خطبة عن سؤال ومحاسبة العبد ، وحديث (يُؤْتَى بِالْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ أَلَمْ أَجْعَلْ لَكَ سَمْعًا وَبَصَرًا وَمَالاً وَوَلَدًا)
فبراير 27, 2021خطبة عن قوله تعالى ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ )
مارس 6, 2021الخطبة الأولى ( المشاهد والمرائي التي رآها الرسول في رحلة الإسراء والمعراج ودلالاتها)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (1) الاسراء ،وقال الله تعالى 🙁وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11)أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) (1) :(18) النجم
إخوة الإسلام
لقد كانت رحلة الإسراء والمعراج اختباراً جديداً للمسلمين في إيمانهم ويقينهم ،وتصديقهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كما كانت فرصة لمشاهدة النبي – صلى الله عليه وسلم – لعجائب القدرة الإلهية ،والوقوف على حقيقة المعاني الغيبيّة ،وكانت أيضا تشريفا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بمناجاة الله ،وفي موطنٍ لم يصل إليه بشرٌ قطّ ،إضافةً إلى كونها سبباً في تخفيف أحزانه وهمومه ،وتجديد عزمه على مواصلة دعوته ،والتصدّي لأذى قومه ،وقد شهدت الأيّام السابقة لتلك الرحلة العجيبة العديد من الابتلاءات ،كان منها موت زوجته خديجة (رضي الله عنها) ،والتي كانت خير عونٍ له في دعوته ،ثم تلاها موت عمّه أبي طالب ،ليفقد بذلك الحماية التي كان يتمتّع بها ،حتى تجرّأت قريشٌ على إيذائه – صلى الله عليه وسلم – والنيل منه ،ثم زادت المحنة بامتناع أهل الطائف عن الاستماع له ، والقيام بسبّه وطرده ،وإغراء السفهاء لرميه بالحجارة ،مما اضطرّه للعودة إلى مكّة حزيناً كسير النفس ،ومع اشتداد تلك المحن ،ومع تكاثر هذه الأحزان ،كان النبي – صلى الله عليه وسلم – في أمسّ الحاجة إلى ما يعيد له طمأنينته، ويقوّي من عزيمته ،ويسلي حزنه ،فكانت رحلة الإسراء والمعراج ، حيث أُسري به – صلى الله عليه وسلم – إلى بيت المقدس ،ثم عُرج به إلى السماوات العُلى ، ثم عاد في نفس اليوم ،فكانت الرحلة تكريما عمليا له ،وكأن الله تعالى يقول له : إذا كنت مطاردا من أهل الأرض ،فأنت مرحبا بك في السماء ،وإذا كنت حزينا لما أصابك ،فانظر إلى ما أعده الله لك ،وإذا كان الكفار يستهزئون بك ،فأنت مكرم عند ملائكة السماء ،…
ولا أريد أن أتعرض لأحداث هذه الرحلة العجيبة ،فقد سبق الحديث عنها ،ولكني أريد اليوم -إن شاء الله تعالى- أن أتوقف قليلا عند هذه المشاهد والمرائي التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء هذه الرحلة ،ودلالاتها ،والحكمة منها ،وما نتعلمه من خلال ذكرها ،وإذا ما عرَضْنا لهذه المَرائي التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاوَلنا تصنيفها اسلاميا؛ نجد أنها تتصدَّى أولَ ما تتصدى لطبيعة تلك الدعوة الاسلامية، وأنها دعوةٌ سهلة سمحة يسيرة، لا رهَق فيها ولا إعنات ؛فهي دعوة الفطرة السليمة، والعقل الرشيد، لذلك كان من أهم هذه المرائي والمشاهد : اللَّبن والخمر: فقد روى الإمام مسلمٌ وغيره 🙁عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ – وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ – قَالَ فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ- قَالَ- فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الأَنْبِيَاءُ – قَالَ- ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ – عَلَيْهِ السَّلاَمُ – بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ فَقَالَ جِبْرِيلُ -صلى الله عليه وسلم- اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ..) ،وفي رواية للبخاري :(ثُمَّ أُتِيتُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ ،وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ وَإِنَاءٍ مِنْ عَسَلٍ ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ ،فَقَالَ هِيَ الْفِطْرَةُ أَنْتَ عَلَيْهَا وَأُمَّتُكَ ) ،وفي رواية أحمد : (فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ قَالَ جِبْرِيلُ أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ) ،قال العلماء: الفطرة هنا هي الإسلام وهي الاستقامة ،والمعنى: اخترت يا نبي الله علامة الإسلام والاستقامة ،فاللبن علامة لكونه سهلا طيبا طاهرا سائغا للشاربين ،سليم العاقبة ،لم تتدخل فيه صناعة الانسان فهي فطري، وأما الخمر فإنها أم الخبائث ،وهي جالبة لأنواع من الشر في الحال والمآل ،وهي من صنع الانسان ،وهكذا اختار الله لهذه الأمة الفطرة النقية، وجعلها أخص خصائص دينها، وهدى نبيها صلى الله عليه وسلم إلى الفطرة، فاختار اللبن والفطرة ،فإسلامنا دين الفطرة ،ومن شذّ عن الفطرة شذّ عن الإسلام، قال الله تعالى:(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [الروم: 30]. والفطرة لا يمكن أن تزول، وإنما قد تطمس ،وتغطى بعوارض الكفر والإشراك، فإذا زالت تلك العوارض وموجباتها ،رجع الإنسان إلى فطرته ،فآمن بربه ،وعاد إليه رشده وصلاحه .
أيها المسلمون
ومن المشاهد والمرائي في رحلة الإسراء والمعراج : داعي اليهود ،وداعي النَّصارى: فقد روى البيهقيُّ في (كتاب دلائل النبوة) من حديث أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) ،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بينما أنا أسيرُ إذ دَعاني داعٍ عن يميني: يا محمد، انظرني أسألك، فلم أُجِبه ولم أَقُم عليه. قال جبريل: فذاك داعي اليهود، أمَا إنك لو أجبتَه وأوقفت عليه لتهوَّدَت أمتُك) .. قال: فقلت: (فبينما أنا أسير إذ دعاني داعٍ عن يساري قال: يا محمد، انظرني أسالك، فلم ألتَفِت إليه ولم أقم عليه. قال جبريل: ذاك داعي النَّصارى، أمَا إنك لو أجبتَه لتنصَّرَت أمتُك). وإذا كانت مرئيَّة الخمر واللبن وضَّحَت طبيعة الدعوة الإسلامية؛ فإن في هذه المرئية الجديدة توضيحًا وبيانًا لما يجب أن يكون عليه الداعيةُ إلى الله مِن استقامةٍ على الجادة ،وعدمِ انحِرافٍ عنها قِيدَ أَنمُلة، كما تبين لنا تلك الجهود المضنية التي يبذَلها أعداء الإسلام من اليهود والنصارى في الصد عن دين الله، والقرآنُ الكريم قد أوضحَ في كثيرٍ من آياته البيِّنات تلك الحملات الطائشةَ ،والمحاولاتِ العديدةَ التي بذَلها اليهود والنصارى؛ حتَّى يردوا المؤمنين عن دينهم ما استطاعوا.
ومن المشاهد والمرائي في رحلة الإسراء والمعراج : خطباء الفتنة: فقد رَوى الامام أحمد وغيره : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لَمَّا أُسْرِىَ بِي مَرَرْتُ بِرِجَالٍ تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ. قَالَ فَقُلْتُ مَنْ هَؤُلاَءِ يَا جِبْرِيلُ قَالَ هَؤُلاَءِ خُطَبَاءُ أُمَّتِكَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ » ،وهذه المرئية تتعلق بسُلوك الدعاة، وأنهم لا بد أن تتوافق أفعالهم مع أقوالهم، وأنه إذا انفصلت الكلمة عن السلوك ، وتباينَت عنه ،كان ذلك وحدَه كافيًا للإعراض عن دعوتهم، وعدَم الالتفات إلى أقوالهم، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ *كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2، 3]. وخطباء الفتنة أيضًا هم خُطباء رغبةٍ ورهبة؛ يخشَون الناس، ويطمعون فيما في أيديهم، ويَقولون ما لا يُرضى ،دونما نظرٍ إلى شِرعة الحق ،وسُنَّة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، وأمثلة ذلك كثيرةٌ في واقع المسلمين اليوم؛ مِن تحليلٍ للحرام، وتعطيل لحدود الله، وتزكيةٍ للفاسقين، ومُجالَسة للظالمين. وكلا الصِّنفين علماء سوء ،وخطباء فتنة، ومن ثَم كان عِقابهم أن تُقرَضَ ألسنتُهم وشِفاههم بمقاريضَ من حديد، وأن يستمرُّوا في ذلك العذاب؛ لا يُفتَّر عنهم، وهم فيه مُبلسون.
