خطبة حول قوله تعالى ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا )
فبراير 20, 2021خطبة حول حديث ( دَنَتْ مِنِّي الْجَنَّةُ .. وَدَنَتْ مِنِّي النَّارُ )
فبراير 23, 2021الخطبة الأولى :إياكم أن تُفتنوا بقوة الكافرين ( ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ )
الحمد لله رب العالمين .اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ) (17) ،(18) الانفال
إخوة الإسلام
لا يخفى على أحدٍ تلك الفِتَنُ التي تحدُثُ اليوم وكلَّ يومٍ في أمَّتنا الإسلاميَّةِ؛ وذلك مِن انتهاكٍ لحُرماتِها، وتدنيسٍ واحتلال لمقَدَّساتِها، واستهزاءٍ بدينها ورسولها وعقيدتها ،وسلب ونهب لخيراتها، والتحكم في قراراتها ،والحيلولة دون استرجاع الأمة لعزتها وحضارتها ومجدها السليب ،فكانت النتيجة: أن فُتن الكثير من الناس بقوة الكافرين ،وعظّم البعض- من المسلمين- قوة أعدائنا من المشركين ،وصاروا ينظرون إليهم بمنظار من يملك القوة المطلقة، والقدرة الكاملة ،وكأنهم أصبحوا على كل شيء قادرين، وأن ما عندهم من المعلومات الاستخباراتية ما يعلمون به كل شيء ،فهم يصّورون ويراقبون كل شيء ،وغفل هؤلاء المفتونون عن قول الله تعالى :(وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ) (17) ،(18) الانفال ،هكذا بدأ الوهَن ينتشِرُ في قلوبِ الكثيرٍ مِن المسلمين، ففقدوا الثِّقةَ في استعادةِ مجدِ تلك الأمَّةِ، بل ربَّما فقَدوا الثقةَ في نصرة ربِّهم ،واستبَدَّ بهم اليأسُ من إمكانيَّةِ التغييرِ مِن وَضعِ الهزيمةِ إلى نصرٍ، ومن الذل إلى العز ، ومن الضعف إلى القوة .
ولكننا نقول لهؤلاء الغافلين المفتونين المخدوعين : لا تفتنوا بقوة أعدائكم من الكافرين ،فإن اللَّهَ تعالى مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ، ومضعف قوتهم، ومصغر أمرهم ،وأنهم في تبار ودمار ،فسنن الله سبحانه وتعالى لا تتخلف ولا تتبدل ولا تتحول، ومن سننه: تقوية الحق ،وتوهين الباطل، ونصر المؤمنين ،وخذلان الكافرين ،ولكن ذلك كله يتطلب من المسلمين أولا العودة إلى دينهم ، والتمسك بكتاب ربهم ،واتباع سنة نبيهم ،فحينها يكونون أهلا لنصرة ربهم ،وإستخلافهم وتمكينهم في الأرض ،قال الله تعالى 🙁قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (54) :(57) النور، وليكن معلوما لدينا أن سنة إهلاك الظالمين بدون جهاد قد توقفت في منتصف فترة نبوة سيدنا موسى عليه السلام، يقول الشيخ رشيد رضا :“وهذا النوع من الهلاك كان خاصا بأقوام الرسل أولي الدعوة الخاصة لأقوامهم، وقد انتهى ببعثة صاحب الدعوة العامة خاتم النبيين المخاطب بقوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء (107) ،ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية :(إن الله سبحانه وتعالى كانت سنته قبل إنزال التوراة، إذا كذب نبي من الأنبياء ينتقم الله من أعدائه بعذاب من عنده، كما أهلك قوم نوح بالغرق، وقوم هود بالريح الصرصر، وقوم صالح بالصيحة، وقوم شعيب بالظلة، وقوم لوط بالحاصب، وقوم فرعون بالغرق قال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (43) القصص، فلما أنزل الله التوراة، أمر أهل الكتاب بالجهاد، فمنهم من نكل ومنهم من أطاع، وصار المقصود بالرسالة لا يحصل إلا بالعلم والقدرة ،وعليه فإن انتظار المؤمنين اليوم أن يُعاقب الله لهم الأمم المكذبة بدينه، والتي تجمع إلى ذلك ظلمهم وسومهم سوء العذاب، هو انتظار في غير موضعه، وطمع في غير مطمع، فقد شرع الله عز وجل الجهاد منذ أمد طويل، وصار عقاب الله الأمم المكذبة الظالمة يكون بأيدي المسلمين)، وذلك بالجهاد في سبيل الله ،فلا بد من الرجوع إلى الله ،واعداد العدة للجهاد في سبيل الله .
