الله يصبر على ما لا يصبر عليه الناس عادة، وإذا راجعنا ما حدث مع الصحابي الجليل خباب رضي الله عنه، ومن كونه تعرَّض للإلقاء فوق الفحم الملتهب، ثم عرفنا أن الله عز وجل مكَّنه من التحمُّل، ثم الشفاء، ثم البقاء حتى رأيناه يُحاور أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه في زمان خلافته؛ بينما مات كلُّ المعذِّبين له، إذا رأينا كل ذلك أدركنا أن هناك قوَّة خفية يُثَبِّت الله عز وجل بها الذين آمنوا؛ قال تعالى: ﴿يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ﴾ [إبراهيم: 27]،
فلا تَخَفْ من كيد الاعداء، ما دام جهادك في سبيل الله، فلا تجزع، فإن الفرج قريب ،واعْلَم أيها المبتلى بهذه الشدَّة أن أجرك لا ينحصر في عملك الذي قمتَ به، وصبرك في المواقف التي تعرَّضْتَ لها؛ بل إن أجرك يتعدَّى ذلك حتى يشمل أجور المؤمنين الكُثُر الذين رُفِع عنهم الألم بتعرُّضك أنت له؛ فقد انشغل الظالمون بكَ عنهم، وخُفِّف بكَ عليهم، وصارت نجاتهم بسببك، ولو أكملوا الدورة، وأقاموا الأُمَّة، لكان قيامها كلُّه في ميزان حسناتك، فلا تشعرنَّ بشيء من الندم على انخراطكَ في دعوة تعرَّضت فيها للأذى؛ بينما غيرك آمن لم يتعرَّض لشيء، فكلٌّ مُيَسَّر لما خُلِقَ له، فأنت في مكانك تعمل، وأخوك في مكانه الآمن يعمل كذلك، والمحصِّلة لعمليكما يكون فيها نجاح الأُمَّة ككلٍّ، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة؛ فقد تحمَّل هو العبء الأكبر في هذا الأمر، ثم كان أشدُّ الناس بلاءً بعده أبا بكر الصديق رضي الله عنه، وهو خليفته الأول، وصاحبه المقرَّب، وأحد رموز الدعوة المعروفة، ولم يكن تعرُّض الاثنين للأذى بأمر مستغرب؛ إنما هو السُّنَّة الماضية والطريقة الثابتة، التي تنشأ بها الأمم، وتُبنى بها الحضارات ،فليعلم كلُّ قائد أو زعيم أن القيادة ليست تشريفًا، إنما هي تكليف، وأن الزعامة ليست مكاسب ومنافع، إنما هي تضحيات وتبعات؛
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية: اصبروا أيها المستضعفون ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وإذا كان المسلمون اليوم مستضعفين ،فمن الواجب عليهم أن يجتهدوا في أسباب النصر والتمكين ،فالله جل وعلا جعل للنصر أسبابا ،وجعل للخذلان أسبابا، فالواجب على أهل الإيمان في جهادهم ،وفي سائر شئونهم ،أن يأخذوا بأسباب النصر ،ويستمسكوا بها في كل مكان، في المسجد، وفي البيت وفي الطريق، وفي لقاء الأعداء وفي جميع الأحوال، فعلى المؤمنين أن يلتزموا بأمر الله، وأن ينصحوا لله ولعباده، وأن يحذروا المعاصي والتي هي من أهم أسباب الخذلان، فمن المعاصي: التفريط في أسباب النصر، والأسباب الحسية التي جعلها الله أسبابا لابد منها، كما أنه لابد من الأسباب الدينية، فالتفريط في هذا أو هذا سبب الخذلان، والله جل وعلا يقول في كتابه العظيم وهو أصدق القائلين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد:7] ،ففي هذه الآية العظيمة خطاب لجميع المؤمنين بين فيها سبحانه أنهم إذا نصروا الله نصرهم سبحانه وتعالى، ونصر الله من المؤمنين هو: اتباع شريعته ونصر دينه والقيام بحقه، فإذا قام المسلمون بنصر دينه والقيام بحقه ونصر أوليائه نصرهم الله على عدوهم ،ويسر أمورهم ،وجعل لهم العاقبة الحميدة كما قال تعالى: (فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) [هود:49]
فالرسل وأتباعهم من المؤمنين لهم النصر في الدنيا بإظهارهم على عدوهم وتمكينهم من عدوهم وجعل العاقبة الحميدة لهم ضد عدوهم، وفي الآخرة لهم النصر بدخول الجنة والنجاة من النار والسلامة من هول اليوم العظيم، ويقول عز وجل: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور:55] ،فهؤلاء هم أنصار الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وهم الذين أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، وهم الذين نصروا دين الله واستقاموا عليه، هؤلاء هم أنصار الله الذين ثبتوا على دينه واستقاموا عليه قولا وعملا في الأمن والخوف في الشدة والرخاء جاهدوا لله وصبروا فجعل الله لهم العاقبة الحميدة كما قال سبحانه: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت:69] ،هكذا وعدهم الله تعالى بالهداية ،وأنهم هم المنصورون،
الدعاء