ومن المشاهد والمرائي في رحلة الإسراء والمعراج : تمثيل الدنيا بامرأة عجوز: فقد روى البيهقيُّ وغيره من حديث أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : (فبينما أنا أسير إذا أنا بامرأة حاسرة عن ذراعيها عليها من كل زينة خلقها الله ، تقول : يا محمد ، أنظرني أسألك ، فلم أجبها ،ولم أقم عليها قال : تلك الدنيا أما إنك لو أجبتها لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة) ، وفي رواية : (رأى في مَسراه عجوزًا على جانب الطريق، فقال: (ما هذا يا جبريل؟) فقال: (أمَّا العجوز التي قد رأيتَ على جانب الطريق فلم يبقَ مِن عمر الدنيا إلا كما بَقي من عُمرِ تلك العجوز). ففي هذه المرئيَّة تنبيهًا إلى قِصَر المدة التي يَعيشها الإنسان في ظلِّ تلك الدعوة ،كما في الصحيحين : (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ » ،فعمر الدنيا قصير، وإقامة الإنسان فيها أقصرُ بكثير ،فإذا ما ضحَّى الإنسانُ بعمره القليلِ ،في سبيل غايةٍ لا تَفنى ،فقَد ضحَّى بالقليل ليَكسَب الكثير، وضحَّى بشيء متوهَّم ،في سبيل نعيمٍ مُتيقَّن، وضحى بزخرُفٍ برَّاق ،في سبيل جنات عرضُها السموات والأرض، قال الله تعالى :﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 14، 15].
ومن المشاهد والمرائي في رحلة الإسراء والمعراج : عَقبة على الطريق: جاء في حديث أبي هريرة أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أتى على خَشبة على الطريق لا يَمرُّ بها ثوبٌ إلا شقَّته، ولا شيءٌ إلا خَرقَته، قال: (ما هذا يا جبريل؟) قال: (هذا مَثل أقوامٍ مِن أمتك يقعدون على الطريق فيَقطعونه) ،ثم تلا: ﴿ وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ… ﴾ [الأعراف: 86]. فإذا كان خُطباء الفتنة شرًّا على مَسيرة الدعوة الإسلامية الراشدة بأفعالهم التي لا تتَّفِق مع ما يَقولون، وبفَتاواهم الزائفةِ التي تُضلُّ الناس، ويَحسَبون أنهم مُهتدون – فإن أولئك الَّذين جاهَروا الدعوة بالعداء، وصَبُّوا ألوانَ العذاب والنَّكال على رؤوس الدعاة، واختَرعوا أو استورَدوا مبادئَ وأضاليلَ قد تَستهوي العامَّة ببريقها، حتى إذا ما تَساقَطوا فيها تساقُط الفَراش أحرقَتهم بلهَبِها، وأكَلَت الأخضر واليابس مِن وسائل عيشِهم ومقوِّمات حياتهم، ولقد عاصَرَت الدعوة الإسلامية الكثيرَ من هذه الأباطيل كالذَّهب الخالص لا تَزيده الفتنةُ إلا نَقاءً في جوهره، وضياءً وصفاء في مظهره؛ قال تعالى: ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [التوبة: 32].