أيها المسلمون
وأريد أن أوضِّحَ في البداية أنَّ الإسلامَ لا يُهزَمُ أبدًا، ولن يهزم قط ،وإنَّما تُهزَمُ أجيالٌ من المنتمين للإسلام اسما فقط ،وبعيدين كل البعد عن الاسلام عقيدة وعملا ؛ فهذه الأجيال ليست جديرةً بالنَّصرِ ولا بالتَّمكينِ؛ قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 54]. وقال الله تعالى :{إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} التوبة: 39 ،فلن تنتَصِرَ هذه الأمَّةُ إلَّا عندما تُؤتَى توحيد نبي الله (إبراهيم) هذا النبي الجليل الكريم، الذي قام يدعو إلى الوحدانية، ويحارب الشرك، من خلال عمله، ومناظراته مع أهل الكفر، ولن تنتَصِرَ هذه الأمَّةُ إلَّا عندما تُؤتَى صَبَر نوحٍ على قومِه؛ فقد دعاهم عشرةَ قرون ولم ييأَسْ ويستعجِلِ النَّصرَ حتى أتاه بعد عشرةِ قرون، وظَلَّ يدعو بين قومِه سِرًّا وجِهارًا، ولن تنتَصِرَ هذه الأمَّةُ إلَّا عندما تُؤتى يقينَ موسى بنصرِ رَبِّها في أشَدِّ وأصعَبِ الأوقات، فانظُرْ إلى موقِفِه مع السَّحَرةِ، وقد جمعوا له سبعين ألف ساحرٍ؛ ولَمَّا لَحِقَه فرعونُ فأحاطه من الخَلفِ، وأحاطه البحرُ مِن الأمامِ، وظنَّ قوَمُه أنَّهم هالكونَ على يدِ فِرعونَ لا محالةَ؛ ولن تنتَصِرَ هذه الأمَّةُ إلَّا عندما تُؤتى ابتسامةَ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وشُموخَه وجهاده وثِقَتَه بنَصرِ رَبِّه له، وهو في الغارِ مع صاحِبِه، وقريش كلُّها تطلبُه حيًّا أو ميِّتًا ،
أيها المسلمون
وإن المتدبر لقول الله تعالى : {ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ} الأنفال: 18، أي مضعف كل مكر وكيد يكيد به الكافرون للإسلام وأهله ،وجاعل مكرهم محيقاً بهم ،فلولا أن الله تعالى موهن كيد الكافرين ،ومضعف مكرهم، وناصر دينه ،وهازم الأحزاب وحده ،لما قامت لدعوة الإسلام قائمة ،فالناظر لتاريخ الإنسانية قديماً وحديثاً ،يجد أنه لا يوجد دين نُصب له العداء ، وحُورب الحرب الشعواء ،كما حدث لدين الإسلام، ولم تُوجد أمة حُوربت في عقر دارها ،وحاول أعداؤها أن يزيلوها من على وجه البسيطة ،كما حدث لأمة الإسلام، فلولا حفظ الله تعالى لدينه ،ولهذه الأمة ،لزالت منذ زمن بعيد ،كما زال غيرها من الأمم ما مسها عشر معشار ما مس أمة الإسلام ،وقد خاطبنا الله تعالى في القرآن ،وبيّن لنا أن أمة الاسلام والتوحيد قد يمسها من مكر الأعداء الشيء العظيم ،فقال تعالى: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (30) الانفال ، فالواجب علينا- نحن المسلمين- أن نعلق قلوبنا بالله ،وأن نستمد قوتنا من الله ،ولا نخاف إلا من الله ،فإنه من خاف الله اتقاه ،ومن اتقى الله أكرمه الله ،ورفع قدره ،وأعلى مكانته ومنزلته ،ولنحذر من تعليق القلوب بالمخلوقين ،والرهبة منهم ،أو خشيتهم كخشية الله أو أشد خشية ، فهذا هو الضلال المبين ،وهو الشرك الصريح ،قال الله تعالى :﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 175].