أيها المسلمون
ومن المشاهد والمرائي في رحلة الإسراء والمعراج : رؤية الشياطين: فقد جاء في رواية ابن جَرير عن أنسٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ ليلة أُسري به بشيءٍ يَدعوه مُتنحِّيًا عن الطريق يقول: هَلمَّ يا محمد! فلما سأل جبريلَ عنه قال: (وأما الذي أراد أن تَميل إليه فذاك عدوُّ الله إبليس؛ أراد أن تَميل إليه). وجاء في رواية ابن ماجَهْ وأحمدَ : (فَلَمَّا نَزَلْتُ وَانْتَهَيْتُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَإِذَا أَنَا بِرَهْجٍ وَدُخَانٍ وَأَصْوَاتٍ فَقُلْتُ مَنْ هَؤُلاَءِ قَالَ الشَّيَاطِينُ يُحْرِفُونَ عَلَى أَعْيَنِ بَنِى آدَمَ أَنْ لاَ يَتَفَكَّرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَرَأَتِ الْعَجَائِبُ »، وهذه الرُّؤية توضح لنا عَقبة من العقبات التي تَعترض أمة الإسلام؛ بل ذلك الحجاب الكثيف من الشياطين الذين يَصدُّون عن ذِكر الله عز وجل، قال الله تعالى :﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [فاطر: 6]، تلك هي العداوة الأبديَّة بين إبليسَ وبين دعوة الحقِّ والدعاة إليه؛ فلْينتَبِه الدعاة والمدعوُّون إلى حبائله وشباكه أن تَلفَّهم وتأخُذَ بنواصيهم. ولو أقبَل المؤمنون على ربِّهم ،وجاَهدوا حتى تتخلَّى الشياطينُ عن طريقهم – لانكشَفَت لهم الحجُب، ورأوا العجائب.
ومن المشاهد والمرائي في رحلة الإسراء والمعراج : المجاهدون في سبيل الله: فقد روى ابن جرير وغيرُه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى على قوم يَزرعون في يومٍ ويحصدون في يوم، كلَّما حصَدوا عاد كما كان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا جبريل ما هذا؟) قال: (هؤلاء المجاهدون في سبيل الله؛ تُضاعَف لهم الحسَنةُ بسَبعِمائة ضعف)؛ قال تعالى :﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [سبأ: 39]. فهذه المرئية تشير إلى ما أعدَّه الله عز وجل للمجاهدين مِن جزاء ،وما ادَّخَره لهم من ثوابٍ ،أولئك الذين جاهَدوا في سبيل الله؛ وإعلاءً لكلمته، ونشرًا لدينه؛ فقد جاهَدوا بكلمة صادقة، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله. فعطاء الله الذي لا تَضيع عنده الودائع هو عطاءٌ سابغ، وفضل عظيم، ومِن ثَم كانت صورةُ المجاهدين في سبيل الله – كما رأيتَ – جزاءً يوميًّا؛ كلَّما زرَعوا حصَدوا، وكلما حصدوا نَما الزرعُ ثانية ورَبا، قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [البقرة: 212]؛ وقال تعالى : ﴿ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 195]، وقال تعالى ﴿ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ ﴾ [آل عمران: 198].