ومن الملاحظ اليوم ،أن أعداء الإسلام تفننوا في زرع الخوف في قلوب المسلمين، فيوجد على سبيل المثال أجهزة متخصصة لنشر الرعب بينهم، وتوجد وسائل إعلام، وكتب، ومجلات، وكلها مخصصة لزرع المخاوف في النفوس، وهذا ما يسمونه عندهم بالردع، نعم الردع الذي يولد الخوف عند الإنسان ،بحيث لا يقوم بأي عمل، وهذا الخوف من أعداء الملة والدين قد أثقل كواهل المسلمين، وأصبح الواحد منهم لا يستطيع أن يصنع شيئاً لدينه ،لأنه مثقل بالأوهام والمخاوف من الأعداء ،فلنملأ قلوبنا خوفاً من الله وحده ،ولنتقرب إليه رغبة ورهبة ، حتى نكون من الموحدين لله، المتقين له ،الوجلين منه ،المعلقين قلوبهم به ،فقوة الكفار مهما تكن ،ومهما عظمت ،فهي ليست بشيء عند إيمانكم، وعددهم هش بالنسبة لصدقكم، وعدتهم هزيلة لحزمكم وصبركم ،ولنعلم :(أَنَّ اللّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ} الأنفال: 18،وقال الله تعالى : (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (139) آل عمران ،لذلك كان الخوف مذموما لأهل الإيمان، متنافيا مع ما يعتقدونه من نصرة ويقين وتمكين ،فالخوف من المخلوقين لا يليق إلا بالنفوس الخاوية ،والمتعلقة بزهرات الحياة الدنيا،
وليعلم المسلمون أن الإيمان بالله تعالى وقدرته هو مصدر قوة ،ونافذة صبر وإقدام، يغذي الشجاعة القلبية، ويزيد من الحصن الخارجي ،وهو الدرع الملبوس للحماية والصيانة ،وقد كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس ،وأثبتهم قلبا إبان الفتن وشدائد الحروب، متوكلا على ربه، وينثر إيمانا مزلزلا للخصوم ،وقد صحت استعاذته صلى الله عليه وسلم من الجبن ،فالتعلق بالله يورث الثبات وبلوغ الشجاعة المانعة من الانزلاق في وادي الجبن والهلع المتزايد ،وفي الحديث : قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {شَرُّ مَا فِي الرَّجُلِ شُحٌّ هَالِعٌ ، وَجُبْنٌ خَالِعٌ} أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ ،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والمتدبر لقوله تعالى 🙁ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ) (18) الانفال، فمن فضل الله على عباده المؤمنين: أنه كما يوهن كيد الكافرين ،فإنه جل وعلا يبارك في عمل أهل الإيمان ،ويضاعفه لهم ،بحيث لا يظن أحدهم أن عمله القليل أو الضعيف يبلغ ما بلغ ،كما أخبرنا الله تعالى ،فقال تعالى:{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} الأنفال:17، ثم قال بعد ذلك: {ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ} الأنفال: 18. فما فعله النبي صلى الله عليه وسلم عندما خرج من العريش الذي نُصب له في غزوة بدر ،هو أنه أخذ قبضة من التراب ،ثم رماها في وجوه المشركين (كما جاء في السيرة) فأوصلها الله تعالى إلى وجوههم، فما بقي منهم أحد إلا وقد أصاب وجهه وفمه وعينيه منها، فحينئذ انكسر حدهم، وفتر زندهم ،وبان فيهم الفشل والضعف ،فانهزموا، فمن الذي بارك في هذه الحفنة من التراب وأوصلها في عيون المشركين؟ إنه الله تعالى، فالله دائماً مع المؤمنين ،يسدد خطاهم ويؤازرهم ،ويقاتل عنهم، فانتصار الإسلام سنة إلهية، وسنن الله هي التي تحكم، مهما بدا لقصار النظر أنها تسير بخلاف ما يقوله الله ،وما يريده، فقد انتصر الرسل جميعاً على أعدائهم، حتى جاء خاتمهم وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم ،ففتح الله له فتحاً مبيناً ونصره نصراً عظيماً ،على صنوف الأعداء من مشركين وكتابيين ومنافقين، وسجل القرآن الكريم هذه السنة الإلهية ،فقال الله تعالى:{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْـحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْـمُشْرِكُونَ} [التوبة: ٣٣]، ولم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى حقق الله له النصر على كل من ناوأه، وخُتمَت حياته صلى الله عليه وسلم ببشارة النصر الذي اقترن بفتح القلوب بالتوبة ،قبل أن يقترن بفتح البلدان بالغزو، فقال الله سبحانه:{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} (1) :(3) النصر. ومثلما وعد الله رسوله بالنصر، وعد أتباعه به ما استقاموا على دينه وسنته، فقال الله سبحانه:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِـحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور: ٥٥].
ولقد شهدتْ أحداث التاريخ الإسلامي في عهوده المتوالية، على أن هذه السُّنة الإلهية ،وتلك الحتمية التاريخية في انتصار الإسلام، هي قدر هذه الأمة ،على قدر استجابتها واستقامتها؛ فمنذ أن كسر الله بهذه الأمة مُلْك كسرى ،وقَصَر نفوذ قيصر، توالت انتصارات الأمة في جنبات الأرض، فلم يستطع التتار قهرها، ولم يتمكن الصليبيون من إخضاعها، وكذلك قاومت العداة من الأوروبيين في العصر الحديث ،فرغم ما أصابها لم تركع لهم، ولم تخضع لمشاريعهم الاستعمارية ،التي استهدفت مسخ هويتهم ،وتبديل شريعتهم، وإنا -إن شاء الله- لمنصورون ، قال الله تعالى : (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) (171) :(173) الصافات .
الدعاء