ومن المشاهد والمرائي في رحلة الإسراء والمعراج : صورة تاركي الصلاة: فقد جاء في رواية البيهقيِّ وابن جرير عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى على قومٍ تُرضَخ رؤوسُهم بالصخرة كلما رُضِخت عادت كما كانت، ولا يُفتَّر عنهم من ذلك شيء، فقال: (ما هؤلاء يا جبريل؟) قال: (هؤلاء الذين تتثاقل رؤوسُهم عن الصلاة المكتوبة)، يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ [النساء: 103]، ويقول لنبيه صلوات الله وسلامه عليه: ﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾ [الإسراء: 78] ، فكان لِزامًا على هؤلاء الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصلاة، ويُؤْثرون النوم أو الانهِماك في العمل أو السَّمَر مع الرِّفاق – أن تُرضَخ رؤوسُهم بالصخر مرَّات ومرات؛ ما داموا لا ينتَبِهون لنداء الحق، ولا يَستمعون لداعي الله: حيَّ على الفلاح، الصلاة خيرٌ من النوم. بيدَ أن في الصلاة ترويحًا للنفس من أعباء الحياة التي تَأخذ بزِمامها، وتستولي على جميع وِجْهاتها،
أيها المسلمون
ومن المشاهد والمرائي في رحلة الإسراء والمعراج : صورة حمل الأمانة: فقد جاء في رواية البهيقيِّ وابن جَرير عن أبي سعيدٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى على رجل قد جمَع حُزمة عظيمة لا يَستطيع حملها، وهو يَزيد عليها فقال: (ما هذا يا جبريل؟) قال: (هذا الرجل مِن أمتك، يَكون عليه أماناتُ الناس لا يَقدر على أدائها، وهو يَزيد عليها ويُريد أن يحمل عليها، فلا يستطيع ذلك). يقول ربُّ العزة جلَّ علاه: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً ﴾ [الأحزاب: 72]. إن الأمانة فطرةٌ كريمة في الناس غذَّتْها الشريعة الإسلامية بلبان القرآن الكريم والسنة المطهَّرة، كما في الصحيحين : « أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ الْقُرْآنِ ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ »،ولكنها سرعان ما تَزول وتذهب، فقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين 🙁وَحَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِهَا قَالَ « يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الْوَكْتِ ، ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ فَيَبْقَى أَثَرُهَا مِثْلَ الْمَجْلِ ، كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ ، فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا ، وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ ، فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ فَلاَ يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّى الأَمَانَةَ ، فَيُقَالُ إِنَّ فِي بَنِى فُلاَنٍ رَجُلاً أَمِينًا . وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ مَا أَعْقَلَهُ وَمَا أَظْرَفَهُ وَمَا أَجْلَدَهُ . وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ)
ومن المشاهد والمرائي في رحلة الإسراء والمعراج : صورة مانعي الزكاة: فقد جاء في رواية البيهقيِّ وابن جَرير عن أبي سعيدٍ رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى على قومٍ على أقبالهم رِقاع وعلى أدبارهم رِقاع، يَسرَحون كما تسرح الإبلُ والغنم، ويأكلون الضَّريع والزقُّوم، ورَضْفَ جهنَّم وحجارتَها! قال: (فما هؤلاء يا جبريل؟) قال: (هؤلاء الذي لا يؤدُّون صدَقات أموالهم، وما ظلَمَهم الله تعالى شيئًا، وما الله بظَلاَّم للعبيد). فهؤلاء الذين يُقدِّسون أموالهم ويضَعونها في مستَوى كرامتهم وإنسانيتهم – تُعساءُ أذِلاَّء، وفي صحيح البخاري : (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ ،تَعِسَ وَانْتَكَسَ ،وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ )، ومن ثَم حُرِم مانِعو الزكاة في هذه المرئية من ثوبٍ سابغ يَستُر أجسادهم، وإنما الذي نالوه فقط رِقاعٌ على السَّوءتين، وضَريعٌ وزقُّوم ورضفُ جهنم وحجارتها؛ يَأكلونها فتُقطِّع أمعاءهم. هذا ما نالوه من أموالٍ تكَدَّست ومُلئت بها الخزائن، أما الباقي فلِغَيرهم؛ لِمَن ورثوه يُبدِّدونه في مَلاذِّهم وأهوائهم.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( المشاهد والمرائي التي رآها الرسول في رحلة الإسراء والمعراج ودلالاتها)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن المشاهد والمرائي في رحلة الإسراء والمعراج : رأى قبر ماشطة بنت فرعون، ووجد ريحاً طيبة فقال: “يا جبريل، ما هذه الرائحة؟ قال: هذه رائحة ماشطة بنت فرعون وأولادها”. ففي صحيح ابن حبان : (عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مررت ليلة أسري بي برائحة طيبة فقلت ما هذا يا جبريل فقال هذه ماشطة بنت فرعون كانت تمشطها فوقع المشط من يدها فقالت بسم الله فقالت بنت فرعون أبي قالت ربي وربك ورب أبيك قالت أقول له قالت قولي فقالت فقال لها ألك من رب غيري قالت ربي وربك الذي في السماء قالت فأحمي لها نقرة من نحاس وقالت له إن لي إليك حاجة قال وما حاجتك قالت حاجتي أن تجمع بين عظامي وبين عظام ولدي قال ذلك لك لما لك علينا من الحق فألقى ولدها في النقرة واحدا واحدا وكان أهم آخرهم صبي فقال يا أمتاه فإنك على الحق)، كما رأى النبي في رحلته، الهمّازَون اللمًّازون من أمتنا، وأقوام يُقطع من جنوبهم اللحم فيلقمون، فيقال لأحدهم: “كُل كمَا كنت تأكل لحم أخيك”، كما رأى الذين يغتابون قوم لهم أظافر من نحاس، يخمشون بها وجوههم وصدورهم، ففي مسند أحمد : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لَمَّا عَرَجَ بِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ فَقُلْتُ مَنْ هَؤُلاَءِ يَا جِبْرِيلُ قَالَ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ »، ورأى النبي رجالا يأكلون لحما نتنا خبيثا، وبين أيديهم اللحم الطيب النضج، قال: “من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء رجال من أمتك تكون عند أحدهم المرأة بالحلال، فيدعها ويبيت عند امرأة خبيثة حتى يصبح)، فالمؤمن ينأى بمائه أن يضعه إلا في موضعه، فالنفس الهابطة العفنة فإنها لا تبالي أن يكون الفراش طاهرا”. كما رأى النبي صلى الله عليه وسلم، نساءً معلقات من أثدائهن قال: “من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء اللواتي يدخلن على أزواجهن من ليس من أولادهن”، ومن المرائي والمشاهد التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم في رحلة الاسراء والمعراج ما جاء في الصحيحين : قال :(ثُمَّ رُفِعَتْ لِي سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى ،فَإِذَا نَبِقُهَا مِثْلُ قِلاَلِ هَجَرَ ، وَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ قَالَ هَذِهِ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى ، وَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ نَهْرَانِ بَاطِنَانِ ، وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ . فَقُلْتُ مَا هَذَانِ يَا جِبْرِيلُ قَالَ أَمَّا الْبَاطِنَانِ ،فَنَهَرَانِ فِي الْجَنَّةِ ،وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ . ثُمَّ رُفِعَ لِي الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ) ،ورأى شجرة الزّقوم ، ففي صحيح البخاري : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما – (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِى أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ) قَالَ هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ أُرِيهَا رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ .قَالَ (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِى الْقُرْآنِ ) قَالَ هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ)، وفي مسند احمد : (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِىَ بِي لَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَنَظَرْتُ فَوْقَ – قَالَ عَفَّان فَوْقِى – فَإِذَا أَنَا بِرَعْدٍ وَبَرْقٍ وَصَوَاعِقَ – قَالَ – فَأَتَيْتُ عَلَى قَوْمٍ بُطُونُهُمْ كَالْبُيُوتِ فِيهَا الْحَيَّاتُ تُرَى مِنْ خَارِجِ بُطُونِهِمْ قُلْتُ مَنْ هَؤُلاَءِ يَا جِبْرِيلُ قَالَ هَؤُلاَءِ أَكَلَةُ الرِّبَا).
أيها المسلمون
ولقد كان في هذه الرحلة المباركة وما تلاها من أحداث ومواقف حكم إلهيّة عظيمة ، ففي تصديق أبي بكر رضي الله عنه إبرازٌ لأهميّة الإيمان بالغيب والتسليم له طالما صحّ فيه الخبر، وفي ردّة ضعفاء الإيمان تمحيصٌ للصفّ الإسلامي من شوائبه، حتى يقوم الإسلام على أكتاف الرّجال الذين لا تهزّهم المحن أو تزلزلهم الفتن ، وفي تكذيب كفار قريشٍ للنبي – صلى الله عليه وسلم – وتماديها في الطغيان والكفر تهيئةٌ من الله سبحانه لتسليم القيادة إلى القادمين من المدينة ، وقد تحقّق ذلك عندما طاف النبي – صلى الله عليه وسلم – على القبائل طلباً للنصرة ، فالتقى بهم وعرض عليهم الإسلام ، فبادروا إلى التصديق والإيمان ، ليكونوا سبباً في قيام الدولة الإسلامية وانتشار دعوتها في الجزيرة العربية .
الدعاء